الثلاثاء 22/أكتوبر/2024
عاجلعاجل

حراك دبلوماسي في عدن.. ماذا يعني ذلك في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها الحكومة؟ (تقرير خاص)

حراك دبلوماسي في عدن.. ماذا يعني ذلك في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها الحكومة؟ (تقرير خاص)

ظهرت أزمة التدهور المتسارع للعملة المحلية كقضية بارزة في اهتمامات قيادة الشرعية بعد تغافل دام لسنوات في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.

ويبدو أن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا وضعت رهانها ولو بشكل نسبي على إعادة الوفود الدبلوماسية إلى عدن بدءاً بالسفارة الروسية، متوقعةً أن هذه الخطوة سيكون لها تأثير على الاستقرار السياسي والاقتصادي في المناطق المحررة. 

وبغض النظر عن الجدوى من إنعاش العملية الدبلوماسية في اليمن إلا توجه الحكومة نحو إعادة فتح السفارات الأجنبية من العاصمة المؤقتة عدن تعد خطوة في المسار الصحيح رغم تأخرها كثيرا.

 

تحركات حثيثة

 

ركزت قيادة الشرعية، في الفترة الأخيرة، على أهمية توطيد العلاقات السياسية والاقتصادية مع دولة مثل روسيا من أجل إشراكها في حلحلة القضايا العالقة في الملف اليمني لا سيما فيما يخص تدهور العملة المحلية.

ففي 19 سبتمبر/أيلول الماضي، التقى عضو مجلس القيادة الرئاسي العميد طارق صالح العاصمة الروسية وزير الشؤون الخارجية للاتحاد الروسي سيرجي لافروف، في موسكو، واتفقا على أهمية استمرار التنسيق والتشاور لتعزيز الشراكة ودعم المصالح المتبادلة بين البلدين.

وفي السادس والعشرين من ذات الشهر، التقى رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي ومعه عضو المجلس عثمان مجلي، بوزير الخارجية لافروف ووزير النفط والطاقة الروسي نيكولاي شولغينوف.

واستعرض اللقاء الذي كان على هامش الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، جملة من الفرص الواعدة لتعزيز العلاقات بين الجانبين في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والتقنية.

وفي الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، التقى وزير الخارجية اليمني الدكتور شايع الزنداني في الرياض، القائم بأعمال السفارة الروسية لدى اليمن يفغيني كودروف، وأكد الأخير موقف بلاده الداعم للحكومة اليمنية واستعداداها لتقديم الدعم لليمن في مختلف المجالات.

وبعدها بيوم واحد، وصلت إلى ميناء عدن شحنة مساعدات روسية لليمن تقدر بـ "13600" صندوق من زيت عباد الشمس روسي الصنع في إطار برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة.

وفي العاشر من الشهر ذاته، التقى نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي فيرشينين، بالمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، وقدم له المبعوث إحاطة حول تواصله مع الأطراف اليمنية والمحاورين الإقليميين والعمل الذي يقوم به على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني.

وبعد يومين من هذا اللقاء، ظهر القائم بأعمال السفارة الروسية في اليمن من العاصمة المؤقتة عدن، ونشر صورة له على حسابه في منصة "إكس" ارفق معها هذه العبارة "عدن اليوم، عشية الذكرى السنوية الأولى والستين للثورة 14 أكتوبر".

 

مباحثات جادة

 

يبدو أن المباحثات الروسية اليمنية تسير بشكل جيد، ففي 16 من الشهر الجاري بحث وزير الخارجية وشؤون المغتربين اليمني، مع مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الروسية، السفير ألكسندر كينشاك تطورات الأوضاع في اليمن والمنطقة، والجهود المبذولة لخفض التصعيد وتحقيق السلام في اليمن.

وخلال اللقاء الذي جرى في مقر الوزارة، رحب وزير الخارجية اليمني برغبة العديد من السفارات ممارسات أعمالها من العاصمة المؤقتة عدن، مؤكداً استعداد الحكومة اليمنية على تقديم كافة التسهيلات لاستقبال مزيدا من الوفود والسفارات وبما يساهم في دفع عجلة التنمية على الرغم من الظروف والتحديات الاقتصادية الصعبة.

وأعقب ذلك اجتماعا مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي، أكد فيه على أن استئناف عمل السفارة الروسية من العاصمة المؤقتة ‎عدن سيدفع قدماً بالعلاقات الثنائية بين البلدين، نحو استعادة مؤسسات الدولة، والسلام والاستقرار.

فيما أكد الوفد الروسي، حرص بلاده على دعم الجهود والمبادرات الرامية لوقف الحرب القائمة في ‎اليمن، واستعادة مسار السلام والاستقرار والتنمية في البلاد.

كما التقى الوفد الروسي بوزير الدولة محافظ محافظة أحمد حامد لملس، وتناول اللقاء جملة من القضايا في المجالات الاقتصادية والتنموية، بحث آليات التعاون المشترك والتنسيق بين الجانبين.

