الخميس 21/نوفمبر/2024
عاجلعاجل

تقرير: 20 مليونا في اليمن بحاجة إلى مساعدات صحية عاجلة

تقرير: 20 مليونا في اليمن بحاجة إلى مساعدات صحية عاجلة

المجهر- العربي الجديد

في مارس/ آذار 2015، تصاعد الصراع في اليمن بصورة كبيرة مع دخول التحالف الذي تقوده السعودية على خطّ النزاع المسلّح في مواجهة الحوثيين. واليوم، بعد ثمانية أعوام، ما زال النزاع مستمرّاً في البلاد في حين تكثر الأزمات الإنسانية المختلفة الناجمة عنه، علماً أنّ المستجدّات السياسية الإقليمية الأخيرة، بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، من شأنها أن "تهدّئ الأوضاع" على الصعيد المحلي من الآن فصاعداً.

وسط تدهور أوضاع أهل البلاد أكثر فأكثر على مدى ما يقرب من عقد من الزمن حذّرت منظمة الصحة العالمية من الواقع القائم الذي جعل أكثر من ثلثَي سكان البلاد، 21.6 مليون شخص، في حاجة ماسّة إلى مساعدة إنسانية، من بينهم أكثر من 20 مليوناً في حاجة إلى مساعدات صحية عاجلة. بدورها حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) ممّا يلحق بالأطفال الذين يُعَدّون من الفئات الأكثر هشاشة وسط النزاعات والحروب.

وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أنّ النظام الصحي في اليمن "قاصر" اليوم عن تلبية احتياجات السكان، إذ إنّ 54 في المائة فقط من المرافق الصحية تعمل بكامل طاقتها، مع تساؤلات لا بدّ من طرحها عن معنى "كامل طاقتها" يمنياً، في حين أنّ 46 في المائة من المرافق تعمل جزئياً فقط أو هي خارج الخدمة.

وفي تقرير أصدرته الوكالة التابعة للأمم المتحدة بمناسبة مرور ثمانية أعوام على تفاقم الأوضاع يمنياً، يقول مديرها لإقليم شرق المتوسط أحمد المنظري إنّه "لا يمكن للعالم الاستمرار في تجاهل اليمن"، مضيفاً "وإنّنا نطلق دعوة إلى تقديم دعم دولي موسّع ومستدام للنظم الصحية والعاملين الصحيين الشجعان في الخطوط الأمامية".

ويخبر المنظري: "شهدت بنفسي، عندما زرت هذا البلد، معاناة المدنيين الأبرياء الذين وقعوا في شرك هذه الأزمة ومرضهم بل وحتى فقدانهم حياتهم من جرّاء تلك الأزمة". ويؤكد أنّ "هدفنا النهائي (يبقى) بناء مستقبل أكثر أمناً وصحة لجميع اليمنيين". لكنّه يلفت إلى أنّه "مع ذلك، لا يمكن تأمين الصحة من دون إحلال السلام"، قائلاً إنّ "السلام أمر ممكن، وهو الحلّ الوحيد، ولكنّه يحتاج إلى التزام الجميع".

إنهاك في المرافق وبين العاملين الصحيين

وتبدو المرافق الصحية مثقلة بما يفوق طاقتها، بحسب ما يفيد تقرير المنظمة الأخير، وبالتالي تجد صعوبة في تقديم حتى أبسط الخدمات، لأنّها تعاني من نقص في الموظفين والأموال والكهرباء والأدوية والإمدادات والمعدّات الطبية.

أمّا العاملون الصحيون بحسب التقرير نفسه، فيتقاضون أجوراً أقلّ مقارنة بالأعوام السابقة بسبب النقص الحاد في التمويل، الأمر الذي جعل المرافق الصحية تواجه تدهوراً مستمراً في القدرات الصحية (البشرية). لكنّ التقرير يؤكد أنّ العاملين الصحيين اليمنيين استمرّوا في تقديم الخدمات بـ"تفانٍ وإنكار للذات"، ويبيّن أنّ ملايين الأطفال والأسر يعتمدون على هؤلاء العاملين في ما يتعلّق بالأمل بالشفاء والنجاة.

