عاجلعاجل

الحوثيون والمبيدات المسرطنة.. من التهريب إلى توطين صناعتها محليًا (تقرير خاص)

الحوثيون والمبيدات المسرطنة.. من التهريب إلى توطين صناعتها محليًا (تقرير خاص)

من تجارة المبيدات السامة، إلى توطين صناعتها محليا وشرعنة تواجد الأصناف المحظورة دوليًا، لجأت جماعة الحوثي الإرهابية، عبر نافذيها إلى إنشاء مصنع للمبيدات السامة والمسرطنة غربي العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة المدعومة من إيران، في ظل رفض شعبي من السكان لهذه الخطوة التي قد تترتب عليها مخاطر تهدد حياة الملايين من اليمنيين.

ففي الوقت، الذي احتج فيه سكان مديريتي بني مطر وهمدان، غرب صنعاء، على خطة القيادي محمد علي الحوثي لإقامة مصنع مبيدات زراعية بالشراكة مع "مجموعة دغسان"، المتورطة في تهريب أصناف محظورة دوليا من المبيدات إلى السوق اليمني، هاجم مهدي المشاط رئيس مجلس الحكم في جماعة للحوثيين (السياسي الأعلى)، المعارضين على تداول المبيدات المحرمة، وقال إنهم "خلايا تجسس تعمل ضمن مخطط لتدمير الزراعة"

 

توطين السموم

 

منتصف أبريل/ نيسان الماضي دشنت شركة رواد الوطن لصناعة المستلزمات الزراعية التابعة لقيادات في جماعة الحوثي أبرزهم تاجر المبيدات الشهير "دغسان" مصنع للمبيدات الزراعية في مديرية همدان غربي صنعاء برعاية ومباركة من القيادي المشاط .

وشارك القيادي في جماعة الحوثيين محمد علي الحوثي بوضع حجر الأساس لإنشاء مشروع مصنع المبيدات في منطقة اللكمة وسط المناطق الآهلة للسكان التي تتبع مديريتي همدان وبني مطر ويسكنها أكثر من 20 الف نسمة و بتكلفة 5 ملايين دولار أمريكي .

اللافت في الأمر أن شركة "رواد الوطن" تتبع قيادات في جماعة الحوثيين وتحتكر لصالحها عملية الاستيراد وتجارة جميع المواد الزراعية في اليمن، و30 جمعية زراعية، ومؤسسة تنمية وإنتاج الحبوب، برأس مال إجمالي 40 مليون دولار أمريكي.

وفي وقت لاحق, ظهر القيادي الحوثي مهدي المشاط في فيديو واصفًا بأن الحملة الرافضة لإنشاء المصنع بأنها "ليست منطقية"، مضيفًا أن "المشكلة تكمن في آلية الاستخدام، وعدم وجود إرشاد لدى المزارعين في كيفية استخدام المبيدات استخداماً صحيحًا".

 وزعم رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين، أن ما أُثير حول المبيدات وتخويف السكان أنها تسبب السرطان "هراء وأكاذيب لا أساس لها من الصحة", حد وصفه.

 

رفض شعبي

 

أسفر قرار الحوثيين بإنشاء مصنع للمبيدات سخط شعبي واسع ندد بتمادي جماعة الحوثي من مرحلة إدخال المبيدات المسرطنة إلى محاولة توطين صناعتها محليا, حيث نفذ رجال القبائل في مديريتي همدان  وبني مطر  وقفات احتجاجية رفضًا لمساعي قيادات في الجماعة لإنشاء مصنع للأسمدة في منطقة اللكمة الواقعة بين المديريتين غربي صنعاء.

وأعلن المحتجون عن رفضهم القاطع لإنشاء المصنع كونه قريب من التجمعات السكانية ويشكل تهديدًا كبيرًا على حياة أكثر من عشرين ألف نسمة، كما يهدد الأراضي الزراعية والآبار والغيول في المنطقة محملين جماعة الحوثي المسؤولية الكاملة تجاه هذه الخطوة التي تشكل خطر على القبائل.

