الثلاثاء 08/أكتوبر/2024
عاجلعاجل

خطوة أخرى باتجاه تعميق الانقسام.. الحوثيون يستحدثون منظومة قضائية جديدة (تقرير خاص)

خطوة أخرى باتجاه تعميق الانقسام.. الحوثيون يستحدثون منظومة قضائية جديدة (تقرير خاص)

تطورت الانتهاكات الحوثية من كونها مساعي لتغييب رمزية الجمهورية في ذاكرة اليمنيين، إلى مخططات استراتيجية تستهدف القوانين والأعراف السائدة في البلاد لتحل محلها مصوغات قانونية جديدة قائمة على الأفكار والتوجهات الطائفية والتي هي بمثابة سياط يحاول تمزيق كيان الدولة والقبيلة اليمنية على حدٍ سواء.

ومن المعلوم أن جماعة الحوثي لا تمتلك سلطة شرعية كونها وصلت بانقلاب مسلح إلى سدة الحكم إلا أنها ومنذ العام 2014م ظلت الجماعة تكرس منهجيتها المخالفة لأحكام الدستور.

ومنذ أيام، فرضت جماعة الحوثي مشروع التعديلات القضائية في العاصمة المختطفة صنعاء، فيما بدى واضحا أن هذه التعديلات تأتي انطلاقاً من مفهوم الجماعة لمنظومة القضاء التي كانت قائمة قبل ثورة الـ 26 من سبتمبر 1962م بعيداً عن المعايير والإجراءات التي أوجدها النظام الجمهوري الحديث.

كما تبين سطور مسودة التعديلات القضائية، أن الهدف منها هو التخلص من الدستور اليمني القائم على مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقانونية، وتوجه الحوثيين نحو السيطرة التامة على هذه السلطات وجعل صلاحياتها بيد قيادة الجماعة.

 

تمرير التعديلات القضائية

 

كشفت مصادر قانونية في صنعاء لـ"المجهر" أن مجلس النواب المنتهي صلاحيته وافق على مشروع التعديلات القضائية، ومن المتوقع أن يقوم المجلس السياسي بإصدار قرار يتضمن شرعنة هذه التعديلات المخالفة للدستور اليمني.

وتزعم جماعة الحوثي أن مشروع التعديلات القانونية جاءت لإصلاح الاختلالات وأوجه القصور التي تعتري أجهزة السلطة القضائية، بحسب المذكرة الإيضاحية ومبررات التعديل التي قدمتها حكومة الحوثيين في صنعاء لمجلس النواب المنتهي شرعيته.

لكن.. كيف يُصلح الحوثيون ما أفسده مجلس القضاء الأعلى الخاضع لسيطرتهم؟! فهذا يثير كثير من التساؤلات حول إصدار تعديل قانوني يستهدف تقليص صلاحيات المجلس المخوَّل له تعيين القضاة والمحاكم، ومنح هذه الصلاحيات لرئيس ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى للجماعة المدعو مهدي المشاط.

ثم يقوم المشاط بموجب هذه التعديلات، منح مالا يملك لمن لا يستحق من خلال تعيين قضاة في المحاكم والنيابات من خارج أعضاء السلطة القضائية، لا يشترط أن يمتلكون مؤهلات جامعية أو أي معايير قانونية سوى الاكتفاء بتزكية من قيادات الحوثي تحت مسمى "فقهاء" وحتى دون الرجوع لمجلس القضاء الأعلى.

كما تضمنت التعديلات تضييق الخناق على دور المرافعات القانونية للموكلين في المحاكم من خلال إلغاء نقابة "المحامين اليمنيين" ووضع قيود على مهامها، وتحويل عمل المحامين إلى "وكلاء شريعة" يمنحوا تراخيص من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.

وحدد مشروع القانون الحوثي، شروطاً للعمل في مهنة المحاماة ومنح القضاة صلاحيات واسعة تصل إلى حد منع أي محامي من الترافع لمدة ثلاث سنوات إذا قدم دفعاً لم يناسب رغبة القاضي.

