السبت 23/نوفمبر/2024
عاجلعاجل

من بن حبتور إلى الرهوي .. ماذا يعني إعلان الحوثيين تشكيل حكومة جديدة؟ (تقرير خاص)

من بن حبتور إلى الرهوي .. ماذا يعني إعلان الحوثيين تشكيل حكومة جديدة؟ (تقرير خاص)

بعد مضي 11 شهرًا على إقالة الحكومة غير المعترف بها السابقة، أعلنت جماعة الحوثي الإرهابية، السبت، تكليف "أحمد غالب ناصر الرهوي" بتشكيل حكومتها الجديدة، التي تظل غير معترف بها دوليًا، في خطوة أثارت العديد من التساؤلات عن أسباب تأخرها، وحول الصرعات البينية داخل أجنحة الجماعة، ومصير علاقتها بحليفها حزب مؤتمر صنعاء.

ويأتي الإعلان الحوثي بتشكيل حكومة جديدة، بعد أن أقالت الجماعة حكومة عبدالعزيز بن حبتور، في 27 سبتمبر/أيلول 2023، وكلّفتها بتصريف الشؤون العامة العادية ما عدا التعيين والعزل، وذلك عقب خطاب زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، أعلن فيه، حينها، عن مرحلة "التغيير الجذري"، في فترة تصاعد خلالها الحديث عن صراعات بين الأجنحة الحوثية حول تشكيل الحكومة الجديدة التي كان قد وعد بها زعيم الجماعة.

 

من هو الرهوي؟

 

يُعدّ أحمد الرهوي المعيّن من قبل الحوثيين رئيسًا للحكومة الجديدة (غير المعترف بها) عضوًا في الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي العام، وينتمي إلى قبيلة الرهوي اليافعية التابعة لمديرية خنفر بمحافظة أبين.

ومؤخرًا كان الرهوي يشغل عضو المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، بعد أن ظل في منصب محافظ محافظة أبين بقرار من الجماعة منذ 2015. وقبل الانقلاب الحوثي كان الرهوي يشغل مدير عام مديرية خنفر، بعد أن كان وكيلا لمحافظة أبين، وقبلها وكيلًا لمحافظة المحويت.

وتضمن الإعلان الحوثي بتكليف عضو المجلس السياسي الأعلى أحمد الرهوي بتشكيل حكومة، تضمن تعيين بن حبتور عضوا في المجلس السياسي الأعلى، وهو ما أحدث خيبة أمل لدى نشطاء ونوّاب موالين للحوثيين وصفوا التعيين بأنه مجرد "ديمة خلفنا بابها"، لن يعالج التحديات التي تواجه الجماعة.

 

صراع الأجنحة

 

تؤكد مصادر مطّلعة أن الصراع الواسع بين الأجنحة الحوثية التي تسعى لتعيين وفرض محسوبين عليها في المناصب الحساسة، بالإضافة إلى قضايا فساد كبيرة، هو الذي أعاق تشكيل حكومة انقلابية جديدة منذ إقالة حكومة بن حبتور غير المعترف بها، قبل نحو عام، في إطار التغييرات الجذرية التي أعلن عنها عبدالملك الحوثي، حيث توافقت الأجنحة الحوثية مؤخرًا على أحمد الرهوي.

وأضافت المصادر لـ"المجهر"، أن الخلافات البينية على المناصب وقضايا الفساد والغضب الشعبي كادت أن تعصف بالمليشيا الحوثية، لولا أن الجماعة استغلت قضية غزّة مبررا ومخرجًا لتأخير إعلان الحكومة، من خلال دخولها في مغامرة إقليمية عبر الهجمات على السفن في البحر الأحمر، تنفيذًا للأجندة الإيرانية التوسّعية التي تستغل ما يتعرض له قطاع غزة من جرائم وحشية وإبادة جماعية على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي، في ظل تقاعس الحكومات العربية والإسلامية عن القيام بدورها.

