المجهر- تحليل خاص
في الأول من أغسطس/ آب الجاري كشفت وكالة رويترز نقلا عن مصادر سعودية اعتزام المملكة تقديم دعم للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، لإنقاذ اقتصاد البلاد المتعثر، في ظل توقف صادرات النفط، وشحة الموارد المحلية، الأمر الذي جعل الموازنة العامة تواجه تحديا حقيقيا، وباتت الحكومة عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها.
وتلى ذلك إعلان السعودية عبر وكالة الأنباء الرسمية "واس" تقديم دعم جديد للمجلس الرئاسي وحكومته بمنحة مالية بلغت قيمتها مليار 200 مليون دولار، حيث وقع السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر اتفاق المنحة الجديدة مع وزير المالية في الحكومة اليمنية سالم بن بريك.
والخميس، أكد البنك المركزي اليمني في بيان نشره على موقعه الرسمي، دخول مليار ريال سعودي (ما يقارب 267 مليون دولار) إلى حسابات البنك كدفعة أولى من دعم الموازنة العامة للدولة، مشيرا إلى أن الدعم السعودي الذي جاء في مرحلة صعبة واستثنائية سيمكن الحكومة من تجاوز كثير من الاختناقات والوفاء بالعديد من الالتزامات الضرورية والملحة.
إشادات واسعة
لاقت المنحة السعودية ترحيبا كبيرا من قبل مجلس القيادة الرئاسي والحكومة المعترف بها، حيث اعتبرها الرئيس العليمي رسالة حاسمة لجماعة الحوثيين بأن الشعب اليمني ليس وحده، وأنه يتحتم على الجماعة المتمردة الانحياز لخيار السلام العادل.
وقالت الحكومة المعترف بها، إن الدعم يأتي "استجابة لطلب الحد من تداعيات الهجمات الإرهابية الحوثية على الموانئ النفطية، ولدعم العملة الوطنية".
وأوضحت الحكومة ان المنحة السعودية الجديدة تهدف إلى رفع القوة الشرائية للمواطن وتمكين البنك المركزي من توفير العملة الصعبة للواردات الغذائية، المشتقات النفطية.
من جهته، اعتبر رئيس مجلس الشورى اليمني، أحمد بن دغر، أن المنحة السعودية جاءت في وقتها، مشيرا إلى أن" الشعب اليمني يعاني من ويلات الانقلاب الحوثي وعنصرية قادته، وتدهور الحالة المعيشية للمواطنين" بحسب تغريدها نشرها في حسابه على منصة (تويتر).
في المقابل قلل الحوثيون من جدوى الدعم السعودي للبنك المركزي في عدن، معتبرين ذلك خطة لإضعاف الاقتصاد أكثر في مناطق سيطرة الحكومة، حد وصفهم.
منحة لا وديعة
يرى الخبير والمحلل الاقتصادي وحيد الفودعي أن كون الدعم السعودي الأخير منحة وليست وديعة، سيؤثر إيجابا على سعر الصرف وقد يعود إلى وضعه الطبيعي، ويستفيد منها المواطن بشكل كبير من خلال مردودها على الاقتصاد واستقرار الأسعار.
ويضيف الفودعي في منشور له على منصة «فيسبوك» بأن المنحة ستغطي الموازنة لمدة عام، ما يعني أنها ستتجدد سنويًا إلى حين استئناف تصدير النفط، وهي خطوة تقطع الطريق على اتخاذ توقف صادرات النفط ذريعة للتبرير عن استمرار هشاشة الوضع الاقتصادي.
ويوضح بأن تحويل المنحة على دفعات إلى البنك المركزي اليمني لا يقلل من أهميتها، لافتًا إلى أنها ستدعم النفقات (ماليا) والمزادات (نقديا)، حد قوله.
فيما يعتقد الصحفي الاقتصادي محمد الجماعي أن المنحة السعودية على قدر التحدي، وإن جاءت متأخرة، موضحًا أن هذا هو الجواب الصحيح لعنتريات الحوثي، وتدليل المفاوض الدولي الذي لم يأتِ لإيقاف الحرب وصناعة السلام.
ويؤكد الصحفي الجماعي في منشور له على منصة (فيسبوك) بأن المنحة السعودية سيكون لها دور كبير على الاقتصاد الوطني من حيث توقيتها، أو الحاجة إليها، لتعويض نقص الموارد النفطية، وكونها منحة وليست وديعة، بمعنى أنها لن تضيف أعباء مالية كأرباح أو فوائد.