 

مغالطات حوثية

 

ينص قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 1991م على أن القضاء سلطة مستقلة، وأن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية جهة التدخل في القضايا أو في شأن من شئون العدالة، معتبراً مثل هذه التدخلات جريمة يعاقب عليها القانون.

وفي هذا الجانب، أوضح القاضي نبيل المقطري، أن المبررات القانونية لمشروع تعديلات قانون السلطة القضائية من قبل سلطات الحوثي " مقصدها الحفاظ على القوالب القضائية التي انتجها النظام الجمهوري شكلا مع إسقاط إرادة الفرد الحاكم من العهد الامامي على هذه القوالب".

وجاء في مفهوم مسودة المبررات الملحقة بمشروع التعديلات القضائية المرفقة لمجلس النواب الحوثي، أن الشروط التي وضعت لتعيين القضاة في العهد الجمهوري أفسدت عمل القضاء ويجب إلغاءها.

بالإضافة إلى أن حكم الدائرة الدستورية الصادر عام 2013م بعدم دستورية بعض نصوص قانون السلطة القضائية كان حكما سياسيا بسبب المناكفات السياسية ومخلا بمفهوم استقلال القضاء ومن ثم لا مشروعية له.

واعتبرت مسودة المبررات القانونية للمشروع، مهنة المحاماة مثاراً للقلق ولا يجب ترك المحامي واجبه القانوني إلا في نطاق ضيق يخضع لقواعد صارمة، حيث لا مجال لمبدأ حرية الدفاع.

وتؤكد جماعة الحوثي في مبرراتها للتعديلات القانونية على سعيها لإعادة سطوة الإرث القضائي من خلال منح التعيينات القضائية وفقاً لانتماءات أسرية لا مجال فيها لشروط العصر والتطور في المجالات القانونية.

ولكي تبرر لنفسها إضافة اختصاص قضائي للمكاتب الفنية تعلو على المحكمة العليا وتعيد الأحكام للنظر فيها مجدداً، ذهبت جماعة الحوثي إلى اعتبار الحكم القضائي غير مقدس حتى لو استنفذ كافة طرق الطعن.

 

رفض داخلي

 

ظهر من داخل مجلس نواب الحوثيين من يعتبر أن أي تعديلات في القوانين تخالف نصوص الدستور اليمني فهي باطلة، كما هو موقف البرلماني عبده محمد بشر، في توضيح مطبوع نشره على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".

واستغرب بشر، من استدعاء مجلس النواب لجلسة استثنائية لإجراء تعديلات على قانون، كون الفترات القانونية للتعديلات محددة في الدستور ولائحة المجلس، كما أنها بحاجة إلى وقت كافي.

وبين أن أي تعديلات قانونية لا بد أن تحال إلى اللجنة الدستورية لمعرفة مخالفتها للدستور والقوانين من عدمه، ثم إحالة التعديل القانوني إذا كان سليما من الناحية الدستورية والقانونية إلى اللجان المختصة في المجلس لمناقشته قبل التصويت عليه.

وأشار بشر، إلى أن هذا الإجراءات لن تتم في جلستين للمجلس ولجانه، مضيفاً أن استدعاء المجلس لجلسات استثنائية يكون لأمر جلل وليس لتعديل قانون وتمريره بالمخالفة للدستور.

وتضمنت التعديلات القانونية التي قدمها الحوثيون، مخالفات كثيرة للدستور اليمني، منها على سبيل المثال أن المادة (199) الخاصة باختصاصات رئيس الجمهورية لم يرد فيها أي نص يسمح بتدخله في السلطة القضائية.

ويفيد بشر، بأن " تعيين قضاة ومحاكم من قبل رئيس الجمهورية دون الرجوع الى مجلس القضاء، شبيهة بالمحاكم العسكرية والعرفية أثناء اعلان حالة الطوارئ وتعطيل العمل بالدستور (1) وهذا مخالف لنصوص المواد التالية من الدستور".

كما أن التعديلات الحوثية مخالفة للمادة (152) التي تقول إن للقضاء مجلس أعلى ينظمه القانون ويبين اختصاصاته وطريقة ترشيح وتعيين أعضائه، ويعمل على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة من حيث التعيين والترقية والفصل والعزل.

