الاثنين 16/سبتمبر/2024
عاجلعاجل

استعراض أم تضامن مع غزة.. كيف يفسر اليمنيون عمليات الحوثيين في البحر الأحمر؟ (تقرير خاص)

استعراض أم تضامن مع غزة.. كيف يفسر اليمنيون عمليات الحوثيين في البحر الأحمر؟ (تقرير خاص)

تتصاعد الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي الانقلابية المدعومة إيرانيًا، ضد سفن في البحر الأحمر، يعتقدون أنها مرتبطة بإسرائيليين أو تتجه إلى إسرائيل، فيما يشكّك يمنيون بحقيقة هذا التضامن، ويرون أن الأهداف الحقيقية لهذه العمليات لا علاقة لها بنصرة غزة.

وفي 19 نوفمبر الماضي، استولت الجماعة الحوثية على السفينة "جالاكسي ليدر"، كما أعلنت خلال الستة الأسابيع الماضية تنفيذ هجمات عديدة ضد سفن تجارية، بطائرات مسيرة وصواريخ، مما دفع شركات شحن عالمية لإعلان تغيير مسارها واتخاذ مسارات أطول حول الطرف الجنوبي لأفريقيا.

هذه الهجمات الحوثية التي تبررها الجماعة بالانتصار لأهالي قطاع غزة الفلسطينية الذين يتعرضون لجرائم إبادة جماعية علي أيدي قوات الاحتلال الصهيوني منذ إطلاق عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، قادت واشنطن لتشكيل قوة عمل بحرية تتألف من عشرين دولة، بهدف حماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر.

غسيل إجرام

ورغم الهجمات الحوثية المعلنة في البحر الأحمر وتجاه مناطق إسرائيلية،  والتصريحات النارية لقادة الجماعة في الاستمرار بمنع كافة السفن الإسرائيلية والمتجهة إلى إسرائيل، نصرة لسكان قطاع غزة، ترفض نسبة كبيرة من اليمنيين تصديق هذا التضامن، وتراه أشبه بالمسرحيات المتفق عليها مسبقًا، من خلال استغلال قضية غزة العادلة.

الخبير العسكري العميد محمد عبدالله الكميم، قال لـ "المجهر"، إن "الشعب اليمني بأكمله متضامن مع غزة وفلسطين، لكن ما تفعله مليشيا الحوثي مجرد غسيل إجرام ومحاولة استغلال قضية عادلة، في حين سجونها تمتلئ باليمنيين، وقد ارتكبت بحق الشعب اليمني ما ترتكبه إسرائيل بحق الفلسطينيين، وبحق غزة، وكل الجرائم قد ارتكبتها الأذرع الإيرانية في اليمن، تفجير المنازل والمساجد، قتل الأبرياء، تهجير نحو 5 ملايين يمني، زراعة 3 ملايين لغم.. ولم يتبقى إجرام إلا وارتكبه الحوثي". مضيفًا: "وبالتالي كيف يحق لهذه الجماعة أن تتحدث أو تتباكى على فلسطين".

من جانبه، تساءل الناشط الإعلامي إبراهيم عسقين، السكرتير الإعلامي لمحافظ محافظة إب (التابع للشرعية)، كيف لمن يحاصر مدينة تعز تسع سنوات أن يفك الحصار عن غزة..؟

وأضاف: "الحوثي الذي قال أنه يريد إدخال الماء والدواء إلى غزة!!، أليس الحوثي نفسه، من كان جنوده يتبولون على وايتات مياه الشرب ليفسدوه على أطفال ‎تعز من أن يشربوه؟!!.. مختتمًا: "عقول معفنة".

تلميع مقصود

يرى فيصل المجيدي، وكيل وزارة العدل، أن "من يقتل اليمنيين ويدمر بلادهم ويختطف أطفالهم ويفجر مساجدهم لن يكون صادقا في مواجهة عدوان الصهاينة".  

وأضاف: "الحوثيون مجرّد أداة قذرة تتحرك حسب المصلحة الايرانية.. ومع ذلك حتى لو دخلوا القدس فلن يبيض ذلك صفحاتهم الدموية".

