السبت 09/نوفمبر/2024
عاجلعاجل

قاذفات بي تو.. ما أبعاد الاستهداف الأمريكي للحوثيين بقوة ردع استراتيجية؟ (تحليل خاص)

قاذفات بي تو.. ما أبعاد الاستهداف الأمريكي للحوثيين بقوة ردع استراتيجية؟ (تحليل خاص)

قبل أسبوع من الآن، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قصف مواقع حوثية لتخزين السلاح في صنعاء وصعدة، مستخدمة القاذفة الإستراتيجية (B-2 Spirit) المعروفة بقدرتها دون غيرها على تدمير المنشآت النووية لإيران.

وقال وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، إن "القوات الأميركية استهدفت منشآت تحت أرضية، تابعة للحوثيين وتضمّ مكونات أسلحة مختلفة من الطراز الذي استخدمه الحوثيون ضد سفن مدنية وعسكرية في سائر المنطقة".

وفي تهديد مباشر وغير مباشر في آن واحد لإيران وحلفائها، اعتبر أوستن، الهجوم "دليلاً فريداً على قدرة الولايات المتحدة، على استهداف المنشآت التي يسعى خصومنا إلى إبعادها عن متناول أيدينا، بغض النظر عن مدى عمقها تحت الأرض أو تحصينها".

وكان موقع "نور نيوز" الإيراني، قد نقل عن المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي، قوله، إن احتمال شن هجوم على مواقع نووية إيرانية لا يزال منخفضاً.


استعراض حقيقي

 

يرى خبراء عسكريون أن استخدام قاذفات B-2 مثلت تتويجاً لقرابة عشر سنوات من الدعوات المحلية والإقليمية والدولية لتقويض قدرات جماعة الحوثي العسكرية عبر استهداف مواقع تخزين الأسلحة والقواعد الرئيسية للحوثيين في اليمن.

فيما يعتقد آخرون أن العملية تعتبر استعراضا لما يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة من ضربات حقيقية ضد الحوثيين وليست مجرد ضربات استعراضية كما حدث طوال السنة الماضية.

ويمكن النظر لدخول القاذفة (B-2 Spirit) إلى مسرح المواجهة مع جماعة الحوثي المدرجة على قوائم الإرهاب الأمريكية من اتجاهين وفقا لرؤية الباحث المتخصص في الشؤون العسكرية والاستراتيجية د. علي الذهب.

فالاتجاه الأول؛ هو أن استخدامها جاء تتويجاً لحصيلة من المعلومات المحدثة عن التهديدات التي يثيرها الحوثيون من مناطق سيطرتهم وبالذات تجاه الشحن البحري.

ويوضح الذهب في حديثه لـ"المجهر" أن هذه معلومات تتعلق بمخازن للأسلحة والذخائر التي يستخدمها الحوثيون، والمحصنة في مناطق تحت الأرض أو في الجبال وفقا للمعلومات المحدثة التي حصل عليها الأمريكان.

وهذه المعلومات المحدثة بطبيعة الحال، هي نتائج نشاط استخباري ملحوظ تقوم به طائرات التجسس الأمريكية (MQ9) كما قد يكون هناك نشاط أرضي محدود من قبل خلايا تجسسية نتيجة لما يفرضه الحوثيون من نشاط استخباراتي معاكس للنشاط الاستخباراتي للأمريكان.

ومنذ أكثر من عام وتحديدا مع بداية معركة "طوفان الأقصى" ضحى الأمريكيون بنحو ١١ طائرة تجسسية من هذا النوع. وفقا لإحصائية ذكرها د. علي الذهب الحاصل على درجة الدكتوراه في تكنولوجيا النقل البحري والأمن والسلامة البحرية والاستراتيجية الأمنية غربي المحيط الهندي وخليج عدن.

وقبل نحو عام أثارت وسائل إعلام محلية ودولية جدلاً واسعا بشأن انشاء الحوثيون أماكن محصنة في مواقع مختلفة بين محافظتي صنعاء وصعدة (شمالي البلاد) بغض النظر عما إذا كانت هذه التحصينات عبارة عن أنفاق تحت الأرض تؤدي إلى مخازن أسلحة وذخائر محصنة فيها أو مخابئ تُستغل للقيادة والسيطرة.

 

أبعاد استراتيجية

 

عطفاً على التحصينات الحوثية المشددة، يبدو أنه من الصعب استهدافها أو الوصول إليها، كونها تقع في أعماق بعيدة تصل إلى قرابة ٣٠ متر تحت الأرض وفقاً لتقديرات عسكرية، ولا يوجد سلاح جو قادر على أن يؤثر عليها سوى القاذفة الاستراتيجية (B-2 Spirit).