وذكرت المادة (150) أن المجلس يحدد الشروط الواجب توفرها فيمن يتولى القضاء وشروط وإجراءات تعيين القضاة ونقلهم وترقيتهم والضمانات الأخرى الخاصة بهم ولا يجوز إنشاء محاكم استثنائية بأي حال من الأحوال.

 

انتهاكات جسيمة

 

تأتي التعديلات القانونية ضمن حلقات متسلسلة من الانتهاكات وتقوم جماعة الحوثي على الانتقال من حلقة إلى أخرى كونها تتمتع بسلطة واقعية تمكنها من فرض إي إجراءات مخالفة للدستور.

وهذا ما ذهب إلى تأكيده عضو نيابة الاستئناف بمحافظة تعز القاضي نبيل المقطري، الذي أشار إلى أن تمتع الحوثيين بسلطة فعلية على المناطق التي يسيطرون عليها، هو من سيجعل التعديلات القضائية التي أجرتها الجماعة نافذة في تلك المناطق، بالرغم من كونها لا تكتسب أي مشروعية وفقا للمعايير الدستورية.

وأضاف المقطري في حديثه لـ"المجهر" أن الحوثيين " سبق لهم تعديل بعض نصوص قانون المرافعات والتنفيذ المدني وبعض نصوص قانون الاجراءات الجزائية وأصبحت نافذة في مناطق سيطرتهم دون اي اعتراض".

ومن الناحية القانونية والدستورية فأن التعديلات التي يُدخلها الحوثيون على قانون السلطة القضائية تُعتبر غير مشروعة لأنها تصدر من سلطة غير معترف بها دستوريا ودوليا، كما أن التعديلات على قانون السلطة القضائية تمثل انتهاكا صارخا لاستقلال القضاء ومبدأ الفصل بين السلطات. وفقاً للمقطري.

ويرى القاضي نبيل المقطري، أن كل الممارسات الحوثي التي تطال القضاء ناتجة عن " الاصرار بالعودة لنهج الحكم الامامي الملكي، حيث نجد في تبريراتهم ما فيه الإشارة إلى الثناء على فترة القضاء الوراثي والقدح في تأثير فقهاء القانون من جمهورية مصر الشقيقة التي دعمت النظام الجمهوري".

 وتعكس المبررات القانونية التي أوردها الحوثيون، محاولة الجماعة لإحياء النظام الإمامي الذي كان سائدا قبل ثورة ٢٦ سبتمبر، وذلك بإحياء نظام الحكم الفردي الذي كانت فيه السلطة متركزة في يد أفراد معينين من عائلات معينة.

وأشار القاضي المقطري إلى أن الحوثيين يسعون من خلال تبريراتهم إلى إعادة هيكلة القضاء بشكل يُفقده استقلاليته ويجعله تابعاً للسلطة السياسية، وهو ما يتناقض مع مبادئ العدالة الحديثة التي تعتمد على الكفاءة والمؤهلات المهنية والقانونية.

 

تهديد لاستقلالية القضاء

 

يمثل انتهاك الحوثيين لمبدأ الفصل بين السلطات وشرعنة تدخلاتهم في مهام القضاء، تهديدا خطيرا لاستقلالية القضاء التي تعتبر حجر الزاوية في أي نظام قانوني، ما يفتح الباب أمام توجيه الأحكام والقرارات القضائية بما يخدم الأهداف السياسية للجماعة.

ويبين القاضي نبيل المقطري في حديثه لـ"المجهر" أن مشروع التعديلات القضائية الحوثي يُفقد القضاء مصداقيته ويُضعف الثقة العامة في العدالة، كما أن تسييس القضاء يحوله إلى أداة للقمع، بدلا من كونه ضمانة لحماية الحقوق والحريات.

وأضاف أن " نص التعديل مفتوح على مصراعيه في التعيين لأشخاص من خارج القضاء وفي مناصب قضائية لمجرد أنهم علماء في الشريعة أو ثقة للحاكم الفرد تعتبر انتهاكا خطيرا لمبادئ العدالة".

