وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي الشهري، الأيام المائة الماضية بأنها "مفجعة وكارثية بالنسبة للمدنيين الفلسطينيين في غزة"، معتبراً أن الوضع الإنساني في القطاع مروّع، مجدّداً نداءه "من أجل وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية".
وقررت فرنسا، التي ترأس مجلس الأمن للشهر الحالي، عقد الاجتماع على مستوى رفيع، حيث ترأسه وزير خارجيتها، وحضره 18 وزير خارجية ومسؤولون رفيعو المستوى من الدول الأعضاء في مجلس الأمن وخارجه، كالأردن، وفلسطين، وغيرها.
وأشار إلى استشهاد أكثر من 25 ألف فلسطيني وإصابة أكثر من 60 ألفاً آخرين "معظمهم من النساء والأطفال، في العمليات التي شنتها القوات الإسرائيلية". كما أدان عملية "طوفان الأقصى"، ومقتل 1200 إسرائيلي، مؤكداً في الوقت ذاته أن "لا شيء يمكن أن يبرر العقاب الجماعي ضد الشعب الفلسطيني".
ووصف غوتيريس الوضع الإنساني في غزة بالمروع، قائلاً: "يواجه 2.3 مليون فلسطيني في غزة ظروفاً مزرية وغير إنسانية"، متحدثاً عن معاناة الغزيين والجوع، حيث يعاني "أكثر من نصف مليون شخص من مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي".
وتحدث غوتيريس أيضاً عن الأوضاع الصحية الكارثية، وتدمير المستشفيات، وانتهاكات حقوق الإنسان، مشيراً إلى مقتل 153 عاملاً من الغزيين العاملين في الأمم المتحدة.
وإذ أكد أن كمية المساعدات التي تدخل غزة غير كافية، شدد على الحاجة الماسة لدخول المزيد من المساعدات من أكثر من نقطة عبور إلى غزة، للحدّ من الازدحام، وتجنب نقاط الاختناق، داعياً إلى ضرورة استئناف تقديم المساعدات إلى غزة عبر ميناء أسدود، فضلاً عن تقديم المساعدات إلى مناطق شمال غزة.
وكشف غوتيريس عن رفض إسرائيل أكثر من 76 بالمائة من طلبات الأمم المتحدة لإدخال الامدادات المنقذة للحياة لشمال غزة خلال أول أسبوعين من السنة. وتحدث كذلك عن "انتظار العشرات من العاملين في المجال الإنساني منذ أشهر للحصول على تأشيراتهم من الحكومة الإسرائيلية"، مشدداً على ضرورة "دخول المساعدات الإنسانية دون عوائق وبشكل مستدام إلى كلّ أنحاء غزة".
كما عبّر عن قلقه من "التطورات الخطيرة في مختلف أنحاء الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، حيث بلغت التوترات مستويات غير مسبوقة، مع زيادة هائلة في عدد الضحايا".
وأشار إلى اعتقال العشرات من الفلسطينيين يومياً، حيث جرى اعتقال أكثر من 6 آلاف فلسطيني منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول.
وفي سياق متّصل، عبّر غوتيريس عن قلقه من "عنف المستوطنين، واستمرار عمليات هدم ومصادرة المنازل المملوكة للفلسطينيين، وغيرها من المباني".
ومن جهته قال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، إن إسرائيل تقصف غزة بشكل عشوائي "لم يشهد العالم مثله منذ الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى الحصار والتشريد القسري على نطاق لم يشهده العالم في تاريخه الحديث"، متحدثاً عن قصف إسرائيل للمدارس والمساجد والكنائس والمستشفيات.
وإذ اعتبر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "لا يحركه سوى هدف واحد هو نجاحه السياسي وبقاؤه في الحكم.. على حساب ملايين الفلسطينيين"، قال إن الكثير من القيادات الإسرائيلية تنكر حقوق الفلسطينيين ولا تعتبرها واقعاً سياسياً للتعايش معه، بل "خطراً ديمغرافياً يحتاج إلى إزالة من خلال القتل أو التهجير أو الإخضاع.. هذه هي الخيارات المتاحة، الإبادة الجماعية أو التطهير العرقي أو نظام الفصل العنصري".
