السبت 07/سبتمبر/2024
عاجلعاجل

الأدوية المهربة.. علاجات مغشوشة تقتل اليمنيين وبأثمانٍ باهظة (تحقيق خاص)

الأدوية المهربة.. علاجات مغشوشة تقتل اليمنيين وبأثمانٍ باهظة (تحقيق خاص)

تنتشر الأدوية المهربة والمزورة كغيرها من السلع التجارية التي تدخل إلى المحافظات والمدن اليمنية دون تصاريح رسمية عبر طرق ووسائل التهريب المختلفة، إلا أن خطورة الأدوية تبقى في إمكانية تحولها إلى مواد سامة يصرفها الأطباء لمرضاهم إذا لم تخضع للرقابة وفحص الجودة وفي حال جرى نقلها وتخزينها بشكل سيء.

ومن أجل الخروج بصورة أكثر وضوحاً عن طبيعة سوق الأدوية إن جاز التعبير، كان علينا أن نفهم أولاً مدى تأثر السوق بالتحولات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية في ظل الصراع القائم منذ انقلاب جماعة الحوثي على مؤسسات الدولة في العاصمة صنعاء عام 2014.

ولأن التحولات التي شهدتها البلاد عززت من حضور قوى موازية لسلطات الدولة لا سيما في الجانب الصحي، فقد نشطت معها عمليات تهريب الأدوية على نطاق واسع بعدما كان نشاطها محدودا.

ولابد أن نشير أيضاً إلى أن هناك عوامل متعددة ساهمت في أن تأخذ الأدوية المهربة وغير الفعالة مكاناً لها على رفوف الصيدليات، سواء تلك التابعة لشركات أدوية معروفة ولكنها غير مصرحة أو غيرها من الأدوية المزورة والتي تدخل بعضها بتصاريح رسمية.

فخلال عملية البحث التقى فريق التحقيقات في "المجهر" بعدد من مندوبي شركات الأدوية في اليمن بما فيهم من يعمل في هذا المجال لأكثر من خمسة عشر عاماً ولهم ارتباطات واسعة مع تجار ووكلاء شركات الأدوية.

كما قام الفريق بالنزول إلى عدد من الصيدليات لتسليط الضوء على أصناف الأدوية المهربة الأكثر انتشارا، إضافة إلى الحصول على معلومات أمنية بهذا الخصوص من مصدر أمني في مدخل مدينة تعز، وكذلك مصادر أخرى سنأتي على ذكرها تباعاً.

 

معايير الجودة

 

تُصنف الأدوية المنتشرة في السوق بشكل مخالف للإجراءات القانونية إلى ثلاث فئات، وفقا لمندوب إحدى شركات الأدوية بمدينة تعز، فهناك: -

  • المهربة: تعتبر أدوية مرخصة تابعة للشركات الأم لكنها تدخل البلد دون تصاريح رسمية ولا تخضع لقوانين السلامة.

  • المزورة: وهي أدوية مجهولة المصدر يجرم القانون بيعها وتداولها في السوق ومع ذلك قد تعبر من النقاط الرئيسية للمدن بتصاريح رسمية.

  • المنتهية: أما هذه الأدوية فظلت في المخازن والصيدليات حتى تجاوزت تاريخ الانتهاء، أو تم نقلها وتخزينها بصورة سيئة مما سبب لها التلف.

وفي مستهل حديثه يقول المندوب الذي تحفظ عن ذكر اسمه، إن معظم شركات الأدوية الدولية كانت تصل منتجاتها إلى اليمن قبل الحرب، وترفض اليوم تصديرها بسبب تردي الأوضاع في البلاد.

وعلَّلت هذه الشركات التي تقع مقراتها في دول ذات معايير جودة عالية مثل ألمانيا وفرنسا وسويسرا وغيرها، أن اتخاذ هذا القرار جاء حرصاً منها على أن تصل أدويتها إلى المرضى بنفس فعاليتها دون تعرضها للتلف أثناء النقل والتخزين.

وأشار المصدر الصيدلاني في حديثه لـ"المجهر" إلى أن الحصار المفروض من قبل جماعة الحوثي على مدينة تعز ومدن يمنية أخرى أوجد صعوبة في النقل عبر طُرق بديلة كونها تأخذ وقتاً أطول علاوة على تدهور خدمات الكهرباء مما يجعل الأدوية أكثر عرضة لتأثيرات الطقس وسوء التخزين وهذا بالضرورة يفقدها فعاليتها.