وتطرق اللقاء إلى الترتيبات المتعلقة بإعادة افتتاح السفارة الروسية في عدن، وأكد لملس على استعداد بلاده تقديم كافة التسهيلات والدعم اللازم لتأمين عمل السفارة وتلبية كافة الاحتياجات المطلوبة لضمان نجاح هذه الخطوة. 

 

خطوة جيدة

 

يتفق كثيرون على أن إعادة فتح السفارات من عدن خطوة في المسار الصحيح وكان لابد أن تحدث من وقت مبكر، لاسيما وأن دول العالم تعترف بالحكومة الشرعية كممثل رسمي للشعب اليمني.

ووفقا لتصور الباحث الكاتب اليمني همدان العليي، فإن عودة السفارات للعمل من عدن سيعزز من مكانة الدولة ودور مؤسساتها بما يسهم في حل بعض الإشكاليات لا سيما معالجة الأزمة الاقتصادية وتدهور العملة الوطنية.

ويضيف العليي في حديثه لـ "المجهر" أن " هذه الخطوة ستعزز كذلك ثقة المجتمع الدولي بمؤسسات الدولة، بعد أن حرصت الميلشيات الحوثي على تصوير عدن والمناطق المحررة بأنها غير آمنة".

أما الباحث الاقتصادي عبدالواحد العوبلي، لا يتوقع أن إعادة فتح السفارة الروسية لدى اليمن من العاصمة المؤقتة عدن سيؤثر بشكل إيجابي على الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد.

ويشير العوبلي في حديثه لـ"المجهر" إلى أن فتح سفارة واحدة لا يكفي مفسراً أن "عودة السفارات يعني عودة الدولة" لكنه في الوقت ذاته يستعبد عودة المزيد من السفارات الأجنبية إلى البلاد.

 

أجندة دولية

 

يفسر مراقبون أن سلسلة اللقاءات الجارية بين مسؤولين من الحكومتين الروسية واليمنية، تأتي في إطار سعي روسيا للعب أدوار فعالة لحل النزاع في اليمن وسط دعم وتحفيز من قبل تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية لهذه الخطوة.

فيما يرى آخرون أن روسيا تسعى للحفاظ على علاقات متوازنة مع طرفي النزاع في اليمن اعتقادًا منها بأن ذلك سيمنحها نفوذا مؤثراً في الموقع الاستراتيجي المهم من خارطة العالم في ظل التنافس الدولي على مناطق النفوذ في الشرق الأوسط.

وتتطلع الحكومة اليمنية اليوم، إلى أن يتبنى الجانب الروسي دوراً بارزا في استقرار العملية السياسية والاقتصادية في البلاد، في إطار الجهود الدبلوماسية التي تبذلها لتحييد موسكو عن موقفها تجاه الحوثيين.

وفي السياق، عبر مسؤول حكومي يمني عن تفائله بعودة الوفود الدبلوماسية لفتح سفارتها من العاصمة المؤقتة عدن في إطار استمرار الزخم السياسي في مؤشر إيجابي لاستعادة نشاط مؤسسات الدولة المفقود منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء في العام 2014م.

وألمح المسؤول الحكومي في حديثه لـ"المجهر" إلى أن انهيار سعر الريال اليمني مؤخراً له دلالات على وجود مؤامرة إقليمية ودولية لدفع الوضع الاقتصادي في مناطق الشرعية نحو الانحدار.

وقال المسؤول الذي رفض ذكر اسمه كونه غير مخول بالحديث للإعلام، إن عودة الوفود الدبلوماسية إلى عدن لن يسهم في وضع حلول للأزمة الاقتصادية ووقف تدهور العملة المحلية.

وأكد على أن وقف الأزمة الاقتصادية مرتبط كُليا بإعادة تصدير النفط والغاز التي تمثل أكثر من 70 % من ميزانية الدولة، معللاً ذلك بكون اليمن لا تقوم بتصدير منتجات أخرى للخارج من شأنها أن تعود بالعملة الصعبة للخزينة العامة.

ووفقا لتقديرات المسؤول الحكومي فأن الذهاب باتجاه وضع معالجات مالية واقتصادية عاجلة هو الحل الأمثل للأزمة الحاصلة، مشيرا إلى أن أي إجراءات أخرى تبقى حلول جزئية وغير مُستدامة.

 

دعوات اقتصادية

 

في الكلمة التي ألقاها مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة عبدالله السعدي، دعت الحكومة اليمنية المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم اللازم لمواجهة الوضع الاقتصادي الإنساني، ووضع الأسس للتعافي الاقتصادي طويل الأمد، في ظل الانهيار المتسارع للعملة الوطنية.

وقال السعدي، إن جماعة الحوثيين " دمرت الاقتصاد الوطني وخلقت اقتصاداً ميليشاويا موازي لتمويل حربها، وسلبت اليمنيين ارواحهم وأمنهم واستقرارهم وغذاءهم وحاضرهم ومستقبلهم".

ونوه الدبلوماسي السعدي بالضغوط الحقيقية على الاقتصاد اليمني وتراجع الموارد جراء استهداف جماعة الحوثي لمنشآت تصدير النفط منذ أكتوبر 2022، والحرب المستمرة والممنهجة من قبل جماعة الحوثي في جوانبها العسكرية والاقتصادية.

