مدير مياه تعز يتحدث لـ"المجهر" عن الحلول الجذرية لأزمة المياه بتعز (حوار خاص)

مدير مياه تعز يتحدث لـ"المجهر" عن الحلول الجذرية لأزمة المياه بتعز (حوار خاص)

تعاني مدينة تعز، جنوب غربي اليمن، منذ سنوات من أزمة مياه خانقة فاقمتها الحرب المستمرة منذ العام 2015، والحصار الحوثي المتواصل، ما تسبب في توقف معظم الحقول الرئيسية التي كانت تمد المدينة بالمياه، ومع عودة النازحين والتوسع العمراني، ازدادت الحاجة إلى المياه وسط مصادر شحيحة لا تغطي أكثر من ربع السكان.

في هذا السياق، تتصاعد التساؤلات عن دور المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي في محافظة في مواجهة الأزمة، وذلك من خلال البحث عن حلول طارئة، والتعاون مع منظمات دولية، والعمل على مشاريع استراتيجية مستقبلية قد تكون المنقذ الوحيد للمدينة.

في هذا الحوار الخاص، نلتقي بالمهندس وثيق عبد المولى محمد الأغبري، مدير المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي بمحافظة تعز، للوقوف على تفاصيل الأزمة، وأسبابها، والجهود المبذولة للتغلب عليها.

 

نص الحوار:

 

س: كيف كانت مصادر المياه الرئيسية التي تغذي مدينة تعز قبل اندلاع الحرب؟

قبل الحرب، كانت مدينة تعز تعتمد على أربعة حقول رئيسية تقع خارج المدينة: الحقل الشرقي في منطقة الحيمة، وحبير والحوبان، والحقل الغربي في الضباب، والحقل الشمالي في عصيفرة الحوجلة العامرة.

كما كان هناك حقل إسعافي داخل المدينة. هذه الحقول مجتمعة كانت توفر نحو 21 ألف متر مكعب يوميًا من المياه للمدينة.

ولكن منذ عام 2015، ومع اندلاع الحرب، توقفت هذه الحقول بشكل كامل نتيجة وقوعها خارج المدينة، مما أدى إلى انقطاع كلي للمياه.

 

س: ما الذي فعلته المؤسسة بعد توقف تلك الحقول؟

في بداية عام 2016، بدأت المؤسسة بإعادة تشغيل الحقل الإسعافي داخل المدينة بشكل جزئي، وهو يضم مجموعة من الآبار.

في الفترة من 2015 حتى 2021، تم تشغيل 21 بئرًا، وكان إنتاج هذا الحقل يصل إلى حوالي 1500 متر مكعب يوميًا فقط، وهي كمية ضئيلة مقارنة بالإنتاج السابق.

 

س: هل تم تعزيز مصادر المياه بعد ذلك؟

نعم، منذ عام 2021، وجهت المؤسسة عدة مناشدات للمنظمات الإنسانية والجمعيات الخيرية لحفر آبار جديدة.

استجابت الجمعية الكويتية وبعض المؤسسات المحلية، ليصل عدد الآبار إلى 29 بئرًا حتى عام 2025، وارتفع إنتاج المياه إلى 3200 متر مكعب يوميًا.

لكن مع عودة النازحين والتوسع العمراني، ازداد الضغط على المؤسسة وتضاعف الاستهلاك، فيما تغطي المياه حالياً أقل من 25% من سكان المدينة.

 

س: ما الأسباب الجذرية للأزمة الحالية؟

 

أزمة المياه في تعز ليست وليدة الحرب فقط، بل هي أزمة متجذرة منذ التسعينيات، نتيجة ظروف جيولوجية وهيدروجيولوجية وطبوغرافية خاصة بالمنطقة.

خلال الحرب، اعتمدت المدينة على مصدرين فقط: المياه المستخرجة من داخل المدينة عبر شبكة المؤسسة، وآبار الضباب التي كانت تزود صهاريج المياه.

 

س: ما تأثير تأخر موسم الأمطار في العام 2025؟

تأخر موسم الأمطار هذا العام تسبب في جفاف العديد من الآبار، خاصة في منطقة الضباب، ما أدى إلى نضوبها، وهو ما فاقم الأزمة بشكل كبير، خاصة أن الآبار السطحية في الضباب تعتمد على تغذية موسمية من مياه الأمطار.

 

س: هناك من يتهم الآبار الارتوازية بتجفيف الآبار السطحية. ما ردكم؟

لا توجد حاليًا أي آبار ارتوازية عميقة قيد التشغيل في الضباب تم حفرها من قبل المؤسسة. وبالتالي، لا تأثير لها على الآبار السطحية.