من جهته, اتهم المشاط الداعين لوقف تداول المبيدات المسببة للسرطان، بالتناغم مع توجه الخلايا التجسسية لتدمير العملية الزراعية، موضحا أن جماعته لن تسمح بذلك.

 وأكد القيادي في جماعة الحوثيين رفضه احتجاجات السكان في مديرية بني مطر، متمسكا بقرار إقامة مصنع المبيدات الذي سيشكل مرحلة متطورة من صناعة الموت في اليمن إذ لا يفي بأي معايير تخصصية في صناعة مثل هذه المنتجات التي يفترض أن تخضع لرقابة مشددة كونها تمس حياة الإنسان, وفق مراقبين.

إلى ذلك, اعتبر الصحفي سام الغباري خطاب المشاط بأنه "مسرحية من جماعة الحوثي، مرتبطة بالسياسة والاقتصاد، ويظهر ‎المشاط في دور المُهرِب الأسود وأن مواقفه تراوحت بين الدفاع عن المبيدات الإسرائيلية المميتة وقتل الأرض اليمانية، ونحر المزارع" وأنها تُظهر الجانب المظلم للجماعة المدعومة من إيران، حيث يمكن تحريف الحقائق وتوجيه المصالح بمنفعة شخصية.

 

عريضة قبلية

 

وقع مشائخ أعيان ووجهات اجتماعية إلى جانب مئات  المواطنين من مخلاف جنب بمديرية بني مطر، واللكمة بمديرية همدان بمحافظة صنعاء, أمس الاثنين, وقعوا على عريضة مطولة رفضا لإنشاء مصنع مبيدات زراعية بالمنطقة.

وحملت العريضة عنوان وثيقة رفض وممانعة لإنشاء مصنع للمبيدات والأسمدة الزراعية من قبل شركة رواد الوطن في المنطقة الواقعة بين قرى من مديرتي بني مطر وهمدان مؤكدين رفضهم القاطع لإنشاء المصنع بمنطقتي السلف والمغربة.

كما أكد الموقعون ممانعتهم التامة لإقامة هذا المشروع، كونه سيمثل كارثة بيئية خطيرة على سكان المنطقة وأراضيها الزراعية والثروة الحيوانية، عوضا عما يمثله من قتل بطئ للسكان, معتبرين أن هذا المشروع يمثل مشروع قتل وتدمير للمنطقة بأكملها.

وجاء في ديباجة عريضة التوقيع: “نحن أبناء المنطقة نفضل الموت بالرصاص قتلا مباشرا، وهو أهون علينا من القتل البطئ” مؤكدين معارضتهم لهذا المشروع بجميع الوسائل السلمية المتاحة لافتين إلى أنهم تقدموا بعدة شكاوي واعتراضات للهيئة العامة لحماية البيئة، غير انها لم تتجاوب معهم.

 

قمع وتهديد

 

بدءا من الحملة الإعلامية التي حذرت من مخاطر تهريب المبيدات في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين, حتى التحذيرات من توطين صناعة تلك السموم, واجهت الجماعة المدعومة من إيران الأصوات المناهضة لسياساتها التدميرية بالقمع والاختطاف.

في السابع والعشرين من أبريل/ نيسان الفائت أقدمت جماعة الحوثي على اقتحام منزل الصحفي خالد العراسي واختطافه واقتياده الى مكان مجهول وترويع أسرته وأطفاله على خلفية تناولاته لفضيحة المبيدات الزراعية "منتهية الصلاحية والمحظورة دولياً التي تقوم قيادات حوثية بإدخالها للمناطق الخاضعة لسيطرتها .

وجاءت عملية الاختطاف بعد قيام ما يسمى جهاز "الأمن والمخابرات" التابع لجماعة الحوثي بشن حملات تخويف وترويع طالت إعلاميين وصحفيين ونشطاء مجتمع مدني لخوضهم في قضية إدخال المبيدات للسامة والمسرطنة لمناطق سيطرتها بعد أن تحولت لقضية رأي عام.

من جهته, كشف الدكتور وهاج المقطري عن تعرضه لتهديدات من أجل  التوقف عن الحديث عن المبيدات المسرطنة والمحظورة قائلا "تلقينا اتهامات من البعض من اننا مرجفون وطابور خامس عشر للضغط علينا حتى نصمت عن الحديث عن المبيدات المحظورة".