وأشار المندوب اليمني لدى الأمم المتحدة إلى أن تراخي الموقف الدولي مع جماعة الحوثي والنظام الإيراني الداعم لها، في التهرب من استحقاقات السلام ومواصلة تصعيدها العسكري، هو من دفع الجماعة إلى التمادي في انتهاك القانون الدولي الإنساني.

والأسبوع الماضي، عقد رئيس مجلس الوزراء د. أحمد عوض بن مبارك، اجتماعاً مع رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي غابرييل فيناليس وسفراء عدد من دول الاتحاد الأوروبي المعتمدين لدى اليمن، لمناقشة التحديات الاقتصادية والإنسانية، بما فيها الحفاظ على أسعار صرف العملة الوطنية.

واستعرض الاجتماع الذي جرى في العاصمة عدن بمشاركة سفراء فرنسا ألمانيا هولندا رومانيا واليونان، الدعم المطلوب لإسناد الجهود الحكومية من أجل تعزيز موقف العملة الوطنية، واحتواء تداعيات توقف الصادرات النفطية.

وأكد بن مبارك، خلال الاجتماع أن الوضع الاقتصادي في البلاد هو الشغل الشاغل للمواطنين، في ظل تراجع سعر العملة الوطنية وضعف القوة الشرائية للمواطنين، لافتا إلى أهمية وجود مسار إقليمي ودولي لدعم الحكومة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

وأعرب رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي والسفراء الأوروبيين دعمهم الكامل للحكومة اليمنية وجهودها في تنفيذ الإصلاحات والعمل على استقرار الأوضاع الاقتصادية والخدمية.

 

ورقة رابحة

 

لوحت بعض المنظمات الأممية والدولية بقرار نقل مقراتها من صنعاء إلى عدن، الأمر الذي جعل الباحث الاقتصادي اليمني عبدالواحد العوبلي يتصور أن ذلك سيسهم في دعم البنك المركزي للحكومة الشرعية بالعملات الصعبة ولو بصورة نسبية.

وأشار العوبلي إلى أنه وبمعية فريق من الخبراء والمختصين في مجال الاقتصاد، وجهوا منذ سنوات دعوات متعددة للحكومة الشرعية من أجل حث المنظمات الدولية والأممية على نقل مقراتها في اليمن إلى عدن.

ومن جهته أكد الباحث والكاتب اليمني همدان العليي، أن انتقال مكاتب المنظمات الدولية والأممية إلى عدن سيخفف عنها الضغوط التي كانت تعيشها في ظل سلطة الحوثيين.

وقال العليي في حديثه لـ"المجهر" إن جماعة الحوثي حولت المنظمات وموظفيها إلى رهائن لديها، مشيراً إلى أن الرهائن لا ينفذون إلا ما تحدده العصابات المسلحة الممثلة بالحوثيين.

وبيّن أن " انتقال المنظمات إلى عدن، سيسهل عليها تنفيذ أعمالها الإغاثية التي يمكن من خلالها رفع معاناة الناس ومساعدة المجتمع على المستوى الإغاثي والتنموي عبر مشاريع مستدامة لا تخضع لانتقائية الحوثيين".

وتطرق العليي، إلى أن جماعة الحوثي عملت خلال السنوات الماضية على جعل المناطق المحررة غير آمنة من خلال الدفع بعدد من الخلايا والعناصر التخريبية التابعة لها لصناعة الفوضى فيها.

لافتاً إلى أن العبث الحوثي أدى إلى حرمان هذه المناطق من الخدمات، ما صنع مخاوف لدى الوفود الدبلوماسية والمؤسسات الدولية العاملة في المجال الإنساني والإغاثي من الانتقال إلى عدن أو غيرها من المناطق المحررة.

 

نقطة ضعف الحوثيين

 

بالإشارة إلى القرارات الأخيرة الصادرة عن البنك المركزي في عدن، ذكر تحليل نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، أن هذه القرارات كان لها تأثير واضحا على الحوثيين أكبر من تأثير العقوبات التي فرضتها واشنطن على الجماعة.

وأوضح التحليل أن الخطوة التي شرعت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في استخدامها لوقف النظام المالي الدولي عن البنوك التجارية في صنعاء كانت ستشكل خطراً بالغا على الاقتصاد في إدارة الحوثيين.

وترى الباحث الأمريكية أليسون ماينور في تحليلها، أن الضغوط السياسية والاقتصادية من جانب المملكة العربية السعودية قد تنجح في كبح جماح الجماعة بشكل أكثر فعالية من العمل العسكري الأميركي.

وحذرت في الوقت ذاته من خطورة السماح باستمرار تحكم الحوثيين بالملاحة في البحر الأحمر متى شاءوا، معتبراً أن ذلك "سوف يحكم على اليمن بالموت الاقتصادي البطيء".

كما دعت الباحثة فورين أفيرز، إلى الاستفادة من أبرز نقاط الضعف لدى الحوثيين وهو الجانب الاقتصادي وتحويلها إلى نقطة قوة لدى الطرف الآخر ممثلاً بالحكومة الشرعية في عدن.