ومن الناحية القانونية فأن القضاء هو مجال يتطلب مهارات تخصصية عميقة تجمع بين المعرفة القانونية النظرية والخبرة العملية الطويلة ولا يمكن اعتبار الشخص مؤهلا لتولي منصب قضائي بمجرد حصوله على معرفة دينية.

 لأنه ووفقاً لحديث المقطري، تظل المعرفة الشرعية في أغلب الأحيان نظرية بينما يتطلب الواقع القضائي خبرة عملية ودراية دقيقة بالإجراءات القانونية التي تضمن تحقيق العدالة وحماية حقوق المتقاضين.

وحذر المقطري، من خطورة التعيين العشوائي لأشخاص غير مؤهلين على جهاز القضاء، سواء كانوا علماء دين أو خريجي كليات الشريعة بدون خبرة كافية وبتجاوز القانون الذي ينظم مخرجات المعهد العالي للقضاء.

ويحتاج القاضي بحكم دوره الحيوي إلى سنوات من الدراسة المتعمقة والتدريب العملي في القانون وفهم دقيق للإجراءات القانونية التي تحكم كيفية تقديم الدعوى، والرد عليها، وضمان سير العدالة بشكل صحيح.

 

جوهر القانون

 

لا تعتبر الإجراءات القانونية مجرد شكليات وإنما هي جوهر ضمان حقوق المتقاضين، وذلك فأن أي تجاهل لهذه الإجراءات بحجة الفهم الشخصي للقاضي أو عدم اقتناعه بأهميتها يُعد انتهاكاً صراخاً لحقوق التقاضي ويُخلّ بمبدأ سيادة القانون.

ويبين عضو الهيئة الادارية لنادي قضاة اليمن - فرع تعز القاضي نبيل طه المقطري، أن هذا الخلل قد يؤدي إلى ظلم كبير، خاصة في ظل تعقيد القضايا القانونية في العصر الحديث حيث تتطلب الجرائم والعلاقات القانونية المعاصرة فهماً متخصصا للقوانين والإجراءات وليس فقط المعرفة الدينية.

ويعتقد المقطري، أن المخاطر المستقبلية من التعديلات القضائية الحوثية تتجلى في فقدان الثقة بجهاز القضاء مما سيؤدي إلى ضعف العدالة وتفاقم الفوضى القانونية، لأنه ووفقاً لتصوره " فبدون قضاة يمتلكون الخبرة اللازمة سيكون من الصعب تحقيق أحكام عادلة".

ويتوقع أن التعديلات الحوثية سوف تدخل حيز التنفيذ وستخلق بيئة قانونية مليئة بالأخطاء والانتهاكات وستؤدي إلى تراجع أكبر في مستوى العدالة، مما يفاقم من معاناة المواطنين ويهدد بتفكيك المؤسسات القانونية في اليمن.

كما أن إدخال أشخاص يفتقرون للمؤهلات والخبرات المطلوبة لتولي المناصب القضائية سيؤثر سلبا على جودة الأحكام والقرارات، ويكرس نظاما قضائيا منحازا لمصالح سلطة الفرد الحاكم مذهبيا وسياسيا مما يعمّق الأزمة القضائية في اليمن ويؤدي إلى تفاقم النزاعات القانونية والاجتماعية.

 

مستقبل القضاء

 

يبدو أن الممارسات الحوثية التي تطال القضاء ستخلف حالة من الإرباك القانوني والقضائي في المستقبل سواء تم إزاحة سلطة الحوثيين كلياً بالقوة أو جزئيا من خلال اتفاق سلام مع سلطة الحكومة الشرعية.

ويرى القاضي نبيل المقطري، أن التعديلات التي تفرضها جماعة الحوثي ستجعل القضاء تابعا لسلطة الفرد الحاكم المتمثل في زعيم الجماعة والذي يتخذ مظاهر الدولة الشكلية واسم الجمهورية ستارا لممارسة حكم فردي واقعيا وهذا يفرغ القضاء من مضامينه ويُفقده الحياد والاستقلالية.

