يبدو أن تأخر إيران في إرسال سفير لها إلى صنعاء له دلالات سياسية وعسكرية متعددة، فبعد أيام من مصرع السفير السابق "حسن إيرلو" في ديسمبر/ كانون الأول من العام 2021م أعلنت الحكومة الإيرانية اعتزامها تعيين سفير جديد لدى سلطة الحوثيين، إلا أنها انتظرت أكثر من سنتين ونصف لإعلانه.
والثلاثاء الماضي، أعلنت جماعة الحوثي الإرهابية عن استقبال السفير الإيراني الجديد علي محمد رمضاني، فيما اعتبرته الحكومة اليمنية المعترف بها إعلاناً عن بدء مرحلة جديدة من الوصاية الإيرانية المباشرة على قرارها السياسي والعسكري.
ويرى مراقبون، أن النظام الإيراني يعتقد اليوم أنه يحقق نجاحات في إطار تعزيز نفوذه في المنطقة، فيما يذهب آخرون إلى الاعتقاد بأن إيران تعيش وضعاً متوتراً، مشيرين إلى أن توقيت تسمية سفير لها في صنعاء له دلالات واضحة على حجم الضغوط الكبيرة التي تواجهها.
صفقة إيرانية
من الواضح أن إيران تريد من خلال تسمية سفير لها في صنعاء التأكيد على استمرارها في إدارة الحرب الإقليمية وتوظيف نقاط القوة التي تملكها بواسطة الحلفاء لا سيما جماعة الحوثيين.
خبراء ومحللون فسروا إعلان إيران عن إرسال سفير جديد إلى صنعاء هو دليل على هذه النجاحات التي تحققت لهم، وأبرزها على سبيل المثال إيقاف إجراءات الرقابة على مطار صنعاء الدولي والذي سمح بنقل الخبراء الإيرانيين بسهولة.
وبهذا الصدد، يعتقد رئيس مركز أبعاد للأبحاث والدراسات الاستراتيجية عبدالسلام محمد، أن إيران تبحث عن شرعنة الوجود الحوثي خاصة مع تشكيل الجماعة لحكومة جديدة في صنعاء والذي اعتبرته طهران فرصة لتقديم سفيرها.
وأوضح عبدالسلام في حديثه لـ"المجهر" أن دخول الحوثيين في هدنة طويلة الأمد ومفاوضات مع الجانب السعودي بوساطة إيرانية عزز من فرص التواجد الدبلوماسي الإيراني عبر دعم مشروعية التواجد الميداني للحوثيين.
وفي ذات السياق، يذهب الصحفي اليمني سلمان المقرمي إلى الجزم بإن وصول السفير عقب إعلان الحوثي عن تشكيل حكومة ما يسمى بالتغيير والبناء غير المعترف بها دولياً، سوف يمثل دعماً إيرانياً قوياً لحكومة الحوثي.
ويتوقع الصحفي المقرمي أن ضمن مهام السفير الإيراني في صنعاء هي إدارة الصراع الداخلي بين الأجنحة الحوثي، بالإضافة إلى ضبط إدارة سلطة الجماعة في مواجهة الشعب بمناطق سيطرتها.
كما يأتي الملف الاقتصادي في مقدمة أجندة السفير الإيراني الجديد في صنعاء، بعد فشل المفاوضات الاقتصادية التي أعلن عنها المبعوث الأممي في الشهر الماضي في العاصمة السعودية الرياض.
ومن المرجح أن استعراض جماعة الحوثي لقوتها أمام الجانب السعودي في عرقلة الملف الاقتصادي، كان بإيعاز من الجانب الإيراني لأن وصول السفير سيكون له تأثير بارز في إدارة هذا الملف من صنعاء. وفقاً للمقرمي.
ولا يستبعد المقرمي أن الخبراء الإيرانيين في صنعاء أشرفوا بصورة مباشرة على تشكيل هذه الحكومة، بغرض تمكين الجماعة من الانفراد بالقرار السياسي في أي مفاوضات قادمة.
ضابط اتصال
يمكن تفسير الوضع السياسي والدبلوماسي لإيران في المنطقة من خلال الظروف العسكرية الراهنة لقوات الحرس الثوري الإيراني التي تدير عمليات استهداف البواخر في البحر الأحمر والأنشطة التخريبية في باب المندب.
وحسب توضيح الصحفي أحمد شوقي أحمد، فأن وجود سفير إيراني جديد في صنعاء بمثابة ضابط اتصال ومندوب يمثل الرغبة الإيرانية للإدارة المشتركة للعمل العسكري وتقديم الدعم اللوجيستي في هذا من خلال دراسة الاحتياجات المختلفة.
وفي الجانب الآخر يعتقد شوقي، أن السفير الإيراني سيلعب دوراً رئيسياً في إدارة التفاوض مع المملكة العربية السعودية ومن خلالها مع الدول الغربية فيما يخص الملف اليمني.
