المجهر- عابد محمد
مطلع أغسطس/ آب الماضي أعلنت المملكة العربية السعودية تقديم منحة مالية للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا بقيمة مليار و 200 مليون دولار كدعم للبنك المركزي في عدن، بالتزامن مع ترنح اقتصاد البلاد بفعل استمرار الحرب وتوقف صادرات النفط بسبب تهديدات جماعة الحوثيين.
واشترطت السعودية على الحكومة اليمنية المضي في جملة من الإصلاحات الاقتصادية منها صرف الرواتب عبر البنوك المعتمدة وترشيد الإنفاق الحكومي وتنمية الموارد المحلية، والحفاظ على استقرار قيمة العملة الوطنية من خلال ثبات مخزون النقد الأجنبي لدى البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن.
بعد ثلاثة أشهر، ومنذ مطلع نوفمبر/ تشرين ثان الجاري شهدت العملة الوطنية انهيارا تاريخيا، وفقدت الكثير من قيمتها أمام العملات الأجنبية، حيث تخطى الدولار الواحد حاجز 1500 ريالا، وأدى ذلك إلى زيادة في السلع بنسبة 30% في ظل اقتصاد هش وأزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم بفعل الحرب المستمرة منذ أكثر من تسع سنوات.
أزمة حادة
أفاد صدر حكومي لـ"المجهر" أن التدابير التي اتخذتها الحكومة لتلافي أزمة توقف صادرات النفط لم تسهم في تعزيز النمو الاقتصادي، بل فرضت تحديات أكبر عليها بشأن استمرار وتعزيز الخدمات العامة الأساسية.
وأكد المصدر أن الحكومة تواجه أزمة مالية خانقة مع استمرار توقف تصدير النفط، نتيجة استهداف الحوثيين موانئ التصدير منذ أكثر من عام، إضافة إلى تراجع عائدات ميناء عدن بنسبة تجاوزت 60 بالمائة.
وأشارت المصادر أن الأزمة المالية تسببت في تأخير صرف راتب شهر أكتوبر لعدد من موظفي الجهات الحكومية والتأخر في توفير الوقود لمحطات توليد الكهرباء في مدينة عدن.
من جهته، يرى الصحفي الاقتصادي وفيق صالح أن الحكومة أمام تحدٍ حقيقي ناتج عن تفاقم الأزمات العامة والتحديات المالية والاقتصادية أمامها خلال الفترة الأخيرة، نتيجة انعدام المصادر المستدامة من النقد الأجنبي، واتساع العجز في ميزان المدفوعات، وهو ما شكّل عاملا أساسياً في زيادة الطلب والضغط على العملة الصعبة في السوق المحلية.
ويؤكد وفيق صالح في تصريح خاص لـ"المجهر" إن ارتفاع تكلفة فاتورة الاستيراد، ساهم في تدهور قيمة الريال اليمني، حيث تشير التقديرات إلى أن فاتورة الواردات السلعية تبلغ قرابة 15 مليار دولار سنويًا؛ حيث تشكل الواردات الغذائية والمشتقات النفطية حوالي 60% من إجمالي قيمة الواردات السلعية، في حين تصل نسبة استيراد السلع والمنتجات الأخرى إلى 40%.
انهيار مستمر
يعتقد وفيق صالح أن هناك أسباب عديدة وراء انهيار العملة المحلية منها انعدام المصادر المستدامة من النقد الأجنبي للبنك المركزي، بعد توقف صادرات النفط الخام بسبب الهجمات الحوثية على منشآت التصدير في أكتوبر من العام الماضي.
ويشير إلى أن تراجع الموارد المحلية للحكومة، وارتفاع تكلفة فاتورة الاستيراد التي تستنزف العملة الصعبة من البلد في ظل شحة شديدة من السيولة في السوق المحلية، وأدى حدوث انهيار مستمر خلال الأيام القليلة الماضية.
من جهته، يعزوا الباحث في الشأن الاقتصادي اليمني عبدالواحد العوبلي انهيار العملة المحلية إلى استمرار سيطرة جماعة الحوثيين على الجزء الأكبر من إيرادات الحكومة المتمثلة في الضرائب والجمارك والرسوم بالإضافة إلى الانقسام النقدي الذي فرضته الجماعة.
ويوضح العوبلي في تصريح خاص لـ"المجهر" بأن عجز الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا على السيطرة على الوضع الاقتصادي، تسبب في تدمير الاقتصاد الوطني وتراجع الإنتاج والخدمات، مما أدى إلى انخفاض الإيرادات الحكومية وزيادة العجز المالي، حد قوله.