 

تحدّيات داخلية

 

يرى الباحث "سلمان المقرمي"، أن الحوثي "يواجه صعوبات جمة في تشكيل حكومة جديدة، فبعد سنة كاملة من عزل الحكومة الخاصة به غير المعترف بها، أعلن عن تكليف شخصية جديدة لتشكيل الحكومة". مضيفًا: "وحتى هذا التكليف عبارة عن مناقلة، بين الرهوي الذي كان عضو المجلس السياسي واستبدله ببن حبتور في عضوية المجلس.. ولذلك لا تجد أي تفاعل جدي مع هذا التغيير، حتى وإن حمل اسم التغيير والبناء".

ويؤكد المقرمي لـ "المجهر" إن "التحديات التي تواجه الحوثي تأتي من داخل الجماعة نفسها، إذ أن التوازنات داخل الجماعة معقدة بشكل كبير.. وكان قد اعترف بها الحوثي نفسه في خطاب له أواخر 2022، ولذلك، مرت سنة كاملة من إعلان الحوثي إجراء تغييرات دون أي رؤية على الأرض لهذا التغيير حتى في شكلها الظاهري عبر تشكيل حكومة جديدة".

 

تضليل للشعب

 

يعتقد الصحفي والباحث حسين الصوفي، رئيس مركز البلاد للدراسات، أنه "خلال عقد كامل من سيطرتها على صنعاء والمناطق الرازحة تحت نفوذها، مارست المليشيا الحوثية حملات جباية ونهب وابتزاز لليمنيين وتنصلت عن دفع الرواتب وعطلت كل مؤسسات الدولة وأوقفت كل الخدمات والمشاريع الحكومية وكثفت جهودها في بناء مؤسسات ظل خارج بنية وهيكل الدولة، وخلال هذه الفترة كانت تلقي بكل مظاهر الفساد الذي تحول إلى فرص للنهب الثراء الغير مشروع عن طريق الوظيفة العامة دون تقديم أي خدمة للمواطن، كانت تلقي باللوم على شريك المرحلة المؤتمر الشعبي العام في صنعاء".

ويضيف الصوفي في حديثه لـ "المجهر" أن التغيير الحوثي للحكومة "جاء بعد دعاية وتسويق طويل ومكثف، وقبل أيام من الذكرى العاشرة لنكبة ٢١ سبتمبر الشهر المقبل، وهو ما تحضر لتقديمه منجزًا، وتسعى بذلك لتصفير الفشل الكارثي الذي تسببت به خلال عقد كامل، وستوظف الخطوة بادعاء أنها مرحلة جديدة وستبذل جهدها لتضليل الشعب وادعاء أنها تفتح صفحة جديدة وأنها الان بدأت مرحلة استلام الدولة بشكل منفرد".

لكن المليشيا الحوثية -بحسب الصوفي- فتحت على نفسها بابًا عريضًا ومباشرًا لمواجهة الشعب اليمني وستسقط كل أعذارها وستختفي الشماعة التي علقت عليها كل فشلها وبعد انتهاء بهرجة الاحتفاء الذي يظهر أنها تجهز له بمشاريع دعائية ستعلن عنها في الشهر المقبل، وكل ذلك سيختفي مع اختفاء الزفة الوهمية وستجد نفسها امام الشعب وجها لوجه بذات الثقافة اللصوصية الجبائية".

 

تسوية مرتقبة

 

ويأتي الإعلان الحوثي بتكليف الرهوي بتشكيل حكومة جديدة، عقب تصاعد الحديث عن تسوية سياسية مرتقبة ضمن خارطة الطريق الأممية لحل الأزمة اليمنية سياسيا بين الحكومة المعترف بها والمتمردين الحوثيين، وهي خارطة تعمل فيها السعودية وسلطنة عمان كوسيطين.