ويضيف شوقي في حديثه لـ"المجهر" أن إيران تستطيع من خلال سفيرها في صنعاء إعاقة هذه المفاوضات وفهم الفرص التي تقدمها السعودية للحوثيين وفهم احتياجات الجماعة في الوقت الراهن، لتقديم بدائل أقل قيمة بالنسبة للحوثي وبما يسمح باستمرار الصراع.
بمعنى أن تقوم بتوفير جانب بسيط من احتياجات الحوثي المالية بما يساعده على تحمل الأزمات الداخلية التي يواجهها مقابل الاستمرار في الرفض لتحسين شروط التفاوض، والهدف من ذلك حسب تصوره شوقي، هو استمرار بقاء الأزمة في البحر الأحمر وجر الغرب الى التفاوض معها لوقف العمليات التخريبية.
وبالتالي كل النشاط العسكري والدبلوماسي الذي تقوم به القيادة الإيرانية هدفه تثبيت هذا الوضع وعدم الانجرار في اتفاق تفاوضي مع القيادة السعودية مهما كانت الاغراءات المالية كبيرة.
بالمقابل توصل الصحفي سلمان المقرمي في خلاصة حديثه لـ"المجهر" إلى نتيجة أن الإيرانيين أرادوا من خلال ارسال سفير إلى صنعاء إيصال " رسالة للجميع أننا انتصرنا والان نجني ثمار الانتصار".
مشيراً إلى أن تواجد السفير الإيراني بهذه العلانية داخل صنعاء ودون اعتراض من جانب تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية، هو دلالة على الاعتراف بالنفوذ الإيراني والتسليم بدورها في اليمن.
أزمة ساخنة
يتطرق رئيس مركز أبعاد للأبحاث والدراسات الاستراتيجية عبدالسلام محمد، إلى مسألة أن إيران تريد أن تظهُر على أنها تملتك جبهة موحدة عبر أذرعها في المنطقة بما تسميها جبهة المقاومة.
وفي الوقت ذاته، تريد إيران لفت الأنظار إلى مسألة وصول سفيرها إلى صنعاء بعيداً عما يطلب منها فيما يتعلق بمسألة فشلها الذريع في الرد على إسرائيل كما فشل الحوثيون في ذلك أيضاً.
ويذهب رئيس مركز أبعاد للأبحاث والدراسات الاستراتيجية عبدالسلام محمد إلى التأكيد على أن "ارسال سفير إيراني إلى صنعاء هو عبارة عن هروب من الحالة التي تعانيها إيران في المنطقة وفشلها الذريع في الرد على إسرائيل".
وفي ذات السياق، يستدل الصحفي سلمان المقرمي، على وجود مؤشرات بارزة لحالة التوتر التي تعيشها إيران في ظل الحشود الأمريكية الموجودة والوضع الإقليمي الساخن.
وتتمثل تلك المؤشرات من خلال تلقيها العديد من الضربات وأبرزها اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب العاصمة طهران لدى حضوره حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد.
كما تلقَّى حلفاء إيران ضربات عدة في العراق وسوريا ولبنان بما في ذلك اغتيال قيادات وضباط في الحرس الثوري الإيراني وعناصر تابعة لها على يد إسرائيل والقوات الأمريكية في المنطقة.
إدارة المصالح
يسعى النظام الإيراني إلى استثمار عمليات تهديد خط الملاحة التجاري في البحر الأحمر من أجل اقناع الغرب بأحقيتها في النفوذ غرب أسيا والبحر الأحمر وبحر العرب كونها تستطيع إثارة الفوضى في المنطقة من أجل الضغط عليهم للاستجابة لمصالحها والسير قدما في ملفها النووي.
ويريد الحوثيون في المرحلة الراهنة تحقيق مكاسب مالية والاعتراف بنفوذهم في هذه المنطقة وابتزاز دول الجوار لإدخالهم في عملية سلام تضمن لهم على المدى البعيد السيطرة على البلاد
بينما يريد الإيرانيون تحقيق تقدم في التفاوض حول الملف النووي والاعتراف بالنفوذ الإيراني غرب أسيا وشرق أفريقيا عن طريق الأداة المتمثلة بميليشيات الحوثي. وفقا لشوقي.
ويرى الصحفي أحمد شوقي أحمد أن السفير الإيراني الجديد سوف يصنع حالة من الموائمة بين هذه المصالح المتضاربة حيث من الضرورة وجود تنسيق مشترك لتحقيقها
كما أن حرص إيران على استمرار الحرب في غزة هو ضمانة لاستمرار الصراع في البحر الأحمر لكي يرضخ الغرب للتفاوض معها فيما يخص ملفاتها الاستراتيجية وعلى رأسها الملف النووي.
نزق حوثي
يرى خبراء في الشأن الإيراني، أن الوضع الراهن التي تعيشه إيران جعلها في حاجة ماسة للسيطرة الكاملة على ملف جماعة الحوثي، فمنذ مقتل "حسن إيرلو" نتجت عن الحوثيين تصرفات كثيرة لم تكن منسجمة وفق استراتيجيات الحرس الثوري.
