يطلق مصطلح "السلالية" على الجماعات التي تؤمن بالنسل المقدس وتطالب بأحقيتها في السلطة والثروة مستخدمة في سبيل ذلك كل أدوات الحرب المادية والمعنوية على حساب القيم والمبادئ الإنسانية.
وظلت المرجعيات السلالية تسيء للقبائل اليمنية، وكما هو الحال مع قيادات جماعة الحوثي اليوم والتي تريد من خلال ذلك تصدير نفسها على أنها نسل الكرام الأطهار مدعية أحقيتها في القيادة دون سواها.
ومن ذلك على سبيل المثال، ما جاء على لسان الدكتور حمود الأهنومي أحد الرموز السلالية في جامعة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بأن أجزاء من أرض سبأ وحِميّر كانت وكراً للدعارة نقلاً عن كتاب "الهادي إلى الحق، المُضل إلى العكفوية".
واللافت في الأمر، أن الكتاب الذي نقل عنه الأهنومي هو من المؤلفات الحديثة وصادر عن مركز شهارة للدراسات والبحوث، ما يعني أن جماعة الحوثي تسعى إلى تجديد المرجعيات السلالية التي تطعن في أعراض الشعب اليمني.
سلاح "الإساءة"
تدرك جماعة الحوثي أنها تعيش في مجتمع قبلي لديه حمَّية تجاه المرأة ويهتم بالأعراض، ولذلك عندما تريد الجماعة الإساءة لأي قبيلة تدفع قياداتها لإخراج مثل هذه السفاهات التي أطلقها حمود الأهنومي.
ويوضح الدبلوماسي اليمني محمد جميح في حديثه لـ"المجهر" أن جماعة الحوثي تستخدم مثل هذه الاساءات كسلاح لا يختلف عن السلاح المادي في المعركة من أجل الطعن في الكرامة اليمنية.
وفي حال خالفتهم القبائل أو قاومت مشروعهم، يلجئون إلى الإساءة لها وفقا لمروياتهم التي يعتقدون بها، وبالنسبة لهم فأن تسفيه معارضيهم هو دين ويرتقي إلى مستوى اليقين المقدس. حسب توصيف السفير جميح.
ويشير جميح، إلى أن دوافع قيادات الحوثي في خطاباتها العنصرية هي ذاتها التي تدفعهم نحو الإساءة لليمنيين في أعراضهم، مضيفاً أن " الغرض من ذلك هو تجييش الناس معهم وترهيب مخالفيهم بأن هذه أوصافهم بناء على أحاديث".
ويتعلق خطاب قيادة الحوثي المسيء لليمنيين واليمنيات بمنظومة من التحقير والإهانة للشعوب في إطار ثقافة الهيمنة والسيطرة، بصفتهم أصحاب حق إلاهي لا يمكن للأخرين الوصول إليه.
وفي هذا الجانب يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء الدكتور عبدالباقي شمسان، أن الأمر متعلق بأخلاقيات جماعة الحوثي التي قال إنها "تفتقر للأخلاق والقيم اليمنية، كونها جماعة مفرغة لديها من الحقد والغل ما يجعلها تتعامل باستعلاء أعمى".
وإجمالا لا ينبغي التركيز على هذه الجزئية بانفصال عن استراتيجية الهيمنة بما في ذلك التحقير من شؤون القبائل والفئات المجتمعية اليمنية، وكل هذا يدخل في إطار واحد طالما أن المس بهذه الجماعة مقدس وكل ما سواها مباح. وفقا لشمسان.
منهجية قديمة
يعتقد أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء، الدكتور عبدالباقي شمسان، أن الخطاب السلالي لقيادات الحوثي لا ينطلق من مجرد دوافع بشكلها التلقائي والسطحي، وإنما يأتي ضمن استراتيجية تتبانها الجماعة لاستعادة دولة الإمامة.