مصادر التزوير

 

وسط الحاجة الملحة لأصناف كثيرة من الأدوية المطلوبة في السوق بعدما صار من الصعب توفيرها في اليمن بشكل رسمي، لجأت بعض المصانع المحلية والعربية وكذلك الإفريقية إلى أخذ تركيبتها وتصنيع نسخة مزورة منها دون موافقة الشركة الأم.

ووفقا لتوضيح مندوب إحدى شركات الأدوية في العاصمة المؤقتة عدن – رفض الإفصاح عن هويته – فأن الأدوية المزورة تتدفق إلى اليمن من مصانع ومعامل في أثيوبيا وجيبوتي بالإضافة إلى وجود معامل محلية.

وفيما يتعلق بالجانب المحلي كشف المصدر لـ"المجهر" عن وجود معامل داخل شقق ومحلات ومستودعات مخفية في صنعاء وعدن لإنتاج الأدوية المزورة وإن كانت بشكل محدود ربما لعدم توفر ما يكفي من التركيبة الأساسية للأدوية، أو أن ذلك يفسر وجود تنسيق بينها وبين المعامل الخارجية التي تهرب منتجاتها إلى اليمن.

وهذه النقطة بالذات تجعلنا أمام قائمة من التساؤلات عن هوية الشركات المزورة للأدوية ومموليها ومن يقف ورائها ويوفر لها الحماية، وعن الطرق والوسائل التي تصل بها هذه الأدوية إلى المدن والمحافظات اليمنية لتتوزع بعد ذلك على الصيدليات.

وبطبيعة الحل، يمكن للمواطن العادي معرفة الفرق بين الأدوية الأصل والمزورة من خلال ختم الوكيل المستورد على الباكت، إلى جانب بعض الاختلافات في الغلاف الخارجي والمنتج بشكل عام لا يستطيع تمييزها غير الصيدلاني.

 

سوق بلا رقابة

 

تُصنَّع الأدوية المزورة في معامل يدوية بواسطة عجانات ومكينات تغليف بعد أن يتم خلط ما نسبته 10 % من الأدوية الفعالة مع 90 % من مادة "النشء" وفق حديث سمير غالب – اسم مستعار – وهو مندوب إحدى شركات الأدوية في صنعاء.

ويضيف المندوب أن القائمين على تزوير الأدوية يلجؤون إلى التبرير بأن مادة "النشء" لا تسبب الضرر لمتعاطيها، متحججين بإضافة شريط أو باكت من المادة الفعالة إليها. ما يمثل إدانة واضحة لمخالفة معايير الجودة يتوجب محاسبتهم عليها.

وهناك من يقوم بإضافة مادة "الجص" خلال عملية تزوير الأدوية للحفاظ على تماسك القرص المقلد من العلاج وحتى لا يتفكك بفعل عوامل الرطوبة والحرارة أثناء النقل والتخزين.

وفي هذا الصدد، أوضح المصدر الدوائي خلال حديثه لـ"المجهر" أن العلاج المزور يتم توزيعه على الصيدليات بأسعار رخيصة جداً مقارنة بالعلاج الأصل، ويضيف " على سبيل المثال تكون تكلفة بيع باكت من علاج ما مزور بـ 200 ريال بينما سعر الباكت من العلاج الأصل بـ 900 ريال".

وذكر أن هناك علاج مهدي للصداع والآلام يحمل اسم "بندول اكسترا" منتشر في السوق بشكل كبير في الآونة الأخيرة لكنه مجهول المصدر، مبيناً أن عملية تزويره تكلف مبلغ 60 ريالاً، بينما يتم بيعه للموزعين بـ 200 ريال.

ولا يخلو هذا الأمر من الاستغلال والمرابحة أيضاً، فبعد أن يشتريه الموزع يقوم ببيعه على الصيدليات بـ 400 ريال، ويصل سعر القرص الواحد في الصيدلية إلى 100 ريال. وفقا للمصدر.

مشيرا كذلك إلى أن هناك معامل ومستودعات سرية في صنعاء وعدن تقوم بتزوير الدواء الإماراتي المعروف - مهدئ للصداع والآلام - ويتم بيعه في السوق بنفس أسعار الدواء المرخص من قبل الشركة الأم.

