أعدت جماعة الحوثي الإرهابية على مدى شهرين متتاليين، في تسع محافظات يمنية تقع تحت سيطرتها لكرنفال المولد النبوي الذي أقامته أمس الأحد، حيث تعتبر المناسبة الدينية موسم سنوي لجباية الأموال لدى الجماعة المدعومة من إيران من جميع من يسكن تحت سيطرتها سواء كانوا مواطنين عاديين أو موظفين، ملاك شركات تجارية أو محلات، بنوك ومصانع، أصحاب بسطات أو ملاك عقارات.
ويرى مراقبون أن تحول المناسبات الدينية وأبرزها المولد النبوي إلى تظاهرة سياسية بنكهة طائفية منذ سيطرة الحوثيين على أجزاء من اليمن، يكشف صورة بشعة من الاستغلال الذي تقوم به الجماعة، حيث تسعى من خلال هذه الاحتفالات إلى الظهور السياسي من ناحية والتكسب مالياً وجماهيرياً من جهة أخرى، ولو كان ذلك على حساب أوجاع شعبٍ يتصدر الفقر والمجاعة والبطش والتنكيل كل عناوين الحديث عنه.
وعلى امتداد حملتها في التحضير لاحتفالات المولد النبوي، قامت جماعة الحوثيين المصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكية بوضع صناديق التبرعات في الجوامع والمحلات وغيرها لتجمع ما استطاعت من الأموال، كما فرضت على مالكي الشركات الكبيرة والمصانع التجارية والجامعات الخاصة والمدارس الخاصة والمستشفيات الأهلية مبالغ مالية كبيرة تقدر بالمليارات وأجبرتهم على دفع تلك المبالغ بالقوة وتحت تهديد السلاح.
فاتورة باهظة
تؤكد مصادر مطلعة أن احتفالات المناسبات الدينية التي يقيمها الحوثيون يترتب عليها فاتورة باهظة يدفع ثمنها اليمنيون في مناطق سيطرة الجماعة في وضع معيشي صعب واستمرار انقطاع المرتبات، في صورة تكشف إهدار الأموال الطائلة في غير موضعها لتحقيق الأهداف الخاصة للجماعة المدعومة من إيران.
وتوضح المصادر في حديثها لـ"المجهر" أن ما تحصله الحوثيون خلال الأيام الماضية من الشركات الكبيرة والمصانع التجارية والجامعات الخاصة والمدارس الخاصة والمستشفيات الأهلية في مناطق سيطرة الجماعة بلغ نحو ثمانين مليار ريال يمني بالعملة القديمة ( 150 مليون دولار).
وتشير المصادر إلى أنه ورغم أن الشركات والمحلات التجارية قامت بدفع الملايين الريالات تحت مسمى دعم المولد النبوي إلا أن جماعة الحوثي لم تترك رجال الأعمال في حالهم بل ذهبت إليهم حتى منازلهم لطلب التبرع بعشرات الملايين لإحياء المناسبة الدينية.
وبحسب المصادر ذاتها فإن الجماعة تعتبر ما تدفعه الشركات وغيرها هو فرض حتمي يجب أن تدفع فيه المبالغ رسميا وبدون أي نقاش ولكن ما يدفعه رجال الأعمال هو تبرع مستحب، حيث يضطر الأخيرين إلى فعل ذلك إما خوفا من التعرض للبطش والتنكيل من قبل الجماعة في حال لم يدفعوا، فيما يدفع بعضهم من أجل إثبات الولاء للحوثيين والبعض الآخر يدفع من أجل مصالح شخصية واستثمارية.
وتضيف المصادر أن جماعة الحوثيين تمكنت هذا العام من جمع نحو 252 مليار ريال يمني بالعملة القديمة (475 مليون دولار) وهو أكبر من المبلغ الذي جمعته العام الماضي والذي قُدر بـ 160 مليار ريال يمني (301 مليون دولار).
طرق التحصيل
تحصلت جماعة الحوثي الإرهابية على هذه المبالغ المالية من طرق عدها دشنتها قبل شهر من إقامة المولد النبوي، حيث بدأت الجماعة المدعومة من إيران بممارسة جباية الأموال تحت يافطة "الاحتفال بالمولد النبوي" بدجة أولى من التجار والشركات من خلال إصدار توجيهات عبر بعض الدوائر الحكومية تلزم التجار وملاك المحال التجارية بدعم المولد النبوي.
كما ألزمت الجماعة جميع التجار في المناطق الخاضعة لسيطرتها برفع الأعلام والإضاءة الخضراء وطلاء أبواب محلاتهم، وذلك تعبيرا عن احتفاءهم بالمولد النبوي وعليهم شراء الطلاء والزينة واللافتات من الجماعة، أي أنها تعمدت احتكار متعلقات الزينة الخضراء كجزء من سياستها الربحية بهذه المناسبة.