ويواصل الدكتور شمسان في حديثه لـ"المجهر" أن هذه الاستراتيجية بدأت من خلال ثورة مضادة على مفاهيم النظام الجمهوري الحديث، سعيا لإثبات أن الحوثيين أصحاب الحق الإلهي.
كما استخدمت الجماعة مجموعة من الأدوات لإثبات أحقيتها، ومن ذلك إعادة السردية الوطنية لثورتي الـ 26 من سبتمبر 1962م والـ 14 من أكتوبر 1963م وبرزت ملامحها في إعادة صياغة المنهج المدرسي من قبل الحوثيين.
إلى جانب استعادة البنية الاجتماعية التقليدية القائمة على التراتب واهتمامها بالعامل الديني المتعلق بتمييز هذه السلالة واصطفائها للحكم من خلال صناعة هذه الهالات التي تأتي في إطار مشروع ثورة مضادة لاستعادة السلطة منذ اتفاقية جدة في سبعينيات القرن الماضي. وفق حديث الدكتور عبدالباقي شمسان.
ويضيف شمسان، " مع تلك الفترة بدأ المشروع السلالي عبر وضع الخطط للعودة باستراتيجية مرتبة من خلال انتشار هذه الجماعة في المؤسسات العسكرية والأمنية والسياسية والحزبية، إلى جانب انتشارها في المؤسسات المدنية".
ويشير إلى أن جماعة الحوثيين أقامت علاقات وتحالفات مع الإقليم إلى أن جاءت الظروف الدولية المساعدة على دعمهم للاستيلاء على السلطة وإيجاد فاعل غير الدولة في توقيت كان العالم يسعى إلى تعطيل الدولة في المنطقة العربية.
رهان عقائدي
سعت جماعة الحوثي الإرهابية إلى إعادة بث الفوارق الطبقية في أوساط المجتمع اليمني عبر مجالات عدة للانقلاب على الثقافة المجتمعية التي أحدثتها الدولة اليمنية الحديثة تحت مسمى الجمهورية اليمنية.
ومن ذلك إجراء تعديلات على المناهج المدرسية والجامعية وتغيير مسميات الشوارع وإضفاء الطابع العقائدي على خطب الجمعة ووسائل الإعلام سواء التابعة لهم أو الواقعة تحت سيطرتهم.
ويذهب أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء، الدكتور عبدالباقي شمسان، إلى القول إن عودة الفوارق الطبقية تأتي ضمن مخطط استراتيجي لجماعة الحوثي كونها تقوم على البنية الاجتماعية التقليدية التراتبية.
وعلى أساس ذلك ترى هذه الجماعة نفسها في أعلى الهرم الاجتماعي اليمني، والذي حاولت الدولة اليمنية الحديثة أن تقضي عليه بالتعليم والثقافة والتنمية، واليوم تسعى جماعة الحوثي لتلتهم كل ما بنته الجمهورية واستدعاء تلك البنية الاجتماعية اليمنية القديمة القائمة على احتقار بعض الفئات. بحسب شمسان.
وبالمقابل، وضعت الجماعة بعض الفئات في أعلى السلم الاجتماعي لأنها تزعم أن ذلك يشرعن بقائها خارج البنية الاجتماعية التقليدية، ويسمح لها بأن تكون صاحبة الحق الإلهي في حكم الشعب اليمني.
وعموما ترتبط الاستراتيجية الحوثية بصراع إقليمي تغذيه إيران بما لديها من رهانات في المنطقة، وهو ما جعل الدكتور عبدالباقي شمسان يستنتج أن الجماعة تعمل من خلال رهانين؛ صراع سياسي عقائدي اجتماعي على المستوى المحلي وصراع جيواستراتيجي عقائدي على المستوى الإقليمية.