فقد ذكر الباحث المختص في الشأن الإيراني، وجدان عبدالرحمن في مقابلة تلفزيونية، أن ارسال رمضاني سفيراً لدى جماعة الحوثي وهو عضو في فيلق القدس الإيراني، ليقوم بإعطاء الأوامر للحوثيين جراء الأزمة في البحر الأحمر وموضوع استهداف إسرائيل.
وأضاف وجدان، أن الجانب الإيراني يريد أن يكون له حضور مباشر في صنعاء للسيطرة على جماعة الحوثي بشأن طريقة الرد على إسرائيل، حتى لا تعرقل الجماعة أي مفاوضات مع الجانب الأمريكي.
ومن جهتها أوضحت الباحثة في الشأن الإيراني، أمل عالم، أن إعلان سفير إيراني جديد في صنعاء يأتي في ظل توتر حاد في العلاقات الأمريكية الإيرانية واحتمال وجود صدام مباشر مع طهران عالية جداً.
وأشارت عالم في لقاء تلفزيوني، إلى أن إيران بحاجة إلى توظيف نفوذها في اليمن والحفاظ على مصالحها الإقليمية في المرحلة القادمة بعد انتهاء حرب غزة، الأمر الذي يحتاج إلى وجود سياسي وتنسيق بعيداً عن التواجد العسكري.
استعادة العلاقات
ينظر الكتاب والباحث اليمني نبيل البكيري، إلى أن إيران تعتقد أنها حققت إنجازا كبيراً فيما يتعلق بتواجدها في اليمن الأمر الذي شجعها على تقديم مزيد من الدعم للحوثيين بكونها الدولة الوحيدة التي تعترف بسلطة الجماعة.
وذكر البكيري في حديثه لـ"المجهر" أن تسمية سفير جديد لإيران في صنعاء هو نتيجة طبيعية بعد استعادة طهران لعلاقاتها مع معظم دول الخليج، إلى درجة عدم اعتراض السعودية تحديداً على وجود السفير.
ويستنتج من خلال ذلك، أن الإيرانيين مستمرين في دعم سياستهم الاستراتيجية في المنطقة، بعكس الطرف الآخر الذي يخفق كل مرة في تحقيق مشروعه ويعود للبحث عن مشاريع أخرى.
ويضيف أن الأبعاد الاستراتيجية الإيرانية تمشي بنسق واضح في المنطقة وحقق كثير من النجاحات في العراق وسوريا وجنوب لبنان والآن في اليمن، والسعي من خلالاها للهيمنة والسيطرة على البلاد العربية وخاصة دول الخليج العربي الغنية بالنفط.
ويشير البكيري، إلى أن الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة لا تحتاج أن نقرأها بمعزل عن أحداث غزة أو غيرها، كونها واضحة بتطلعها للتحكم بمضيق باب المندب عبر تمكين نفوذها في هذه الرقعة الجغرافية من الجزيرة العربية والتواجد جنوب المملكة العربية السعودية بما يحقق لها القرب من مكة والمدينة المنورة.
يقظة متأخرة
بعد ثلاث أيام من وصول السفير الإيراني الجديد إلى صنعاء، ظهر وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإيراني في تدوينة على منصة "إكس" ليتهم النظام الإيراني باستمرار تدخلاته في الشأن اليمني ومسؤوليته عن رعاية الانقلاب الحوثي منذ عشرة أعوام.
واعتبر الارياني أن إعلان الحوثيين استقبال السفير الايراني جديد بمناطق سيطرتها، يمثل ايذاناً بمرحلة جديدة "مُعلنة" من الوصاية الإيرانية المباشرة على قرارها السياسي والعسكري.
وجددت الحكومة اليمنية مطالبتها على لسان الوزير الارياني، للمجتمع الدولي في التصدي الحازم لسياسات النظام الإيراني التوسعية، والتي باتت تمثل تهديدا جديا وخطيرا للأمن والسلم الإقليمي والدولي.
وأضاف الوزير الارياني أن النظام الإيراني اتخذ الجغرافية اليمنية منطلقاً لتنفيذ سياساته التدميرية ونشر الفوضى والإرهاب وزعزعة أمن واستقرار المنطقة، وتهديد المصالح الدولية.
مشيراً إلى أن العالم أصبح يدرك وصاية النظام الإيراني المباشرة والمعلنة على إدارة المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين عبر قيادات الحرس الثوري المتواجدة في صنعاء.
وفي حقيقة الأمر، ألقت أيران بالمشروعية الدولية عرض الحائط متجاوزة المشروعية السياسية في اليمن من خلال إرسال سفير لجماعة تحكم بواسطة انقلاب، في حين يتوقع خبراء استراتيجيون أن دول مثل اليمن ستلجأ إلى الطعن بمشروعية نظام إيران السياسي في المستقبل نظراً لدعمها وشرعنتها للجماعة.