من جانبه، الصحفي صدام الحريبي، قال لـ"المجهر"، إن "الحوثي لا يستخدم قضية غزة العادلة من أجل غسيل الإجرام فقط، بل يستخدمها كذلك من أجل الإضرار باليمن واستعطاف الناس من أجل القتال في صفوفه".

وأضاف، أن الحوثي "يضر بغزة والفلسطينيين من خلال الوقوف الكاذب إلى جانبهم، فغزة ليست بحاجة أن يسلّم الحوثي بحار اليمن ومضيقه للصهاينة والأمريكان". مشيرًا إلى أن "الحرب على غزة بمثابة فرصة استغلها الحوثيون والأمريكان والصهاينة، ليفتعل الحوثي قصة استهداف السفن والهدف هو حضور الأمريكان والصهاينة في البحر الأحمر بشكل فعلي، وبالتالي السيطرة الكاملة عليه وعلى مضيق باب المندب" حد تعبيره.

أما الباحث السياسي عصام القيسى، فتساءل: "ترى لو أن الحوثي كان على حدود إسرائيل هل كان سيخذل غزة؟!. مضيفًا: "بالطبع لا، كان سيقتحم دمشق ودرعا وحلب ويوسع السوريين قتلا..!".

تحالف دولي

يرى مراقبون وصحفيون يمنيون أن التحالف الدولي الذي شكلته واشنطن، هدفه الحقيقي دعم الحوثيين، وليس مواجهة هجماتهم المزعومة، على اعتبار أن أبرز أعضاء التحالف هي من دعمت الحوثيين وأعاقت القوات الحكومية والموالية لها من التقدم نحو صنعاء، إضافة إلى منع تحرير محافظة الحديدة بعد أن كانت القوات المشتركة على وشك السيطرة على الميناء.

وفي هذا السياق، يرى الصحفي والحقوقي همدان العليي أن هذا التحالف الدولي البحري هدفه شرعنة سيطرة الحوثيين، قائلًا: "كيف لا والدول التي تقول بأنها تريد مواجهة الحوثي في البحر الأحمر، هي التي منعت اليمنيين من تحرير صنعاء والحديدة؟!

وأوضح: "قبل سنوات وعندما منعوا تحرير الحديدة قلنا بأن بعض الدول العظمى تريد بقاء الحوثي ليكون وسيلتهم في ابتزاز دول الخليج وسببا للسيطرة على الممرات البحرية الاستراتيجية في المنطقة". وتساءل: "أليس هذا ما يحدث؟"

وأردف: تمت العملية بنجاح.. تم تحقيق الهدفين.. الأول: دول الخليج اليوم أصبحت في تهديد دائم من النظام الخميني ومرتزقته وبمثابة (رهائن) بسبب صواريخ الحوثيين والحشد وهذا الوضع يتطلب الحماية الدولية". مضيفًا أن "الهدف الثاني: أصبح البحر الأحمر تحت الهيمنة الدولية".

وأشار العليي إلى أن "كل هذا كان بالإمكان تجاوزه لو ترك لليمنيين حقهم في تحرير بلادهم.. التقدم بعض الكيلومترات في الحديدة ونهم صنعاء".

من جانبه، قال الباحث عبدالله إسماعيل: بريطانيا تصرح اليوم أن تهديد الملاحة غير مقبول". مضيفًا: "تصريح أجوف يعيدنا الى نهايات 2018 وهي تمارس كل ضغوطها لمنع تحرير الحديدة".

وأكد أن "ما يقوم به تنظيم الحوثي الإرهابي اليوم هو نتاج لتلك الخطة البريطانية، وهدف اتفاق ستوكهولم.. وما زال التوظيف مستمر".

أما رئيس تحرير صحيفة أخبار اليوم، سيف الحاضري، قال في تغريدة على منصة إكس، إن "أمريكا وبريطانيا وفرنسا التي تقف مع الاحتلال الإسرائيلي في حربة على غزة ..

هي ذاتها أمريكا وبريطانيا وفرنسا التي وقفت مع ميليشيا الحوثي ومنعت القوات المشتركة من تحرير الحديدة والجيش الوطني من التقدم نحو صنعاء".

