منذ بداية الحرب الحوثية على اليمن، ركزت الجماعة المدعومة من إيران على اختطاف الأصوات المعارضة، وإسكات الأقلام الصحفية المناهضة، حيث تعرضت الصحافة لاستهداف ممنهج وغير مسبوق من قبل الحوثيين، وذلك امتدادًا لأدبيات الجماعة وتعليمات زعيمها "عبدالملك الحوثي" الذي اعتبر الصحفي "عدو" ومهنة الصحافة "جريمة" والعمل الصحفي "خيانة" تستدعي المساءلة والعقاب.
وتعيش الصحافة في اليمن، أسوأ الظروف في بيئة طاردة للعمل الصحفي, وانتهاكات تمارس ضد الصحفيين، من استهداف ممنهج واعتقالات مستمرة، حيث تواصل الجماعة الحوثية في مسلسل قمع الحريات الصحفية وارتكاب الجرائم والانتهاكات بحق الصحفيين والكتاب، والناشطين والإعلاميين في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، ما جعل المناطق الشمالية بيئة طاردة للعمل الصحفي وغيرهم من الأصوات المناهضة للفكر الحوثي الطائفي.
قمع مستمر
الأسبوع الماضي، تعرض الأمين العام لنقابة الصحفيين اليمنيين والأمين العام المساعد لاتحاد الصحفيين العرب في مدينة صنعاء، "محمد شبيطة" لإطلاق نار من قبل مسلحين بالقرب من وزارة الإعلام في صنعاء، أسفر عن إصابته بطلقتين في الساق وطلقة في البطن نقل على إثرها للعلاج في المستشفى، كما قتل قريب له وأصيب آخر في الحادثة.
ووسط مطالبات بسرعة فتح تحقيق عاجل والقبض على الجناة، أدانت نقابة الصحفيين اليمنيين، بشدة في بيانها ما سمته "الاعتداء الآثم"، وحمّلت سلطة الأمر الواقع في صنعاء (ميليشيا الحوثي) المسئولية الكاملة عن سلامة الزميل شبيطة.
من جهته، أدان وزير الإعلام والثقافة اليمني معمر الإرياني بأشد العبارات محاولة الاغتيال التي تعرضها محمد شبيطه، وقال عبر منصة "إكس"، إن هذه الجريمة النكراء تأتي في ظل تزايد غير مسبوق لأعمال القمع والتنكيل الذي تمارسه جماعة الحوثي الإرهابية ويطال السياسيين والصحفيين والإعلاميين والحقوقيين والنقابيين والناشطين.
وأوضح الإرياني، أن الجماعة تهدف لتكميم أفواههم وثنيهم عن التعبير عن آرائهم، وعدم تبني قضايا المواطنين، والتغطية على ممارساتها الإجرامية، وفسادها، مشيرًا إلى أن مناطق سيطرة الحوثي منذ الانقلاب، تشهد انتهاكات متواصلة تطال الصحفيين وتتمثل في الاعتقالات التعسفية، والاخفاء القسري دون توجيه تهم، والتعذيب النفسي والجسدي، وإصدار أحكام بالإعدام بتهم ملفقة، والقتل والتهجير والتشريد، ونهب الممتلكات، والفصل من الوظيفة العامة، وغيرها من أبشع صنوف الإرهاب والقمع والتنكيل
وطالب الوزير اليمني المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومبعوثها الخاص لليمن والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان وحرية الصحافة وفي مقدمتها الاتحاد الدولي للصحفيين واتحاد الصحفيين، بإصدار إدانة واضحة للجريمة النكراء.
وفي المواقف الحقوقية، أدانت منظمة سام للحقوق والحريات محاولة اغتيال الأمين العام لنقابة الصحفيين اليمنيين، محمد شبيطة، من قبل مسلحين في صنعاء، محملةً سلطات الحوثي المسؤولية الكاملة عن سلامته.