 

 

تبرير حوثي

 

كانت أدوية "البرونك" المتعلقة بالأمراض المزمنة مثل أدوية السكر والضغط وأمراض القلب والحالات النفسية، تصل إلى اليمن قبل الحرب بأسعار مناسبة فيتنسى لكل طبقات المجتمع الحصول عليها.

وارتفعت أسعارها اليوم نتيجة انهيار العملة المحلية مقابل الدولار، وهو الأمر الذي ترك مساحة لتواجد الأدوية المهربة والمزورة، فشرعت شركات يمنية بتصنيع أدوية "البرونك" لكن بجودة أقل بكثير عن جودة الأدوية الأصل.

وأفاد مصدر في الهيئة العليا للأدوية بصنعاء، بأن وزارة الصحة العامة والسكان في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دوليا، منحت تصاريح في عام 2018م لمعامل موجودة في منطقة عصر بصنعاء من أجل تصنيع أدوية "البرونك".

وأوضح المصدر في حديث مقتضب مع "المجهر" أن وزارة الصحة بررت سماحها بهذه المخالفات من باب توفير أصناف بديلة للأدوية المنعدمة والمرتفعة أسعارها، وتابع: "قالوا بنجيب نفس الجودة وندعم المنتج الوطني".

وعلى سبيل المثال، يصل سعر دواء السكر للشركة الأم إلى عشرة ألف ريال في الصيدليات، بينما الدواء المزور محليا سعره ألف وخمسمائة ريال ونسبة المواد الفعالة فيه ضئيلة جداً. حد وصفه.

 

 

تغذية السوق

 

يتهافت المواطنون على الأدوية المزورة في الصيدليات بجهل منهم أو بعلمهم أحيانا نظراً للفارق في سعرها والذي قد يصل إلى 40 % مقارنة بالأدوية المصرحة.

وفي الواقع، تتعامل الصيدليات في اليمن مع هذه الأدوية لتغطية الطلب نظراً لما أسماها أحد الصيادلة بـ " سياسية تعطيش السوق" من خلال احتكار أصناف من الأدوية التخصصية بهدف رفع سعرها في ظل عدم الاستقرار النقدي خصوصاً في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية.

ويبرر الصيدلاني – فضَّل عدم ذكر اسمه - أن تعاملهم مع بعض الأدوية المزورة يأتي كونها كبديل أنسب للأصناف المنقطعة عن السوق في ظل الظروف السيئة التي تعيشها البلاد.

كما أضاف أن " أصناف كثيرة من هذه الأدوية لا نؤمن بسلامتها ولا نعتمد عليها مثل المحاليل وأدوية القلب وغيرها من الأصناف التي تحتاج درجة حرارة منخفضة أو ثلاجة لتخزينها ".

ولدى سؤالنا عن التجار الموزعين للأدوية المهربة والمزورة، يقول الصيدلاني في نقاشه مع فريق "المجهر" إن معظمهم معروفون ويمارسون عملهم بشكل علني دون اعتراض من الجهات الرسمية.

وتكتفي الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية بمتابعة الصيدليات من خلال "جروب" خاص بالبلاغات والشكاوى عن الأصناف المهربة والمنتهية وغير المطابقة للجودة. حد قوله.

 

وكلاء تهريب

 

تحتفظ عمليات تهريب الأدوية في اليمن بكثير من الأسرار المعقدة، ويبقى مفتاحها متوقفا بمعرفة تفاصيل عن التجار الموردين وعصابات التهريب التي تقوم بإدخالها إلى الحدود اليمنية.

وفي إطار البحث عن ذلك، تحدث إلينا الدكتور علي فهيم الغيلي – اسم مستعار – وهو مصدر مطلع في الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية، مفيداً بوجود عصابات تهريب متخصصة بالأدوية من ذوي النفوذ في الممرات البرية والبحرية.

كما ذكر أن جزءاً لا بأس به من عمليات تهريب الأدوية يتولاها وكلاء سابقون بحكم خبرتهم في هذا المجال، مبيناً أن هؤلاء الوكلاء لجئوا إلى توريدها عبر خطوط التهريب بهدف التهرب الضريبي أو بعد إلغاء وكالاتهم المصرحة لعدم تسديد مديونياتهم للشركات الخارجية.

وقال المصدر لـ"المجهر" إن الأدوية المهربة تتمتع بحماية من داخل الهيئة العليا للأدوية نفسها، مضيفاً أنه على الرغم من " تولي بعضهم مناصب هي في الأصل تحارب تهريب الأدوية إلا أنهم يستغلون ذلك لتمريرها".

