الخميس 17/أكتوبر/2024
عاجلعاجل

من التأجيل إلى التراجع .. لماذا وافقت الحكومة على إلغاء قرارات المركزي اليمني؟

من التأجيل إلى التراجع .. لماذا وافقت الحكومة على إلغاء قرارات المركزي اليمني؟

تفاجأ اليمنيون الثلاثاء الفائت، بإعلان مكتب المبعوث الأممي عن اتفاق بين الحكومة المعترف بها والمتمردين الحوثيين، يتضمن إلغاء قرارات البنك المركزي دونما مقابل، بعد أيام من تقديم مقترح أممي يطالب بتأجيل تنفيذ القرارات إلى أواخر أغسطس/ آب القادم. 

وأمس الأول، أعلن مكتب المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، عن التوصل إلى اتفاق بين الحكومة والحوثيين يتضمن إلغاء القرارات والإجراءات الأخيرة ضد البنوك من الجانبين والتوقف مستقبلا عن أي قرارات إو إجراءات مماثلة، بالإضافة إلى استئناف طيران اليمنية للرحلات بين صنعاء والأردن وزيادة عدد رحلاتها إلى ثلاث يوميا، وتسيير رحلات إلى القاهرة والهند يومياً أو بحسب الحاجة. كما تضمّن الاتفاق عقد اجتماعات لمعالجة التحديات الإدارية والفنية والمالية التي تواجهها الشركة، والبدء في عقد اجتماعات لمناقشة كافة القضايا الاقتصادية والانسانية بناء على خارطة الطريق.

وجاء هذا الإعلان الذي رحّبت به الحكومة اليمنية والحوثيين، بعد أن كان مكتب المبعوث الأممي ذاته بعث برقية للمجلس الرئاسي، في الـ 12 من يوليو الجاري، يطالبه فيها بتأجيل تنفيذ قرارات وإجراءاته البنك المركزي في العاصمة المؤقتة عدن المتعلّقة بالتعاملات المالية، وفي مقدمتها إلغاء الطبعة القديمة من العملة (المتداولة في مناطق الحوثيين)، إضافة إلى سحب السويفت عن الستّة البنوك التجارية التي تخلّفت عن قرار نقل مراكزها من صنعاء إلى عدن، بعد انقضاء مهلة الـ60 يومًا، التي منحها لها البنك.

وعقب إعلان إلغاء القرارات، أعلن أحمد غالب المعبقي محافظ البنك المركزي في العاصمة المؤقتة عدن، استقالته من منصبه، غير أن المجلس الرئاسي رفض استقالته بالإجماع، وفق ما أعلنته وكالة سبأ الرسمية. 

واستغرب ناشطون ومتابعون يمنيون، من التغيُّر في موقف الرئاسي والحكومة التي سارعت بالترحيب بالإعلان الأممي الذي تضمّنت بنوده تنازلات حكومية ومكاسب للحوثيين، بعد أن كان المجلس الرئاسي، قبل أقل من أسبوعين، اشترط إعادة تصدير النفط وتوحيد العملة اليمنية وإنهاء الإنقسام المالي.

 

ضغوطات هائلة

 

مصدر مطلّع، أفاد لـ"المجهر"، أنه خلال الأيام القليلة التي سبقت الإعلان الأممي بشأن التوصّل إلى اتفاق يتضمن إلغاء قرارات البنك المركزي في عدن، كان هناك ضغوطات عالية المستوى على المجلس الرئاسي والحكومة اليمنية بشأن تلك القرارات التي كانت ضربة قاصمة للحوثيين".

وأضاف المصدر أنه بعد أن كان مجلس القيادة، خلال مناقشته للمقترح الأممي بخصوص تأجيل تنفيذ القرارات، اشترط استئاف تصدير النفط وتوحيد العملة والسماح بتداول الطبعة الجديدة، وهو موقف قوي، تدخّلت الولايات المتحدة الأمريكية للضغط على الرئاسي والحكومة، بالإضافة إلى ضغوطات سعودية وأممية، أفضت إلى تلك النتيجة". مشيرًا إلى أن "هناك وعود بدعم البنك المركزي. 