كما ستسهل هذه التعديلات مستقبلاً من استخدام الحوثي للقضاء كسلاح سياسي لتصفية الحسابات، وتصبح الأحكام القضائية غير منصفة بسبب الانحياز السياسي، مما يؤدي إلى غياب العدالة في القضايا الكبرى ويُقوض سيادة القانون ويعزز الفساد والمحسوبية. وفقا للمقطري.

ويتوقع المقطري أن القرارات التي ستصدر من قضاة غير مؤهلين ستؤدي إلى قرارات قانونية متضاربة، مما سيخلق مزيدًا من النزاعات القانونية التي يصعب حلها في المستقبل.

وبالتالي سيشكل ذلك صعوبة في استعادة ثقة المواطنين في النظام القضائي، خاصة مع تفشي الفساد وانعدام النزاهة خلال فترة سيطرة الحوثيين، حيث أن تطهير النظام القضائي من القضاة المعينين بشكل غير شرعي أو بدون كفاءة سيكون تحديا كبيرا أمام أي سلطة قادمة تعقب سلطة الحوثيين.

 

معارضة التعديلات

 

من الواضح أن هناك صعوبة في مواجهة الانتهاكات الحوثية التي تطال السلطة القضائية من داخل مناطق سيطرة الجماعة لا سيما النخب القضائية والمحاميين الذين يعول عليهم في الضغط لوقف التعديلات القضائية المزمع إجراءها.

ويشير القاضي نبيل المقطري في حديثه لـ"المجهر" إلى أن بإمكان القضاة والمحامين في مناطق الحوثي تكوين جبهة معارضة موحدة تُظهر رفض هذه التعديلات وتشكيل لجان تمثلهم وتقديم اعتراضات جماعية سواء عبر وسائل الإعلام أو من خلال المذكرات والبيانات الرسمية.

مؤكداً على أهمية دورهم في تسليط الضوء على الآثار السلبية لهذه التعديلات على استقلال القضاء والحقوق الأساسية للمتقاضين عبر الإعلام المحلي والخارجي، أو اللجوء إلى مقاطعة العمل القضائي وتنظيم إضرابات قانونية من خلال المحامين والقضاة المعارضين لهذه التعديلات.

ويقع على عاتق الحكومة الشرعية مسؤولية الضغط الدولي على الحوثيين عبر استخدام قنوات التواصل مع المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان لتقديم شكاوى حول انتهاكات الحوثيين للحقوق القضائية ومهنة المحاماة، لفتح الباب أمام فرض عقوبات دولية أو اتخاذ إجراءات قانونية ضد هذه التعديلات.

وفي هذا الجانب نبه المقطري، على ضرورة أن تقوم الحكومة الشرعية بإدراج مسألة إلغاء هذه التعديلات ضمن أي مفاوضات سلام أو اتفاقات سياسية مع جماعة الحوثي.

كما أكد إلى أهمية المطالبة بإصلاحات قضائية قبل أي تسوية سياسية، بل ومنع الحوثيين من أي تصرفات مماثلة مستقبلا بنفس أدوات الضغط التي تم اجبار سلطات الشرعية بالتراجع عن قرارات البنك المركزي في عدن مؤخرا.

بجانب أهمية التنسيق مع المنظمات المهنية الدولية مثل نقابات المحامين الدولية واتحادات القضاء للضغط على الحوثيين وإبراز العواقب القانونية الدولية لهذه التعديلات.

 

هيئة الدفاع

 

أدركت سلطات جماعة الحوثي مخاطر الحملة الإعلامية من قبل المحاميين والقانونيين على مشروع التعديلات، وبينما كان يأمل البعض أن يتراجع الحوثيون عن هذا التعديل حصل العكس تماما تم التسريع بإقرار التعديلات دون أي التزام بقواعد البرلمان.

وتوجه الحوثيين نحو فرض هذه التعديلات لا سيما المتعلقة بفرض قيود على مهام المحامين وإلغاء دور نقابتهم في إطار التعديلات المقترحة يشير إلى سعيهم لإضعاف استقلالية مهنة المحاماة وتقليص قدرتها في الدفاع عن حقوق المواطنين.

