كنت أحلم بأن أكمل مشواري التعليمي في الجامعة، لكن الظروف المعيشية الصعبة، وعدم قدرتي في توفير مستلزمات التعليم والمصروف اليومي، أوقفت الدراسة، بهذه الجملة يلخص الطالب عبد الرقيب سيف معاناته مع التعليم الجامعي.
بفعل الحرب الدائرة في البلاد منذ أكثر من تسع سنوات, أصبح الالتحاق بالتعليم أمنية صعبة المنال, وفاقم من ذلك تدني مستوى الدخل وغلاء المعيشة، وصعوبة الحصول على سكن، وعلى الرغم من ذلك إلا أن أغلب الطلبة القادمين من الريف يصارعون الفقر لاستكمال دراستهم في الجامعة.
معاناة الالتحاق
يواجه الطلاب القادمون من الارياف للالتحاق بالتعليم الجامعي صعوبات وعقبات كثيرة جعلت الكثير منهم يعزفون عن التعليم.
يقول ضيف علوان، الطالب في كلية الهندسة جامعة تعز، لـ"المجهر" وهو أحد الطلاب القادمين من الريف، إن "معاناة الطلاب الريفيين كل يوم في ازدياد، بل أصبح من يكمل التعليم الجامعي مجاهد لا يشق له غبار".
ويوضح ضيف، أن من الصعوبات التي يواجها الطالب الريفي أيضًا ، عدم قدرته على توفير مستلزمات التعليم ،والمصروف اليومي، وارتفاع المواصلات بشكل جنوني ، ففي بعض الأوقات نسير مشيًا للجامعة لعدم توفر مبلغ للتنقل، حد قوله.
ويضيف ، أن بعض العاملين ضمن الكادر التدريسي في الجامعات لا يراعون ظروف الطلاب ولا ينظرون لأحوالهم القاسية التي يكابدونها، ويظنون أن الجميع بنفس الظرف فيعاملونهم على ذلك ويعاقب بنقص في الدرجات من أحدث أي تقصيرا في الحضور.
ويشير علوان، إلى أنه على الكادر التعليمي مراعاة ظروف الطلاب الريفيين، وعدم حرمانهم من المحاضرة، لأن معظم الطلاب يقطعون أكثر من ثلاثة كيلو للوصول إلى الجامعة، ويعودون إلى السكن سيرًا على الأقدام.
من جهته، يقول أسامة الحاج، وهو طالب جامعي آخر،" أنا حرمتُ من الحضور في بعض المحاضرات بسبب عدم الوصول إلى قاعة التدريس في الوقت المناسب، وذلك لأنني بعض الأيام اضطر إلى السير على الأقدام لعدم توفر مال للمواصلات".
مشقة الحصول على سكن
يعد الحصول على سكن من أكبر المعوقات التي يواجها الطلاب القادمين من الأرياف، فارتفاع تكلفة إيجار الشقق السكنية، ورفض بعض مالكي المنازل التأجير للطلاب، يضطر أولئك الطلاب إلى استئجار دكاكين بعيدة عن الجامعة، وبمبالغ باهظة تفوق قدرتهم على السداد شهريًا.
وبهذا الصدد، يقول حمزة التاج، "أنا طالب جامعي وأسكن في أحد الدكاكين التي لا يتجاوز طولها ستة أمتار، حيث نتشارك السكن مع أكثر من عشرة طلاب من أقسام متعددة".
ويضيف التاج في حديثه لـ" المجهر" أن هذا من أبرز الصعوبات التي تواجه الطلاب، لافتا إلى أنه وزملاؤه لا يستطيعون التركيز في أوقات المذاكرة بسبب كثرة العدد وضيق المكان.
ويؤكد ، على الرغم من تلك الصعوبات، إلا أننا نحاول التكيف على الوضع سنصبر وسنتحمل من أجل تحقيق أهدافنا، واكمال تعليمنا الجامعي.