وكان رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي التقى السفير الأمريكي لدى اليمن ستيفين فايجن، الثلاثاء الماضي 16 يوليو/ تموز الجاري، وناقش معه العديد من الملفات، بينها الإصلاحات الاقتصادية. 

في هذا السياق، قال الخبير العسكري والاستراتيجي العميد محمد عبدالله الكميم لـ" لمجهر": "الظاهر أن الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت تحمي المليشيا الحوثية، والظاهر أنها رفضت تنفيذ تلك القرارات عبر السويفت المركزي، وأوعزت بعدم قبوله، وبالتالي بات من الصعوبة تنفيذ تلك القرارات، ومورست ضغوط هائلة جدا على الحكومة الشرعية".

وأضاف الكميم أن الحكومة الشرعية كانت قد تقدمت بشروط بينها توحيد العملة وإعادة تصدير النفط، إلا أن الضغوط التي مورست عليها كانت قوية وكبيرة، حيث وجدت الحكومة نفسها في زاوية، ما دفعها للتراجع والخروج بماء الوجه وجزء من المكتسبات.

 

خيبة أمل 

 

وكانت قرارات البنك وإجراءاته التصحيحة حظيت بتأييد شعبي غير مسبوق، حيث خرجت تظاهرات حاشدة في مدينة تعز وفي مأرب والخوخة، تساند قرارات البنك، وتحذر من التراجع عنها، كما أعلنت المكونات السياسية في بيان موحّد تأييدها لتلك القرارات والإصلاحات الاقتصادية، محذرة في الوقت ذاته التراجع عن التنفيذ.

وبالنظر إلى تفاعلاتهم، كان اليمنيون المساندين لقرارات البنك المركزي يشعرون أنهم يخوضون معركة كسر عظم مع المتمردين الحوثيين، معتقدين أن تنفيذها سيشكّل ضربة موجعة للجماعة الانقلابية، لاسيما أن الحوثيين ظهروا مرتبكين وغاضبين من إجراءات مركزي عدن، غير أنهم تفاجأوا بالتراجع عن تلك القرارات، وشعروا بخيبة أمل واسعة، وعبّروا عن غضبهم واستياءهم من التراجع الحكومي الذي اعتبروه انتكاسة للشرعية وخدمة للحوثيين. 

الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي وفيق صالح يعتقد أن إعلان المبعوث الأممي عن تعليق قرارت البنك المركزي، بهذا الشكل ودون الحصول على أي تنازلات أو مكاسب من قبل جماعة الحوثي للحكومة، يعتبر اتفاق مخل، ويعزز من القبضة الحوثية على القطاع المصرفي، علاوة على أن إلغاء القرارات هكذا وبدون مقابل، يفقد ثقة الشارع بمؤسسة البنك المركزي اليمني.

وأضاف صالح لـ"المجهر"، "كان هناك العديد من الإجراءات التي يفترض أن تتراجع عنها مليشيا الحوثي مقابل إلغاء قرارت البنك المركزي، مثل توحيد العملة ووقف استهداف منشأت تصدير النفط، ووقف حربها الاقتصادية ضد مجتمع رجال المال والأعمال، لكن بنود الاتفاق لم نلحظ أنها انتزعت أي مكسب من هذه النقاط، وبالتالي هذا الاتفاق هو هزيمة للحكومة، ويفقدها ثقة الشارع في أي قرارات أخرى بهذا الجانب".

 

قرارات صعبة التنفيذ

 

ورغم الغضب الشعبي الواسع من إعلان إلغاء قرارات المركزي اليمني، إلا أن ثّمة مراقبين اقتصاديين وسياسيين، يرون أن تلك القرارات كانت صعبة التنفيذ، وأن الهدف من صدورها كان الضغط على جماعة الحوثي فحسب، وهو سلاح أوجع الجماعة، والتي بدوها لجأت لإطلاق التهديدات ضدّ السعودية، بهدف دفعها للضغط على الحكومة للتراجع عن قرارات البنك.

