عاجلعاجل

تعز: المجاعة تهدد أكبر مدن اليمن كثافة سكانية (تقرير خاص)

تعز: المجاعة تهدد أكبر مدن اليمن كثافة سكانية (تقرير خاص)

يعد انعدام الأمن الغذائي في العام 2024 إحدى أكبر التحديات الإنسانية التي تواجه مدينة تعز ذات الكثافة السكانية الأكبر والأكثر دمار وخرابا وترديا معيشيا وصحيا وخدميا في اليمن.

ورغم أن هذه المدينة الواقعة جنوب غرب البلاد تعيش منذ عدة أعوام وضعا إنسانيا كارثيا جراء الحصار الذي تطبقه جماعة الحوثيين على المدينة منذ منتصف العام 2015 حسب تصنيفات المنظمات الأممية والرواية الرسمية للحكومة المعترف بها دولياً وكذلك السلطات المحلية، إلا أن الوضع الإنساني وغيره يتجه هذا العام نحو المزيد من التردي, وفق مراقبون.

 

شبح المجاعة

 

يطرق شبح المجاعة هذا العام باب المدينة المحاطة بسلسلة جبلية طويلة وهي بذلك تدفع ثمناً باهظاً بفعل استمرار إغلاق منافذها الرئيسية من قبل جماعة الحوثيين وذلك أسوة بعدد من المدن اليمنية التي قطعت الجماعة الانقلابية شرايينها للعام التاسع على التوالي إلا أن معاناتها ومأساتها الإنسانية تختلف عن غيرها من المدن المحررة من سطوة الحوثيين .

ويرى سكان محليون أن مدينة تعز تعاني تبعات الإهمال المتعمد من قبل الحكومة المعترف بها دوليا ولا تحظى باهتمام كامل كغيرها من المدن الواقعة ضمن نفوذ الحكومة, حد وصفهم.

وأضافوا في حديثهم لـ"المجهر" أن العديد من القطاعات بما فيها الخدمية تعتمد على التمويل الشحيح والمتقطع للسلطات المحلية وكذلك دعم المنظمات الأممية والدولية وهي الأخيرة قلصت مساعداتها أو أوقفتها بحجة نقص أو عدم توفر التمويل.

 

شحة التمويل

 

يؤكد مدير مكتب التخطيط والتعاون الدولي بمحافظة تعز نبيل جامل أن التحدي الأكبر هو في فجوة التمويل وخصوصا التمويلات التي تواجهها المنظمات الدولية لتوفير الاحتياجات الضرورية من غذاء ودواء لمحافظة تعز المحاصرة.

 ويضيف جامل في تصريح خاص لـ"المجهر" أن التحديات الإنسانية بمحافظة تعز تشمل أهم القطاعات ويتصدرها قطاع الأمن الغذائي والتي صنفت من قبل برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الفاو ضمن المحافظات التي تقع على حافة المجاعة.

 وتشهد تعز موجة عودة كبيرة للنازحين حيث يفوق اجمالي العائدين نصف مليون شخص هم بحاجة لتوفير كافة الخدمات من غذاء ودواء ومأوى ومتطلبات أخرى ما يترتب على ذلك تبعات إنسانية خصوصاً في ظل التحدي الاقتصادي والذي يعد الأكبر في نظر جامل.

ويشير نبيل جامل إلى أن من أهم مؤشراته التدهور الحاد في قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الاجنبية وتوقف صادرات الدولة من أهم مواردها وهي النفط والغاز وكل هذا يلقي بظلاله أو تداعياته على المواطن البسيط واحتياجاته الضرورية.

 

انعدام فرص العمل

 

وتكبر اليوم حجم الفجوة بين دخول الناس وانعدام فرص الأعمال الأخرى لتحسين الدخل كما أن المنتج يكاد يكون شبه منعدم في المحافظة محاصرة وتعاني صعوبة شديدة في قضية الوصول كما تعاني من تهدم البنية التحتية على مستوى كافة القطاعات الثلاثة في تعز حيث لا يوجد فيها كهرباء للعام السادس ولا تصل المياه بشكل منتظم إلى المنازل.

