يبرز اسم العميد طارق محمد عبدالله صالح المدعوم إمارتيًا، كشخصية متناقضة بين خطابات غير ملموسة على الواقع حول معركة تحرير صنعاء من جماعة الحوثي الإرهابية، وبين استثماره لحالة الحرب في تحقيق مكاسب سياسية وتنموية على حساب الفعل العسكري والميداني.
وعلى الرغم من كونه عضوا في مجلس القيادة الرئاسي منذ إعلانه في أبريل/ نيسان 2022، والذي شُكّل برئاسة الدكتور رشاد العليمي خلفًا للرئيس السابق عبدربه منصور هادي، لم يُظهر طارق صالح اندماجًا حقيقيًا مع السلطة الشرعية في اليمن، وبقي محافظًا على كيانه السياسي والعسكري المتمثل بـ "المقاومة الوطنية" ومكتبها السياسي الذي تأسس في مارس/ آذار 2021.
مراوغة سياسية
يقدم طارق صالح نفسه في خطاباته الإعلامية كقائد عسكري وسياسي يحمل مشروعًا وطنيًا يسعى من خلاله لتحرير صنعاء واستعادة مؤسسات الدولة من قبضة الحوثيين، لكن ما بين الخطاب المتكرر والفعل على الواقع، تبرز فجوة عميقة دفعت كثيرين إلى إعادة النظر في حقيقة المشروع الذي يتبناه.
وبالعودة إلى المعارك التي تصدَّرتها قوات العمالقة والقوات التهامية في العمليات المباشرة ضد الحوثيين، كانت هناك مشاركة محدودة لقواته ضمن القوات المشتركة، إلا أنه ومع توقف المعارك عند تخوم مدينة الحديدة تنفيذا لاتفاق ستوكهولم في 2021، أصبح طارق يسيطر فعليًا على المنطقة الممتدة من باب المندب حتى أطراف الحديدة، دون أن يخوض معركة حاسمة منذ ذلك الحين.
ويبدو أن طارق صالح كان يدرك منذ البداية أن خوض معركة مفتوحة قد يؤدي إلى خسائر جسيمة تستنزف قواته، فبقى على الهامش محتفظًا بتشكيلاته في حالة استعداد دون أن يزج بها في مواجهة مباشرة وطويلة، في استراتيجية أنقذته من حسابات الاستنزاف، لكنها في المقابل أخرجته من قائمة الفاعلين العسكريين في الميدان.
ويفضل لعب دور المراوغة السياسية بهدف الاحتفاظ بقوته كورقة جاهزة لأي مهمة مستقبلية، وفقا لتحليل خبير عسكري تحدث لـ"المجهر"، لافتاً إلى أن طارق يطمح مستقبلاً إلى أن يكون هو الحل حين تُحسم الأمور سياسيًا أو عسكريًا، دون أن يتحمل تكلفة المعركة نفسها.
الرضوخ للواقع
مع تحوّل مدينة الحديدة إلى نقطة اهتمام مركزية أثناء الهجوم الجوي الأمريكي على الحوثيين، ظن كثيرون أن الفرصة باتت مهيأة لطارق من أجل الإيفاء بخطابه، إلا أن موقفه بدأ يميل إلى التراجع ليبرر أن الأمر يتوقف على وجود إجماع داخلي وتحالفات خارجية تأمن له غطاء جوي لتحريك قواته، وهو ما اعتبره مراقبون محاولة للتهرب من المواجهة.
وعاد لاحقًا ليقول خلال لقاءه بمجموعة من الصحفيين إن المعركة "أكبر من الجميع" وأنها باتت تخضع لتعقيدات دولية وإقليمية، تتجاوز قدرة أي طرف محلي، وهو ما دفع العديد من الإعلاميين والناشطين إلى توجيه انتقادات لاذعة لطارق، واتهامه بمحاولة التهرب من المسؤولية، لإدراكه بأن المشاركة في معارك كبيرة قد تضعف ما بناه من قوة خلال الخمس السنوات الماضية.
وقد بلغ الأمر حده حين ظهر طارق في خطاب آخر ليتحدث عن ماضيه المقاوم خلال الحروب الستة، متجاهلًا أنه في فترة من الفترات كان حليفًا للحوثيين وساهم ضمن طرف الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح في إيصالهم إلى مفاصل الدولة.
وبغض النظر عن ذلك، فإن استراتيجية طارق التي تستند إلى الحفاظ على الجاهزية دون خوض معارك، تتحوّل بنظر الخبير العسكري (م. ن. ق) - رفضه الكشف عن اسمه لدواعي أمنية - إلى شكل من أشكال الرضوخ غير المباشر للأمر الواقع الذي يجعله محصورًا في زاوية بعيدة عن صنعاء، رغم زعمه بامتلاك قوة قادرة على الحسم.
صِدام رئاسي
لم يتوقف الأمر عند حدود التناقضات في الخطاب الإعلامي، وبدأ طارق بالتوجه نحو التصعيد داخل مجلس القيادة الرئاسي، حيث أصدر المكتب السياسي للمقاومة الوطنية بيانًا شديد اللهجة، يتهم فيه رئيس المجلس رشاد العليمي بالإقصاء والتهميش مؤسسات الدولة بسبب عقد لقاءات مع أطراف سياسية خارج الإطار الرسمي، وصفها بالتجاوز الدستوري.