وقود حرب
تعتمد جماعة الحوثي الإرهابية على مراجعها السلالية التي ظلت عبر عقود من الزمن تنظر لليمنيين بكونهم وقود حرب أو ما يعرف قبلياً بـ "العكفة" تستخدمهم للقتال في سبيل المشروع السلالي، وتثبيت حق أهل البيت بالإمامة.
ويتفق ذلك مع رؤية الدبلوماسي اليمني الدكتور محمد جميح، الذي أجزم أن المشروع السلالي هو في الأساس " مشروع سلطة وثروة وأخرجوه تخريجة دينية تحت مسمى الإمامة".
وذكر جميح في حديثه لـ" المجهر" أن الجماعات السلالية لم تستطع في الماضي ولا في الحاضر ولن تستطيع مستقبلاً أن تحكم اليمنيين إلا عبر سياستها المعروفة "فرَّق تسد" لنشر التفرقة القبلية والمناطقية والمذهبية والعنصرية بكل ما تمتلك من قوة.
ولذلك كان عبدالله بن حمزة يقول: "فلأضربن قبيلة بقبيلة ولأحرقن بيوتهم بالنار" في دعوة واضحة للتحريض على ضرب القبائل ببعضها وضرب المناطق ببعضها من خلال إثارة النعرات القبلية والمناطقية والطعن في الأعراض.
وفي سياق ذلك، يذهب السفير محمد جميح إلى القول إن " استهداف الحوثيين اليوم للتاريخ اليمني والحضارة اليمنية، يندرج ضمن وسائلهم التي من خلالها يريدون تدمير الشخصية اليمنية تحت إطار ما يسمى بالشخصية الإيمانية".
ولفت إلى أن هذه الشخصية الإيمانية تحاول سلب الهوية اليمنية بحيث تجعل الفرد يتبعهم دون نقاش أو تفكير ويؤمن إيماناً يقينياً بأن لهم الحق في السلطة والثروة وهم المقدمون على من سواهم.
تكفير وطعن بالأعراض
اتفقت المراجع السلالية لجماعة الحوثي الإرهابية من الإمام الهادي إلى عبدالله بن حمزة إلى مجد الدين المؤيدي، على القول إن اليمنيين إما كفاراً أو أصحاب دعارة لا يمتلكون قيم أخلاقية.
وفي هذا السياق، أوضح الصحفي سلمان المقرمي، أن هذه المراجع وصفت اليمنيين في المناطق المحسوبة على المذهب الشافعي بأنهم كفار تأويل، ولجئت إلى اتهام اليمنيين في المناطق الزيدية بممارسة الدعارة كونها لم تجد فكرة التكفير مجدية.
وأشار المقرمي في حديثه لـ"المجهر" إلى أن هاتين الصفتين تمثل تحفيز للحرب وتبرير للتطهير العرقي من خلال إباحة الدماء وهتك الأعراض وارتكاب الجرائم بحق اليمنيين.
بدوره يرى الباحث اليمني الدكتور همدان الصبري، أن تلك الخطابات اللادينية واللا اجتماعية واللا أخلاقية لقيادات جماعة الحوثي مستمدة من بطون كتبهم السلالية، وهي نابعة من أفكارهم المستقرة في رؤوسهم الخبيثة النتنة.
وأوضح الباحث همدان الصبري في سلسلة تغريدات له على منصة "إكس" أن نظرة الجماعة الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية، وصولاً للأمثال الشعبية الدارجة، وجلها موجهة ضد أبناء الشعب اليمني، وتسعى إلى التقليل من شأنهم.
ولفت إلى أن مثل هذه الممارسات يستخدمها الحوثيون كذلك في تصفية الأبطال الأحرار المناوئين المجابهين لمكرهم وخبثهم وخداعهم.
وخلُص إلى أن " أمام أحفاد سبأ وحِميّر إرث كبير وحمل ثقيل؛ لمراجعة وفحص وتبيين مستنقع الموروث الفاسد المتعفن، -ولا بد- من حل كافة تلك الإشكاليات والمعضلات من جذورها".