أثار ترحيب الحكومة اليمنية المعترف بها، باتفاق إلغاء قرارات البنك المركزي اليمني استياءً شعبيًا وغضبًا واسعًا في أوساط اليمنيين على مختلف منصات التواصل الاجتماعي.
ووفق بيان مكتب المبعوث الأممي، فإن الاتفاق تضمن إلغاء القرارات والإجراءات الأخيرة ضد البنوك من الجانبين والتوقف مستقبلا عن أي قرارات أو إجراءات مماثلة، بالإضافة إلى استئناف طيران اليمنية للرحلات بين صنعاء والأردن وزيادة عدد رحلاتها إلى ثلاث يوميا، وتسيير رحلات إلى القاهرة والهند يومياً أو بحسب الحاجة.
كما شمل الاتفاق عقد اجتماعات لمعالجة التحديات الإدارية والفنية والمالية التي تواجهها الشركة، والبدء في عقد اجتماعات لمناقشة كافة القضايا الاقتصادية والانسانية بناء على خارطة الطريق.
وبدوره، أعلن محافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب المعبقي، اليوم الثلاثاء، استقالته من منصبه، وذلك عقب موافقة الحكومة على اتفاق إلغاء قرارات البنك.
فيما نقلت وكالة سبأ الرسمية عن مصدر مسؤول في مكتب رئاسة الجمهورية قوله إن رئيس مجلس القيادة الرئاسي وأعضاء المجلس رفضوا بالإجماع استقالة محافظ البنك المركزي احمد غالب المعبقي. مضيفا أن محافظ البنك عدل عن قرار الاستقالة وهو باق في منصبه بدعم كامل من مجلس القيادة والحكومة لمواصلة جهود الاصلاحات المصرفية الشاملة المدعومة من الاشقاء والاصدقاء.
انتكاسة جديدة
وفي أواخر مايو/ آيار الماضي، أصدر المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن قراراً قضى بإيقاف التعامل مع 6 من البنوك والمصارف اليمنية، تخلّفت عن نقل مراكزها من صنعاء إلى عدن، عقب انتهاء المهلة المحددة بـ60 يومًا، كما أبلغ البنك نظام الـ "سويفت" بوقف التعامل معها، في الوقت الذي سمح المركزي اليمني لتلك البنوك بمزاولة أعمالها في مناطق الشرعية، الأمر الذي دفع المعركة الاقتصادية نحو المزيد من التصعيد بين الحكومة والحوثيين، ما دفع الأمم المتحدة للتدخّل والضغط على الحكومة.
والبنوك الستة المشمولة بقرار البنك المركزي هي: "بنك الكريمي، بنك التضامن، بنك اليمن والكويت، بنك الأمل للتمويل الأصغر، بنك اليمن والبحرين الشامل، وبنك اليمن الدولي".
ومنتصف الأسبوع الماضي، تظاهر آلاف اليمنيين، في مدينة تعز والخوخة ومأرب، دعما لإجراءات البنك المركزي، ومحذرين من أي تراجع عن تنفيذه، كما نددوا بالضغوط الأممية والدولية لوقفها والتي اعتبروها تجاوزات لخدمة المتمردين الحوثيين.
وعقب صدور بيان مكتب المبعوث الأممي اليوم الثلاثاء، بشأن الاتفاق على إلغاء قرارات المركزي، تفاجأ اليمنيون، بصدور بيان من الحكومة المعترف بها يؤيد هذا الاتفاق الذي أثار سخط الجماهير.
وبررت الحكومة موافقتها على القرار بأنها جاءت عملا بمبدأ المرونة في انفاذ الاصلاحات الاقتصادية والمصرفية الشاملة، واستجابة لالتماس مجتمع الاعمال الوطني، وجهود الوساطة الاممية والاقليمية والدولية، وأن الموافقة تأتي كمدخل للتخفيف من معاناة الشعب اليمني، بحسب البيان الذي نشرته وكالة سبأ الحكومية.
واعتبر مراقبون ونشطاء يمنيون أن موافقة الحكومة على إلغاء قرارات البنك المركزي بمثابة انتكاسة جديدة لمشروع الدولة تصب في صالح المشروع الانقلابي للمليشيا الحوثية، خصوصًا أن مضامين الاتفاق تظهر تنازلات كبيرة من جانب الشرعية دونما أي مقابل.
تنازلات بلا مقابل
الباحث عبدالسلام محمد، رئيس مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجية، غرّد بالقول: "تنازلات حكومية للحوثي نزولا عند الضغط الدولي بشأن البنوك والمطارات، وبدون أي مقابل !". مضيفًا: "على الأقل كان المقابل إعادة تصدير النفط أو توحيد العملة !"
