وسط تعقيدات المشهد السياسي، وتعقيدات مسار التسوية والسلام في اليمن، يصل رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد محمد العليمي، مدينة تعز المحاصرة حوثيًا منذ نحو عشرة أعوام متتالية، في خطوة وصفها كثيرون بالشجاعة، باعتبارها أول زيارة له إلى المحافظة منذ توليه السلطة.
وبهذا يعد "العليمي" أول رئيس يمني، يزور محافظة تعز في زمن الحرب الحوثية، فمنذ انقلاب الجماعة المدعومة من إيران على الدولة، وتشكيل حكومة معترف بها دوليًا، لم تلتفت الرئاسة لمعاناة هذه المدينة، التي قدمت تضحيات كثيرة، في سبيل ردع المشروع الإمامي والتصدي للتوسع الحوثي، دفاعًا عن الثوابت الوطنية والنظام الجمهوري.
وكثيرة هي الأبعاد والدلالات السياسية، التي تحملها زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي لتعز، المدينة التي عانت ويلات الحرب والحصار، حيث تسود حالة من التفاؤل وسط الشارع التعزي، سيما أن الزيارة تأتي في ظل أوضاع معيشية صعبة يعيشها أبناء المدينة، ومن المتوقع أن يطلع "العليمي" على أوضاع المحافظة الأمنية ودور السلطة المحلية والمكاتب الخدمية، ليتلمس معاناة المواطنين وظروفهم المعيشية والاقتصادية.
الكاتب اليمني في الشؤون السياسية، مصطفى ناجي يقول إن زيارة رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي إلى محافظة تعز، هي مغامرة جسورة من الناحية الأمنية؛ ويستطرد مشيرًا أنها من صميم مهامه، وقد سبقه إلى المحافظة عضو المجلس طارق صالح قبل فترة.
يضيف ناجي بأن هذه الزيارة تأخرت كثيراً، إذ لم يزر تعز أي رئيس وزراء، بل انها لدواع أمنية محافظة شبه مغلقة على البعثات الدولية، وعلى كبار زوار البلاد، ولا يدخلها إلا عدد محدود من الصحفيين الأجانب والعرب، لذا فإن حقيقة الأوضاع في تعز مغيبة لدرجة أن المحافظة شبه منسية أو أنها علامة في الصفحة المطوية من الاهتمام الحكومي والاقليمي والدولي.
فرصة للتصحيح
تزامنًا مع ذلك، أجرت السلطة المحلية في تعز العديد من الترتيبات اللازمة لاستقبال رئيس وأعضاء مجلس القيادة، وعدد من الضباط السعوديين إلى مدينة تعز، التي تعتبر من أكثر المدن اليمنية تضرراً بسبب الحرب والحصار وسياسة التجويع الحوثية، ناهيك أنها صُنفت كأكثر مدينة سقط فيها أكبر عدد ضحايا من المدنيين جراء القصف العشوائي الحوثي، بحسب منظمات حقوقية.
كما بدأت حملة أمنية مشتركة تطبيق قرار منع التجول بالسلاح العشوائي داخل مدينة تعز، ومنذ أيام شرعت السلطة المحلية بإجراء جملة من الترتيبات التي شملت تنفيذ حملة تنظيف ورفع المخلفات وترميم بعض الشوارع، وإزالة المطبات، إلى جانب رفع صور ترحيبية للرئيس "العليمي" على مبنى المحافظة والمقرات والمؤسسات الحكومية، وعلى طول امتداد الطريق من التربة وصولًا إلى مقر المحافظة المؤقت، وشوارع المدينة الرئيسية والفرعية.
وفي هذا السياق، يأمل مراقبون أن تعود زيارة العليمي بالنفع على حياة المواطن، نظرًا لأن السلطة لا تشتغل والوحدات المحلية لا تقوم بواجباتها في تحسين صورة المدينة إلا على وقع زيارة رفيعة المستوى، مشيرين إلى ضرورة أن تستفيد الأحزاب والفعاليات الاجتماعية والمنظمات من هذه الزيارة لتضع أمام المجلس تحديات ومشكلات المحافظة، وتقترح حلولًا قابلة للتنفيذ، وأن تعكس طموح أبناء المحافظة، فالتفاعل الشعبي مع قدوم "العليمي" بصورة ايجابية، يُعيد تعز إلى خارطة الفعل والاهتمام السياسي.