وذكر أن "الحريري" يعد من كبار المهربين للأدوية في عدن مع أن لديه منصب في الهيئة العليا للأدوية، بالإضافة إلى "العماد" رغم كونه عاقل سوق الجملة للأدوية في تعز.

كما أن هناك محلات رسمية في حي الأجينات بمدينة تعز لبيع الأدوية المهربة، منها محلات "القريضي، والعماد، والقانوني" إلى جانب بيوت وشقق وسط المدنية خاصة في الحارة القديمة. وفقا لما ذكره المصدر.

 

التهريب كضرورة

 

لا تكاد اليوم تخلو أي صيدلية في اليمن من الأدوية المهربة، كما أشار لذلك الدكتور عمر ياسين – اسم مستعار - مالك صيدلية في تعز، بقوله إن " كل الصيدليات يوجد لديها أدوية المهربة ".

ويقبل الصيدلاني التعامل مع الأدوية المهربة لعدم توفرها عبر وكيل معتمد، حيث يشير المصدر الصيدلاني إلى أن الهيئة العليا للأدوية في عدن وصنعاء مطلعة بحاجة السوق إلا أنها لا تحرك ساكناً حيال ذلك.

وذكر المصدر الصيدلاني في حديثه لـ"المجهر" أن مبدأ "ما قل وزنه وزاد ثمنه" أصبح قاعدة معروفة في عمليات تهريب الأدوية لتحقيق أرباح طائلة، ومن ذلك مادتي "الأنسولين" و "الألبومين" التي قال إن نسبة تهريبهما تصل إلى 90 % إلى جانب الأدوية المتعلقة بالحالات النفسية والعصبية ومضادات الاكتئاب.

وضرب لنا أمثلة عن أصناف الأدوية المهربة المنتشرة في السوق منها؛ "تجريتول" أقراص وشراب – "كونفيلكس" شراب وكبسولات – "ديباكين" أقراص وشراب وقطر – وعلاج السكر "أماريل" رقم 1,2,3,4.

أما الصيدلاني الدكتور ع.س.ق فذكر هو الآخر أصناف من الأدوية المهربة المنتشرة في اليمن مثل، اللقاحات الخاصة بداء الكلب والعقارب ولدغة الحية، ولقاحات المناعة، وهرمون "إريثروبويتين" الخاص بالفشل الكلوي، وكذلك هرمون النمو، وعلاجات فيروس الكبد.

كما أشار إلى أن الأدوية المشروبة والسائلة عموماً هي الأكثر عرضه للتلف أثناء تهريبها، حيث أن احتمالية تغير لونها كبيرة بفعل درجة الحرارة.

وبحسب المصدر الصيدلاني فالأدوية المهربة تأتي إلى اليمن عن طريق: -

  • البحر بنسبة 70 % وإجراءات حفظها أثناء النقل والتخزين ضعيفة جداً.

  • البر بنسبة 20 % وكذلك إجراءات حفظها ضعيفة.

  • الجو بنسبة 10 % وإجراءات حفظها تكون أفضل من الطريقتين السابقتين.

 

تكاليف التهريب

 

الأسباب كثيرة للإقبال على الأدوية المهربة، ومن ذلك أسعارها المناسبة لدخل المواطن اليمني مقارنة بأسعار الأدوية المصرحة باهظة الثمن، حيث قال المصدر الصيدلاني إن بعض الأمصال وإبر المناعة كلفتها خيالية على المواطن من خلال الاستيراد الرسمي.

ويواصل حديثه لـ"المجهر" مبيناً أن لقاح المناعة "أمينو جلوبين" المهرب سعره 300 ألف ريال في حين إذا وصل بشكل رسمي فسيكون سعره الضعف، وأما مغذيات "الألبومين" الأوروبي يدفع المواطن اليمني قيمة إخراجها من السعودية 100 ريال سعودي في حين هي تصرف هناك مجانا.

كما ذكر أن بعض الأدوية مثل علاج السكر "الأنسولين" أصبحت تأتي مهربة داخل ثلاجات الصيد عن طريق جيبوتي، بعدما كانت تأتي محفوظة بثلاجات تبريد خاصة عبر وكلاء رسميين كشركة الرأفة والحارث، مؤكداً أن "عملية الحفظ هذه غير مقبولة ومن شأنها أن توثر على المرضى حتى وإن حفظت بثلاجات بعد ذلك".

