الخميس 17/أكتوبر/2024
عاجلعاجل

الحوثيون في بغداد.. التفاف على السعودية وتوطين للعلاقات بين أذرع إيران (تقرير خاص)

الحوثيون في بغداد.. التفاف على السعودية وتوطين للعلاقات بين أذرع إيران (تقرير خاص)

أثار افتتاح جماعة الحوثي المصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكية "مقرًا رسميًا" لها في العاصمة العراقية بغداد، موجة من التساؤلات والتحليلات حول تبعات وأبعاد هذا التطور في مسيرة الجماعة ومستوى التنسيق بين الفصائل المدعومة من إيران، والتداعيات المحتملة على المنطقة.

والاثنين الماضي، ذكر موقع "عراق أوبزيرفر" أن حركة الحوثيين افتتحت مقرًا لها في منطقة الجادرية ببغداد، القريبة من المنطقة الخضراء وعدد من قصور ومقرات قادة القوى والأحزاب السياسية في العراق. لافتًا إلى أن ممثل الحوثيين في العراق، أبوإدريس الشرفي، زار مقر "حزام بغداد" للحشد الشعبي الجمعة الماضي للمشاركة في إحياء الذكرى 104 لثورة العشرين ضد الانجليز.

ونشر الشرفي مقطع فيديو على حسابه بمنصة إكس، ظهر فيه يشيد بفصائل "الحشد"، ويشكر ما وصفه بـ"المقاومة الإسلامية"، مؤكدا أن الجماعة في اليمن والحشد الشعبي "وحدة لا تنفصم".

 

توطين للعلاقات

 

وتعليقًا على هذه الخطوة، قال الصحفي تيسير السامعي لـ"المجهر" إن "افتتاح الحوثيين مكتبًا في العراق، يُثبت ما هو مثبت، ويؤكد المؤكد، بأن الحوثيين جزء لا يتجزأ من المشروع الإيراني الشيعي في المنطقة، وأنهم يعملون وفق أجندة واحدة وقيادة واحدة. مشيرًا إلى أن أحد القيادات الحوثية، صرّح قبل أيام أن هناك غرفة عمليات مشتركة بين جميع الفصائل الشيعية في المنطقة.

ولفت السامعي إلى أنه من الطبيعي أن تفتح جماعة الحوثي مكتبا في بغداد، لأن من يسيطر على العراق هم وكلاء إيران، وفيها العديد من الفصائل التابعة لإيران.

وفي أواخر مايو/آيار الماضي، كشفت وسائل إعلام موالية لإيران، أن زعيم الحوثيين "عبدالملك الحوثي" أجرى مؤخرًا "اتصالاً هاتفياً مع زعيم كتائب حزب الله العراقي أبو حسين الحميداوي، بحث خلاله تنسيق الجهود، بينها جهود مواجهة إسرائيل.

والمتابع لنشاط الحوثيين في العراق والتنسيق بين الجماعة وبين الفصائل الموالية لإيران، يتضح له أن هذا التخادم ليس جديدًا، بل يحدث منذ وقت مبكّر، في إطار التخادم المتبادل بين أذرع إيران في المنطقة، وضمن خطة تنفيذ الأجندة التوسعية لطهران.

ففي سبتمبر/ أيلول 2009، كشف نواب عراقيون، بينهم النائبة جنان العبيدي، عن وجود مكتب للحوثيين في مدينة النجف، فيما زعم ممثلو الشخصيات الحوثية المتواجدة هناك حينها أن تواجدهم هو لغرض الدراسة الدينية فحسب، وفق ما أوردته العديد من الصحف والمواقع حينها، بينها المصدر أونلاين.

وكشفت تقارير سابقة أن التنسيق بين الحوثيين وفصائل عراقية وكيانات أخرى تابعة لإيران، بدأ يتكثّف في عام 2011، بالتزامن مع ثورات الربيع العربي، وتضاعف التنسيق عقب انقلاب الجماعة على الشرعية اليمنية وسيطرتها على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014.