وبحسب مصادر مطلعة، فإن استجابة الرئاسي والحكومة لضغط الإقليم والمجتمع الدولي بشأن التراجع عن إجراءات وقرارات البنك، تأتي برأي المجلس والخارج كرد أنسب بدلا من الذهاب لخوض حرب كانت وشيكة وشرسة، باعتبار أن حسابات دول الاقليم معترضة لهذا الخيار الصعب، ناهيك عن أن الوضع الداخلي لا يحتمل مزيدا من التعقيد والتصعيد المحفوف بالمخاطر والمحدود النتائج.

 

تهديد السعودية والتواصل معها

 

وعقب تصاعد المعركة الاقتصادية في اليمن، لجأت جماعة الحوثي للهروب إلى الأمام، من خلال إطلاق التهديدات باستهداف السعودية، حيث ألمح زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي في خطاب متلفز، بأن جماعته ستلجأ لاستهداف السعودية "البنك مقابل البنك، المطار مقابل المطار، الميناء مقابل الميناء". 

ولم يقتصر الموقف السعودي على التهديد، فقد كانت قيادات حوثية على تواصل دائم بالجانب السعودي، حيث كشف عن ذلك القيادي الحوثي المقرّب من زعيم الجماعة، علي ناصر قرشه، حين قال أنه على تواصل مع السفير السعودي، والذي زعم أنه أبلغه عن إلغاء قرارات البنك المركزي التي تقضي بإلغاء تراخيص الستة البنوك التجارية. 

وقبل إعلان مكتب المبعوث الأممي عن الاتفاق بين الحكومة والحوثيين، كان قرشه قد كتب "ان شاء الله تعلن الأمم المتحدة باعلان طيب إذا لم يغيرو المعنيين رايهم".

 

تفاهمات غير معلنة

 

ويتوقّع محللون يمنيون أنه مضمون البيان الصادر عن مكتب المبعوث الأممي والذي تضمن الاتفاق على إلغاء قرارات البنك، لم يشمل كل التفاهمات التي جرت، لأسباب عدة. 

وأضافوا أنه من المحتمل أن التفاهمات شملت السماح بإعادة تصدير النفط، ودعم البنك المركزي من أجل تعافي سعر الريال اليمني". 

وفي حين لم يستبعد الخبير العسكري والاستراتيجي محمد الكميم وجود اتفافيات أخرى لم يُعلن عنها تتعلق بإعادة تصدير النفط وغيرها من الاتفاقيات، إلّا أنه وصف "الاتفاق المعلن بشأن إلغاء قرارات البنك المركزي، بأنه يشبه "اتفاق استوكهولم" الذي خسرت فيه الحكومة المعترف بها لصالح الحوثيين بفعل الضغوط الأممية والأمريكية والبريطانية، لافتا إلى أن هذا الاتفاق بشأن قرارات البنك مؤذي وموجع للشعب اليمني، وقد رأينا حجم السخط الواسع من تلك الاتفاقية التي أظهرت ضعف في موقف قيادة الشرعية التي لم تستطع الصمود أمام تلك الضغوط.

وانتقد اليمنيون دور الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، التي تتعامل مع الشرعية بالضغوط ودفعها لتقديم التنازلات، فيما تتعامل مع الحوثيين بنوع من اللين والودّ، مستذكرين العديد من الاتفاقيات السابقة، وعلى رأسها اتفاق استوكهولم، التي كانت تفرضها وترعاها الأمم المتحدة، ليتضح لاحقًا أن هدفها إنقاذ الحوثيين.

ورغم موجة السخط الشعبي الواسع من أداء الحكومة اليمنية وتنازلاتها المتكررة، ثمّة تأكيدات شعبية على أن الجيش الوطني والفعل المقاوم هو الطريق الوحيد لاستكمال تحرير اليمن ووأد الانقلاب، بعيدا عن الضغوط الأممية والدولية، خصوصًا أن جماعة الحوثي ستواصل الذهاب إلى جولات جديدة من الحرب.