إلى ذلك، يتفق ناشطون أن تعز تفتقر للخدمات الأساسية، وتحتاج لمشاريع تنموية كثيرة، وبعض التغييرات في السلطات الإدارية، إضافة إلى تأسيس بنية تحتية مناسبة سواء فيما يخص الخدمات أو المؤسسات، خاصة أن تعز محرومة من الكهرباء والمياه، وبحاجة لميزانية مخصصة لقطاع النظافة والصرف الصحي وقطاع الصحة.
ملفات شائكة
عدة ملفات شائكة في تعز تنتظر من الرئيس العليمي قراءة حلول ومعالجات لتصحيح المجال الخدمي والتنموي وغيرها من الملفات الإنسانية الطارئة، ومن المتوقع أن يعمل د. رشاد العليمي على حل ملف كلًا من الكهرباء الحكومية المتوقفة منذ بداية الحرب الحوثية، أسوة ببقية المحافظات، وحصة تعز من الوقود، وخدمة المياه، وضبط الاختلالات الحاصلة في قطاعات الصحة والتعليم.
وتبدو مدينة تعز بحاجة لدعم كافٍ في القطاعات الخدمية، مثل صندوق النظافة والبيئة، وتنظيم مسألة العمل على صيانة الطرقات والشوارع داخل المدينة، والطرق التي تربط المدينة بالمديريات الريفية، إضافة إلى حشد الدعم لتعز، وتخفيف المعاناة على النازحين من أبناء المحافظات الأخرى إلى تعز.
يقول مواطنون من أبناء تعز، إنهم يترقبون بشدة قرارات جريئة وشجاعة من أجل تغيير منظومة السلطة المحلية التي تقاعست شأن المواطن طيلة عقد من الزمن، ولم تلتفت لمعاناة البسطاء، ومحاربة الفساد في هرم السلطة، ودعم ملف التنمية المستدامة وعمل مشاريع تنموية توفر فرص عدة لكثير من الفئات العاطلة، والتقليل من نسبة البطالة داخل المجتمع.
هكذا ينتظر سكان مدينة تعز من زيارة العليمي لتعز، حل مسألة غياب الخدمات أهمها توفير الكهرباء الحكومية وخدمة المياه والصرف الصحي، وتصحيح الوضع الخدمي للمنشآت الصحية والتعليمية، ومعالجة مشكلة العجز عن تقديم الخدمة للمواطنين الذين لا يحصلون على هذه الخدمات إلا من مصادر تجارية في ظل وضع معيشي صعب وأزمة اقتصادية وتهاوي العملة المحلية.
توحيد الصف
مع قرب الحديث عن توقيع خارطة طريق، واتفاقية سلام لإنهاء الحرب في اليمن، تشكل تحركات رئيس مجلس القيادة الرئاسي، د. رشاد العليمي فرصة في غاية الأهمية، تمكنه من لملمة الأطراف واحتواء الصراعات ومعرفة مطالب اليمنيين بشكل عام، وأبناء تعز خاصة، نظرًا لأنها تمثل رافعة مشروع المعركة الوطنية منذ ستينيات القرن الماضي، وساهمت كثيرًا في ترسيخ النظام الجمهوري على أعقاب الإمامة.
رئيس الدائرة الإعلامية لحزب التجمع اليمني للإصلاح بتعز أحمد عثمان، أكد أن زيارة الرئيس العليمي، تأتي في وقت حساس وهام، نظرًا للظروف التي تمر بها البلاد وتعز بشكل خاص، إذ تتداخل الأهداف والدوافع والمشاريع والمخاوف والأحلام والتحديات والفرص داخليًا وخارجيًا.
وأوضح عثمان بأن تعز تقف في عمق كل هذه التداخلات والأعاصير والتحديات والفرص، وتملك ما تفعله لصالح المشروع الوطني والانتصار للجمهورية بحكم علاقاتها التاريخية بالهوية الجمهورية والروح الثورية والثقافة الوطنية التي تمثل كل اليمن حتى عندما ينظر لها كقطاع منفصل.
إلى ذلك, يرى سياسيون يمنيون أن المسؤولية الوطنية تستحث جميع المكونات في صف الجمهورية، إلى مزيد من الفعل ومزيد من اليقظة وتوحيد الهدف والوسيلة وكثير من الالتفاف خلف القيادة الشرعية، حيث يبقى الهدف استعادة الدولة والوسيلة هي تقوية الصف الجمهوري وتقوية وتوحيد كافة روافع المشروع الوطني الجمهوري.. هذا بالضرورة يتم عبر قيادة واحدة والتفاف استثنائي خلف هذه القيادة.