هذا البيان اعتبره مسؤول في الحكومة الشرعية – المعترف بها دوليا – تصعيدًا علنيًا يكشف طارق من خلاله عن رغبته في أن يكون له حضور أكبر في صناعة القرار، على الرغم من أنه لم يشارك فعليًا في أي معركة تدعم شرعيته السياسية.
ويشير المسؤول الحكومي (م. ي. ق) في حديثه لـ"المجهر" إلى أن طارق أكد في البداية على أنه لا يطالب بمشاركة أو محاصصة داخل الدولة وأن هدفه من التمركز في مدينة المخا يتمثل فقط في القضاء على الحوثيين، لكن سرعان ما انقلب على هذا المبدأ وبدأ يطالب بتمثيل سياسي أكبر داخل مؤسسات الدولة.
ويظهر حرص طارق صالح على أن يكون هناك حصة خاصة بالمكتب السياسي، على الرغم من أنه تشكل بكوادر من حزب المؤتمر الشعبي العام وعدد من الشخصيات المستقلة في ازدواجية واضحة للمحاصصة الحزبية التي لا تنسجم مع معايير العمل السياسي.
مقاومة بلا إرادة
لم تحقق "المقاومة الوطنية" بقيادة طارق صالح أي إنجاز يُذكر على المستوى العسكري منذ تأسيسها، حيث لم تحرر أراضٍ جديدة من يد الحوثيين كما أنها لم تندمج ضمن هيكل الجيش الوطني، ورغم ذلك تطالب بتمثيل سياسي في السلطة.
كما أن الانفصال العسكري والإداري الذي يفرضه طارق صالح في الساحل الغربي، يتعارض تمامًا مع حديثه عن التهميش والإقصاء، إذ لا يمكن المطالبة بالمحاصصة السياسية ضمن مؤسسات الدولة وأنت لا تزال تتهرب من مسألة الخضوع لهيكلها المؤسسي والعسكري.
والمفارقة هنا أن تشكيلات المقاومة الشعبية في تعز وعدن ومأرب وشبوة، التي واجهت الحوثيين منذ اليوم الأول وحررت مساحات واسعة من الأراضي اليمنية، لم تنل نصيبًا من التمثيل السياسي والعسكري في السلطة، ولم تُمنح حق المحاصصة الذي يطالب به طارق رغم أنها صاحبة التضحية الحقيقية.
فهؤلاء هم الأولى بالتمثيل، لأنهم قاتلوا فعلياً على الأرض ولم يحتفظوا بقواتهم خارج المعارك، وفقا لخبير عسكري تحدث لـ"لمجهر"، والذي يرى أن هذا التباين في التعامل يعكس خللاً كبيراً في ترتيب الأولويات الوطنية، ويعيد طرح السؤال الجوهري: "هل بات النفوذ السياسي مرهونًا بعدم القتال والتخلي عن المعركة الوطنية"؟
استعراض إعلامي
يرى مراقبون سياسيون أن طارق صالح أضاع فرصًا حقيقية لتكريس نفسه كمشروع وطني جامع، فبدلاً من التقدم على الأرض أو حتى الالتزام بالصمت وتجنب الوعود الفارغة، فضّل تكرار خطاب حماسي يخلق حالة من التعبئة، سرعان ما تخبو أمام غياب الإنجازات العسكرية على الواقع.
ومع مرور الوقت، تحوّل الأمل الذي وضعه كثير من المواطنين فيه إلى خيبة، بعد أن اتضح أن تراكم الخطابات الحماسية لا تعني شيئاً أمام غياب القرار والتحرك على الميدان، في ظروف تنتظر فيه البلاد من الجميع أفعالاً لا أقوال.
فبينما تنزف الجبهات ويصمد أبطال الجيش الوطني في مأرب وتعز والضالع، يستمر طارق صالح في تكرار نفس اللغة الفارغة من الفعل، وهو ما يجعله يفقد الزخم الشعبي ممن كانوا يرون فيه أملًا في استعادة الدولة.
وتبرز الحقيقة بعد كل ما سبق، في أن طارق صالح لا يحمل مشروع دولة بقدر ما يسعى إلى تعزيز مشروع سياسي شخصي يُبقيه لاعبًا محتملًا في المستقبل اليمني، وهو ما يكشفه الاستعراض الإعلامي في خطاباته دون إدراك منه.
كما لا يمكن فهم هذا السلوك إلا باعتباره محاولة لاستثمار حالة الحرب وتحويلها إلى ورقة سياسية، وما يجب أن يخشاه طارق أكثر من غيره، هو أن يتحول مشروعه إلى حالة من الفشل الرمزي بعد ظهوره كمن يُناور على هامش المعركة لا في صلبها، فمتى يصدق سيفه بالإنباء أم أن المعركة التي يتحدث عنها لم تكن يومًا معركته؟
تابع المجهر نت على X