واعتبرت سام أن ما يتعرض له شبيطة يثير كثير من الشك، في ظل الاستهداف المتكرر الذي يتعرض له الصحفيون في اليمن، والاستهداف الممنهج لـ "حرية الرأي والتعبير" التي بلغت أدنى مستوياتها بالمقارنة مع بلدان العالم الأخرى، لافتةً إلى أن استهداف الصحفيين يمثل انتهاكاً خطيراً لحرية التعبير التي كفلتها القوانين الوطنية والدولية.
وعبرت "سام" عن إدانتها واستنكارها الشديد لما تعرض له الصحفي شبيطة، محملةً سلطات جماعة الحوثي المسؤولية الكاملة عن سلامته وسلامة كل الصحفيين المتواجدين في مناطق سيطرتها، كما دعت المنظمة الحوثيين إلى سرعة القبض على المتورطين في الجريمة، واحالتهم الي القضاء، مع إطلاع الرأي العام على مجريات القضية.
استهداف ممنهج
يقول سعيد الصوفي، عضو في نقابة الصحفيين اليمنيين- تعز، لـ "المجهر" إن ما تعرض له الزميل محمد شبيطة، هي بالتأكيد محاولة اغتيال، ويأتي ذلك في سياق الاستهداف العام والممنهج من قبل جماعة إرهابية تنظر للصحفي على أنه العدو الأول، الذي ترى بضرورة التخلص منه، مؤكدًا أن الفبركات الخاصة بمحاولة اغتيال "شبيطة"، مسرحية للتغطية والتمويه على جرائمهم.
ويضيف: "موقف جماعة الحوثي الإرهابية وزعيمها واضح تجاه الصحفيين من خلال خطاباته منذ بدء الانقلاب على الدولة، واستهدافها للصحفيين والتنكيل بهم واستخدامهم دروع بشرية مثل الزميلين عبدالله قابل ويوسف العيزري، فضلًا عن الزملاء الذين تم اعتقالهم والزج بهم في السجون منهم من خرج منها بضغوط من منظمات دولية وآخرون أفرج عنهم وفق عملية تبادل الأسرى، وهؤلاء خرجوا يعانون من أمراض وعاهات صحية ونفسية وجسدية بسبب التعذيب الذي مورس بحقهم".
ويشير الصوفي في حديثه إلى أن "الزميل أنور الركن خرج اليوم الأول من السجن مشلولًا وبجسد متهالك لا يقوى على الوقوف، ليتوفى اليوم الثاني بسبب ما طاله من قسوة التعذيب، كذلك لا ننسى أحكام الإعدام بحق زملاء وأولهم الصحفي يحيى عبدالرقيب الجبيحي، وبعدها أفرج عنه بتدخل وضغوط دولية، وهناك زملاء ما زالوا في السجون السرية، لم نعلم عنهم شيء ومنهم وحيد الصوفي وآخرين، نتمنى أن يفك أسرهم ويفرج كربهم".
وعن دور النقابة، يوضح الرجل: "نقابة الصحفيين مثلها مثل باقي النقابات ومؤسسات الدولة، لم تستطع أن تعاود نشاطها بالشكل الذي كان معتادًا، بسبب التنكيل الذي طالها وقيادتها وأيضا بسبب شحة الإمكانيات، وكل ما يعلن عنه من نشاط نسبة كبيرة منه اجتهادات شخصية من بعض قيادات النقابة وبعض زملاء المهنة، فمن الطبيعي أن تصدر بيانات الإدانة والتضامن وكذا رصد الانتهاكات التي طالت زملاء المهنة".
ويؤكد الصوفي بتساؤل حول المجتمع الدولي، الذي لم يقدم شيء للدولة، فكيف به أن يلتفت لنقابة تعنى بالصحفيين، مستطردًا بقوله: "لو كان للمجتمع الدولي موقف أخلاقي وإنساني ما قامت الحرب، أو لم يدعها تستمر.. المجتمع الدولي وفي مقدمته (بريطانيا وأمريكا) هي صانعة هذه الحرب وراعي رئيسي لها، وهي من تعطي الضوء الأخضر للجماعة الحوثية ولإيران وأذرعها في المنطقة باستمرار الحرب والعبث بالمنطقة.
