الاثنين 16/سبتمبر/2024
عاجلعاجل

أزمة طيران اليمنية.. مخطط حوثي لإيجاد ناقل جديد أم استنزاف لموارد الحكومة الشرعية (تقرير خاص)

أزمة طيران اليمنية.. مخطط حوثي لإيجاد ناقل جديد أم استنزاف لموارد الحكومة الشرعية (تقرير خاص)

طرأت على شركة الخطوط الجوية اليمنية مؤخراً إشكاليات كثيرة، ولعل أبرزها المتعلقة بإيرادات تذاكر طيران اليمنية التي يتم شراؤها عبر مكاتب ووكلاء الشركة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي، لتبقى هذه الإيرادات تحت تصرف الحوثيين في حسابات الشركة ببنوك صنعاء.

ومن الواضح أن أساس الأزمة يعود إلى سعي جماعة الحوثيين لفرض سياستها واجراءاتها على شركة الخطوط الجوية اليمنية من خلال إدارة الشركة في صنعاء الخاضعة لسلطتها.

ولعل ذلك يعد مؤشراً على وجود مخطط حوثي للسطو على شركة الخطوط الجوية اليمنية من خلال التحكم بقرار إدارة الشركة في صنعاء وإيراداتها، واستغلال ذلك في تنفيذ أجندة تابعة للجماعة.

وفيما يتعلق بجوانب القصور التي تواجهها الإدارة العامة للشركة في عدن، فتشير مصادر في الشركة إلى أن المشكلة تعود في أساسها إلى الضغط الحاصل على الإدارة نتيجة ازدواجية الأوامر والتوجيهات فيما يخص التعامل مع الأزمة الراهنة من قبل مجلس القيادة الرئاسي المكون من ثمانية أعضاء.

 

فوضى إدارية

 

يرفض الحوثيون تمكين الإدارة العامة للخطوط اليمنية من حسابها في صنعاء، وبالرغم من ذلك إلا أن إدارة الشركة في عدن تجد نفسها مجبرة للتنسيق مع مكتبها في صنعاء لا سيما فيما يتعلق بالعمل المالي والإداري للشركة الذي ما يزال مرتبط بمكتبها في صنعاء. وفقاً لتعليق المصدر الملاحي.

ما يعتبره مراقبون فشل في إدارة الحكومة المعترف بها للخطوط الجوية اليمنية كون التحكم بالنظام الرئيسي للشركة ما يزال من مقرها السابق في صنعاء، بالإضافة إلى الأنظمة المحاسبية وإدارة الحسابات والإدارة المالية، والتي كلها تحت تحكم مدراء الشركة المواليين للحوثي.

وفي الحد الأدنى عندما يتم تسيير رحلة واحدة يومياً من وإلى مطار صنعاء الدولي فإنه المبالغ الموردة إلى حساب الشركة في صنعاء تصل قرابة 128 مليون دولار يومياً أي أكثر من 3,8 مليون دولار في الشهر.

وفي كل الأحوال لن تتكبد طيران اليمنية خسائر فادحة جراء ذلك، لأنها في الحقيقة تقوم ببيع التذكرة بأضعاف قيمتها وتدفع للموظفين رواتب بالريال اليمني تقدر بربع المبلغ الذي يفترض أن تدفعه الشركة للموظف بالعملة الصعبة. وفقاً للباحث الاقتصادي عبدالواحد للعوبلي.

وأشار العوبلي في حديثه لـ"المجهر" إلى أن الخطوط الجوية اليمنية حققت إيرادات كبيرة خلال العشر السنوات الماضية حيث بلغ إجمالي صافي الأرباح بـ 250 مليون دولار سنوياً، مبيناً أن الشركة كانت قادرة من خلال هذه الأرباح على إضافة أسطول آخر بجانب الأسطول المتوفر، لولا أعمال النهب الموجود داخل الشركة.

ووفقاً لتحليل الباحث الاقتصادي عبدالواحد العوبلي، ففي حال قامت اليمنية بتسيير أربعة رحلات يومية تحمل كل طائرة (200) راكب كمتوسط يومي بقيمة 500 دولار للتذكرة الواحدة فإن إيرادات الطائرة الواحدة ستبلغ 144 مليون دولار سنوياً.

وإذا افترضنا أن متوسط راتب موظفي الشركة يبلغ 300 ألف ريال يمني من العملة القديمة لعدد 4 آلاف موظف فأن إجمالي الرواتب الشهرية ستكون مليار و200 ألف ريال وسنوياً 14 مليار و400 مليون ريال يمني، ما يعادل 24 مليون دولار أمريكي.

