تحليل : هل تنجح واشنطن في فك لغز المنظومة الأمنية للحوثيين؟

تحليل : هل تنجح واشنطن في فك لغز المنظومة الأمنية للحوثيين؟

اعتبر تحليل حديث لمركز اليمن والخليج للدراسات أن الولايات المتحدة تواجه تحديًا غير مسبوق في محاولاتها لاختراق المنظومة الأمنية للحوثيين، متسائلا عما إذا كانت واشنطن تمتلك القدرات الاستخباراتية والعسكرية المطلوبة لاستهداف القيادات الحوثية بدقة وفعالية.  

وأضاف المركز أن التاريخ الاستخباراتي الأمريكي مليء بالإنجازات المتمثلة في "اصطياد قادة الإرهاب"، بدءاً من أسامة بن لادن وصولاً إلى أبو بكر البغدادي، ومن ناصر الوحيشي إلى قاسم سليماني.

لكنه قال بأن الحوثيين يمثلون معضلة استراتيجية خاصة، حيث يتمتعون بقدرة فريدة على التمويه والمناورة، مما يجعل من الصعب إلحاق الهزيمة بقياداتهم رغم عشر سنوات من الحرب الجوية.

وبحسب التحليل فقد طوّر الحوثيون على مدار العقدين الأخيرين، منظومة أمنية معقدة، تجمع بين الأساليب التقليدية والتقنيات الحديثة، مكونة من طبقات حماية متعددة، ما يجعلها أكثر قوة من أي وقت مضى.

ومن خلال ذلك، نجحت الجماعة المدعومة من إيران في التحول من ميليشيا سرية إلى كيان شبه دولتي يمتلك شبكة أذرع استخباراتية وأمنية متطورة، قادرة على إفشال أي محاولات لاختراقها.

ومع استمرار الضربات الأمريكية على مواقع الحوثيين، يبقى السؤال الحاسم: هل نجحت واشنطن في تطوير استراتيجية فعالة لتفكيك المنظومة الأمنية للحوثيين، أم أن هذه الجماعة ستثبت مجدداً قدرتها على الصمود والتكيف كما فعلت في السنوات الماضية؟

 

المنظومة الأمنية

 

تمثل المنظومة الأمنية الحوثية حالة فريدة من نوعها، تستحق الدراسة الدقيقة، في وقت تنهار فيه أنظمة الأمن لجماعات إرهابية أخرى مثل القاعدة وداعش أمام تقنيات الحرب الحديثة.

وقد تمكن الحوثيون من بناء نظام حماية متطور يدمج بين البدائية والتقنيات المتطورة، وتدعمها تحصينات جغرافية ومساعدات إيرانية.

في شمال اليمن، وتحديداً في صعدة وعمران وحجة، تتحول الجبال الوعرة إلى حصون طبيعية توفر للحوثيين ملاذات آمنة، حيث أن شبكة من الأنفاق والملاجئ المتطورة تجعل من الصعب على الاستخبارات الحديثة رصد تحركاتهم.

وتشير التقارير إلى وجود أكثر من 500 موقع تحت الأرض، مع أنفاق تمتد لمئات الكيلومترات، مما يضع تحدياً هائلًا أمام أي عمليات استخباراتية.

 

الاتصالات والتجسس

 

استغل الحوثيون هيمنتهم على بنية الاتصالات في اليمن، حيث تمكنوا من التحكم الكامل في شبكة "تليمن" للهاتف المحمول. استفادوا من الدعم الإيراني لتطوير أنظمة اتصال مشفرة جعلت من الصعب اختراق شبكاتهم.

كما أن الجهود الاستخباراتية تتعرض لعرقلة شديدة بسبب هذه الأنظمة المتقدمة، التي تشمل استخدام أنظمة التشفير مثل "فاتم" التي توازي أنظمة حزب الله.

وفي مجال مكافحة التجسس؛ طور الحوثيون واحدة من أكثر أنظمة المكافحة قسوة في المنطقة، مع محاكمات سريعة وإعدامات لمن يشتبه بتعاونهم مع الأعداء.

كما تمثل شبكة من المخبرين المنتشرة في القرى والمديريات في محاصرة أي محاولة اختراق، بالإضافة إلى ذلك، أنشأت جماعة الحوثيين وحدات متخصصة لمراقبة المكالمات والرسائل.

 

سيناريوهات محتملة

 

منذ بدء الحملة العسكرية ضد الحوثيين، نفذ التحالف العربي والولايات المتحدة آلاف الضربات الجوية. إلا أن النتائج كانت محدودة، حيث لم ينجحوا في اختراق المنظومة الأمنية إلا في مناسبات نادرة، مثل استهداف صالح الصماد في 2018.

وتواجه واشنطن تحديات كبيرة في جمع معلومات دقيقة عن القيادات الحوثية، ومنها غياب المصادر البشرية الموثوقة، والتأخر في اتخاذ موقف حازم بعد استهداف الحوثيين للسفن الإسرائيلية في البحر الأحمر.

في المقابل، قد الضربات الأمريكية في تقليص فعالية القوات الحوثية على المدى القصير، لكنها تبقى بعيدة عن تحقيق أهداف استراتيجية طويلة المدى، مثل القضاء على القيادة الحوثية.

وتظل استهدافات الشخصيات الكبرى، مثل عبد الملك الحوثي، في غاية الصعوبة، نظراً للتحصينات الأمنية وأساليب التمويه المتطورة.

وفي حال فشل الضربات الحالية في إحداث تأثير حاسم، قد تتجه واشنطن إلى التصعيد العسكري، مثل تنفيذ ضربات أكثر دقة وزيادة نطاق الهجمات، وفق التحليل. 

إلى ذلك، يرى مركز اليمن والخليج للدراسات أن الحالة الحوثية تشبه لعبة "دمى ماتريوشكا"، حيث يكتشف الأمريكيون في كل مرة طبقة جديدة من التحصين كلما اقتربوا من الهدف.

ورغم التحديات، فإن المؤشرات الحالية تشير إلى أن الطريق إلى رأس عبد الملك الحوثي سيكون أطول وأكثر وعورة مما توقعت واشنطن، رغم مواردها اللامحدودة.