تصاعدت حدة الانتقادات الشعبية والإعلامية تجاه مطالب "المقاومة الوطنية" بالمحاصصة السياسية، عقب بيان رسمي صادر عن مكتبها السياسي طالب فيه بتصحيح المسار السياسي للدولة، وإشراك المكتب في تقاسم السلطة ومؤسسات الدولة.
البيان، الذي تضمن نبرة تصعيدية غير معهودة، كشف عن تصدع محتمل في بنية السلطة اليمنية العليا، وأثار موجة من ردود الفعل الغاضبة التي طالت العميد طارق صالح، عضو مجلس القيادة الرئاسي وقائد المقاومة الوطنية، متهمة إياه بانتهاج مسار انعزالي ومزدوج، يجمع بين موقعه الرسمي في الدولة وتصرفاته المنفصلة على الأرض.
أبرز ما أثار الغضب هو ما اعتبره نشطاء وصحفيون خروجًا صارخًا عن السياق الوطني وتناقضًا بين الخطاب والممارسة، إذ يرون أن طارق صالح رغم وجوده في أعلى سلطة تنفيذية ممثلة بمجلس القيادة لا يزال يدير قواته وأجهزته بصورة منفصلة عن وزارة الدفاع وبقية مؤسسات الدولة الشرعية، خاصة في الساحل الغربي، وتحديدًا في مدينة المخا والمناطق المحررة من محافظة الحديدة.
وقد وُجهت له اتهامات مباشرة بالعمل على تكوين كيان سياسي وعسكري خاص به خارج مؤسسات الدولة، عبر استقطاب كوادر من حزب المؤتمر الشعبي العام إلى صفوف المكتب السياسي للمقاومة الوطنية، بما يشبه إعادة تدوير الحزب في ثوب جديد، وتحويله إلى أداة لتمثيل مصالحه الشخصية بدلًا من العمل الوطني الجامع.
غياب الدور الميداني
ردود الأفعال المتصاعدة على البيان ركزت على المفارقة الجوهرية بين المطالبة بالمحاصصة والتقسيم في وقت يُفترض فيه أن تكون الأولوية لخوض المعركة الفاصلة ضد جماعة الحوثي، كما يردد قادة المقاومة الوطنية أنفسهم منذ سنوات.
ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي تساءلوا كيف يمكن لكيان لم يخض معركة فعلية منذ تأسيسه قبل نحو خمس سنوات أن يطالب اليوم بحصة في السلطة، متجاوزًا بذلك تشكيلات المقاومة الشعبية التي كانت رأس الحربة في مواجهة الحوثي منذ اليوم الأول للانقلاب في كل من تعز وعدن ومأرب، وقدّمت آلاف الشهداء والجرحى، وأسست فعليًا لمفهوم الدولة الشرعية.
محمد مارش، ناشط إعلامي، تساءل صراحة عن غياب التمثيل العادل للمقاومة الشعبية داخل مؤسسات الدولة، مقارنة بمطالب "المقاومة الوطنية" التي لم يكن لها إسهام فعلي يوازي حجم مطالبها.
وأضاف مارش أن النضال الطويل للمقاومة الشعبية في تعز ومأرب يفوق زمنيًا وتضحويًا المكتب السياسي الذي لم يتشكل إلا بعد انسحاب قوات الحرس الجمهوري السابق من صنعاء، وتحولها لاحقًا إلى قوات مقاومة بغطاء سياسي جديد.
من جانبه، عبّر الصحفي عبدالجبار نعمان عن استغرابه مما وصفه بـ"الضجيج السياسي" لمكتب لم يحرر سوى تبة واحدة، على حد تعبيره، مؤكدًا أن الاستعراض السياسي الذي يقوم به طارق صالح وفريقه لا يستند إلى وقائع ميدانية بل إلى عمليات إعادة تموضع سابقة يُراد تزيينها بخطاب بطولي مصطنع.
وتعزز هذه الانتقادات ما أشار إليه كثيرون من أن تحركات طارق صالح وقواته المدعومة إماراتيًا لا تنفصل فقط عن الدولة، بل تتناقض أحيانًا مع المسار العام، ما يزيد من مخاوف التشظي داخل بنية السلطة الشرعية.
ازدواجية الولاء
وفي السياق ذاته، ذهب محمد طاهر، رئيس فرع وكالة سبأ في تعز، إلى وصف حالة المكتب السياسي بأنها "انفصام سياسي"، متسائلًا: هل يُعد هذا المكتب امتدادًا للمؤتمر الشعبي العام، أم كيانًا جديدًا مستقلًا؟ وإن كان تابعًا للمؤتمر، فلماذا المطالبة بحصة منفصلة؟ وإن لم يكن كذلك، فبأي شرعية يستند لمطالب التعيينات؟.
التساؤل هنا ليس فقط تنظيميًا، بل يعكس استياء شعبيًا أعمق من شعور قوى المقاومة التاريخية بأنها مهمشة لصالح مكونات مستجدة لم تضع بصمتها في المعركة الوطنية بعد.
أما الصحفي طه صالح فقد اعتبر أن خطاب طارق صالح ومناصريه قد مر بتحولات مثيرة للسخرية، إذ بدأ بشعار تحرير صنعاء، ثم انكمش تدريجيًا ليصبح الحديث عن مشاريع بنية تحتية في مدينة المخا، والآن انتهى بالمطالبة بالمناصب وتوجيه الاتهامات لرئيس مجلس القيادة رشاد العليمي.