ونستطيع معرفة أن المادة الفعالة في "الأنسولين" غير فعالة إذا تحول من اللون الأبيض إلى حبيبيات كريستالية، لأنه يحصل حينها فصل للمادة بسبب زيادة درجة البرودة أو نقصها. بحسب المصدر.

وبالحديث عن جودة المادة الفعالة في الأدوية التي تصرفها المنظمات ذات الصلة، يشير المصدر إلى أنها أفضل مقارنة ببعض الأدوية المزورة إلا أن المادة الفعالة فيها تكون قليلة بعض الشيء.

 

 

تسهيل حكومي

 

أصبح تهريب الأدوية مجالاً مستقلاً بذاته وله تجاره ومورديه وشبكته الخاصة، حتى أن ثمة أذرع من داخل الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية تعمل في إطار هذه الشبكة.

ولذلك كان لابد أن نفهم جزءاً عن حقيقة تهريب وتزوير الأدوية من مصدر في الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية في عدن، والذي اعترف لـ"المجهر" أن دور الهيئة شبه معدوم في الحد من ذلك إلى جانب غياب دور الهيئة العليا للمقاييس وضبط الجودة.

وأفاد المصدر الذي تحفظ عن ذكر اسمه لأسباب مهنية، بأن كبار مهربي الأدوية يملكون حصانة ولديهم علاقات واسعة لتسهيل عمليات التهريب علاوة على امتلاكهم رأس مال كبير.

كما يستغل المهربون علاقاتهم في الاستفادة من عبور الشاحنات المحملة بالبضائع دون قيام الجهات المختصة في عدن بتفتيشها ومعرفة ما تحتويه، وهو ما يسهل عبور الأدوية المهربة وسط هذه البضائع.

ويعتقد المصدر أن وجود منافذ بحرية بدون رقابة مثل منفذ رأس العارة ساهمت في انتشار الأدوية المهربة بواسطة المتنفذين من المشايخ هناك، والذي قال إنهم يمتلكون مخازن مخصصة للأدوية في مناطقهم دون ثلاجات تبريد.

وبحسب المصدر يمكن تصنيف الأدوية المهربة إلى ثلاثة أنواع: -

  • النوع الأول: أدوية تنتجها الشركة الأم ولها وكلاء حصريين في اليمن، يتم تهريبها عبر المطارات بواسطة شخصيات نافذة وفي الغالب تحتفظ بنفس مواصفات المنتج الموجود لدى الوكيل وبسعر أقل، كونها تعبر بلا ضرائب جمركية.

  • النوع الثاني: أدوية تنتجها شركات ومصانع في تركيا والهند ومصر، لكن ليس لها وكلاء في اليمن أو توقف استيرادها بسبب الحرب بعد إلغاء التعامل الأجل مع الوكلاء فيتم تهريبها في الغالب عبر الوكيل السابق.

  • النوع الثالث: أدوية تنتجها معامل داخل وخارج اليمن ويكون مصدرها مجهول وجودتها غير معروفة، ويتم تهريبها بكميات كبيرة عن طريق الموانئ والممرات البحرية وكذلك عبر الممرات البرية بالنسبة للأدوية المنتجة في معامل محلية.

 

ضغوط أمنية

 

تنتظر الأجهزة الأمنية والرقابية مهام صعبة في هذا الجانب، خاصة وأن عمليات الضبط والتفتيش تتم بآليات بسيطة وبدائية مقابل قدرات هائلة تمتلكها عصابات التهريب، كما أن هناك جهات رسمية متورطة أو متواطئة إن صح التعبير في مسألة تهريب الأدوية.

وتحدثت مصادر أمنية وصحية متطابقة لـ"المجهر" عن شحنات أدوية لم تكن تمتلك تراخيص معمدة، ومع ذلك دخلت عبر "نقطة الهنجر" مدخل مدينة تعز بتصاريح رسمية من قبل جهات وشخصيات نافذة في الحكومة الشرعية دون إخضاعها لمقاييس فحص الجودة.

وكشفت المصادر عن دخول أدوية مهربة إلى مدينة تعز بحماية أطقم شرطة النجدة دون تفتيش، وكما هو الحال مع كثير من جهات النفوذ في عدن وفي مداخل المدن اليمنية لتسهيل عبور الأدوية المهربة.

