من جديد، تعود مشكلة تكدس النفايات في شوارع وأحياء تعز إلى الواجهة، فالحرب الدائرة في المحافظة لم تكتفِ بفرض الحصار، الذي حوّل تعز إلى مدينة منكوبة، وألقى بظلاله على مختلف جوانب الحياة، بل أغرقتها بالنفايات ومخلفات الصرف الصحي.
ومنذ بداية سنوات حرب الحوثيين، وحتى اليوم ما زال مكب النفايات الوحيد للمدينة الواقع في منطقة "مفرق شرعب" تحت قبضة جماعة الحوثي، الأمر الذي فاقم سوء الوضعين البيئي والصحي، وجعل معظم شوارع تعز موطنًا غنيًا بالنفايات، وبالتالي فإن حياة الكثير من المدنيين مهددة، بسبب انتشار العديد من الأمراض والأوبئة والفيروسات.
مجاري السيول
عشرات الأهالي من سكان مدينة تعز، تحدثوا لـ "المجهر"، حول تكدس النفايات، مؤكدين أنّ الحرب انعكست بشكل سلبي على الوضع البيئي للمدينة، خصوصًا أن المعدات الخاصة بصندوق النظافة والتحسين نُهبتْ، ما أدى إلى تراكم القمامة في الكثير من الشوارع، مسبباً العديد من الأمراض أبرزها الحميات الفيروسية والكوليرا.
وفي زمن الحرب، أصبحت مجاري السيول في تعز، مكبًا للنفايات ومخلفات البناء ومخلفات الصرف الصحي وغيرها، ما يتسبب في كثير من الأحيان بانسدادها وتحوّلها إلى بُؤرة للروائح الكريهة وحاضنة للذباب والبعوض.
وفي ظل التكدّس المستمر لمئات الأطنان من النفايات، وعلى طول مجرى السيول، التي تمتد من أسفل جبل صبر جنوبًا، مرورًا بعدد من الأحياء السكنية، وصولًا إلى سد العامرة شمالًا، تراجع عمل القنوات، التي أُنشئت بهدف تصريف مياه الأمطار، وتجنيب المدينة كارثة الفيضانات.
وتُضاعف هذه النفايات البلاستيكية، حجم معاناة الساكنين، وذلك من خلال انبعاث الروائح الكريهة وانتشار الحشرات والأوبئة وتفشي الأمراض كما يقول المواطن أصيل عبدالله، أحد سكان حي عصيفرة، شمال المدينة.
ويشكو عبدالله من تكدس القمامة وانبعاث الروائح الكريهة والمناظر البشعة التي تزعج أهالي المنطقة، لـ "المجهر": "تعد مشكلة النفايات بتعز، كارثة إنسانية يعاني منها أبناء المدينة المحاصرة منذ تسع سنوات، خاصة أن أكوام القمامة تتوزع في مختلف الشوارع، ونحن نطالب برفعها إلى خارج المدينة، تجنبًّا لانتشار الأوبئة".
ويشير إلى أن هذا الوضع الكارثي والتراكم المستمر للقمامة ناتج عن فشل الجهات المختصة، وتنصل السلطات المعنية سواء الحكومية أو المدنية عن القيام بحلول جذرية تقلص من هذه المخاطر البيئية.
ويطول أمد هذه المعضلة، خاصة مع غياب صندوق النظافة والتحسين عن القيام بدوره، وعدم توفر براميل قمامة كافية، وغياب الإجراءات التي تُلزم المواطنين بعدم اتخاذ مجاري السيول مكباً للنفايات، وحسب مراقبين فإن مكتب الأشغال العامة والطرق في المحافظة يتحمل مسؤولية تحويل قنوات تصريف السيول إلى مقلب لمخلفات البناء.