الآبار السطحية تتجدد تغذيتها من السيول الناتجة عن الأمطار. إذا سقطت أمطار كافية، فستعود الآبار السطحية إلى العمل بشكل طبيعي.

 

س: هل الأمطار كانت تغطي عجز الدولة في توفير المياه؟

بالفعل، كثير من سكان المدينة يعتمدون على خزانات أرضية تتجمع فيها مياه الأمطار، ما يخفف الضغط على المؤسسة.

مياه الأمطار تسهم أيضًا في تغذية الآبار السطحية التي تمد المدينة بمياه الضباب.

 

س: هل هناك حلول حقيقية قيد التنفيذ لحل أزمة المياه؟

الحلول الحالية كلها حلول طارئة. الحل النهائي الوحيد يتمثل في مشروع تحلية مياه البحر.

لكن لا يمكن الانتظار سنوات لتنفيذه بينما الناس تموت عطشًا. لذا نعمل على حلول مؤقتة للتخفيف من الأزمة.

 

س: ثمة من يرى أن أزمة المياه نتيجة صراع سياسي بين السلطة المحلية وسلطات عليا. ما تعليقكم؟

الأزمة نتيجة الحرب وتوقف حقول المياه خارج المدينة، وهي أزمة تراكمية مثل أزمة الطرق سابقًا. 

الفارق أن الطرق يمكن الوصول إليها عبر بدائل، بينما المياه إذا انقطعت فلا توجد بدائل حقيقية.

 

س: ما آخر ما توصلتم إليه بشأن استئناف المياه من الحوبان والحوجلة والعامرة؟

تم توقيع اتفاقية قبل أسبوع بين المؤسسة ومنظمة اليونيسف والمنسق الإنساني بشأن عودة المياه من تلك المناطق إلى المدينة.

لكنها ستأخذ وقتًا، لأن تنفيذها يتطلب ترتيبات فنية وميدانية.

 

س: هل توجد مخاطر تعيق تنفيذ هذه المشاريع؟

بالتأكيد هناك مخاطر، لكننا نعمل على معالجتها. تم تشكيل فرق فنية من المؤسسة في المدينة والحوبان لإعداد مصفوفة المشاريع، ونتوقع تنفيذها وحل الإشكالات بإذن الله.

 

س: ماذا عن مشروع طالوق؟

مشروع طالوق أو مشروع الشيخ زايد بن سلطان، كان متوقفًا منذ ست إلى سبع سنوات. وقد تم إعادة إحيائه مؤخرًا.

ووقعت اتفاقية بين اللجنة المجتمعية في جبل حبشي والمؤسسة والسلطة المحلية لاستئناف المشروع دون الإضرار بالأهالي، وسيتم حفر الآبار في المناطق المستهدفة لخدمة المدينة والريف.

 

س: هل يؤثر المشروع على آبار منطقة جبل حبشي وطالوق؟

المنطقة تعتمد على آبار سطحية، وقد تأثرت بالفعل بسبب الجفاف.

المشروع الجديد يقوم على حفر آبار ارتوازية مع اتخاذ إجراءات لمعالجة تأثيرها على الآبار السطحية حتى لا تتضرر المنطقة.

 

س: ماذا عن محطات التحلية الخاصة؟ هل أصبحت بديلاً عن الدولة؟

محطات التحلية لا تتبع المؤسسة، بل تخضع لمكاتب أخرى مثل مكتب الصناعة والتجارة وهيئة المياه.

دور المؤسسة فقط مساعد في التخفيف من الأزمة، وقد زودت المحطات بما يقارب 5 ملايين لتر من المياه من حصة المواطنين.

 

س: كيف يمكن إصلاح شبكة المياه الداخلية في المدينة؟

لا يمكن إصلاح الشبكة ما لم يتوفر مصدر للمياه. وجود المياه هو أول شرط، بعدها يمكن تقييم الشبكة وصيانتها.

من دون ماء، لا يمكن حتى معرفة مدى تهالك الشبكة.

 

س: ما مصير مياه الشرب التي تقدمها مؤسسة الشيباني؟ ومن يديرها؟

مؤسسة الشيباني قدمت مياه محلاة، يتم توزيعها عبر المديريات. المؤسسة المحلية للمياه لا علاقة لها بهذه المياه، لكننا نقدم المساعدة في تزويد المديريات بصهاريج المياه بشكل يومي بسبب عدم امتلاكها وسائل توزيع كافية.

ختامًا، تبدو أزمة المياه في تعز أكبر من مجرد انقطاعات أو جفاف موسمي، بل هي أزمة بنيوية تتطلب حلولاً استراتيجية. 

في ظل غياب مشروع وطني كبير كتحلية مياه البحر، ستظل المؤسسة ومعها المواطنون يراوحون مكانهم بين جهود محدودة وأمل مؤجل.