السبت 09/نوفمبر/2024
عاجلعاجل

تصعيد متبادل وبوادر معركة قادمة لتحرير الحديدة (تقرير خاص)

تصعيد متبادل وبوادر معركة قادمة لتحرير الحديدة (تقرير خاص)

شهدت الأيام القليلة الماضية، حراكا لافتا لمجلس القيادة الرئاسي وحكومته المعترف بها دوليا على المستوى العسكري، شمل عقد سلسلة من اللقاءات نفذها أعضاء المجلس مع قيادات التشكيلات العسكرية المنضوية تحت مظلة القوات الحكومية، وقيادة القوات المشتركة التابعة لتحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ضمن مساع لإعادة ترتيب أوراق الجانب الحكومي على الأرض، ما يشير إلى أن جولة قادمة من الحرب قد تندلع في أي لحظة لاستعادة بعض المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون المدعومين من إيران.

في المقابل، تتصاعد مخاوف جماعة الحوثيين المصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكية، من أن تتجه أنظار القوات الحكومية نحو مدينة الحديدة غربي البلاد؛ التي تنطلق منها هجمات الجماعة ضد السفن التجارية في البحر الأحمر، وما يجعل الأمر ممكنا هذه المرة هو غياب الغطاء الدولي للجماعة لوقف المعركة كما حدث في العام 2018م عبر اتفاق السويد (ستوكهولم)، والذي كان بمثابة إنقاذ للحوثيين بعد أن كادت الحكومة المعترف بها تبسط سيطرتها على كامل المدينة الساحلية، وفق مراقبين.

وخلال أكتوبر/ تشرين الأول الجاري دفعت جماعة الحوثيين بتعزيزات كبيرة إلى مدينة الحديدة، بعد سحب عشرات النقاط العسكرية من مداخل وشوارع المحافظات التي تسيطر عليها شمال البلاد؛ تزامنا مع حملة واسعة نفذها الحوثيون لحشد الدعم تجاه المدينة الساحلية، حيث أسندت قواتها هناك بآلاف المقاتلين والآليات العسكرية والأطقم المجهزة بكامل عتادها؛ تحسبا لمعركة قادمة قد تبدأها القوات الحكومية بإسناد دولي.


مخاوف حوثية

 

تؤكد مصادر مطلعة من مناطق سيطرة الحوثيين؛ أن الجماعة المدعومة من إيران تعيش وضعا غير عاديا خلال الفترة الأخيرة، ما دفعها إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات تحسبا لتطورات الوضع العسكري الذي يمر بهدنة غير معلنة وقد ينفجر في أي لحظة، وما يزيده خطورة هذه المرة هي التوترات الإقليمية التي تعصف بالمنطقة، وتعد الجماعة الحوثية جزءا منها بتهديدها المستمر لحركة الملاحة الدولية.

وبينت المصادر لـ"المجهر" أن الجماعة المدعومة من إيران سحبت نسبة كبيرة من قواتها الداخلية في محافظات: صنعاء وذمار وإب وتعز تجاه الحديدة لما يبدو أنها تخشى أن تشن القوات الحكومية هجوما بريا لاستعادة المدينة الساحلية؛ لكن المصادر لم تستبعد أن يكون تحشيد الحوثيين تجاه الحديدة مبررا لصرف الأنظار عن تحركات جماعة الحوثيين التي تتحين الفرصة لشن هجوم واسع على محافظة مأرب الغنية بالنفط؛ شمال شرق البلاد.

وأضافت المصادر، أن جماعة الحوثي الإرهابية تستشعر الخطر من تحرك الملف العسكري، واحتمالية إطلاق عملية تحرير لمحافظة الحديدة عبر معركة برية، لذلك تسعى لتأمين الحديدة، وتخشى أن تتعرض لهجوم مباغت في محافظات أخرى.

وفي سياق الإجراءات الحوثية الأخيرة، رفعت الجماعة نقاطًا عدة بعد مفرق ماوية في محافظة تعز جنوبي غرب البلاد، شملت كافة النقاط التابعة لما تسمى بقوات النجدة، وأبقت على ما تسمى بقوات الشرطة العسكرية، بحسب المصادر ذاتها.