وقد خلّفت الحرب أضراراً فادحة طاولت قدرة الناس على الصمود وكذلك صحتهم النفسية، بحسب الوكالة الصحية الأممية التي تشرح أنّ قصصاً محزنة رافقت الحرب، وشملت تدمير منازل وخسائر في الأرواح وإعاقة شباب ونزوحاً وتدهوراً اقتصادياً، علماً أنّ كلّ ذلك تفاقم وسط أزمة كورونا والكوليرا وغيرها من الأوبئة والأمراض والكوارث الطبيعية المتكرّرة.

وهذا كلّه يدفع منظمة الصحة العالمية وشركاءها في مجموعة الصحة في اليمن إلى المناشدة بتوفير 392 مليون دولار أميركي لإتاحة المساعدة الصحية الأساسية لـ12.9 مليون شخص في عام 2023.

تجدر الإشارة إلى أنّ "استجابة منظمة الصحة العالمية منذ أمد طويل للأزمة الصحية في اليمن، والمتاحة بدعم من الجهات المانحة والشركاء، كان لها دور أساسي في إنقاذ الأرواح وتجنّب الانهيار الوشيك للنظام الصحي عبر نهج متكامل للإبقاء على التدخّلات الصحية ذات الأولوية". ويأتي ذلك من خلال "دعم أكثر من 4500 مرفق رعاية صحية ومختبر وطني بالإمدادات والأدوية والوقود والمياه وخدمات الإصحاح والنظافة الصحية، وتنسيق عمل المجموعة الصحية الوطنية، والإبقاء على عمل مراكز التغذية العلاجية، وتعزيز ترصّد الأمراض من أجل التصدّي لكلّ فاشيات الأمراض المعدية".

وإلى جانب ما قُدّم في مجال الصحية البدنية، عملت المنظمة على تحسين خدمات الصحة النفسية المقدّمة لليمنيين وكذلك الدعم النفسي الاجتماعي، ولو أتى ذلك متأخّراً بعض الشيء. ومنذ عام 2021، دُرِّب على الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي "أكثر من 3500 من موظفي الرعاية الصحية والمستجيبين الأوائل والعاملين في الخطوط الأمامية ومعلّمي المدارس والمديرين المعنيين بحالات العنف القائم على نوع الجنس وحماية الأطفال".

وفي تقريرها نفسه الذي أصدرته بمناسبة مرور ثمانية أعوام على تفاقم الصراع في اليمن، تجدّد منظمة الصحة العالمية "التزامها التام" بدعم صحة اليمنيين ورفاههم، وذلك "في إطار رؤيتها الإقليمية لتحقيق الصحة للجميع وبالجميع". وفي هذا الإطار، تدعو إلى "التضامن واتخاذ الخطوات المناسبة". وتوضح أنّه "في فترة تسودها أزمات عديدة وتشتدّ فيها الاحتياجات على مستوى الإقليم والكوكب بأسره، تناشد المنظمة الجميع إيلاء المحنة المستمرّة للشعب اليمني مزيداً من الاهتمام، وتدعو إلى تقديم مزيد من المساعدات لواحدة من أكثر أزمات العالم إهمالاً".

11 مليون طفل في عوز

من جهتها، تفيد منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) بأنّ أكثر من 11 مليون طفل يمني في حاجة إلى مساعدات إنسانية، بعد ثمانية أعوام من النزاع المدمّر في البلاد. وتوضح أنّ الأزمة الإنسانية في اليمن هي "حصيلة التقاء مجموعة من العوامل المركّبة ذات الآثار المدمّرة، والتي تشمل ثمانية أعوام من النزاع المحتدم والانهيار الاقتصادي وتعطُّل منظومات الدعم الاجتماعي الذي أثّر سلباً على الخدمات الأساسية".

وتشير "يونيسف" في تقرير أخير إلى أنّ النزاع أدّى كذلك إلى تفاقم أزمة سوء التغذية المستمرّة التي تطاول اليمنيين، وبالتالي يعاني 2.2 مليون طفل من سوء التغذية الحاد، من بينهم أكثر من 540 ألفاً يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم، وهي حالة مهدّدة للحياة في حال لم تُعالَج بصورة عاجلة.