غلاء المعيشة
يعتقد اسماعيل التاج، وهو طالب في جامعة تعز، وأحد القادمين من الأرياف، أن ارتفاع الأسعار فاقم من حياة الطلاب المعيشية، لأن المصروف اليومي ثابت فيما الأسعار كل يوم في ازدياد، مما يضطرهم إلى حذف وجبة كل يوم لتوفير قيمتها في دفع الإيجار وشراء المستلزمات التعليمية.
ويشير التاج، إلى أنه "بفعل غلاء المعيشة وارتفاع أسعار الوقود أصبحنا نحن الطلاب القادمون من الأرياف حيارى نبحث عن وسائل مختلفة تمكننا من الصمود في مواجهة الظروف القاسية من أجل الاستمرار في مواصلة التعليم الجامعي ولعل صعوبات السفر والمواصلات هي التي أرهقت كاهل الكثير منا.
تدني مستوى الدخل
الانهيار المستمر للعملة المحلية وتدني مستوى الدخل للأسر، أثر سلبًا على حياة الطلاب الريفيين، الأمر الذي جعل الكثير من الطلاب يلتحقون في أعمال مهنية لتوفير قوت اليومي لاستكمال التعليم، وفق ما يراه اسماعيل التاج.
فيما يرى الخبير والصحفي الاقتصادي وفيق صالح ، أن الازمة الاقتصادية أثرت على مختلف السكان وليس فئات محددة فقط، لكن فئات الطلاب خاصة القادمين من الأرياف كانت هي الأكثر تضررا.
ويضيف صالح في حديثه لـ"المجهر" أن الطلاب الريفيون هم الأكثر تضررا بحكم عدم وجود برامج حماية اجتماعية تستهدف هذه الفئات في ظل التدهور المعيشي، إضافة إلى ندرة سبل العيش ووسائل الكسب، وهو ما يجعلهم يعانون بشدة، حد وصفه.
ويشير الصحفي وفيق، إلى أن الأزمة المعيشية وغياب مصادر الدخل المستدامة أيضا تجعل من وضع هؤلاء الطلاب سيئ للغاية، خصوصا في ظل ارتفاع تكلفة المستوى المعيشي، وتضخم أسعار الخدمات وغلاء المساكن.
ويوضح، أن الحرب التي نشبت منذ 2015، تسببت في انهيار الاقتصاد وتراجع مستوى دخل الفرد، وتوقف صرف رواتب الموظفين فاقم من معاناة الطلاب الجامعيين خاصة القادمين من الأرياف.
منافذ مغلقة
يعتقد الطالب يوسف الشرعبي، أن إغلاق المنافذ الرئيسية لمدينة تعز، والحصار المطبق الذي تفرضه جماعة الحوثيين على المدينة منذ تسع سنوات زاد من حدة معاناة الطلاب القادمين من الأرياف، لأن تكلفة السفر عبر الطرق الفرعية البديلة تصل إلى مبلغ مضاعف (ثلاثين ألف ريال تقريبا).
ويشير الشرعبي ، إلى أن تكلفة السفر تأخذ ثلث المصروف الشهري مما جعل الطلاب الريفيين يتخلون عن فكرة السفر إلى مساقط رؤوسهم في الإجازات ، ويضطرون للبحث عن فرصة عمل لتوفير المال لتخفيف أعباء المصاريف الدراسية عن أسرهم.
ويوضح يوسف، قبل الحرب كان الطالب الريفي في أيام الإجازة النصفية يسافر البلاد بأقل تكلفة وبزمن قصير، وذلك لتوفير المصاريف للنصف الدراسي الثاني، لكن الآن أصبح السفر للريف أمرًا في غاية الصعوبة.
واختتم يوسف حديثه " كان الطالب يصل من مفرق شرعب إلى جامعة تعز بوقت لا يتجاوز ساعة واحدة، واليوم أصبحنا نسافر إليها بأكثر من أربع ساعات، في طرق وعرة، مليئة بالمخاطر".