باتت الحلول المالية والاقتصادية اليوم ضرورة ملحة بالنسبة للمواطن اليمني، لأن استقرار أسعار المواد الغذائية وغيرها من المواد الاستهلاكية في السوق مرهون باستقرار العملة المحلية, حيث يجد البنك المركزي اليمني نفسه مطالبا باتخاذ إجراءات اقتصادية صارمة لضبط التعاملات المالية والمصرفية والحيلولة دون استمرار تدهور سعر العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية.
وفي إطار المعركة الاقتصادية اتخذ البنك المركزي في عدن جملة من القرارات لتعزيز سيطرته النقدية على البنوك وشركات الصرافة في عموم المحافظات اليمنية لا سيما الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
إلزام مصرفي
تنتهي مطلع يونيو/ حزيران القادم، المهلة التي منحها البنك المركزي اليمني من أجل التجهيز لنقل المراكز الرئيسية للبنوك التجارية والإسلامية والمصارف من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن.
ويأتي ذلك بعد أيام من اصدار محافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب المعبقي، قرارا يقضي بحصر نشاط الحوالات الخارجية على البنوك وشركات الصرافة المؤهلة والمعتمدة من قبل إدارة البنك في عدن.
ما يعني أن هذه البنوك والشركات مُلزمة بتقديم خدماتها المالية والمصرفية بواسطة مراكزها الرئيسية في عدن والفروع التابعة لها، وتحديد عقود سنوية لتوكيلات شركات الصرافة المحلية.
كما ألزم القرار شركات الصرافة بتسليم مبالغ الحوالات الخارجية بالعملة الواردة نفسها عبر شركات الحوالات الدولية مثل (ويسترن يونيون، ومِني جرام) أو حسبما يقرره العميل المستفيد.
ويرى الصحفي الاقتصادي وفيق صالح، أن البنك المركزي في عدن يسعى من خلال قراراته لتعزيز سيطرته النقدية لتشمل بذلك المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي المدعومة من إيران.
ويبين وفيق في حديثه لـ"المجهر" أن هذه القرارات تعني تقويض نشاط شركات الصرافة في مناطق الحوثيين، حيث لن تتمكن من الحصول على الحوالات الخارجية إلا بتصريح من المقر الرئيسي في عدن.
ولا شك أن البنك المركزي في عدن يستطيع فرض مثل هذه القرارات على كل البنوك والمؤسسات المالية والمصرفية بحكم ارتباطه بنظام "السويفت" العالمي كونه يتبع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.
معالجة التضخم
في سلسلة من الإجراءات التنظيمية للنشاط المصرفي، سبق للبنك المركزي أن أعلن عن طرح أذون خزانة تبدأ في الثالث من يونيو القادم أي بعد يوم من انتهاء المهلة المحددة لنقل المراكز الرئيسية للبنوك والمصارف إلى عدن.
وتعد أذون الخزانة التي طرحها البنك المركزي اليمني بمثابة عروض استثمارية للبنوك التي ستقوم بنقل مراكزها الرئيسية من صنعاء إلى عدن، في قيمة تصل إلى 10 مليارات ريال أي ما نسبته 90 %.
ويؤكد خبراء اقتصاديون أن المجال الاستثماري الذي قدمه البنك المركزي في عدن هو الأكثر استخداما لدى البنوك التجارية كونها تعتبره استثمارا آمنا.
ولجأ البنك المركزي في عدن إلى اتخاذ هذا الإجراء لعدة أسباب، أبرزها الحاجة إلى تغطية السوق من العملة الصعبة كإجراء مساعد لخطوة طرح المزادات العلنية، وبالإضافة إلى ذلك تلجأ البنوك إلى طرح أذون الخزانة لتغطية العجز الحكومي للنفقات.
ويعتقد الخبير الاقتصادي محمد الجماعي أن المؤشرات تدل على عدم وجود ممانعة لقرار النقل، وبالتالي فلابد أن هناك عدة دوافع تقف وراء التوجهات الأخيرة لبنك عدن وعلى رأسها حماية الأصول والودائع البنكية.
ويضيف الجماعي في منشور له على منصة "فيسبوك" إن هذا الإجراء جاء نتيجة تعدد مصادر النقد الأجنبي المنافسة للبنك المركزي في السيطرة على السوق والمشوشة للحلول والمعالجات المتخذة من قبل البنك للوضع الاقتصادي في البلاد.
وبالرغم من التأثير السلبي لإجراءات طرح أذون الخزانة على الاستثمار، إلا أنه يعد الحل الأنسب لوقف حالة التضخم في السوق كونه سيساهم في سحب النقد المعروض من العملة المحلية ومنع المضاربة.