ويضيف أن توقف صادرات النفط بشكل كامل بفعل هجمات الحوثيين حرم الحكومة من مصدر مهم للإيرادات، لافتًا إلى أن الاقتصاد اليمني يعاني من مستويات عالية من الفساد صاحب أداء الحكومة الشرعية ، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية.
صفقات فساد
في الرابع من نوفمبر/ تشرين ثاني الجاري كشف برلماني يمني عن صفة مشبوهة قامت بها الحكومة في مجال النفط، وأهدرت بموجبها نحو نصف مليار دولار لصالح شركة إماراتية، بعد شهرين من صفقة فساد أخرى في قطاع الاتصالات.
وقال البرلماني، علي عشال في سلسلة تدوينات على منصة “إكس”: “في فضيحة مدوية وفساد على المكشوف الحكومة تهدر (نصف مليار دولار) وتُقر بيع 18مليون برميل من النفط الخام لشركة إماراتية بقيمة أقل 30%_35% من سعره العالمي بحجة أن الشركة ستقوم بحمايته”.
وأضاف عشال أن وزير النفط والمعادن اتفق مع شركة “ايمو” مقرها الإمارات، على شراء النفط الخام اليمني -المتوقف تصديره منذ نحو عام جراء التهديدات الحوثية- وحماية تصديره وتحمل مسؤولية كافة مخاطر وتبعات التصدير.
وفي مطلع أغسطس/ آب الماضي، كشفت الحكومة اليمنية، في بيان رسمي لها، عن صفقة لبيع 70% من أصول شركة “عدن نت” الحكومية. تقدم الشركة خدمة الإنترنت “4G” في العاصمة المؤقتة عدن، وعدد من المحافظات جنوبي وشرقي البلاد، منذ تدشين عملها في يونيو 2018، بتكلفة بلغت 100 مليون دولار، لتقديم خدمات الجيل الرابع من نقل البيانات.
وأثار ذلك ردود أفعال كثيرة، استنكرت الصفقة المشبوهة بما في ذلك البرلمان الذي حذر بعض نوابه من تمريرها كونها تمس بالسيادة الوطنية للبلاد، وتطال شركة سيادية تابعة للدولة.
موقف الرئاسي والحكومة
عقب الانهيار الذي شهده الريال اليمني عقد مجلس القيادة الرئاسي عدة لقاءات مع الحكومة لبحث الحلول في الجانب الاقتصادي، لكن تلك اللقاءات لم تخرج بآلية واضحة ومعالجات حقيقة لوقف تداعيات تراجع سعر العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، وفق مراقبين.
من جهته، تعهد البنك المركزي اليمني بعدم اللجوء تحت أي ظرف إلى استخدام التمويل التضخمي لمواجهة نفقات الحكومة، داعيًا إلى بذل مزيد الجهود في ضبط وتحصيل الموارد العامة وتوريدها إلى البنك وترشيد الإنفاق وإعادة ترتيب الأولويات والتسريع في إصلاح الاختلالات في القطاعات التي تستنزف كثير من موارد البلاد الشحيحة وإعادة توظيفها بتحسين المستوى المعيشي والخدمي للمواطنين.
وجدد البنك المركزي التزامه بالسياسات الاحترازية الصارمة التي أعلنها مطلع العام 2022 واستمراره بتفعيل واستخدام أدوات السياسة النقدية المتاحة للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي دون اللجوء إلى مصادر تضخمية.
كما كشفت مصادر مطلعة إلى أن الحكومة تسعى للحصول على تسهيلات جديدة سواء من شرائح الدعم المخصصة من صندوق النقد الدولي، أو من المنحة السعودية لمواجهة هذه المتطلبات، وتراجع سعر العملة المحلية أمام الدولار الأمريكي.
إلى ذلك، يرى الباحث العوبلي أن موقف وإجراءات الرئاسي والحكومة بشأن الأزمة الاقتصادية الحالية غير كافية لحل الأزمة، حيث لم يتم اتخاذ إجراءات حاسمة لمعالجة الأسباب الجذرية للأزمة، حد وصفه.
حلول ممكنة
يعتقد الصحفي الاقتصادي وفيق صالح أنه دون تفعيل الموارد والصادرات العامة للبلد بشكل عام، لكن يكون هناك أي أثر ملموس في تحسين الأوضاع، لافتًا إلى أن تفعيل الصادرات اليمنية ووضع الإصلاحات الاقتصادية والحفاظ على الموارد العامة هو حجر الأساس في عملية البناء الاقتصادي والحفاظ على الاستقرار المعيشي للمواطنين.