وأشارت المصادر إلى أن هذه الإجراءات التي يزعم الحوثيون أنها تأتي ضمن التغيرات الجذرية الجديدة؛ شملت بعض المسؤولين في المناطق الخاضعة لها بتعز، حيث سعت الجماعة لتعيين شكري نعمان الحوباني، مديرًا لأمن منطقة الحوبان، ومحمد المليكي، مديرًا لمكتب الأوقاف، وبكيل حميد علي عبدة سرحان، مديرًا لمكتب الأشغال، والقاضي فواز فيصل المقطري، رئيسًا لمحكمة الاستئناف.

 

لماذا الحديدة؟!

 

تعد مدينة الحديدة الساحلية منطلقا لهجمات الحوثيين، حيث حولتها الجماعة المصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكية إلى منصة مفتوحة لإطلاق الصواريخ والمسيرات والمسيرات الحوثية لاستهداف السفن التجارية وتهديد خط الملاحة الدولية في البحر الأحمر، تنفيذًا لأجندة إيرانية، بحسب الولايات المتحدة الأمريكية، ما دفع الأخيرة إلى شن سلسلة من الهجمات الجوية على مواقع الجماعة في المدينة عبر عملية "رامي بوسيدون" التي تنفذه مع بريطانيا منذ يناير/ كانون الثاني الماضي بهدف "تقويض قدرات الحوثيين العسكرية وتهديداتهم للملاحة الدولية".


ومؤخرا، اتجهت الأنظار كثيرًا نحو الحديدة، حيث بدأ مراقبون أجانب الحديث عن الأهمية الاستراتيجية للمدينة اليمنية الساحلية ونفوذها في خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن، خاصة أنها تضم ثلاثة موانئ، أكبرها ميناء الحديدة التجاري ذو الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية، ثم ميناء الصليف الشهير بإنتاج وتصدير الملح، يليه ميناء رأس عيسى النفطي.

وتعتبر محافظة الحديدة، محور ارتكاز قوة الحوثيين اقتصاديًا وعسكريًا بما توفّره من عوائد مالية، فضلًا عن كونها منفذًا لتهريب الأسلحة وتقنيات الصواريخ والخبراء، ومثلت سواحلها على مدار الأشهر الماضية بوابة انطلاق للحوثيين لشن هجماتهم على سفن تجارية في البحر الأحمر.

ويزعم الحوثيون، أن تفاهمات دولية مع قوات الحكومة المعترف بها دوليا تهدف للسيطرة على محافظة الحديدة وتحريرها عبر عملية عسكرية فاصلة مع الجماعة المدعومة من إيران، وتأمين الملاحة البحرية من خطر الاستهداف الحوثي للسفن، الأمر الذي دفع الجماعة لاتخاذ خطوات استباقية، واستحداث تحصينات جديدة على خطوط التماس، وحفر العديد من الخنادق بالقرب من الجبهات الحكومية، وزرع المزيد من حقول الألغام، وفق مصادر مطلعة تحدثت لـ"المجهر".

في السياق، يرى باحثون أن الحكومة المعترف إذا نجحت في السيطرة الفعلية على الحديدة، ستشكل تحوّلًا جوهريًا في موازين القوى على الأرض لصالحها وتجريد الحوثيين من ورقة ضغط مهمة، بل وإجبار الجماعة على الرضوخ لشروط الحكومة في أي حل مستقبلي للأزمة.

ويؤكدون أن معركة استعادة الحديدة ستكون منعطفًا هامًا في مسار الحرب، حيث تعد الحديدة بوابة دخول العاصمة المختطفة صنعاء، ما قد يمنح القوات الحكومية مكاسب إضافية على الأرض، حد قولهم.

 

معركة فاصلة 

 

يرى القيادي البارز في وزارة الدفاع اليمنية ورئيس خلية التنسيق والارتباط في قيادة القوات المشتركة، اللواء الركن سمير الصبري، أنه لا يعول كثيرا على دور المجتمع الدولي في أي معركة قادمة تقودها القوات الحكومة ضد مليشيا الحوثي، لأنه حريص على إبقاء نوع من التوازن بين القوى على الأرض، وبالتالي يمكن القول أن المجتمع الدولي حريص على عدم هزيمة الحوثيين.