وفي هذا الإطار، يقول ممثل منظمة يونيسف في اليمن بيتر هوكينز إنّ "حياة ملايين من الأطفال الضعفاء في اليمن معرّضة للخطر بسبب عواقب الحرب القاسية والمستمرة التي يصعب تصوّرها أو تحمّلها"، مشيراً إلى أنّ منظمته لطالما كانت "حاضرة هنا لتوفير المساعدات المطلوبة بشدّة طوال الأعوام الثمانية الماضية وما قبلها". لكنّه يشدّد على أنّه "لا يمكننا تقديم ما يكفي من الدعم للأطفال والأسر المتضرّرة من دون التوصّل إلى سلام دائم"، تماماً كما رأى مدير منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط أحمد المنظري في ما يتعلّق بتأمين الصحة للشعب اليمني ككلّ.

يُذكر أنّه في خلال الفترة الممتدة ما بين مارس/ آذار 2015 ونوفمبر/ تشرين الثاني 2022 تحقّقت الأمم المتحدة من أنّ أكثر من 11 ألف طفل قد قُتلوا أو أصيبوا بجروح خطرة. كذلك جُنّد أكثر من 4000 طفل من قبل الأطراف المتحاربة كافة، في حين طاول أكثر من 900 اعتداء مرافق تعليمية وصحية أو استُخدمت تلك المرافق لأغراض عسكرية، "الأمر الذي من شأنه أن يحول دون إدراك حقوق الطفل الأساسية في الحصول على خدمات صحية وتعليمية مأمونة ومناسبة".

لكنّ منظمة يونيسف كما وكالات الأمم المتحدة الأخرى، من بينها منظمة الصحة العالمية، تعيد التذكير دائماً بأنّ البيانات التي توردها ليست سوى الأرقام التي تمكّنت من التحقّق منها، مرجّحة أن تكون الأعداد الحقيقية المتعلقة بالمتضرّرين اليمنيين، صغاراً وكباراً، وكذلك تلك المرتبطة بالأضرار المادية على مختلف الصعد أعلى من المعلَن عنها بكثير.

نزوح الأطفال يثير القلق

وتؤكد منظمة يونيسف أنّ "أعواماً من النزاع والشقاء والأسى خلّفت وراءها ما يقرب من ثمانية ملايين شخص في حاجة إلى خدمات الصحة النفسية والخدمات النفسية الاجتماعية في اليمن". لكنّ الأطفال والقائمين على رعايتهم يتعرّضون للخطر نتيجة مواجهتهم مخاطر عديدة ونزوح، فيُصار اللجوء في الغالب إلى "آليات التكيّف السلبية من قبيل زواج الأطفال وعمالة الأطفال وفي كثير من الحالات تجنيدهم في القتال".

كذلك فإنّ أوضاع الأطفال النازحين في مناطق اليمن المختلفة تثير قلقاً بالغاً لدى الجهات المعنية، لا سيّما وكالات الأمم المتحدة وشركاؤها. وتُبيّن "يونيسف" أنّ "مخيّمات النازحين تكتظّ بأكثر من 2.3 مليون طفل لا يحصلون على ما يكفي لسدّ احتياجاتهم من الخدمات الأساسية في مجال الصحة والتغذية والتعليم والحماية والمياه والإصحاح البيئي".

ويرى هوكينز في تقرير منظمته أنّ أطفالاً وأسراً كثيرون يشعرون بأنّهم "عالقون في حلقة مستمرة من اليأس"، بعد مرور ثمانية أعوام على تفاقم الصراع. ويلفت إلى أنّ أوضاع عدد كبير من الأسر النازحة لم تتغيّر كثيراً، "ما عدا ملامح وجوه أطفالها"، شارحاً أنّهم "كبروا وهم لا يعرفون شيئاً سوى النزاع، لذا من الأهمية بمكان منح هؤلاء الأطفال بعض الأمل في مستقبل يسوده السلام".

وبحسب ما تعلن منظمة الأمم المتحدة للطفولة، فإنّها في حاجة عاجلة إلى 484 مليون دولار أميركي في عام 2023 الجاري، من أجل المضي قدماً في استجابتها الإنسانية المنقذة لحياة الأطفال في اليمن. وتحذّر أنّه في حال عدم حصولها على التمويل اللازم، فإنّها قد تضطرّ إلى "تقليص المساعدات الحيوية التي تقدّمها للأطفال الأكثر ضعفاً".