وأشار محمد إلى أن "هذه التنازلات تؤكد للشعب اليمني أن الشرعية ليست في مستوى الميدان ولا حتى في مستوى المفسبكبن، هي في مستوى كبش العيد الذي يزينوه ويطبطوا عليه من أجل ذبحه أضحية!"
في السياق ذاته غرد الإعلامي عبدالله أبوسعد قائلًا: إعادة تصدير النفط وفتح الموانئ مقابل تعليق قرارات البنك المركزي .. الشروط هذه راحت فين ؟. مضيفًا: "ما هو المقابل للإلغاء والتنازل الذي تم ؟".
كشف أكبر مهزلة
من جانبه، قال الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي وفيق صالح "الذين يلومون محافظ البنك، حول تراجع الحكومة عن القرارات الأخيرة في الجانب الاقتصادي والمصرفي، أقول لهم لا حرج على المعبقي ، لقد اتخذ أشجع القرارات التي لم يجرؤ عليها أي مسؤول في الشرعية منذ بدء الحرب الاقتصادية من قبل الحوثي، وهو لم يتراجع بشكل شخصي ، وإنما طبيعة الوضع حالياً أكبر من الجميع".
وأضاف: كان واضحًا أن تنفيذ هذه القرارات تحتاج إلى مساندة واسعة من قبل مجلس القيادة والتحالف، كونها تحتاج أيضا إلى ضمانات وتسهيلات تقدم للبنوك ، وهذا لن يكون إلا من خلال تكامل الأداء الحكومي مع إدارة البنك المركزي".
وأشار صالح إلى أن "المعبقي رمى حجراً في مياه راكدة وسلط الضوء على اكبر مهزلة تجري في الجانب النقدي والمالي في البلاد ، واستفادة طرف على حساب طرف آخر ، وما تبقى في ملعب الحكومة والرئاسي".
المُعيق واحد
الصحفي سيف الحاضري، رئيس تحرير صحيفة أخبار اليوم، علق بقوله: "الذي وقف وراء إلغاء قرارات البنك المركزي في معركته ضد عبث مليشيات الحوثي بالعمل المصرفي نفسه الذي أوقف معركة تحرير صنعاء وأعادها من أطراف صنعاء إلى أطراف مدينة مأرب، ونفسه الذي أوقف معركة تحرير ميناء الحديدة، ونفسه الذي أعاد القوات المشتركة من داخل مدينة الحديدة إلى أطراف محافظة تعز وهو نفسه الذي أوقف تحرير مدينة تعز، ونفسه الذي يحاصر الجيش ويمنع عنه المرتبات والسلاح والغذاء، ونفسه الذي يمنع عودة مؤسسات الدولة للعمل وعودة المسؤولين للداخل".
وأضاف الحاضري: "بالمختصر .. إن من أوقف إجراءات البنك المركزي وألغى قراراته .. هو من يمنع هزيمة مليشيات الحوثي!.
وتساءل الحاضري: هل أدرك الجميع اليوم من يحمي مليشيات الحوثي ويمنع حق اليمنيين من استعادة دولتهم وتحرير وطنهم من الاحتلال الفارسي؟. مضيفًا: "ومع ذلك.. ما كان كل ذلك يتم لولا انبطاح وتخاذل قيادة الشرعية وقبولها أن تكون جسر عبور لكل تلك المؤامرات !!".
أما الصحفي سمير الصلاحي، فقال: "وفي ذروة اليأس من الشرعية أقول لكم : الشرعية ستنتصر ولديها فرصة كبيرة لتحقيق ذلك لو عادوا لبلادهم" .. مضيفًا: "لم يحدث في تاريخ الأمم أن انتصرت قيادة وحكومة تركت شعبها وسط الحرب وراحت تحكم من بلاد الناس..ما فيش رئيس اغترب ٨ سنوات منذ نشأة الأرض الا الرئيس اليمني.. ما فيش شعب بايلتف حولك ويقاتل معك وانت عايش خارج البلاد (...)".
انتصار أخلاقي للشرعية
الكاتب والصحفي صالح البيضاني، علق بالقول: "قد يكون إلغاء قرارات البنك المركزي اليمني خطوة إلى الوراء، وهذا شأن السياسة، لكن هناك حقائق ضاعت في زحمة الغضب الذي يُبديه بعض أنصار الشرعية وأكاذيب الانتصار المزعوم الذي يُروج له أنصار الحوثي".
وأضاف "الحقيقة هي أن اتفاق التهدئة الاقتصادية أعاد الوضع إلى ما قبل إعلان الحوثيين عن مصادرة طائرات الخطوط الجوية اليمنية، كما أن الاتفاق ألزمهم أيضًا بالتراجع عن القرارات التي اتخذوها ردًا على قرار البنك المركزي في عدن".