 

أزمة وقود

 

بالعودة إلى جذور الأزمة الأخيرة مع بداية استئناف الرحلات من مصار صنعاء الدولي عقب التوقف بسبب قيام الحوثيين باحتجاز أربع طائرات من أسطول الخطوط اليمنية.

نجد أن الخطوط الجوية اليمنية قامت بتسيير ثلاث رحلات يومية إلى العاصمة الأردنية عمان باستخدام ثلاث طائرات من بين الأربع التي احتجزها الحوثيون بعد السماح لطيران اليمنية بإعادة حجاج يمنيين من مدينة جدة السعودية إلى صنعاء.

وبعد فترة بسيطة تقلصت الرحلات إلى رحلتين يومياً قبل أن تعلن الشركة في بيان لها عن تسيير رحلة واحدة فقط يومياً بسبب عدم توفر الوقود في مطار صنعاء، وإلغاء الرحلات المسائية عمان – صنعاء.

وأشارت الشركة في البيان إلى أنه تم إعفاء جميع المسافرين من أي غرامات أو رسوم سواء لإعادة الإصدار أو الإعادة ابتداء من تاريخ 26 أغسطس وحتى 7 سبتمبر 2024م.

إلا أن مصدر ملاحي خاص ذكر لـ"المجهر" أن الخطوط اليمنية لجأت إلى تزويد الطائرة بالوقود من مطار عمان لرحلتي الذهاب والإياب ما أثر على الوزن الخاص بالطائرة التي جعلها تضطر لتخفيض الوزن المسموح لحقائب وأغراض المسافرين.

ويتوقع المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه كونه غير مخول بالحديث للإعلام، أن مطار صنعاء لن يتمكن من تسيير رحلاته خلال الأيام القادمة في حال استمر الوضع على ما هو عليه ولم يتم توفير الوقود الخاص بالطائرات.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الطائرة الرابعة نوع إيرباص (A330) وتعد أكبر طائرة ضمن أسطول اليمنية، تعرضت لخلل فني في مطار صنعاء الدولي ولم يتمكن مركز الصيانة في المطار.

كما رفض الحوثيون نقل الطائرة فارغة إلى أي مطار خارج اليمن لغرض الصيانة، وسط إصرار من القيادي الحوثي خليل جحاف على صيانتها في مطار صنعاء رغم عدم توفر الإمكانيات اللازمة للصيانة، الأمر الذي قد يعرض محركاتها للتلف.

 

مصير اليمنية

 

تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي معلومات عن تخفيض أسعار تذاكر طيران اليمنية في صنعاء إلى أقل من 300 دولار مقارنة بأسعارها في عدن التي تزيد على 500 دولار، ما اعتبره كثيرون ميزة للرحلات المنطلقة من مطار صنعاء.

إلا أن التخفيض وبحسب مصدر في الشركة يرجع إلى زيادة العرض على الطلب نتيجة تسيير ثلاث رحلات يومية وعدم توفر مسافرين لشغل المقاعد في الثلاث الطائرات الشغالة من مطار صنعاء.

لم يستمر التخفيض طويلاً، فبعد تراجع الرحلات إلى واحدة خلال الأيام الماضية بسبب نفاد الوقود في مطار صنعاء، عادت أسعار التذاكر إلى الوضع الطبيعي للشركة في عدن، والذي تعد من أغلى تذاكر الطيران في العالم.

كما أشار الباحث الاقتصادي عبدالواحد العوبلي إلى أن الخطوط الجوية اليمنية كانت تستهلك وقود بقيمة 70 مليون دولار سنوياً في ذروة عملها.

وأضاف أن جماعة الحوثي تتحمل مسؤولية أي عراقيل قد تحدث في عمل الشركة بنسبة 100 % بالنظر إلى حيثيات الأزمة الأخيرة لطيران اليمنية، لاسيما مسالة انعدام الوقود في مطار صنعاء

وحذر العوبلي في تصريحه لـ "المجهر" من استمرار تصعيد جماعة الحوثي ضد شركة الخطوط الجوية اليمنية والتي قد تلجأ إلى العمل من مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، لكن في الوقت ذاته يتوقع أن احتجاز الحوثيين للطائرات كان لأجل تشغيلها من مطار صنعاء.