وأضاف أن "أمريكا وبريطانيا وفرنسا التي تصنف حركة المقاومة الفلسطينية حماس بالإرهابية.. هي ذاتها أمريكا وبريطانيا وفرنسا التي رفضت تصنيف جماعة ميليشيا الحوثي بالإرهابية". مضيفًا: "ويأتي من يقول لك هناك محور مقاومة سيقاتل مع غزة !!".

أجندة خارجية

ويعتقد اليمنيون أن الهجمات في البحر الأحمر، هي عمليات إيرانية بواسطة جماعة الحوثي الموالية لها، ضمن مشروعها التوسعي.

وفي تصريحاته للمجهر، قال الخبير العسكري محمد الكميم، إن "إيران استغلت ما يجري في غزة، لتثبت للعالم، أنها استطاعت عبر ذراعها الحوثي أن تثبت للعالم أنها أصبحت ذات قوة ونفوذ في المنطقة، وأنها تستطيع التحكم في البحر الأحمر ومضيق باب المندب كما تفعل في مضيق هرمز".

منتصف ديسمبر/أيلول الماضي، وتعليقا على المساعي الأمريكية لإنشاء قوة بحرية دولية في البحر الأحمر، قال وزير الدفاع الإيراني، العميد محمد رضا أشتاني، في تصريحات لوكالة إيسنا الإيرانية، إن "البحر الأحمر يعتبر جزءا من منطقة إيران، ولدينا سيطرة على تلك المنطقة".

وتعليقًا على تصريحات الوزير الإيراني، أكد الكميم أنها" أشبه بالحقيقة، فالحوثي ذراع إيرانية، ونحن دائما نؤكد أن الحوثي يمثل خطر على الملاحة وخطوط التجارة العالمية، ونؤكد دائما أن جماعة الحوثي لا تختلف عن القاعدة، ولا تعترف إلا بلغة العنف والقوة".

ويقول الخبير العسكري الكميم، إن الهجمات الحوثية "لم تفد غزة وفلسطين بأي شيء، بل أثرت على الشعب اليمني والاقتصاد اليمني، وأثرت على حركة الملاحة برفع رسوم الشحن، فيما إسرائيل ماضية في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في غزة". مضيفًا أن "كل أعمال الحوثي لم تقتل حتى إسرائيلي ولا أمريكي، ولم تلحق بهم حتى مجرد إصابة، بل رأينا سفينة تجارية يابانية، ورأينا بعض الإعلانات الأمريكية لهذه الأعمال، واستغلتها أمريكا لعسكرة البحر الأحمر، من أجل أن تقول للعالم أننا موجودين في الشرق الأوسط لأجل مكافحة الأذرع الإيرانية".

اختبار للتهديدات

الباحث السياسي ورئيس مركز أبعاد للدراسلت، عبدالسلام محمد، كان قد كتب على حسابه في منصة إكس، أن "إيران وجدت في حرب غزة فرصة لاختبار تهديداتها في إغلاق البحر الأحمر وباب المندب ونجحت". مؤكدًا أنه" حتى لو لم يكن هناك حرب غزة هذا الاختبار سيتم بحجج كثيرة، فالحرس الثوري الإيراني له سنوات يجهز الحوثيين لمعركة في البحر الأحمر".

وقبل حرب غزة بشهر كامل وبالتحديد في التاسع من سبتمبر، ذكرت "شيبا انتلجنس" في تقرير لها عن تمكن الحوثيين من اختراق الاتصالات البحرية وتوجيه السفن من ميناء عدن وموانئ أخرى إلى موانئ اللحية والصليف والحديدة. وفي 30 سبتمبر قبل حرب غزة بأسبوع ذكرت الوكالة نفسها عن تدريبات يتلقاها الحوثيون في ميناء اللحية على الهجمات البحرية واختطاف السفن واستخدام الالغام البحرية، وفق عبدالسلام محمد.

وأردف "ولا زال البعض يعتقد أن إيران وحلفائها مهتمين بعقاب إسرائيل في البحر ألأحمر وهي التي تقع على بعد بضع كيلو مترات من حزب الله وقواعد الحرس الثوري في سوريا والعراق". لافتًا إلى أن "فلسطين بالنسبة لإيران ورقة رابحة للكسب الشعبي، وتصعيد أمريكا وإسرائيل ضد الفلسطينيين هدية جديدة لإيران في المنطقة".