لكن أثناء الحديث مع مصدر أمني في "نقطة الهنجر" بمدخل مدينة تعز، لم يُفد بوجود جهات رسمية متورطة في عمليات التهريب، إلا أنه استدرك بالقول ".. وإن وجدت فهي غير معروفة كون عمليات تهريب الأدوية تتم ضمن شبكة واسعة شأنها شأن أي مواد أخرى يتم تهريبها".

وفي السياق قال المصدر الأمني – تحفظ عن ذكر اسمه - إن آليات وطرق التفتيش تتم بإمكانيات بسيطة للتعامل مع الأدوية المهربة والمزورة نظرا لعدم وجود مختصين من قبل الهيئة العليا للأدوية.

كما تطرق في حديثه لـ"المجهر" إلى أن "نقطة الهنجر" تعتبر مدخلا لمدينة تعز فقط وليس للمحافظة بأكملها، مضيفاً بأن هناك منافذ كثيرة يتم عبرها تهريب الأدوية إلى الأرياف وبقية المناطق في تعز.

 

التعامل مع المضبوطات

 

يتوقف دور الأجهزة الأمنية في التعامل مع الأدوية بشكل عام عبر التصاريح الصادرة من قبل الهيئة العليا للأدوية سواء من عدن أو صنعاء، وطبقاً للمصدر فأي أدوية مصرحة يتم السماح لها بالعبور إلى مدينة تعز بعد التأكد من اسم الصنف والعدد الموجود في التصريح.

وأوضح المصدر أن الأجهزة الأمنية في "نقطة الهنجر" ضبطت كميات من الأدوية المهربة في فترات مختلفة وتم إتلافها، متحفظاً عن ذكر عدد معين لعمليات الضبط أو نوع هذه الأدوية.

لكنه كشف عن الوجهة التي تأتي منها الأدوية المهربة، حيث أفاد بأن معظمها تأتي من مناطق الساحل في "المخا" وما حولها، بالإضافة إلى أن هناك كميات اخرى ضُبطت وهي قادمة من صنعاء وعدن.

وأشار إلى أن الأدوية المضبوطة يتم تسليمها لإدارة الشرطة العسكرية في محافظة تعز، والتي بدورها تستدعي مندوب من الهيئة العليا للأدوية لفحصها إذا كانت صالحة للاستخدام من عدمه.

وكما هو واضح في هذه الحالة لا يتم التأكد من الأدوية إذا كانت مرخصة من قبل الشركة الأم أم مزورة، وإنما يكتفي مندوب الهيئة بمعرفة إذا كانت صالحة للاستخدام فيسمح لها بدخول المدينة وفيما عدا ذلك يتم حجزها وإتلافها. بحسب المصدر الأمني.

وفي تعز كما في كثير من المدن اليمنية لا توجد معامل لفحص المادة الفعالة للأدوية، وإنما يمكن معرفة الأدوية التي تعرضت لسوء التخزين من خلال تغير لونها وشكلها، فعلى سبيل المثال تتحول أدوية الحمى ومغذيات "باراسيتامول" إلى اللون الوردي عندما تصبح مادتها الفعالة تالفة.

 

 

استثمار حوثي

 

يعتقد مراقبون أن ضخ الأدوية المهربة والمزورة إلى السوق اليمني يأتي في إطار عملية تجارية محكمة تتبانها قيادات حوثية عبر شركات محلية وإقليمية تعمل لصالحها.

وكشف تقرير للمنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر، عن قائمة سوداء بأسماء قيادات حوثية مكونة من 71 شخصية تتاجر بالأدوية المهربة والمزورة، ووفقا لإحصائية الهيئة العليا للأدوية الخاضعة لسيطرة الحوثيين فقد بلغت فاتورة استيراد الأدوية في اليمن نحو 88 مليار ريال سنوياً.

وتستثمر قيادات حوثية في تزوير وتهريب الأدوية بأنواعها بما فيهم وزير الصحة العامة والسكان في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دوليا طه المتوكل ومسؤول كبير في مكتب زعيم الحوثيين يدعى "أبو محمد العياني" بالإضافة إلى رئيس الهيئة العليا للأدوية محمد الغيلي وكذلك مدير مكتب الصحة بصنعاء مطهر المروني، وعدد من القيادات العسكرية والأمنية للجماعة. وفقاً للتقرير.