ويعتقد الباحث اليمني د. علي الذهب، أن هناك جانب آخر لاستخدام هذا النوع من القاذفات الأمريكية، باعتباره تمهيدا أوليا لتقويض قدرات ذات أبعاد استراتيجية مؤثرة للحوثيين.

وهذه القدرات يمكن أن توظف في أي مواجهة إقليمية مع إيران، حيث يقرأ الذهب، أن ضربات الأمريكان الأخيرة على غير العادة تعد " تمهيد للقضاء على أحد فواعل العنف الذي يحتمل أن يكون طرفا في حرب إقليمية تكون إيران أحد قطبيها".

وفي حديثه لـ"المجهر" لا يستبعد الذهب، أن يكون لدى الأمريكان معلومات بخصوص توارد بعض الأسلحة التي تستخدم في المواجهة الإقليمية المحتملة في المنطقة.

ولفت إلى أن الفرصة باتت مواتية للقضاء على هذا الأسلحة في ظل ما استطاعت الولايات المتحدة القيام به من أعمال مثل استصدار قرارات من مجلس الأمن أو استغلال هجمات الحوثيين على البحر الأحمر للرد عليهم.

 

الدور المرسوم

 

وحدها الولايات المتحدة الأمريكية من تمتلك هذه القاذفات الموسومة بالفتاكة والتي تحتكرها كسلاح ردع قوي، وترفض بيعها للخارج إلى جانب أن إنتاجها محدود وضئيل جداً.

يقول المحلل والخبير العسكري والاستراتيجي عميد ركن/ محمد عبدالله الكميم، إن "استخدام هذه القاذفات ضد الحوثيين لها دلالة واضحة في ظل التطورات الجارية في المنطقة وفي ضوء العربدة الحوثية في البحر الأحمر".

وأوضح الكميم في حديثه لـ"المجهر" أن أمريكا حاولت أكثر من مره أن توصل إنذارات لجماعة الحوثي بعد مرور عام كامل، مشيراً إلى أن الحوثيين لم يرتدعوا على الرغم من ذلك.

ويعتقد أن الولايات المتحدة أرادت من خلال الضربات الأخيرة أن توصل رسالة أشبه بالجادة، معبراً في الوقت ذاته عن قناعته بأن " الأمريكان حتى الان لا يريدون القضاء على الحوثي وإنما تقليص نفوذه والحد من قدراته العسكرية بحيث لا يتجاوز الدور المرسوم له".

ولا يرى الخبير العسكري محمد الكميم، أن هذه الضربات تمثل أهمية كبيرة كونها لم تُصب أهدافا قوية فيما يتعلق بالتحصينات الدفاعية للحوثيين أو مخازن أسلحة وفقا لتقديراته القائمة على متابعة نتائج الضربات.

 

تعاطي مرن

 

يرى مراقبون أن الولايات المتحدة الأمريكية ما تزال حتى الآن تتعاطى مع جماعة الحوثي بصورة ناعمة وأسلوب مرن أقرب إلى التوسل منه إلى التهديد من أجل إيقاف ضرباته على الخط الملاحي في البحر الأحمر أو التخفيف منها.

ووفقاً لتحليل عميد ركن محمد عبدالله الكميم، فأن الأمريكيين يرون في بقاء الحوثي مصلحة قومية لهم، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة هي تنقذه في الأوقات الحرجة التي يعاني منها سواء سياسيا أو عسكريا أو اقتصاديا.

ويضيف الكميم في حديثه لـ"المجهر" لا يمكن أن ندرك أن أمريكا تريد القضاء على الجماعة فعلا إلا "عندما تراها قامت باستهداف قيادات حوثية كبيرة أو رفعت الغطاء عنهم وسحمت للقوات المسلحة اليمنية القضاء على الحوثي".

ويرى في هذه الضربة إشارة هامة للجانب الإيراني مفادها أن أمريكا قادرة إلى حد كبير أن تستخدم هذا السلاح الاستراتيجي في استهداف القواعد الإيرانية في الشرق الأوسط.

وعموماً نبقى في انتظار ما سيترتب على تلك الضربات في الأيام القادمة في حال صعدت أمريكا من استهدفاها الدقيق لتحصينات الجماعة أم أنها ما زالت تراوح مكانها وفقا لقواعد اشتباك محددة فيما بينها وبين الحوثيين.