 

تدمير الشركة

 

يعتقد الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي وفيق صالح، أن جماعة الحوثي تحاول ابتلاع الشركة من خلال السيطرة على مواردها وأرصدتها بالكامل، بالإضافة إلى استغلال إدارة اليمنية في صنعاء لتنفيذ سياسة الجماعة التي تتناقض مع رؤية الإدارة العامة للشركة.

ويبين الصحفي وفيق صالح في حديثه لـ"المجهر" أن جماعة الحوثي تتخذ من ملف الخطوط الجوية اليمنية أداة ابتزاز لتحقيق أهدافها وأجندتها بعيداً عن المصلحة العامة للشركة.

ويتضح ذلك من خلال ضغط الحوثيين على إدارة الشركة بتسيير رحلات إلى وجهات لم تتمكن من الحصول على تصاريح بتسيير هذه الرحلات من قبل الدول المستضيفة، ناهيك عن سيطرة الجماعة على أكثر من 100 مليون دولار من أرصدة الشركة المحتجزة في بنوك صنعاء والتي يرفض الحوثيين الإفراج عنها.

وأشار وفيق، إلى أن هذه الإجراءات تأتي ضمن خطوات تقوم بها الجماعة لتدمير الشركة وتعطيل النشاط الملاحي للناقل الوطني الوحيد للجمهورية اليمنية، بدءاً من احتجازها لأربع طائرات من أسطول اليمنية في مطار صنعاء.

كما توقع أن لدى جماعة الحوثي أهداف كبيرة من وراء محاولاتها لتدمير شركة الخطوط الجوية اليمنية، فإما لغرض تأسيس شركة بديلة تابعة للحوثيين أو أهداف أخرى تحاول من خلال ضرب إيرادات الحكومة الشرعية.

وكانت منصة تعقب الجرائم المنظمة وغسيل الأموال في اليمن (P.T.O.C)  كشفت عن استغلال جماعة الحوثي الإرهابية لطيران اليمنية لنقل قيادات الحوثي والخبراء الحوثيين بالإضافة إلى تهريب الأموال والمعدات العسكرية من وإلى مطار صنعاء.

 

خروقات إدارية

 

في شهر مارس/ آذار من العام الجاري، أصدر رئيس مجلس إدارة الخطوط الجوية اليمنية قراراً بتعيين عبدالغني المؤيدي قائماً بأعمال الشركة في صنعاء بدلاً عن خليل جحاف، إلا أن الأخير رفض التسليم وتمسك بمنصبة بقوة السلاح. حسب مصدر في الشركة

كما قامت الشركة بتعيين مدير للعلاقات في فرع الشركة بصنعاء بدلاً عن المدير السابق فؤاد الدعيس، والذي رفض هو الآخر التسليم للمدير الجديد وانضم إلى خليل جحاف ضد إدارة الخطوط الجوية اليمنية.

واتهم مصدر ملاحي في الشركة، القيادي الحوثي خليل جحاف، بالوقوف خلف الاختلالات الإدارية والقانونية داخل الشركة بما في ذلك إصدار تعيينات مخالفة للوائح، أبرزها تعيين مدير أمن للشركة ومدير للحسابات دون الرجوع للإدارة العامة.

لكنه أشار في الوقت ذاته، إلى أن جحاف كانت له اسهامات كبيرة في إنجاح العمل الإداري داخل الشركة قبل أن تظهر له مؤخراً توجهات طائفية، بدأ فيها بالعمل لصالح جماعة الحوثي أكثر من خدمة مصالح الشركة.

وفي نهاية أغسطس/ آب الماضي، قال مصدر مطلع لـ "المجهر" إن القيادي الحوثي خليل جحاف، قام رفقة مسلحيه باقتحام مكتب الشركة، لغرض إيقاف بيع التذاكر في بعض مكاتب ووكلاء الشركة.

 

احتواء الأزمة

 

في منتصف أغسطس/ آب الماضي، أعلنت نقابات الخطوط الجوية اليمنية عن مبادرة لإنقاذ الشركة، محذرة من استمرار الوضع الحالي الذي قالت إنه يؤثر سلبا على الشركة ويهدد كيانها وبنيتها التنظيمية وقدراتها التشغيلية.

وأكدت المبادرة النقابية، على ضرورة التوصل إلى حلول بخصوص الأرصدة المحتجزة لدى الحوثيين في بنوك صنعاء وكذلك احتجاز أربع طائرات في مطار صنعاء.