لكن الصحفي والباحث حسين الصوفي، لا يعتقد أن لإعلان الحوثيين بشأن الحكومة الجديدة أي اعتبار يمكن أن تستغله الجماعة كملف تفاوض به في حال كانت هناك تسوية، فوضعها القانوني شاذ ولا أساس له ولا تمتلك أي مشروعية مطلقا". مضيفًا: "بل إن المسؤولية الدستورية تتضاعف ضدها باعتبارها خطوات تصعيدية في اتجاه ما يصفه الدستور بالخيانة العظمى وتهديد النظام الجمهوري وتفكيك المركز القانوني لمؤسسات الدولة".

 

مؤتمر صنعاء

 

ورغم أن أحمد الرهوي، المُعين من الجماعة رئيسا للحكومة الجديدة غير المعترف بها، هو قيادي في حزب المؤتمر (مؤتمر صنعاء)، إلا أن مراقبين يتوقعون أن تكشف تشكيلة حكومته عن إقصاء لحزب المؤتمر الذي منح الجماعة الغطاء السياسي للسيطرة على صنعاء وعدد من المحافظات. لافتين إلى خطاب رئيس مؤتمر صنعاء صادق أمين أبو راس، قبيل إعلان التغييرات الجذرية، الذي ظهر غاضبًا من حلفائه الحوثيين، وطالبهم بوقف استهداف أنصار الحزب وتسليم مرتبات موظفي القطاع العام من إيرادات الدولة.

وفي السياق، أوضح الكاتب والمحلل السياسي ياسين التميمي لـ "المجهر" أن "الحوثيون يريدون أن يخلقوا انطباعا بأنهم سلطة حقيقية وانهم يجرون تغييرات حكومية في وضع سياسي مستقر، لكن في الحقيقة هم يريدون التخلص من الشراكة والتأكد من أن العناصر التي تعمل معهم خاضعة بشكل كامل لإرادة الجماعة، فضلا عن أن هذه التغييرات تسمح لها بوضع عناصر الجماعة في مواقع القرار في حكومة الأمر الواقع".

وكان مركز اليمن والخليج والدراسات، أشار في ورقة صادرة عنه منتصف أكتوبر الماضي، إلى أن إقالة حكومة بن حبتور عبر ما يُسمّى "مجلس الدفاع الوطني"، على الرغم أن تشكيلها جاء عبر ما يُسمّى "المجلس السياسي الأعلى"، يُعدّ إعلانًا بمرحلة جديدة لا يكون مؤتمر صنعاء شريكاً.

ولفت مُعدّ الورقة عدنان هاشم، الباحث المتخصص في الشأن الخليجي والسياسات الإيرانية، إلى أن ذلك "إجراء يرسل رسالة بالغة القسوة للأطراف المناوئة أن أي اتفاق شراكة في الحكم يكون الحوثيون فيه هم النظام والحكومة".

 

تغييرات للاستحواذ الشامل

 

وفق قيادات حوثية، فإن تكليف الرهوي بتشكيل حكومة جديدة، هي الخطوة الأولى في إطار التغييرات الجذرية التي أعلن عنها زعيم الجماعة أواخر سبتمبر الماضي.

وفي حين تزعم المليشيا أن تغييراتها الجذرية تهدف لإحداث إصلاحات، يؤكد مراقبون أن التغييرات تلك لن تؤدي إلى حوكمة فعلية، نظرًا لاستمرار "القوى الخفية" في تسيير الأمور، لافتين إلى أن هذا المشروع هدفه الحقيقي غير المعلن تجريف العمل المؤسسي، من خلال الاستحواذ الكامل والسيطرة الشاملة واجتثاث الموظفين السابقين، ضمن مساعيها لتعميق تجذّرها وإحكام سيطرتها على السلطة، وإحداث تغييرات تستلهم إرث الإمامة الكهنوتية أكثر مما تبدو عليه الجماعة الحوثية اليوم.