الخميس 21/نوفمبر/2024
عاجلعاجل

كيف فشل الاحتلال في عزل حماس عن حاضنتها الشعبية؟

كيف فشل الاحتلال في عزل حماس عن حاضنتها الشعبية؟

المجهر- متابعات

رغم شراسة ووحشية الغارات الإسرائيلية خلال العدوان الحالي على قطاع غزة، ورغم حجم الخسائر البشرية والمادية الهائل، فإن أهالي القطاع يلتحمون بشكل قوي مع المقاومة، وفي مقدمتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
 
ويعود بنا الواقع الحالي إلى تقرير خاص أصدرته مجموعة الأزمات الدولية قبل 15 عاما، خلص إلى أن عشائر قطاع غزة وعائلاتها القوية تشكل واحدة من أهم العقبات التي واجهت حكم حماس عقب سيطرتها على القطاع.
 
في هذا التقرير، نستعرض الخطوات التي قامت بها حركة حماس من أجل تعزيز علاقتها بالعشائر والعائلات في غزة بشكل جعل مساعي الاحتلال الإسرائيلي لعزل المقاومة عن حاضنتها الاجتماعية مهمة عسيرة.

تتسم أغلب أراضي قطاع غزة بأنها رملية، لذا كان من النادر بها تاريخيا وجود قرى وسكان من الفلاحين.
 
وقد عاش أغلب سكانها قبل 1948 في خان يونس جنوبي القطاع، وفي مدينة غزة شمالا، في حين انتشرت القبائل البدوية في بقية أنحاء غزة.
 
تأثر قطاع غزة بتداعيات الحروب والهجرات في محيطه الجغرافي، وصولا إلى الاحتلال الإسرائيلي عام 1948.
 
لذا نجد أن نحو 25% من سكان غزة الحاليين فقط هم من القبائل التي سكنت المنطقة قديما، في وقت ينتمي فيه الآخرون إلى عائلات وافدة، سواء من مصر أو تركيا أو غيرهما.
 
وحدث التغيير الديمغرافي الأبرز مع نكبة 1948 حيث قدم إلى قطاع غزة نحو 200 ألف لاجئ من أنحاء فلسطين وبالأخص من جنوب يافا، لينضموا إلى 80 ألفا من سكان قطاع غزة آنذاك، وبذلك تشكل واقع جديد مثّل فيه اللاجئون المهاجرون نحو ثلاثة أرباع السكان.
 
وفي تلك الأجواء، برزت العشيرة والعائلة بوصفها مظلة حماية في ظل تغير الوضع الاجتماعي للكثيرين مع فقدانهم الأرض والثروة.
 
غزة معقل المقاومة
 
حينما احتلت إسرائيل قطاع غزة عام 1967 حرصت على التعامل مع المواطنين عبر كبار العائلات من خلال اعتماد مختار لكل منطقة.
 
كما رأى الاحتلال في مخيمات اللاجئين تهديدا له باعتبار أن سكانها يتبنون خيار المقاومة بهدف تحقيق حلم العودة، فضلا عن أنه ليس لديهم ما يخسرونه بعد أن سلبهم الاحتلال ديارهم وممتلكاتهم، وبالفعل اندلعت شرارة الانتفاضة الأولى من مخيم جباليا عام 1987 عقب دعس مستوطن بشاحنته 4 من العمال الفلسطينيين.
 
ومع توقيع اتفاقيات أوسلو، وتدشين السلطة الفلسطينية التي قدم قادتها من خارج القطاع، توافرت العديد من الوظائف لأبناء قطاع غزة ضمن أجهزة السلطة التنفيذية والأمنية، وحدث تدفق في الأموال قاد إلى حدوث طفرة عقارية، فتسارعت عملية انتقال اللاجئين إلى الأحياء الأكثر ثراء، وتراجعت مظاهر الفوارق الاجتماعية بين سكان القطاع.
 
في تلك الآونة ارتبطت عائلات بعينها بأجهزة السلطة مع تولي بعض أفرادها مناصب قيادية في الأجهزة الأمنية، في وقت أسست فيه السلطة مكتبا لشؤون العشائر أشرف على نحو 200 فرع تابع له في أنحاء قطاع غزة.
 
واعتمدت السلطة مختارا لكل عائلة لها حجم معتبر للتواصل فيما يخص شؤون أفرادها، مما تطلب من العائلات الصغيرة التحالف مع عائلة كبيرة لها مختار، وبذلك أصبحت العشائر القوية حليفة للسلطة الفلسطينية.

مع اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000، وتدمير قوات الاحتلال مقرات ومؤسسات السلطة الفلسطينية بما فيها مراكز الشرطة في غزة بحجة دعم عناصرها المقاومة، أمرت الشرطة عناصرها باصطحاب أسلحتهم للمنازل، مما أدى إلى طفرة في تسليح العشائر.
 
وفي أجواء تداعيات الانتفاضة ووفاة ياسر عرفات عام 2004، سادت حالة من الفوضى قطاع غزة وتوسّع نفوذ العائلات، فداهمت بعضها المحاكم والسجون للإفراج عن أبنائها، واقتحمت مقرات ووزارات السلطة للمطالبة بوظائف لأبنائها وخدمات من قبيل أولوية العلاج في المستشفيات.
 
وحدث أن احتجزت بعض العشائر أشخاصا من خصومها رهائن لحل الخلافات، كما تشكلت مربعات أمنية محمية بالمتاريس والمسلحين في مناطق سكنى بعض العائلات.
 
وفي ظل هذا الوضع، تراكمت القضايا أمام المحاكم، في وقت عجزت فيه الشرطة عن تنفيذ الأحكام التي يحكم بها القضاة، الذين أصبحوا يخافون على حياتهم، فأصيب القضاء بالشلل، وأصبحت العشائر والعائلات تمثل مظلة الحماية الرئيسية لأفرادها، في حين توددت لهم أجهزة السلطة لكسب الولاء وتسيير شؤون القطاع.

ويخلص الأكاديمي النرويجي تاج توستاد إلى أن إحدى نقاط قوة حماس هي أنها حركة شعبية لها فروع في كل ركن من أركان قطاع غزة، من القرى الريفية إلى المدن والمخيمات.
 
كما أنها نجحت من خلال عملها الأمني والاجتماعي المتكيف مع الثقافة المحلية في تعبئة القاعدة الشعبية في غزة لصالح نهج المقاومة، واستثمرت الروابط العائلية والعشائرية في دعم حكمها بدلا من أن تنظر لها ككيان منافس ينبغي تفكيكه أو تغييره.
 
ومن ثم انتشرت في المجتمع القيم الاجتماعية الإسلامية والمحافظة، وبرزت المسؤولية الجماعية كمكون أساسي في حفظ النظام وتوفير الوئام الاجتماعي، مما عزز حالة الصمود والالتفاف حول المقاومة في مواجهة العدوان الحالي.