ويؤكد " لابد على الحكومة أن تكثف جهودها في هذا المجال، وأن لا تكتفي بالصمت، لأن الأمر في ظل هذا الوضع سوف تتجه إلى مزيد من الانحدار" حد قوله.
ويضيف صالح "يجب ضبط النظام المصرفي القائم، وفرض سياسة مالية صارمة، في ظل وجود سيولة ضخمة خارج سيطرة النظام المصرفي تستخدم في المضاربات، إضافة إلى استغلال جهات وكيانات أخرى هذا الاضطراب في زيادة طلب مفتعل لشراء العملة الصعبة، دون وجود عوامل وأسباب منطقية، الأمر الذي يضغط باتجاه تدهور قيمة العملة الوطنية".
من جهته، يرى الباحث في الشأن الاقتصادي اليمني عبدالواحد العوبلي أنه يمكن للحكومة الاعتماد على مصادر إيرادات أخرى مثل الضرائب والجمارك عبر تحويل الاستيراد عبر ميناء عدن والموانئ في مناطق الشرعية.
ويضيف بأنه يجب العمل على استقبال التحويلات المالية من المغتربين في البنك المركزي اليمني في عدن وتسهيل عمليات التحويل للمغتربين بالوسائل الرسمية الشرعية بعيدا عن السوق السوداء، وإجبار المانحين الدوليين والمنظمات توريد المبالغ بالدولار إلى البنك المركزي للاستفادة من العملة الصعبة.
ويوضح العوبلي بأن تلك الحلول تشمل تشغيل مصافي عدن فورا والاعتماد على النفط اليمني لتصفيته في المصافي وتغطية الاستهلاك المحلي للمشتقات ، والاعتماد على الغاز اليمني لتشغيل محطات الكهرباء في كل الجمهورية. هذا سيوفر اكثر من 3.8 مليار دولار تنفقها اليمن على شراء المشتقات النفطية في الخارج ، هذه الخطوة كفيلة بتحسين سعر الصرف وتحسين مستوى الأسعار والاقتصاد بشكل عام.
ويشدد على ضرورة تخفيض النفقات الحكومية غير الضرورية لتقليص العجز المالي مثل السفارات المنتشرة حول العالم دون داعي بالإضافة إلى الرواتب الدولارية لطفيليات الشرعية في الخارج ، ووقف المنح الدراسية التي تمنح لأبناء المسؤولين والنافذين للدراسة في جامعات ضعيفة وذات مستوى علمي متدني على حساب الاقتصاد الوطني، حد وصفه.
ووفق الباحث الاقتصادي عبدالواحد العوبلي فإنه يجب على للحكومة تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد لتحسين إدارة الموارد المالية، وعدم الاعتماد الكامل على الدعم السعودي (المنح والودائع) لتجنب انهيار الأوضاع الاقتصادية في اليمن لفترة محدودة لا يمكن الاعتماد عليه بشكل دائم.
سيناريو مخيف
يرى مراقبون اقتصاديون أن سيناريوهات مخيفة تنتظر الاقتصاد اليمني المترنح بفعل استمرار الحرب منذ أكثر من تسع سنوات، والصراع المستمر على النفط بين القوى المحلية، إضافة إلى ضعف المصادر التمويلية للحكومة المعترف بها دوليا، الأمر الذي سيؤدي إلى انهيار كلي وتضخم غير مسبوق، حد وصفهم.
ويعتقد الباحث العوبلي أن "سيناريو الانهيار هو المتوقع ، لأنه في حالة استمرار الفساد والفشل المصاحب لأداء الحكومة الشرعية وتخادم رئيسها مع ميليشيا الحوثي وعدم اتخاذه إجراءات الإصلاح اللازمة، فالمصير المحتوم هو استمرار ينهار الاقتصاد الوطني وتستمر العملة المحلية في الانخفاض".
وبين هذا وذاك يظل الدفع بعملية السلام في البلاد هو مفتاح الحل للأزمة الاقتصادية الحالية، والوصول إلى تسوية سياسية شاملة تضمن توحيد العملة ودمج بنكي صنعاء وعدن، والبدء بإصلاحات حكومية جادة تضمن استقرار سعر العملة المحلية عبر إجراءات مصرفية يتخذها البنك المركزي اليمني.
اقرأ أيضا: السلام والشراكة.. ذريعة حوثية للسيطرة على تعز بعد فشل الخيار العسكري (تقرير خاص)