بالإضافة إلى الاتفاق على فتح مبيعات التذاكر في جميع مكاتب الشركة دون قيود أو شروط، وتحديد سياسة مالية للنفقات التشغيلية والرأسمالية بحسب نسب المبيعات والاحتياج.

كما شدد النقابات على أهمية المساهمة في صنع القرار وتوزيع الصلاحيات على جميع مستويات القيادة في الشركة وفقاً للنظام واللوائح الموصى بها دوليا، وبحسب متطلبات وبيئة العمل.

مؤكدة على حقها في اتخاذ كافة الخطوات والتدابير التي يكفلها القانون والدستور والمواثيق الدولية والمحلية لضمان الحفاظ على الشركة وعلى ممتلكاتها واستمراريتها في تقديم خدماتها.

ومن جهته، قال الناطق الرسمي للخطوط الجوية اليمنية حاتم الشعبي، إن طيران اليمنية يعمل حالياً في ظروف صعبة إلا أنه أكد في تصريح صحفي على مقدرة قيادة الشركة التغلب على كافة الصعوبات التي تواجهها خدمة لأبناء الوطن كافة من المهرة إلى صعدة.

 

تعنت حوثي

 

جاء الرد سريعاً من طرف رئيس مجلس إدارة شركة الخطوط الجوية اليمنية الكابتن ناصر محمود محمد، الذي أعلن عن تأييده لنقاط المبادرة الهادفة لاحتواء الأزمة بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي، مبدياً استعداداه للجلوس على طاولة الحوار لحل كافة الخلافات.

وقال رئيس مجلس الخطوط اليمنية، إن "ما تمر به الشركة من أزمة ألقت بظلالها على كافة الأصعدة حتى أوصلتنا إلى منعطف خطير بسبب التصاعد المستمر للأزمة" مؤكداً حرصه على استمرار نشاط الشركة وتطويرها وتحسين وضع كافة الموظفين.

وبالمقابل ذكر مصدر خاص لـ"المجهر" أن جماعة الحوثي المدعومة إيرانيا رفضت الاستجابة للمبادرة التي أطلقتها نقابات شركة الخطوط الجوية اليمنية، بخصوص وضع حلول للأزمة المتصاعدة بين الإدارة العامة للشركة ومكتبها في صنعاء الخاضع لسيطرة الحوثيين.

بل وصل الأمر إلى قيام بعض موظفي الشركة الموالين لجماعة الحوثي في صنعاء بمضايقة وتهديد أعضاء في النقابات التي تبنت المبادرة لإجبارهم على التراجع عن أهداف المبادرة في التوصل لاتفاق ينهي الأزمة الحاصلة في الشركة.

وأوضح المصدر الملاحي في حديثه لـ"المجهر" أن جماعة الحوثي تمارس ضغوط على شركة الخطوط الجوية اليمنية لغرض إعادة الإدارة العام للشركة من عدن إلى صنعاء كشرط مبدئي للقبول بالمبادرة التي أطلقتها النقابات.

 

تنازلات سعودية

 

اتخذ تحالف دعم الشرعية في اليمن قراراً بإلغاء إجراءات مراقبة الرحلات الجوية وإصدار التصاريح للطائرات من وإلى مطار صنعاء الدولي، والذي كان معمولاً به منذ إعادة تشغيل المطار بشكل جزئي بموجب اتفاق الهدنة في العام 2022م.

وفي تنازل جديد يقدمه التحالف، يشير المصدر إلى أن قرار إلغاء القيود جاء استجابة من قبل الرياض لإصرار الحوثيين على تسيير رحلات من مطار صنعاء نحو الأردن دون إذن مسبق من الجانب السعودي.

كما أعلنت الخطوط الجوية اليمنية حينها، حصولها على موافقة من قيادة الشرعية على تسيير رحلات من صنعاء إلى القاهرة والهند إلا أن إدارتي البلدين رفضتا الموافقة على تسيير هذه الرحلات.

وفي أواخر يوليو/ تموز الماضي، أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، التوصل إلى اتفاق بين الحكومة اليمنية والحوثيين لخفض التصعيد فيما يتعلق بالقطاع المصرفي والخطوط الجوية اليمنية.

ونص الاتفاق على استئناف طيران اليمنية رحلاتها بين صنعاء والأردن بالإضافة إلى عقد اجتماعات متواصلة لمعالجة التحديات الإدارية والفنية والمالية التي تواجهها الشركة.