كما سبق أن أعلنت كيانات عراقية مسلحة مسؤوليتها عن هجمات طالت السعودية والإمارات، وذلك بالتزامن مع هجمات شنتها جماعة الحوثي باتجاه الدولتين، بين 2019-2021م.

 

استراتيجية توسع

 

وفي حين تتحدث جماعة الحوثي أن تنسيقها مع الفصائل العراقية يأتي في إطار توحيد الجهود لمواجهة إسرائيل، يرى مراقبون سياسيون أن هذا التنسيق يأتي ضمن استراتيجية التوسع الإيراني، وتطويق منطقة الخليج العربي، خصوصًا السعودية.

الباحث السياسي عبدالسلام محمد، رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث، يرى أن افتتاح الحوثيين مكتبًا لهم في بغداد، جرى تحت إدارة الحرس الثوري الإيراني، والهدف الأول والأساسي منه هو التنسيق بين الحوثي والفصائل العراقية لعمليات ضد المملكة العربية السعودية، وليس التنسيق لعمليات ضد إسرائيل". مشيرًا إلى أنه "في الواجهة والظاهر يكون التنسيق ضد إسرائيل، لكن الحقيقة أن التنسيق لأجل عمليات ضد المملكة من الجنوب (اليمن) والشمال (العراق)".

وأوضح عبدالسلام محمد لـ "المجهر" أن هذه الخطوة خطيرة، وتبرز الحرس الثوري كقوة إقليمية تبحث عن فرصة للتمدد في مناطق ودول الخليج، خاصة وأن المليشيا العراقية أصبحت تهدد المناطق الشمالية للمملكة، والحوثيون يهددون المناطق الجنوبية للجزيرة العربية".

 

أحدث تهديد

 

ويتّفق محللون يمنيون على أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، التي ترتدي جلباب مساندة غزة، لاسيما في ظل تماهي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، أن ثمّة استراتيجية للقوى الداعمة للجماعة، تهدف إلى تحويلها إلى قوة إقليمية، من أجل تنفيذ الطموحات التوسعية لإيران في المقام الأول، وتصدير الفوضى إلى بلدان الخليج، وإبقاء الإقليم تحت التهديد.

والأحد الماضي، هدد زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، في خطاب متلفز، بضرب المطارات والبنوك والموانئ السعودية، متهمًا الرياض بالوقوف وراء قرارات البنك المركزي في عدن بخصوص "نقل البنوك من صنعاء"، وهي قرارات أزعجت وأربكت جماعة الحوثيين.

وقال الحوثي في كلمة له بمناسبة العام الهجري الجديد عن ما أسماها الخطة السعودية لنقل البنوك من صنعاء: "على السعودي أن يدرك جيدا أنه لا يمكن أبدا أن نسكت على مثل تلك الخطوات الرعناء الحمقاء الغبية"، على حد قوله. مضيفًا: "عليهم أن يكفوا عن هذا المسار الخاطئ وإلا سنقابل كل شيء بمثله: مطار الرياض بمطار صنعاء، البنوك بالبنوك، وهكذا الموانئ بالميناء".

وتابع الحوثي موجها حديثه للرياض: "ليست المسألة أننا سنسمح لكم بالقضاء على هذا الشعب وإيصاله إلى مستوى الانهيار التام لكي لا تحصل مشكلة. فلتحصل ألف ألف مشكلة... ولتصل الأمور إلى أي مستوى كان"، حد تعبيره. 

