الخميس 21/نوفمبر/2024
عاجلعاجل

"بذور الحروب المستقبلية".. جيل الأطفال الذين يجندهم الحوثيين في اليمن

"بذور الحروب المستقبلية".. جيل الأطفال الذين يجندهم الحوثيين في اليمن

المجهر- ترجمة خاصة


في عام 2020، التقط المصور اليمني علي السنيدار لحظة شملت أهوال الحرب الحالية في اليمن بالإضافة إلى المخاوف بشأن الحرب المستقبلية.

تُظهر الصورة، التي التقطت في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون، صبيين صغيرين يحملان بنادق على أكتافهم، ويمران بجانب صبي صغير آخر يرتدي حقيبة مدرسية. أصغر الطفلين المجندين ينظر إلى التلميذ خلفه، كما لو كان يدرك اختفاء ما كان ينبغي أن يكون مستقبله.
 
الأطفال الذين يحملون أسلحة ليسوا ظاهرة جديدة في اليمن. فلعدة قرون، كان الصبية الصغار، الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و15 عامًا، يحملون السلاح لحماية أسرهم أو الدفاع عن الأراضي القبلية.
 
وحسب تقرير معهد دول الخليج العربي بواشنطن  «AGSIW» ترجمة "المجهر": "لكن ما يحدث في اليمن الآن أمر مختلف تماما وأكثر إثارة للقلق، حيث لا ينضم الأطفال فقط إلى مجموعات الدفاع المحلية والجماعية".
 
وأفاد التقرير، "بدلاً من ذلك، يتم استهدافهم وتجنيدهم وتدريبهم، ثم تحويلهم في نهاية المطاف إلى جنود. وفي اليمن، يتم إضفاء الطابع المؤسسي على هذه العملية في الوقت الذي يتم فيه تمجيد الجنود الأطفال الذين تعمل على استقطابهم لصفوفها وتجنيدهم".
 
وأشار المعهد الأمريكي "بغض النظر عن كيفية أو موعد انتهاء الصراع الحالي، فإن الجنود الأطفال لن يختفوا ببساطة، وهذه مشكلة ستؤثر على اليمن وجيرانه لعقود قادمة، هؤلاء الجنود الأطفال هم بذور حروب اليمن المستقبلية".
 
ووجد تقرير حديث للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، أن جميع الأطراف في اليمن - المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والحوثيين، والحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، ومجموعة من الميليشيات متورطون بتسليح الأطفال وإرسالهم للقتال، لكن الحوثيين هم –إلى حد بعيد– أكبر مجندين للأطفال في اليمن.

تشير معظم التقارير -بما في ذلك تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول "الأطفال والنزاع المسلح"، وتقارير فريق الخبراء المعني باليمن التابع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وتقارير فريق الخبراء الدوليين والإقليميين البارزين المنحل الآن التابع للأمم المتحدة - إلى أن الحوثيين مسؤولون عن أكثر من ثلثي الأطفال الجنود في اليمن.
 
ورأى المعهد الأمريكي، أن التجنيد للأطفال له خلفية تأريخية لدى جماعة الحوثي، ومؤخرا يجادل الحوثيون بأنه مدفوع بالضرورة العسكرية، لكنه كله متعمد.
 

جذور تجنيد الأطفال

وفي الثمانينيات، أنشأت الجماعة التي أصبحت تعرف باسم الحوثيين مخيمات صيفية في المرتفعات الشمالية في صعدة. ظاهرياً، كان الغرض من هذه المخيمات هو تثقيف الجيل القادم حول أساسيات الزيدية، الطائفة الشيعية السائدة في شمال اليمن. ففي نهاية المطاف، حكم الأئمة الزيديون شمال اليمن طوال معظم الألفية الماضية إلى أن تمت الإطاحة بهم في عام 1962.
 
لكن العقيدة الزيدية كانت تشتمل دائمًا على عنصر عسكري، والزيديون الذين شكلوا هذه المخيمات الصيفية الأولى، بما في ذلك أفراد من عائلة الحوثي نفسها، أنشأوا التدريب العسكري أيضًا.
 