مصادر محلية في العاصمة المختطفة صنعاء تحدثت لـ"المجهر" أن جماعة الحوثيين قامت بتوزيع أتباعها في الشوارع وفتحت محلات جديدة خاصة بالزينة الخضراء، لبيع الغمازات واللمبات والزينة المرتبطة باحتفالات المولد وبيع الشعارات واللافتات الخضراء حيث أصبحت المناسبة الدينية موسم للاستثمار خاص بالحوثيين وكل مبالغ البيع والشراء تعود إلى مالية الجماعة.
وتضيف المصادر التي فضلت عدم الكشف عن هويتها خوفا من بطش الحوثيين، أن استغلال الجماعة للمولد لم يتوقف عند هذا الحد بل نشرت أتباعها في الشوارع والحارات مع أدوات الطلاء الأخضر حيث يقومون بطلاء السيارات إجباريا باللون الأخضر بمبلغ خمسة ألف ريال يتم توريدها للجماعة وطلاء الدراجات النارية بألف وخمسمائة ريال .
كما قامت الجماعة بطباعة سندات جمع التبرعات للمولد النبوي وإرسالها إلى كل منزل ومواطن وأسرة وهو الأمر الذي دفع بالمواطنين إلى تسليم ما طُلب منهم من مبالغ مالية خوفا من بطش الجماعة المدعومة من إيران وخشية التنكيل بأسرهم وتوجيه اتهامات لهم بأنهم "دواعش وضد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وآل البيت", بحسب المصادر ذاتها.
وتشير المصادر إلى أن جماعة الحوثيين المصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكية انتهجت نوع من الترهيب خلال استعداداتها للاحتفال بالمولد النبوي، من خلال تعميم فكرة أن دعم المولد يعبر عن الولاء والحب لنبي الأمة محمد " صّ" والامتناع عن ذلك يعني موالاة أعدائه، كما أن التنصيف والخوف المرافق لها يجعل كل من يقع تحت سيطرة الحوثيين تحت خيار الدفع والمبادرة بدلا العواقب الوخيمة التي ستلاحق الرفض أو الامتناع.
وتؤكد المصادر المحلية لـ"المجهر" أن حملة الجبايات الحوثية لم تستثن المزارعين في مناطق سيطرة الجماعة حيث فرضت على كل مزارع مبلغ معين يتراوح ما بين 5 آلاف ريال يمني إلى 200 ألف ريال يمني (10 دولارات – 378 دولار) حسب ونوع ومساحة المزرعة التي لديه.
فيما فرضت الجماعة على مالكي المطاعم مبالغ مالية أقلها خمسون ألف ريال يمني (95 دولارا) بينما المطاعم الكبيرة فرض عليهم إعداد 500 وجبة دجاج وأرز للقائمين على تنظيم الاحتفالات وذلك حتى انتهاء المولد النبوي ويقصد بهم اللجان المنظمة وعناصر الحماية للاحتفالية، وفق المصادر.
دعم خارجي
تكشف مظاهر احتفال الحوثيين بمناسبة المولد النبوي بهذا البذخ والاحتفاء المبالغ فيه بدءا من السنة الرابعة لانقلاب الجماعة على الشرعية في البلاد 2014، ومرورا بالتخلص من الحليف المرحلي للجماعة الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، كل هذه المعطيات تكشف أن مشروع التطييف الذي يتبناه الحوثيون هو مشروع إيراني لتغير هوية اليمنيين .
وتؤكد المعلومات التي حصل عليها "المجهر" بشكل حصري من مصادر مطلعة أن جماعة الحوثيين تتلقى دعم مالي كنفقات تشغيلية من زعيم مليشيات حزب الله في لبنان ومن إيران تقدر بـ 3 مليون دولار سنويا لهذه المناسبة، بحيث يتم تنفيذه وفق رؤية وبرنامج يعده خبراء لبنانين يتم إحياء المولد النبوي في كل قرية ومديرية ومدينة قبل المولد بـ 10 أيام.
ولأن المولد النبوي من الأوعية الإيرادية المهمة لجماعة الحوثي الإرهابية يكلف زعيم الجامعة شقيقه محمد بدرالدين الحوثي مسؤولاً عن اللجنة الخاصة المكلفة بجمع التبرعات مع مساعده خالد المداني المشرف العام للعاصمة صنعاء وهو خبير باستغلال هذه المناسبة الاستغلال الأمثل للحصول على أكبر قدر من المبالغ المالية من جيوب الشعب المطحون بالمجاعة والفقر المدقع في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعة.
احتفاء عفوي أم استثمار طائفي؟
يعتبر المولد النبوي ومسألة إحياؤه عند اليمنيين، إلى ما قبل ظهور جماعة الحوثيين، أمر ذو طابع شخصي وخاص في آنٍ واحد تقام في ليلة المولد بعض الفعاليات الصغيرة التي تصادف 12 ربيع أول من كل عام وغالبا ما تقام في المساجد ليلة المولد من بعض الطوائف الدينية.
إلا أنه منذ سيطرة الجماعة المدعومة من إيران على العاصمة صنعاء وبعض المحافظات اليمنية جلبت معها بكائيات كربلاء العراقية وقم الإيرانية وأجبرت المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرتها على المشاركة في مناسبات دينية خرجت عن طورها الديني إلى إطار السياسة البحتة.