انبعاثات سامة
لم يعد إحراق النفايات حلًّا مجديًا لمشكلة تكدس أطنان القمامة، ناهيك عن المخاطر الصحية الناتجة عن استنشاق الهواء الملوث، فعملية إحراق القمامة المتراكمة في الشوارع والأحياء السكنية، تزيد من انبعاث الغازات السامة.
ومن خلال جولتنا الميدانية في عدد من الأحياء، يبدو أن سكان المناطق المجاورة لمجرى السيول يعيشون أوضاعًا صعبة، وقد تزداد قسوة عند استنشاقهم للأدخنة والغازات السامة، فالكثير من الأهالي باتوا يعانون من ضيق في التنفس والاختناق بسبب الدخان الناتج عن إحراق مواد بلاستيكية، ومواد صحية، وأكوام القمامة المتراكمة يوميًا.
يتحدث الدكتور بكيل الشرعبي في حديثه لـ "المجهر": "الكثير من سكان المناطق القريبة من أملكن النفايات يعانون من أمراض الصدر، وذلك بسبب الدخان المتصاعد الذي يُصيب الجهاز التنفسي.
وبحسب دراسات بحثية، فإن تكدُّس النفايات ينتج غازات تؤدي إلى تلوث الهواء، ولها أضرار متفاقمة على الإنسان والحيوان والبيئة، مؤكدة أن استنشاق الغازات يؤدي إلى ضعف حاسة البصر، كما يضر القلب والجهاز العصبي والتنفسي؛ مما يؤدي إلى انسداد في الأوعية الدموية التي تنتهي بالوفاة.
ويوضح الدكتور الشرعبي أن انبعاث ثاني أكسيد الكربون من النفايات يؤدي إلى تخريش في الأغشية المخاطية، والتهاب في القصبة الهوائية ويهيج الحلق ويصعب عملية التنفس مما قد يؤدي إلى الاختناق.
تصريف خاطئ
بعد أن كانت "حدائق الصالح" مزاراً يتوافد إليها أبناء هذه المدينة، تحولت بفعل حرب الحوثيين إلى مكب للنفايات، الأمر الذي يفسر ما فعلته جماعة الحوثي بهذه المدينة المحاصرة منذ تسع سنوات.
يتذكر مشتاق سعيد، أحد ساكني منطقة الضباب: "خلال السنوات التي سبقت الحرب، كنت أتوافد أسبوعيًا إلى حدائق الصالح مع أسرتي، لكن اليوم أصبحت مقلب قمامة، تشكل تهديدًا واضحًا للبيئة والمدنيين".
ويضيف: "ميليشيا الحوثي حولت هذه الحدائق، وغيرها من الأماكن إلى خراب ودمار.. انظر لقد تبدلت الألعاب بأكياس بلاستيكية تنتشر في أرجاء المكان.. مأساة حقيقية".
ويطل مكب النفايات على منطقتي الضباب وسد الجبلين، كما يتوسط الكثير من المناطق السكنية أبرزها عقاقة والمقهاية والجبالي.
وفي منتصف 2015، أفاد تقييم طارئ لحالة النفايات باليمن أجراه برنامج الأمم المتحدة الانمائي، بأن إنتاج النفايات يوميًا في اليمن يُقدر بحوالي 5.55 – 0.65 كليو غرام للفرد في المناطق الحضرية، و0.3-04 كلغ للفرد في المناطق الريفية، مع زيادة سنوية متوقعة من 3 بالمائة على المستوى الوطني، الناجمة عن النمو السكاني وزيادة تدفقات الهجرة الداخلية من الريف إلى الحضر.
وأشار التقييم إلى أن معدلات جمع النفايات بلغت 65% في المدن الكبرى و5% في المناطق الريفية، لافتًا إلى أن هناك أكثر من 50 مصنع مسجل لإعادة التدوير في جميع أنحاء اليمن، يتلقون المواد القابلة للتدوير من خلال شبكة غير رسمية من “سماسرة النفايات” كما يسميها، بالإضافة إلى متاجر الخردة وعدد كبير من ملتقطي النفايات.