وأردف المقطري في منشور على منصة فيسبوك "مع ذلك لا أكترث أبدا حين يصبح الامر يتعلق بصحة وحياة شعب بأكمله وأجيال قادمة".

وخلال لقاء جمع المشاط بوزارة الزراعة التي يسيطر عليها الحوثيون، إضافة إلى اللجنة التي شُكلت لتحديد أصناف المبيدات المسموح باستخدامها، وصف القيادي الحوثي "المشاط" الحملة الشعبية المناهضة لتداول المبيدات المسرطنة، بأنها "حملة مسعورة جائرة على المبيدات الزراعية"، في محاولة لشرعنة آلة الاستهداف والقمع ضد كل من يتحدث عن مخاطر المبيدات السامة.

 

تنديد حكومي

 

أثار خطاب مهدي المشاط، القيادي في جماعة الحوثي بصنعاء، والمشرع الأول لدخول المبيدات السامة إلى البلاد ردود أفعال على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث استنكر ناشطون هذا الخطاب المشرعن لقتل اليمنيين بالمواد القاتلة، مؤكدين أن الجماعة لا تكترث لحياة المواطنين وأنها تسعى للثراء من الإتجار بهذه المواد.

من جهته, قال معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة المعترف بها دولياً "الدفاع المستميت من المدعو مهدي المشاط، عن الاتجار بالمبيدات الزراعية منتهية الصلاحية، والمحظورة دولياً"، والتي تعرض حياة ملايين اليمنيين للخطر، تؤكد ما تحدثنا عنه منذ اللحظة الأولى عن التورط المباشر لقيادات جماعة الحوثي الإرهابية في هذه الجريمة النكراء، بغرض الإثراء وتنمية الموارد لتمويل ما يسمى "المجهود الحربي".

وأضاف الإرياني أن "الاتهامات التي ساقها المدعو المشاط تندرج ضمن محاولات جماعة الحوثي إرهاب الإعلاميين والصحفيين ونشطاء المجتمع المدني، ومنعهم من تناول ملف المبيدات السامة والمسرطنة في المناطق الخاضعة بالقوة لسيطرتها، واتخاذها ذريعة لقمع كل صوت حر يتحدث عن مخاطر اغراق البلد بالسموم القاتلة.

 

مواد سامة

 

في نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي أظهرت وثيقة بلاغ صادرة عن مكتب الجمارك  في صنعاء, تورط  قيادات كبيرة في قوات النجدة التابعة لجماعة الحوثي بإخراج قاطرة محتجزة لدى مكتب الجمارك محملة بمبيدات سامة من نوع (بروميد الميثيل المحظور والممنوع) تابعة لشركة سبأ العالمية والخاصة بالتاجر دغسان أحمد دغسان المنحدر من محافظة صعدة.

وتداولت حسابات حوثية نهاية العام الماضي حول دخول شاحنة مبيدات منتهية الصلاحية تعد كارثة كبرى، كونها نفايات كيميائية وأنه تم تهريبها مقابل مبالغ مهولة مشيرة إلى أن التاجر الذي أدخلها لم يشتريها بل استلم مبالغ  مقابل تخليص بلد المنشأ منها لتكشف تورط الجماعة في تهريب المبيدات المحظورة.

وكشفت إحصائية صادرة عن المركز الوطني لعلاج الاورام إلى أن إجمالي حالات الإصابة بالأورام السرطانية المسجلة ما بين عامي 2015 إلى 2022، بلغت 43 ألف و 735 حالة (43.735) تتوزع على جميع المحافظات، غالبية الحالات تأتي من المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.

وتُشير تقارير دولية إلى أن اليمن تُعدّ من أكثر الدول العربية استخدامًا للمبيدات الحشرية، وأن نسبةً كبيرة منها غير آمنة وتُسبب أمراضًا خطيرة بما في ذلك السرطان وكل هذا نجم عن إدارة جماعة الحوثي الإرهابية لهذه التجارة عن طريق تهريب مبيدات محرمة على مستوى العالم وبيعها للمزارعين.