عمليات ظرفية

يرى الخبير العسكري والاستراتيجي "علي الذهب" أن التحالف الذي أنشأته واشنطن هو تحالف مهمة، بمعنى أن فترته محددة، وسينفرط عقده بعد أن يكمل مهمته، مثله مثل تحالف أتلانتا، الذي أنشأه الاتحاد الأوروبي، أو تحالف درع المحيط الذي شكله حلف الناتو، وعمليات هذين التحالفين كانت أثناء القرصنة في العقد الأول من القرن الجاري، لمواجهة القرصنة في خليج عدن، ثم تلاشى هذا التحالف.

وبخصوص تأثير هذا التحالف، أشار الدكتور الذهب، أن الدول المشاركة فيه قد تدفع بسفن من أجل حماية السفن التجارية التي تتعرض لهجمات من قبل الحوثيين، سواء كانت الهجمات عن طريق الزوارق بقصد الاختطاف أو القرصنة، أو لديها وسائل دفاعية نارية جوية تستطيع بها مواجهة صواريخ الحوثيين، أو أنها ترد على مصادر هذه النيران، أو على الأقل تمثل رادع بأن هناك قوات بحرية لمواجهة هذه العمليات.

ولفت إلى أن "ما يقوم به الحوثيون هي عمليات ظرفية، مرتبطة بالحرب في غزة وفي الوقت ذاته لدى الولايات المتحدة حسابات في قضايا لا تتعلق بغزة، ولكن لها علاقة بالبحر الأحمر، مثل تصاعد العنف في السودان، وإمكانية اندلاع عنف بين إرتيريا وأثيوبيا، بسبب رغبة الأخيرة في الحصول على منفذ بحري من الأولى، ويمكن أن يكون ذلك مفتاحًا للحرب، ولاحظنا زيارة حميدتي لأثيوبيا، متوقعًا أن يكون هناك تصعيد أو تحالفات أو محاور في غرب البحر الأحمر.

وبخصوص سيناريوهات توقف الهجمات الحوثية، توقع الخبير الذهب توقف التصعيد في البحر الأحمر في حال توقف الحرب في غزة أو دخل الحوثيون في عملية سلام في اليمن، مشيرا إلى أنه من المحتمل أيضا أن تتوقف الهجمات الحوثية في حال دخلت الجماعة في عملية سياسية حتى وإن استمرت الحرب في غزة، وسيكون المبرر الحوثي حينها أن السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بموانئها لم تعد تمر في البحر الأحمر.

ويرى الخبير العسكري علي الذهب، إن "الولايات المتحدة لا تريد أن تصعّد بحيث يكون ردّها على الحوثيين قويًا، كونها في أمس الحاجة إليهم في الوقت الراهن وفي المستقبل، لممارسة ضغوطها على بعض الأصدقاء الذين يريدون التمرّد عليها، وفي مقدمتهم السعودية ومصر.

عسكرة البحر الأحمر

بالعودة إلى الخبير العسكري محمد الكميم، فإنه يرى أن "المستفيد من عسكرة البحر الأحمر، هي أمريكا وإسرائيل وإيران، فقط، فيما لم يستفد منها لا فلسطيني ولا عربي". وأضاف أن المتضرر من ذلك هما" اليمن ومصر".

وفي ورقة (تقدير موقف) بعنوان "حارس الازدهار – التحالف الذي دعت له واشنطن في البحر الأحمر- الدور وحدود التأثير" خلصت القراءة الصادرة عن مركز المخا للدراسات الاستراتيجية (مقره إسطنبول)، إلى اعتبار أن ما يحصل حاليًا سيسهم في تعزيز حضور إسرائيل في البحر الأحمر، وتزايد مهددات الأمن القومي العربي، حيث تمكنت القوى الغربية من تثبيت وجودها العسكري الكثيف في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن على حساب الدول العربية المشاطئة.

اقرأ أيضا: تصعيد الحوثيين.. تلميع لصورة الجماعة أم ذريعة لتكثيف التواجد الأجنبي في البحر الأحمر؟