 

أولويات أمريكية

 

ذكر الأدميرال المتقاعد روبرت موريت من البحرية الأميركية، والمدير الرابع لوكالة الاستخبارات الجغرافية الوطنية، أن الحوثيين لهم مخازن أخرى يتطلب القضاء عليها، مبيناً أن البنتاغون وضع هذه الأهداف ضمن أولوياته.

وأوضح موريت في لقاء تلفزيوني أن السبب الآخر لاستخدام الولايات المتحدة قاذفات بي-2 الشبحية، هو تعزيز ودعم قدرات الجيش الأميركي في المنطقة والذين يقدر عددهم بنحو خمسين ألف جندي.

وأشار إلى أن ما نفذته الولايات المتحدة إلى حد الآن في البحر الأحمر هي "مواقف دفاعية" تستهدف مستودعات الذخيرة ومواقع القيادة للحوثيين، مؤكدا أن استخدام هذا النوع من الطائرات فعال أكثر مقارنة باستخدام المسيرات.

ويمكن لكل طائرة B-2 أن تحمل ما يصل إلى 18 ألف كيلوجرام من الذخيرة، ولديها مدى عابر للقارات يسمح لها بضرب أهداف عالمياً من قواعد في ميسوري وجزيرة جوام.

الجدير ذكره أن قنابل GBU-57 قادرة على اختراق بعض أفضل المواقع العسكرية وأكثرها حساسية في جميع أنحاء العالم دون عبور العتبة النووية، وبالتالي منح B-2 مدى عميقاً بشكل خاص، يجعلها دون شك أكثر القنابل خطورة في العالم الغربي. 

ما أثار طبيعة هدف الهجمات الأخيرة تكهنات كبيرة بأن القاذفات كانت مجهزة بقنابل خارقة للذخيرة الضخمة من طراز GBU-57، وهي ثقيلة جداً بحيث لا يمكن لأي طائرة مقاتلة أخرى حملها.

لكن مجلة Military Watch، ترى أنه على الرغم من قوة قنابل GBU-57 إلا أن بها عدد من العيوب الخطيرة، موضحة أن أهم العيوب أنه لا يمكن نشرها إلا بواسطة قاذفات B-2، والتي لا يوجد منها سوى 19 في الخدمة بالقوات الجوية الأميركية. 

 

ردع نووي

 

تمتلك الولايات المتحدة نحو 20 قاذفة فقط من نوع، وارتبط تصنيعها منذ البداية بالتهديدات التي تشكلها المنشآت النووية لكوريا الشمالية وإيران على المنطقة والعالم.

واللافت في الأمر أن مثل هذه القاذفات لم تستخدم في مهمة منذ 7 سنوات، مع نهاية ولاية الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما ضد قاعدة ليبية عام 2017م.

وتُصنع قاذفات B-2 في منشأة (نورثروب غرومان) في مدينة (Palmdale) بولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة، وتقع القاعدة الرئيسية لانطلاقها (ويتمان) في ولاية ميزوري الأمريكية. 

وتم تصميم هذه القاذفة خلال فترة الحرب الباردة كقاذفة ‏للصواريخ النووية وتعد من أغلى الطائرات على الإطلاق، ‏حيث تتراوح تكلفة الطائرة الواحدة بين 737 إلى 929 مليون ‏دولار.

وتتميز ‏B-2 Spirit‏ بتقنية التخفي المتقدمة والتي تمكنها من الطيران ‏بشكل خفي وصامت لاختراق أنظمة الدفاعات الأرضية (الرادارات)، ويبلغ ‏عرض الطائرة 52 مترا وطولها 21 مترا، وتعتمد في دفعها ‏على 4 محركات من نوع ‏General Electric F118‏، وتستطيع الطائرة الوصول إلى سرعة قصوى تقارب 973 ‏كم/ساعة وعلو تحليق أقصى يبلغ 15200 متر.

كما تتمتع‏ بمدى تشغيلي طويل، ‏مما يسمح لها بضرب أهداف على بعد آلاف الأميال دون ‏الحاجة إلى التزود بالوقود أو القواعد الأمامية، وهذه القدرة ‏تمكنها من القيام بمهام القصف الاستراتيجي في جميع أنحاء ‏العالم، بما في ذلك في عمق أراضي العدو.

وعلى الرغم من تصميمها الأنيق ‏والخفي، تتمتع الطائرة ‏B-2‏ بقدرة حمولة داخلية كبيرة، قادرة ‏على حمل ما يصل إلى 40 ألف رطل (18 ألف كيلوغرام) ‏من الذخائر، بما في ذلك الأسلحة التقليدية والنووية، وهذا ‏يمنحها القدرة على إيصال مجموعة متنوعة من الذخائر إلى ‏الأهداف بدقة فائقة.‏