ويرى طه أن هذا الانكماش في الخطاب يعكس إفلاسًا سياسيًا وشعبيًا، ليس فقط في صفوف المقاومة الوطنية، بل في عموم المكونات التي باتت تتحرك وفق مبدأ الغنيمة لا المشروع الوطني.
فارس البنا، الناشط الإعلامي، أعاد التذكير بأن المقاومة الشعبية، رغم أنها لم تحظَ بتمثيل سياسي رسمي، فإنها أسهمت عمليًا في تثبيت الشرعية منذ اللحظة الأولى، بعكس المقاومة الوطنية التي تطالب اليوم بحصة في السلطة، رغم تمثيلها أصلًا بعضو في مجلس القيادة.
المقارنة بين المكونات هنا لا تستند إلى الرغبة في الإقصاء، بل إلى استحضار حجم التضحيات الفعلية التي يراها كثيرون مبررًا منطقيًا للتمثيل في الدولة، وهو ما يغيب حتى الآن، بحسب قوله.
عبدالحميد المجيدي هو الآخر اعتبر أن المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية بقيادة الشيخ حمود سعيد المخلافي هو الأجدر بالمطالبة بالتعيينات، بحكم أنه كان أول من واجه الحوثيين في تعز، بينما كان طارق صالح، على حد تعبيره، لا يزال يتحالف مع الحوثيين ويدرب قناصتهم.
هذا الطرح يعيد فتح ملف العلاقة القديمة بين طارق والحوثيين، وهو ملف يطارد الرجل سياسيًا رغم تحوله لاحقًا إلى معارض صريح لهم، بعد مقتل عمه الرئيس الأسبق على عبدالله صالح على يد حلفائه الحوثيين أواخر العام 2017م.
شرعية التمثيل
يؤكد المجيدي أن المقاومة الشعبية لم تنل شيئًا من الدولة سوى الدماء والاتهامات، بينما المكونات المستجدة تسابق اليوم الزمن لتقاسم المناصب.
ويشير إلى أن التعيينات الحكومية تحولت إلى غنيمة فردية لا تخدم لا المواطن ولا الدولة، بل أصبحت أداة ابتزاز سياسي، تُستخدم لفرض واقع القوة على حساب المؤسسات والقيم الوطنية الجامعة.
الناشط مسعد محمد كان أكثر صراحة في طرحه، متسائلًا عن هوية قوات المقاومة الوطنية، وانتمائها الرسمي، وعديدها وميزانيتها، ومن أي موازنة تُصرف.
كما تساءل عن الوضع الإداري لمدينة المخا والمناطق الواقعة تحت سيطرة قوات طارق، وهل تُعد جزءًا من محافظة الحديدة أم باتت قطاعًا مستقلاً.
وذهب مسعد في تساؤلاته إلى أقصى حدود السخرية، قائلًا: "هل طارق حاكم الساحل؟ وهل المجلس الرئاسي بات غطاءً لتكوين دويلات صغيرة؟".
وبدوره، طالب الناشط الإعلامي هارون عبدالله، بتمثيل كافة التشكيلات العسكرية داخل الدولة، سواء كانت مقاومة وطنية أو شعبية أو الجيش الوطني، بما يتناسب مع حجم تضحياتهم الفعلية، مستنكرًا ما وصفه بالهيمنة الحزبية على مؤسسات الدولة، خصوصًا وزارة الإعلام التي تحولت إلى حساب شخصي لوزيرها على تويتر، دون أي انعكاس مؤسسي حقيقي، حد قوله.
التصعيد الأخير من جانب طارق صالح لم يأتِ من فراغ، فقد سبق وأن وجهت الماكينة الإعلامية التابعة اتهامات متتالية لرئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي بتهميشه وممارسة سياسة إقصائية، وهو ما ظهر بشكل صريح في بيان رسمي صادر عن أمانة المكتب السياسي.
وقد اعتبر البيان أن ما يقوم به الرئيس العليمي انحراف عن المسار المؤسسي والدستوري، في إشارة إلى لقاءات عقدها رئيس مجلس القيادة مع قوى سياسية دون الرجوع إلى شركائه في المجلس.
ويرى مراقبون أن هذه التصريحات تكشف عن شرخ عميق في العلاقة بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، وسط تصاعد التجاذبات الفردية واختلاف الأجندات، في وقت تعاني فيه الدولة من غياب رؤية واضحة لإدارة المرحلة، فضلًا عن احتقان داخلي كبير بين القوى المسلحة الموالية للشرعية.
خلاصة المشهد تكشف عن مفارقة محزنة في الوعي السياسي الوطني، فبدلًا من التوحد ضد جماعة الحوثي الإرهابية التي تسيطر على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، تنشغل المكونات المنظوية تحت مظلة الحكومة المعترف بها بتقاسم ما لم يُحرر بعد، وتتنافس في اقتسام مناصب لم يعد لها جدوى سوى تعزيز النفوذ الشخصي، في وقت تعاني فيه البلاد من فراغ سياسي واقتصادي وأمني.
ويبدو أن الشعب، الذي دفع الثمن الأكبر خلال عقد من الحرب، حيث لا يزال الحلقة الأضعف في معادلة تبحث فيها كل الأطراف عن مكاسبها الضيقة على حساب المشروع الوطني الجامع.
تابع المجهر نت على X