ويشير إلى أن هذه المنحة من شأنها أن تسند السياسة النقدية للبنك المركزي، والتي اتسمت مؤخرا بالثبات وعدم اللجوء إلى المصادر التضخمية لتمويل الانفاق الحكومي، الأمر الذي سينعكس ايجابا على المواطنين من خلال تراجع أسعار الصرف، واستقرار أسعار السلع، حد وصفه.
ويضيف الجماعي " من نتمناه هو التعامل الإيجابي أيضا من قبل وسائل الإعلام التي يجب أن تحارب إلى جانب الحكومة ومصرفها المركزي كافة الشائعات التي يمولها المضاربون، ومن خلفهم الحوثيين لزعزعة ثقة السوق والمستهلك بالإجراءات الحكومية".
حلول مؤقتة
على الرغم من أهمية المنحة السعودية كونها تأتي في أوضاع حرجة يشهدها الاقتصاد اليمني، وضغوطات مالية متفاقمة بفعل توقف تصدير النفط الخام منذ أكتوبر/ تشرين أول الماضي، وشحة الموارد المحلية للحكومة، إلا أنها حل مؤقت لتفادي انهيار الوضع الاقتصادي في البلاد.
يقول الصحفي الاقتصادي وفيق صالح في تصريح خاص لـ«المجهر» : "ستعمل هذه المنحة بشكل مؤقت على تحقيق التوازن في سعر الصرف، والحفاظ على المستوى العام للأسعار، ومنع حدوث اختناقات تموينية أو أي أزمات في الأسواق".
ويضيف " هذه المنحة في الوقت الراهن تساعد الحكومة على القيام بمهامها في دفع رواتب الموظفين والإنفاق على الخدمات، وتوفير العملة الصعبة اللازمة لاستيراد المشتقات النفطية، وكذلك تحقيق الاستقرار في أسعار الصرف".
ويعتقد الصحفي الاقتصادي وفيق صالح بأن الاقتصاد الوطني في الوضع الراهن بحاجة إلى خطط أكثر شمولية، وحلول دائمة عبر تمكين الحكومة من استئناف تصدير النفط الخام والغاز المسال، والسيطرة على الموار المحلية، ووضع إصلاحات سريعة في المؤسسات الإيرادية، وتفعيل الأجهزة الرقابية على كافة نفقات الحكومة.
"الرقابة" وترشيد الإنفاق
الثلاثاء الماضي، شدد تعميم صادر عن مجلس القيادة الرئاسي على إلغاء أي تفويضات بالصرف من موازنة الدولة، أو موازنة الجهات، وأن يقتصر الصرف على المخولين قانونيا، الوزير أو نائبه، المحافظ أو نائبه، رئيس الجهاز أو نائبه، إلى جانب ممثلي وزارة المالية بذات الجهات.
وأوضح التعميم الرئاسي بأنه في الحالات الاستثنائية يجوز التفويض لأحد قيادات المرفق غير الإستشارين لفترة مؤقتة لا تتجاوز أسبوعين، ولسقف محدد، وللأغراض الضرورية كالمرتبات وبموافقة رئيس الوزراء.
وتضمنت التوجيهات الرئاسية ابلاغ البنك المركزي بتشديد آلية الصرف حسب التوجيهات، فيما تقوم وزارة الخدمة المدنية والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بدورهما في مراقبة الالتزام بتنفيذ ما جاء في التعميم الرسمي.
في ذات السياق، دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي عبدالله العليمي، الحكومة إلى "ترشيد الإنفاق وتصحيح الاختلالات، وتقديم نموذج عمل شفاف يجعل من المنحة السعودية وغيرها مؤثرًا وفاعلا ينعكس بالخير على كل أبناء اليمن".
وأكد عضو المجلس الرئاسي في تغريدة نشرها بحسابه على منصة «تويتر» أن المسؤولية مضاعفة، معتبرًا أن ترشيد الإنفاق وتصحيح الاختلالات ضرورة ملحة لتحقيق أقصى فائدة للاقتصاد الوطني، حد قوله.
وبين هذا وذاك، فإن أي خطوات لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وإصلاح الاختلالات تتطلب جهودا مكثفة لترشيد الإنفاق الحكومي، والعمل على تأمين مصادر مستدامة من لنقد الأجنبي للبنك المركزي، وتفعيل الموازنة العامة للدولة، وأدوات السياسة النقدية، إلى جانب حشد الدعم الإقليمي والدولي للحكومة في كافة الجوانب، وفق مراقبين.
اقرأ أيضا: اليمن: انهيار متسارع للعملة الوطنية في ظل الحديث عن تغييرات سياسية مرتقبة (تحليل)