وبحسب عضو النقابة فإن المنظمات الدولية المعنية بالصحافة والحريات والحقوق، معروفة بمواقفها وانحيازها وفق الداعم والممول، فمواقفها ضعيفة وهزيلة مما يجري لنقابة الصحفيين وقيادتها ومنتسبيها في اليمن.. "لم يأت منهم سوى بيانات الإدانة والاستنكار والتضامن مع الصحفيين اليمنيين، أو بعض فتات من الدعم لتسيير أنشطة موجهة من قبلهم على سبيل المثال تركيزهم على السلامة المهنية منذُ بدأت الحرب وحتى اليوم، ولا شيء غير ذلك".
هكذا تستمر معاناة الصحفيين اليمنيين وتطالهم الكثير من الانتهاكات، من قتل وتغييب في السجون وإخفاء قسري وإيقاف الرواتب وانعدام فرص العمل، إلى جانب ما يعانيه من نزوح وتشرد ومعاناتهم من استمرار الحرب وانعكاس آثارها النفسية والصحية والاقتصادية على الصحفيين وأسرهم.
بيئة خطرة
ومنذ بداية الانقلاب، ساهم الصحفيون في نقل أحداث الحرب الحوثية ورصد تبعاتها، لكن الجماعة لم تحترم الحقيقة، حيث سقط العديد من الصحفيين بين قتيل وجريح إثر عمليات استهداف متعمد من قبل الحوثيين، ونتيجة لهذه الانتهاكات صُنفت اليمن كأسوأ بيئة خطرة في العالم بالنسبة للصحفيين.
يقول حمزة الجبيحي لـ "المجهر": "تم اختطافي في أغسطس 2016، واستمرت فترة الاختطاف مدة خمس سنوات وشهر، حيث خرجت في صفقه التبادل بين جماعة الحوثي والمحور العسكري لمحافظة تعز في سبتمبر 2021، تعرضنا لأسوأ العذاب، سواء التعذيب النفسي والجسدي والتهديدات موحشة، وتم تهديدنا باختطاف الأطفال، ولاقينا من أساليب التعذيب الصاعق الكهربائي، والضرب بالكابلات والأسلاك الكهربائية التعليق على سطح غرفة التحقيق ولفترات طويلة تمتد من ساعتين إلى أربع ساعات متتالية، مما يتسبب في أمراض بالعمود الفقري والحوض والأعصاب".
ويضيف الجبيحي: "جماعة الحوثي عصابة عنصرية مذهبية، تستهدف اليمنيين بشكل كامل، وبشكل خاص شريحة الناشطين الصحفيين والإعلاميين.. كثير من الصحفيين تعرضوا للاختطاف والتعذيب، ومليشيا الحوثي تتعامل مع الصحفيين كخصوم مباشرة وتسعى لإسكات صوت الحقيقة في ظل احتفال العالم بحرية للصحافة، فهي تتعامل بهذه الطريقة مع الصحفي كونه موجه عام فالمدعو عبدالملك الحوثي في نهاية اواخر 2015 خطاب خطابًا تلفزيونيًا وقال إن الصحفيين والناشطين الإعلاميين أخطر علينا ممن يقاتلون في الجبهات وكان هذا بمثابه توجيه وموجه عام لإسكات الحقيقة وقمع الحريات الصحفية في البلاد وخصوصًا المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين".
وبحسب نقابة الصحفيين اليمنيين، فإن الصحفيين في اليمن هم أكثر شريحة في المجتمع عرضة للمخاطر، حيث تشير الإحصائيات التي وثقتها النقابة إلى أن ما يزيد عن 50 صحفيًا راحوا ضحايا الحرب خلال السنوات الماضية أغلبهم من المصورين، تنوعت أساليب الاستهداف بين القنص المباشر، والقصف العشوائي بالقذائف، ومجزرة الإعلاميين التي حصلت في تعز خير شاهد على الجرم الحوثي بحق الصحفيين.