وتحدث عن وجود مسارين أمام المجتمع الدولي، الأول "يبدأ بالحرية للفلسطينيين، ويؤدي إلى سلام وأمن مشترك للمنطقة. ومسار ثانٍ يحرم من هذه الحرية، ويكتب على منطقتنا المزيد من سفك الدماء والنزاع".
وقال إن العالم العربي اختار المسار الأول، في حين يتباهى نتنياهو بمنعه تأسيس دولة فلسطينية، مشدداً على ضرورة قبول فلسطين بعضوية كاملة في الأمم المتحدة، وليس فقط كدولة مراقبة.
أما وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، فأكد من جهته دعم بلاده "حلّ الدولتين". وأضاف "أقول للإسرائيليين لا تخفى عليكم صداقة الشعب الفرنسي، ولكن ينبغي إنشاء دولة للفلسطينيين، ووقف العنف ضد الشعب الفلسطيني وتطرف المستوطنين، والعودة للقانون الدولي".
وتابع، متوجهاً للفلسطينيين: "تعرفون التزام فرنسا بإقامة دولة فلسطينية، ولكننا سنواصل مكافحة الإرهاب بكل عزيمة وإصرار... ما من شك في حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها في مواجهة الإرهاب والعيش في سلام وأمن".
وشدد الوزير الفرنسي على ضرورة وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل كاف. كما أكد ضرورة "إعادة إطلاق عملية السلام... وحل دولتين تعيشان جنباً إلى جنب، على أساس خطوط الرابع من يونيو/ حزيران لعام 1967".
إلى ذلك، عبّر وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، عن امتنانه لجهود الأمين العام للأمم المتحدة، على الرغم مما يتعرض له من هجوم وطعن في مصداقيته من قبل إسرائيل.
وتحدث عن ثلاثة تحديات يواجهها المجتمع الدولي، ومجلس الأمن والأمم المتحدة، أولها "ضمان احترام القرارات والقوانين والتشريعات التي تصدر باسمها، وعدم التسامح مع الخروقات الجسيمة لكل ما أقرته لضمان تعايش سلمي بين أعضائها".
وأضاف أن "التحدي الثاني هو عدم القبول بأن ينصب عضو من أعضائها نفسه فوق الجميع، والاستفادة من معاملات تبدو وكأنها وضعت لصالحه دون سواه، في شكل حصانات غير مبررة ومقبولة".
وأشار "التحدي الثالث هو إخضاع الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني للضوابط القانونية الدولية، ووضع حد لانعدام المساءلة والمحاسبة والمعاقبة".
ورحب بمبادرة جنوب أفريقيا برفع دعوى ضد الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية "بتهمة شنّ حرب إبادة ضد غزة، وكذلك مبادرة كل من جمهورية تشيلي والمكسيك بإخطار المحكمة الجنائية الدولية بالجرائم متعددة الأشكال والأنواع، والتي صاحبت ولا تزال، العدوان الإسرائيلي على غزة".
وشدد على أن الأولوية القصوى تعود إلى وقف إطلاق النار، ولفت الانتباه إلى ضرورة تفعيل الالتزام الجماعي بحل الدولتين، مجدداً دعم بلاده منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
ومن جهتها، تحدثت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للأمن المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان، أوزرا زيا، خلال جلسة مجلس الأمن كذلك، عن ضرورة تقديم المساعدات الإنسانية والسماح للمدنيين بالوصول إلى المستشفيات.
ولم تتطرق المسؤولة الأميركية لمطالب الأمم المتحدة بوقف إنساني لإطلاق النار، وركزت أغلب مداخلتها للحديث عن حركة حماس، واتهامها بـ"الإرهاب"، وتحميلها المسؤولية عما يحدث.
أما وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، فاتهم الولايات المتحدة بتعطيل جهود وقف إطلاق النار، وأدان قصف اليمن واعتبره عدواناً. كما أدان الغارات الإسرائيلية في سورية والاغتيالات السياسية. وأشار إلى ضرورة التركيز على وقف إطلاق النار قبل الحديث عن "اليوم التالي" للحرب على غزة.