 ويعزز هذا التوجه من رغبة الحوثيين في السيطرة الكاملة على النظام القضائي، ومن ثم الحد من أي دور رقابي أو معارض قد يمارسه المحامون على الأحكام القضائية الصادرة عن سلطة الجماعة. وفقاً للمقطري.

ويبين القاضي نبيل طه المقطري أن " فرض العقوبات دون إشراف أو مشاركة النقابة، والتعامل مع المحامين بشكل عقابي صارم دون آليات واضحة للتظلم، يشير إلى هدف أوسع لتكميم أفواه المحامين وتعطيل دورهم الحيوي في حماية حقوق المتقاضين وضمان العدالة".

بدوره يرى المحامي والناشط الحقوقي عبدالرحمن برمان، أن التعديلات الحوثية المتعلقة بهيئة الدفاع سوف تنهي الحياة المهنية للمحامي بتوقيع قلم عندما يختلف القاضي مع المحامي.

وأوضح المحامي برمان في حديثه لـ" أن أصل عمل المحامي في المرافعات القانونية هو أن يواجه القاضي للدفاع عن موكله وأن يصحح أخطاء القاضي، مبيناً أن " الإجراءات الحوثية انهت حرية الدفاع التي كان يتمتع بها المحامي للدفاع عن موكله مما يفقد المحامي إمكانية إبداء كافة دفوعه عن القضية أمام القاضي.

وفي الحقيقة فأن هذه السياسات قد تؤدي إلى إفساد العلاقة بين القضاة والمحامين، مما يهدد استقلال القضاء، ويعرقل نظام العدالة، ويعزز بيئة تخدم مصالح النظام الحاكم بدلاً من خدمة العدالة.

 

تمزيق تشريعي

 

تمثل التعديلات القضائية التي أجرتها جماعة الحوثي اعتداءً على المنظومة القانونية للجمهورية اليمنية من قبل جماعة مسلحة لا تمتلك أي مشروعية حتى وإن كانت تدعي أنها عبر مجلس النواب الخاضع لسيطرتهم في صنعاء.

وذكر المحامي والناشط الحقوقي عبدالرحمن برمان، أن برلمان الحوثي لا شرعية له باعتباره لا يوجد نصاب قانوني فيه، كما أن جماعة الحوثي قامت بإضافة أعضاء إلى هذا المجلس في عدة دوائر من خارج أعضاء المجلس الذين انتخبوا في العام 2003م.

وأوضح برمان في حديثه لـ"المجهر" إلى أن تمرير هذه التعديلات ستساهم في التمزيق التشريعي الذي تتجه فيه جماعة الحوثي نحو الانفصال وإيجاد منظومة قانونية في المناطق التي يسيطر عليها تختلف عن المنظومة القانونية في مناطق الشرعية.

 مشيراً إلى أن هذا اتجاه خطير جداً، كون التشتيت القانوني المتمثل في التعديلات المخالفة لدستور الجمهورية اليمنية هو اعلان حالة الانفصال من قبل جماعة الحوثي وسيطرتهم على المناطق التي يتواجدون فيها.

وبالمقابل تعطي هذا التوجهات الحوثية في الجانب القضائي مبررا للجماعات الأخرى التي تسيطر على بعض المحافظات أ لإنشاء منظومات قانونية خاصة بمناطق سيطرتها كما هو حال المجلس الانتقالي في بعض المحافظات الجنوبية.

ويعتقد برمان أن التعديلات تُعد مؤشر خطير على أن جماعة الحوثي ليس لديها أي نية نحو السلام شامل ودائم في اليمن وإنما عملية مفاوضات السلام هي عمل تكتيكي فقط بالنسبة للجماعة.

 

حوثنة القضاء

 

تساهم التعديلات الحوثية على قانون القضاء في تحويله أداة بيد الجماعة ضمن هيكلها السياسي، وتنهي مرفق القضاء باعتباره مؤسسة وطنية تحمي حقوق وحريات المواطنين والمقيمين في إقليم الجمهورية اليمنية.

وقال المحامي والناشط الحقوقي عبدالرحمن برمان، إن التعديلات الحوثية لم تحصل في تاريخ أي بلد خصوصاً المتعلقة بمنح رئيس المجلس السياسي الحوثي تعيين قضاة من خارج السلطة القضائية لا يحملون أي مؤهلات.