وتعترض المحافظة مخاطر متعلقة بانتشار سوء التغذية في قطاع الصحة وشحة الادوية ومادة الديزل اللازمة لتشغيل مولدات الطاقة في المستشفيات وإسعاف مراكز غسيل الكلى وهي تحديات تلقي بظلالها على سكان هذه المحافظة والتي تعاني من شحة الموارد حيث بلغت إيراداتها في العام 2023 خمسة مليار ريال وهو مبلغ بسيط في نظر مسؤولين محليين.

كما برز مؤخرا تحدي آخر لم يكن في الحسبان حيث صرفت الحرب في أوكرانيا والسودان وقطاع غزة نظر المانحين والمنظمات الأممية والدولية باتجاه اخر وسط مخاوف رسمية من أن تصبح القضية اليمنية منسية سواء على الجانب الإنساني أو السياسي، وهذا تحدي اخر يضاف إلى قائمة التحديات.

ويتوقع مسؤولون حكوميون أن يكون العام 2024 من أسوأ الأعوام التي قد تمر على اليمن عموما وتعز خصوصا, وهذا يعني وجود بعض الفرص الضئيلة التي قد تحسن من الوضع خصوصا مع  وجود توجه حقيقي لدعم هذه المحافظة واعطائها أولوية من قبل المنظمات الدولية, بحسب جامل.

 

خطة التنمية المستدامة

 

وتجري الترتيبات لبدء تنفيذ خطة التنمية والاقتصادية والاجتماعية في تعز والتي تهدف نحو الانتقال من مرحلة المشاريع الاغاثية الطارئة إلى المستدامة كما تقوم على أربع ركائز هي الحوكمة والأمن والسلام والخدمات والتمكين الاقتصادي.

وتعد الخطة التي أعدتها المنظمات الأممية بالتعاون مع السلطة المحلية في تعز بمثابة خطة برامجية تحوي العديد من البرامج والمشاريع والتي ستمول من قبل المنظمات التابعة للأمم المتحدة , كما أن تنفيذها سيتم بالشراكة مع العديد من الجهات وسيحدث التعافي المأمول في المحافظة.

واختارت المنظمات الأممية قبل عدة أشهر تعز من بين عدة محافظات لتطبيق نموذج العمل المستدام خلال الأعوام 2024 -2026 لاعتبارات عدة ومهمة في نظر السلطات المحلية والتي تتابع النقاشات والترتيبات اللازمة لتدشين تنفيذ خطة التنمية, وفق مصادر مطلعة.

وفي السياق, فإن الحديث عن خطة التنمية قد لا يكترث له المواطن البسيط في محافظة تعز حيث يعطي المواطن عبدالله أحمد أولوية للحديث عن توفير المتطلبات الغذائية البسيطة لأفراد أسرته الستة.

ويذكر المواطن أحمد في حديثه لـ"المجهر" أجد صعوبة شديدة في توفير لقمة العيش مما اضطرني إلى تقليص عدد الوجبات والاعتماد على بعض المتطلبات البسيطة في الوجبات المتاحة يومية والتي لا تتعدى وجبتان مكونة من الرغيف والزبادي والسحاوق المعد من الطماطم والفلفل.

ويعد حديث أحمد وغيره من سكان المدينة مؤشر كبير لوجود اختلالات في جانب الأمن  اﻟﻐﺬاﺋﻲ، والذي تعرفه منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو) بـ "توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين للوفاء باحتياجاتهم بصوة مستمرة من أجل حياة صحية ونشطة".

 

غلاء المعيشة

 

وأضحى توفير الغذاء الكافي والصحي أمر بعيد المنال عن مئات الأسر في تعز, فيما تواجه سكانها جملة من التحديات أبرزها غلاء المعيشة وانهيار الخدمات وارتفاع معدلات الفقر والمرض والبطالة و تكاليف التنقل والنقل وانهيار قيمة العملة المحلية والانقسام النقدي في البلاد وتقليص المساعدات الغذائية من قبل المنظمات الانسانية وكذلك أزمة الملاحة البحرية والهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر والعربي واعاقة عملية استئناف تصدير النفط والغاز من قبل الحكومة المعترف بها .