وبحسب البيضاني: "لم ينتصر أي طرف، لكن الشرعية انتصرت أخلاقيًا عندما تعاملت بمسؤولية مع تداعيات الوضع الإقليمي ومع ما يُخفف العبء عن اليمنيين اقتصاديًا وإنسانيًا، كما أظهرت قدرتها على اتخاذ قرارات يمكن أن تتسبب في تعالي صراخ الميليشيات الحوثية في أي وقت بصفتها الطرف الشرعي الذي يعترف به العالم".
مهمة واحدة للمبعوث
الصحفي عبدالرحمن أنيس، كتب قائلًا: "لدى المبعوث الأممي إلى اليمن هانس جروندبرج مهمة واحدة ورئيسية مكلف بها : "كلما شارفت مليـ،ـشيا الحـ،ـوثي على الغرق رمى لهم طوق النجاة".
وبالمقابل، لفت الكاتب والباحث عادل الأحمدي إلى أن "قرارات البنك المركزي كانت ورقة ضغط حققت أهدافها بنجاح وأجبرت الميليشيا على الخضوع لشروط كانت ترفضها بالأمس".
وأضاف الأحمدي: "لا ينبغي النظر لإعلان المبعوث الأممي وكأنه خيبة أمل.. هناك توقيت مناسب ينتظر قرار التحرير الذي ستتضافر فيه كل المسارات".
دعوة للرفض المجتمعي
المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية, قال في بيان، إنه تلقى باستياء بالغ بيان المبعوث هانس جروندبرج، الذي أعلن فيه عملياً إبطال مفعول القرارات السيادية الصادرة عن السلطة الشرعية للجمهورية اليمنية، ممثلة في البنك المركزي اليمني، والتي نظر إليها الشعب اليمني باحترام كبير كأول إجراء حقيقي معبر عن المركز القانوني والسيادي للدولة اليمنية.
وأضاف البيان، أنه لم يسبق للشعب اليمني أن استبشر وشعر بالأمل كما استبشر حين رأى السلطة الشرعية تمارس سيادتها على القرار الاقتصادي والنقدي، وتعيد الاعتبار لمكانتها ودورها ونفوذها، بعد عشر سنوات من التنازلات العبثية التي زادت الجماعة الانقلابية؛ عتواً وتمكيناً واستهانة بإرادة الشعب وسطواً على مقدراته وعبثاً بحاضره ومستقبله.
وأوضح أن قرارات البنك المركزي اليمني التاريخية التي جرى إبطالها كشفت كارثة التمكين الممنهج لسلطة الأمر الواقع في صنعاء، عبر التذرع بالدواعي الإنسانية، في حين ظل المعنيون بإحلال السلام أبعد ما يكونوا عن الخطوات الحاسمة للحل.
وأكد البيان، أن خطورة اتفاق الإذعان الذي أعلن عنه المبعوث الأممي تكمن في التعامل مع قرارات السلطة الشرعية السيادية على أنها تصعيد، وأن الاتفاق المشار اليه في البيان هدفه خفض التصعيد ليس إلاَّ، والواقع أنه لم يكن سوى تنفيذ لمطالب وإملاءات الانقلابيين.
وحذر المجلس الأعلى للمقاومة من أن استمرار التنازلات العبثية كالتراجع عن قرارات البنك المركزي اليمني، يعطي مؤشراً خطيراً على حجم الاستهانة بالشعب اليمني وبإرادته، ويكرس حالة الانقسام الراهنة ويشرعن لسلطة الأمر الواقع التي تختطف أكبر كتلة سكانية في البلاد.
ودعا المجلس إلى رفض اتفاق الإذعان والتنازلات ودعوة السلطة الشرعية إلى المضي في تنفيذ قراراتها والثقة بقدرة الشعب اليمني على مواجهة التداعيات المحتملة لهذه القرارات, مشددا على تبني نهج المقاومة الشامل، لمخططات هدم الدولة اليمنية، التي تبطل كل يوم مفعول مركزها القانوي والدستوري، وذلك بالاستناد إلى الذخيرة الاستراتيجية للصمود والانتصار التي يمثلها الجيش الوطني والمقاومة الشعبية.
في السياق, غرّد الكاتب والصحفي همدان العليي،: "من المهم إظهار الرفض والاحتجاج المجتمعي ضد أي تنازل يقدم للعصابة الحوثية. اتركوا المجتمع يعبر عن غضبه ورفضه".
وأضاف العليي: "احتجاج الناس رسالة للمجتمع الاقليمي والدولي مفادها أن القضية ليست متعلقة بقيادات أو نخبة يمكن الضغط عليهم والحصول على موافقتهم. بل شعب بأكمله يرفض الخضوع للعصابة الإرهابية وتسليم البلاد والرقاب لها".