وأكد برمان، على أن ذلك يقضي بشكل تام على استقلالية السلطة القضائية، وبالتالي أصبحت هذه التعديلات مهددة لجميع القضاة أصحاب الخبرة بعد أقصائهم واستبدالهم بأخرين يتبعون الجماعة.

وأشار إلى أن جماعة الحوثي أوجدت هياكل جديدة داخل القضاء بما في ذلك قاضي الصلح وقاضي تجهيز الدعوى، مبيناً أن ذلك يعطي للمشرفين الحوثيين المتواجدين في المحاكم صلاحيات أكبر من القضاء.

وبالتأكيد فهذا يتنافى مع الدستور اليمني الذي أعطى الحق لكل مواطن أن يلجأ للقضاء فيما يقوم الحوثيون بفرض شرط العبور عبر قاضي صلح قبل رفع الدعوى ما يسقط الحق الدستوري للمواطن اليمني في مقاضاة خصمه.

 

تنديد واسع

 

استنكرت قيادة الحكومة الشرعية، الانتهاكات الجسيمة التي اقدمت عليها المليشيات الحوثية لقانون السلطة القضائية واستقلاليتها المحمية بموجب الدستور، والتشريعات الوطنية والدولية.

وقال مصدر مسؤول في مكتب رئاسة الجمهورية، إن اقدام الحوثيين على طرح ما أسمته " مشروع تعديل قانون السلطة القضائية "، يمثل انتهاكا ًصارخاً لاستقلالية القضاء وحياديته، ضمن استهدافها الممنهج للحقوق والحريات المكفولة في الدستور والتشريعات الوطنية والمواثيق والمعاهدات الدولية.

وكان نادي القضاة في صنعاء قد أعلن رفضه القاطع لانقلاب الحوثيين، على قانون القضاء اليمني ومحاولتهم لإعادة نظام الإمامة البائد عبر بوابة القضاء، معتبراً أن هذه مشروع التعديلات الحوثي خطوة تهدف إلى سحق العدالة والعودة باليمن إلى العصور المظلمة.

وفي بيان للنادي، التعديلات القانونية للحوثيين بـ"المذبحة القضائية" والانقلاب الكامل على العدالة، مؤكداً أن القانون الحوثي ليس سوى محاولة شيطانية لتدمير ثوابت ومبادئ سلطة الحقوق والحريات والكرامة.

متعهداً بمقاومة التغييرات التي يحاول الحوثيون فرضها في القضاء اليمني، مؤكداً التزامه التام بالوقوف مع الشعب وكل أحرار المهن القانونية من أجل حماية العدالة واستعادة الجمهورية.

ومن جهتها اعترضت نقابة المحامين اليمنيين على التعديلات القضائية الحوثية واعتبرتها انتكاسة تشريعية تعكس رغبة الحوثيين في تمزيق اللحمة الوطنية وتعميق مفاهيم الانفصال التشريعي على ارض الواقع.

 وأكدت النقابة في بيان لها على أن هذه التعديلات المقدمة تعكس رغبات الحوثيين الفردية لإخضاع السلطة القضائية وتحويلها من سلطة مستقلة إلى هيئة تابعة للسلطة التنفيذية، مطالبة بوقف إجراء التعديلات في هذه المرحلة الحرجة.

ومنذ العام 2014م مارست جماعة الحوثي الإرهابية انتهاكات واسعة بحق جهاز القضاء، بدءاً بتعيين قضاة ومسؤولين موالين للحوثيين في مناصب عليا داخل القضاء، والتدخل في مجريات القضايا بما يتناسب مع مصالحهم السياسية أو العسكرية من خلال ما يسمى باللجنة العدلية التي يرأسها المدعو محمد علي الحوثي.

كما تحدثت تقارير حقوقية عن قيام جماعة الحوثي باحتجاز القضاة وتخويفهم نتيجة رفضهم الانصياع لتوجيهات الجماعة، بالإضافة إلى إجراء محاكمات غير عادلة لم تسمح للمتهمين بالدفاع عن أنفسهم.