ويرفع ذلك من منسوب الغلاء والفقر كما يوسع رقعة المعاناة و دائرة الاحتياجات وأعداد المحتاجين للمساعدات الإنسانية وعلى رأسها الغذاء وفق خبراء الاقتصاد, كما تفاقمت أزمة الغذاء بفعل استمرار الحصار الحوثي المطبق على المدينة.

يعتقد الناشط المجتمعي وعضو تكتل حركة الجياع في تعز فيصل العسالي أن إغلاق الحوثيين للطرق الرئيسية المؤدية من وإلى المدينة أودى إلى زيادة تكاليف التنقل ووقت وأجرة النقل لبعد الطرق البديلة ووعورتها ومخاطرها.

 ويوضح العسالي في حديثه لـ"المجهر" أن ذلك تسبب أيضا في انقطاع بعض الموظفين والعمال والمزارعين عن أعمالهم ومصادر رزقهم الواقعة في مناطق سيطرة الحوثيين.

ويؤكد "تسبب ذلك في انقطاع الدخل لدى هؤلاء وعرضهم لأزمة معيشية  ومن ناحية اخرى تأثر سكان مدينة تعز بالوضع العام الذي تعيشه المحافظات التابعة للحكومة الشرعية حيث يتواصل فيها تدهور العملة الوطنية بشكل مخيف ما يؤدي إلى ارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية وغيرها".

 

أزمة كبيرة

 

يتزامن تدهور قيمة الريال المحلي مع انعدام فرص العمل وتوقف أغلب المؤسسات والورش والمحلات والمنشآت التي كانت تعمل في سنوات ما قبل الحرب جراء تعرضها للقصف والدمار أو وقوعها في مناطق التماس أو افلاسها.

ويجرى ذلك في ظل صمت الحكومة الشرعية والمكونات الحزبية التي كان ينبغي أن يكون لها دور في التحرك والضغط على الحكومة للضغط على التحالف من اجل دعم العملة المحلية ووقف انهيارها لما من شأنه أن يخف من الازمة الغذائية التي يعيشها السكان في تعز وبقية المحافظات التابعة للسلطة الشرعية, وفق مراقبين.

ويثير الوضع الإنساني في اليمن والذي يشهد أسواء وأخطر أزمة انسانية على مستوى العالم مخاوف وقلق المنظمات الأممية والدولية المعنية بالشأن الإنساني والإغاثي إذ تدق أجراس الخطر سنويا وتتوقع في مثل هذا التوقيت وقوع عدد آخر من السكان في قائمة الاشد احتياجا وهذا أمر مبرر كون تلك المنظمات تحشد من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من المنح الخارجية لتنفيذ أنشطتها في البلاد والتي تشهد حربا متواصلة منذ العام 2015.

ويرى الخبير الاقتصادي مصطفى نصر أن اليمن يواجه فعلا أزمة إنسانية كبيرة وهناك فئات مجتمعية تعاني من حالة الفقر الشديد والعوز وهي بحاجة ماسة للمساعدات ولكن اذا عدنا إلى تصريحات الفاو في العام الماضي والأعوام السابقة سنجدها تتطابق وتنطلق من ذات الارضية التي تدق ناقوس الخطر.

ويضيف نصر في حديثه لـ"المجهر" أن هناك سوء تغذية حاد لدى الآلاف من الأسر ومئات الآلاف من الأطفال وتعد تعز واحدة من المحافظات التي تعاني من هذه المشكلة, ويتطلب الأمر أن يكون هناك تركيز أكثر على الحد من هذه الأزمة, ومن المهم العمل وفق ما تطلبه خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في تعز والتحول من العمل الإغاثي إلى التنموي.

ويشير مصطفى نصر وهو رئيس مركز الدراسات والإعلام الإقتصادي (منظمة محلية مستقلة) إلى أن جهود الاغاثة لعبت دورا في تخفيف الأزمة الإنسانية لكنها لم تعالج المشكلة بدليل أن الأرقام التي تعلنها وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تتصاعد أكثر, وبالتالي من المهم اختيار نموذج التحول نحو العمل التنموي والمستدام .