يعتقد الصحفي الاقتصادي وفيق صالح أن جماعة الحوثي حولت مناسبة المولد النبوي إلى موسم لجباية الأموال ونهب المواطنين والتجار وكافة شرائح المجتمع بالقوة، كما تحاول من خلال هذه المناسبة ترسيخ فكرة وفرضيات أن لديها الحق الإلهي المطلق بامتلاك رقاب اليمنيين وحكم الشعب اليمني.
ويضيف صالح في حديثه لـ"المجهر" أن مليشيا الحوثي تسعى لترسيخ هذه الفكرة من خلال المبالغة في هذه الاحتفالات، وكأن لديها الحق الحصري بتمثيل النبي، وبالتالي من هذه الفرضية تسعى لترسيخ هذه الفكرة لدى المواطنين، وأيضا تحاول تعزيز فكرتها حول أحقيتها بالحكم من الاحتفال بالمولد النبوي،
ويؤكد الصحفي الاقتصادي وفيق صالح أن للجماعة جملة من الأهداف من خلال احتفالها بالمولد النبوي لكن الهدف السياسي الذي تحاول من خلال المولد ترسيخ فكرة مشروعية حقها في حكم اليمنيين هو الأكثر أهمية، مضيفا "وبالتالي تتعامل مع النبي كأنه الجد المؤسس للملك، لا نبي لكل الناس ورحمة للعالمين, وهي من هذا المنطلق تحاول إثبات الخرافة السلالية لا أكثر".
أهداف واسعة
يرى الكاتب والباحث همدان العليي أن جماعة الحوثي الإرهابية ومن وراء هذه الفعاليات وعلى رأسها ما يسمى بالمولد النبوي، تحرص على تحقيق مجموعة من الأهداف، وليس مجرد إرسال بعض الرسائل، بعضها أهداف سياسية وبعضها اقتصادية وبعضها طائفي، أما من الناحية الاقتصادية فهي فرصة لابتزاز أصحاب رؤوس الأموال، وأيضا ابتزاز المواطنين.
ويضيف العليي في حديثه لـ"المجهر" أن هناك هدف مهم على المستوى الاقتصادي، وهو منح الجماعة أتباعها أو عناصرها في المستويات الدنيا، فرصة لابتزاز الموطنين، وتوفير مداخيل لهذه العناصر الموجودة في الحارات وفي القرى عن طريق هذه الفعاليات.
ويوضح أن الجماعة المدعومة من إيران "تقوم بتجويع هذه العناصر الدنيا يعني الأدوات التي تستخدمها عصابة الحوثي والمتواجدة في القرى في المناطق النائية في الأحياء، هي لا تعمل على توفير احتياجاتهم بشكل كامل، وإنما تسعى لتجويعهم، ومن ثم تمنحهم الضوء الأخضر ليقوموا بعملية جلب الأموال من المواطنين تحت يافطة الفعاليات الدينية، خاصة ما يسمى بالمولد النبوي".
ويؤكد الكاتب والباحث همدان العليي أن جماعة الحوثيين بهذا الشكل تكون قد ضمنت ولاء هذه العناصر وبالتالي حرصت على تنفيذ فعالياتها الدينية والتفاعل مع أنشطتها المختلفة، مضيفا "بلا شك هذه السياسات تنعكس بشكل سلبي بالكارثي على المواطنين لأنها تؤثر بشكل مباشر على مستوى معيشتهم وليس فقط على المأكل والمشرب، وإنما على مستوى التعليم وعلى مستوى الصحة."
ويشير إلى أن الجماعة تحرم اليمنيين من أهم الاحتياجات الأساسية، فيما تواصل إهدار المال العام وتحويل السكان في مناطق سيطرتها إلى مجرد أدوات يخرجون في مثل هذه الفعاليات، وهو ما ينعكس بشكل كارثي على أداء المجتمع في مسألة الإنجاز الاقتصادي، والتنموي بشكل عام وهي تكلفة باهظة يدفع المواطن اليمني ثمنها على المستوى القصير والمتوسط وسيدفع ثمنها على المدى الطويل للأسف.
وبحسب العليي فإنه من الناحية السياسية والدينية تحرص الجماعة من وراء الفعاليات، وتحديدا ما يسمى بمولد النبوي، إلى تحقيق هدفين أساسيين، وهو استهداف قيام ثورة 26 سبتمبر، هذا هدف سياسي، ومن جهة أخرى استهداف المعتقد السني، وهذا هو هدف طائفي.
ويختتم حديثه بالقول: "أيضا ترفع جماعة الحوثي عدة لافتات سواء كانت سياسية أو قومية، مثل القضية الفلسطينية، أو مواجهة أمريكا وإسرائيل أو دينية، من خلال الحديث عن مولد النبوي وغيره، وهذه اللافتات مجرد وسائل لمصادرة حق اليمنيين في الاعتقاد الذي هو الفكر السني، يعني دفع الناس إلى التشيع عن طريق الحديث عن محبة الرسول عليه الصلاة والسلام وتستعبد الناس عبر ادعاء تميز السلالة وهي بهذا ضد ثورة 26 سبتمبر".