وكانت جماعة الحوثي قد اتخذت قرارا بشطب الفوائد المتراكمة على أذون الخزانة وعلى السندات الحكومية والتي كانت تمثل التزامات لدى البنك المركزي للجهات المستثمرة ما أدى إلى تفاقم مشكلة ندرة السيولة في القطاع المصرفي بصنعاء.
مراقبة الحوالات
سبق للبنك المركزي اليمني أن أصدر تعليمات متعلقة بالشبكة الموحدة لمراقبة الحوالات الداخلية، وهو اليوم يسعى لتعزيز دوره الرقابي ليشمل الحوالات الخارجية لأهميتها في التأثير على السوق النقدي.
وبالإضافة لذلك، يعتبر البنك المركزي في عدن المسؤول الأقل عن أي نشاط غير قانوني يتم عبر الحوالات الخارجية الواردة إلى اليمن بما فيها الأنشطة المتعلقة بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
وفي حين يعتبره اقتصاديون إجراء تنظيميا للعمل المصرفي في البنوك وشركات الصرافة، يعتقد آخرون أن هذه القرارات تأتي في إطار صراع مالي بين صنعاء وعدن، حيث تصل إجمالي الحوالات الخارجية إلى نحو (4,5 مليار دولار) سنويا.
وظهرت ردة فعل الحوثيين مبكراً نظراً لخطورة هذه الخطوة عليه، حيث أصدر بنك صنعاء، أمس الثلاثاء، بيانا اعتبر فيه قرار بنك عدن استهدافا للقطاع المصرفي في مناطق سيطرته.
ويحاول الحوثيون التهرب من مسؤوليتهم تجاه انهيار العملة المحلية في اليمن، من خلال إلقاء اللوم على الحكومة الشرعية والتحالف العربي لتبرير ممارساته بحق البنوك وشركات الصرافة في مناطق سيطرته.
إدارة النقد
تعاني البنوك وشركات الصرافة في مناطق الحوثيين من شحة في توفر الدولار ما جعل الجماعة تصدر تعميما لسعودة التعاملات البنكية بالريال السعودي بدلا عن الدولار في تسوية التحويلات والمدفوعات المالية.
وجاء قرار البنك المركزي في عدن بنقل المراكز الرئيسية للبنوك والمصارف من صنعاء إلى عدن وقرار حصر الحوالات الخارجية على المراكز الرئيسية في عدن كردة فعل لعبث الحوثيين بالقطاع المصرفي مما أربك عمل البنوك والصرافين والتجار المستفيدين من الحوالات الخارجية في مناطق الحوثيين.
وتقف البنوك وشركات الصرافة في صنعاء أمام جملة من المخاطر الناشئة عن عملية نقل مراكزها إلى عدن، حيث تواجه تحديات مرتبطة بتدهور الجدارة الائتمانية وفقدان الثقة بالقطاع المصرفي لدى التجار وجميع المتعاملين مع البنوك. وفقاً لما نشره أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء أ.د مطهر العباسي في صفحته على منصة "فيسبوك".
ويقترح العباسي أن يعمل بنك عدن وصنعاء على تحقيق الهدف الرئيسي المتمثل باستقرار العملة والمحافظة عليه وتوفير السيولة المناسبة والسير نحو نظام مالي مستقر يقوم على آلية السوق.
كما أكد على أهمية إدارة السياسة النقدية بصورة سلمية لضمان توفير السيولة المالية والحد من التضخم وضمان استقرار سعر الصرف، وكذلك الامتناع عن الإصدار النقدي إلا وفق ضوابط فنية ومتطلبات اقتصادية.
معالجات اقتصادية
وصلت العملة المحلية إلى أدنى مستوياتها في التعاملات الأخير للبنك المركزي اليمني بعدن، ما جعل البنك يتخذ قراراً قوياً لانتزاع أهم مصدر للعملة الصعبة من سيطرة جماعة الحوثي والمتمثل بالحوالات الخارجية.
وحذر مراقبون من عواقب ملامح الحرب المصرفية بين بنكي عدن وصنعاء، مؤكدين على ضرورة النأي بمؤسسة البنك المركزي عن الدخول في هذا المعترك من أجل معالجة الاختلالات التي أصابت الاقتصاد الوطني وقطاعاته المختلفة.
وتقع على عاتق البنك المركزي في عدن مسؤولية إعادة الاعتبار للقوة الشرائية نتيجة تدهور العملة المحلية التي جعلت الأسعار ترتفع بشكل جنوني في صنعاء وعدن على حد سواء بالرغم من الاستقرار الوهمي للعملة في مناطق الحوثيين.
كما أن أمام البنك المركزي مسؤولية معالجة الأخطاء الكارثية التي تسببت بها سلطات الحوثيين على القطاع المصرفي في مناطق سيطرتهم ومعالجة ندرة السيولة التي تعاني منها البنوك والمصارف نتيجة تبخر أرصدتهم لدى بنك صنعاء.