 

عداء متجذر

 

ولا يخفى على متابع، أن جماعة الحوثي، ومنذ الأشهر الأولى للحرب في اليمن وتدخّل عاصفة الحزم في أواخر مارس/ آذار 2015، أعلنت مرارًا وتكرارًا، تلميحًا وتصريحًا، على لسان قياداتها ونشطائها، أنها ستحارب السعودية وستتوغّل في مناطقها، وتُغذّي منتسبيها بأنها ستستعيد عسير وجيزان ونجران، وأنه سيأتي يوم تحجّ فيه الجماعة حول الكعبة بأسلحتها، إضافة إلى أن الجماعة دائمًا ما تتّهم السعودية بالعمالة لإسرائيل وأمريكا، لتسويد صورة المملكة لدى أتباعها وإقناعهم بأنها عدو لا بدّ من مواجهته وصولًا إلى تحرير المقدّسات في مكّة والمدينة, وفق المزاعم التي تسوقها الجماعة لأتباعها.

ولم تكتفِ الجماعة بالتصريحات التهديدية وتعبئة منتسبيها، ففي خضمّ هجماتها ضد منشآت في السعودية على أنها ردًا على غارات مقاتلات عاصفة الحزم، أعلنت في 2018 ترحيبها بالمعارضين السعوديين في مناطق سيطرتها، ليصل الأمر في نوفمبر من ذات العام لإعلان معارض سعودي يدعى "دخيل القحطاني" من صنعاء تأسيس حركة "تحرير جزيرة العرب".

وهي مستجدات اعتبرها مراقبون أدلّة إضافية على خطورة بقاء الحوثيين كقوة في اليمن، لأن ذلك يعني تحوّل الجماعة الإرهابية إلى قوة إقليمية، وتحوّل اليمن إلى نقطة استراتيجية للمشروع الإيراني التوسّعي المهدد للمنطقة وللخليج والسعودية بصورة أخص.

 

خطر كبير يمكن التخلّص منه

 

بحسب ضابط عسكري يمني، فضّل عدم ذكر اسمه، فإن منطقة الخليج، لا سيما السعودية، تبدو جغرافية شبه مُحاصرة، جهاتها الأربعة كلها ملغومة، واقعة بين مخالب إيران ومليشياتها. فمليشيا الحوثي من اليمن الواقعة جنوب السعودية والخليج، والفصائل العراقية من الشمال، فيما إيران ذاتها من جهة الشرق، ولم يبقَ أمامها سوى البحر الأحمر، والذي أصبح منطقة غير آمنة، بفعل الهجمات الحوثية على سفن الشحن.

ولفت في حديثه لـ"المجهر" إلى أن الاتفاقية الإيرانية السعودية التي رعتها الصين في مارس 2023، نتج عنها توقف هجمات المليشيا الحوثية ضد المملكة. لكنه يعتقد أن هذه الاتفاقية لن تدوم كثيرًا، ولم يستبعد أن تتلاشى قريباً، وتعود الهجمات على السعودية، وبصورة أعنف من السابق، لاسيما أن المليشيا الحوثية حصلت على أسلحة متطورة، تجلّت في هجماتها على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهي هجمات أكسبتها شعورًا بالانتصار، خصوصًا في ظل الموقف الأمريكي البريطاني المتراخي من هذه الهجمات، والذي لا يمكن تفسيره إلا أنه يساهم في نفخ وتضخيم هذه المليشيا الحوثية.

وأكد الضابط العسكري، على أن السبيل الحقيقي لهزيمة المليشيا الحوثية يكمن في دعم الجيش الوطني والقوات الموالية للحكومة، وإطلاق معركة واسعة وواضحة ضد الحوثي، بحيث تتحرّك كلّ جبهات القتال، في مأرب وتعز وجبهات الساحل الغربي ولحج والضالع وشبوة وحجّة وصعدة، وسيرى الجميع كيف ستتحرر المحافظات الواقعة تحت سيطرة المليشيا واحدة بعد أخرى، وتنتهي الانتفاشة الحوثية، ويُهزم المشروع الإيراني التوسعي في اليمن، بعد أن كان يتمدّد ويتجذّر مستغلًا ومستفيدًا من الانقسامات في الصف الجمهوري وخطأ حسابات داعمي الشرعية.