شكل خريجو هذه المخيمات الصيفية الأولى نواة لحركة الحوثي في ​​الفترة من 2004 إلى 2010، عندما قاتلت الجماعة حكومة الرئيس آنذاك علي عبد الله صالح. طوال النزاع الحالي، الذي بدأ في عام 2014، دفع الحوثيون الأطفال باستمرار إلى الخطوط الأمامية، لا سيما في الحديدة وما حولها في عامي 2018 و2019، وفي مأرب في عامي 2020 و2021، كوسيلة لتعويض نقص القوات. كما قام الحوثيون بتجنيد واستخدام الفتيات الصغيرات لزرع الألغام الأرضية وكطاهيات وجواسيس.
 
يستخدم الحوثيون نهج الدفع والجذب لتجنيد الأطفال، وفي هذه العملية، يعيدون تشكيل المجتمع اليمني. أولاً، تستغل الجماعة الفقر، الذي يعد الدافع الأكبر لتجنيد الأطفال في اليمن، والاقتصاد السيئ في البلاد. عندما بدأت الحرب في عام 2014، كان يتم تداول الريال اليمني بسعر 250 مقابل الدولار الأمريكي. واليوم في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، يبلغ سعر الريال حوالي 530 مقابل الدولار. ولم تتغير الرواتب، بالنسبة للقلة التي ما زالت تتقاضاها، لكن ما يشتريه الريال انخفض بشكل كبير.

أدى ذلك إلى معاناة العديد من الأسر من انعدام الأمن الغذائي، وهو ما يستغله الحوثيون من خلال الوعد بتقديم سلال غذائية للعائلات التي تساهم بجنود، بما في ذلك الأطفال، في هذه القضية. في جوهر الأمر، يستخدم الحوثيون المساعدات الإنسانية كسلاح.
 
إلى ذلك، تبخرت الفرص التعليمية في اليمن. يتم تحويل المعلمين، الذين لا يحصل الكثير منهم على رواتبهم لعدة أشهر للانضمام إلى الميليشيات، وهي واحدة من مجالات النمو القليلة في اليمن. وفي حالات أخرى، لم يتم إعادة بناء المدارس التي تعرضت للقصف.
 
ومما زاد الطين بلة، وفقا لمقابلات مع أشخاص على الأرض، أن الحوثيين بدأوا في فرض ما يرقى إلى ضريبة على الأطفال الملتحقين بالمدارس الحكومية. المبلغ الإضافي، حوالي 1000 ريال يمني شهرياً، يكفي لثني بعض الأسر عن إرسال أطفالها إلى المدرسة.
 
إذا لم ينجح ذلك، فإن مجندي الحوثيين موجودون أيضًا ليهمسوا في آذان الآباء أنه بدلاً من دفع الرسوم المدرسية، يمكن أن تحصل العائلات على المال والدفاع عن اليمن إذا انضم أطفالهم للقتال فقط.
 
وفي أبريل 2022، وبالتزامن مع الهدنة الوطنية، وقع الحوثيون اتفاقًا مع الأمم المتحدة ألزم الجماعة بالتوقف عن تجنيد الأطفال. ولكن على الرغم من هذا الاتفاق، وجد فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن أن الحوثيين "يواصلون التلقين والتجنيد، وفي بعض الحالات، التدريب العسكري للأطفال في المخيمات الصيفية". وفي الواقع، في بعض النواحي، يزيد الحوثيون من جهودهم لتجنيد الأطفال وتدريبهم.
 
وتحتوي الكتب المدرسية الحوثية الآن على أقسام عن "الشهداء" الأطفال الذين قاتلوا وماتوا في الحرب الحالية. غالبًا ما تحمل شوارع صنعاء ومدن أخرى في الشمال ملصقات لجنود أطفال تُلصق على جدران المتاجر. الزامل، وهو الشعر الشعبي الذي غالباً ما يُعرض على الإذاعة التي يسيطر عليها الحوثيون، يعظم ويمجد الأطفال الذين "ضحوا" بأنفسهم للدفاع عن اليمن.
 
هذا هو مستقبل اليمن، الأولاد والبنات الذين تم تلقينهم، والكذب عليهم، والتلاعب بهم لحمل السلاح، هؤلاء هم الشباب والشابات الذين سيخوضون حروب اليمن القادمة.