ويضيف اللواء الصبري في تصريح خاص لـ"المجهر" أن إيران تواصل توجيه الحوثيين على القيام بأعمال لصالحها لكن ستتركهم ليتحملوا نتائج ذلك وحدهم، بدليل أن طهران معروف عنها التخلي عن حلفائها بكل سهولة؛ فكيف بالحوثيين الذين تعتبرهم أقل شأنا، حيث تصفهم بـ"شيعة شوارع".

وعن هجمات الجماعة المدعومة من إيران على السفن التجارية وتهديداتها للملاحة الدولية؛ يؤكد الرجل أن الحوثيين يتهربون من التزامات الداخل بادعاء مناصرة القضية الفلسطينية، لافتا إلى أن السكان في مناطق سيطرة الجماعة يعيشون وضعا اقتصاديا مزريا، في الوقت الذي تدعوهم لتمويل حربها الزائفة، مع أن قاتل المدنيين اليمنيين والفلسطينيين واحد مع اختلاف التسميات والأماكن.  

ويشير اللواء الصبري أن جماعة الحوثيين عمدت إلى إحداث تغييرات في المناطق التي تسيطر عليها من محافظة تعز، يأتي انطلاقا من عدم ثقة الجماعة بأتباعها من أبناء المحافظة والذين يطلق عليهم تسمية (المتحوثون)، حيث ترى أنهم مجرد أدوات يمكن الاستغناء عنهم بعد انتهاء المعركة، في الوقت ذاته تخشى من تغيرات في مواقفهم نتيجة تعاملها معهم بتمييز واضح وعنصرية فجة. 

ويوضح أن الوضع في اليمن معقد فعلا ويزداد تعقيدا، لافتا إلى أن هناك من يريد لم يسمه تعقيد الوضع في البلاد أكثر حتى لا تتحلحل الأمور؛ رغم أن الحل هو عودة الحوثيين إلى طاولة المفاوضات التي يجب أن تعقد وفقا للمرجعيات وتنفيذ القرارات الدولية من خلال التخلي عن السلاح.

ويستدرك اللواء الصبري قائلا :" لكن يبدو أن تخلي مليشيا الحوثي عن السلاح والعودة إلى حجمها الطبيعي أمر صعب، لذا لابد من معركة عسكرية فاصلة اليوم أو غدًا أو بعد غد حتى يخلو الجو من هذه الجماعة وتعود اليمن سعيدة".

 

فرصة ممكنة

 

منذ بدء تهديدات الحوثيين للملاحة البحرية، نادت الحكومة المعترف بها المجتمع الدولي بأن الحل الأنجح لوقف هجمات الجماعة ضد السفن هو دعم القوات الحكومية، وليس الضربات الغربية التي تقودها الولايات المتحدة، من استمرار التأكيد الحكومي بأنه لا حل مع الحوثيين لحماية الملاحة دون تحرير الساحل الغربي، بما في ذلك الحديدة والصليف ورأس عيسى.

وحتى اليوم، لم تتضح المؤشرات الميدانية على وجود قرار يمني لتحرك الملف العسكري، والتحضير لعملية تحرير الحديدة، ورغم ذلك تتزايد التوجسات والمخاوف من نوايا جماعة الحوثي الإرهابية، التي تعمل منذ أشهر على حشد الآلاف من المجندين والمقاتلين التابعين لها، ما قد يدفعها إلى إطلاق عملية استباقية وشن هجوم على الشريط الساحلي.

إلى ذلك، تدور أحاديث حول أقصر السبل لمحاصرة جماعة الحوثيين والحد من هجماتها على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وأن السيطرة عسكريًا على الحديدة، عبر قوات الحكومة اليمنية هو الحل الأنسب لتحجيم نفوذ الحوثيين، وعن مدى إمكانية حدوث مثل هذه المعركة.

وتؤكد مصادر عسكرية، وجود استعدادات حوثية كبيرة تستميت من أجل التمسك بالحديدة، كما تشير المصادر إلى أن تحرير المدينة الساحلية بحاجة لدعم دولي واسع لتحقيق الهدف وخنق الجماعة المدعومة من إيران.

فيما يعتقد باحثون يمنيون أن الفرصة سانحة لإطلاق معركة عسكرية فاصلة بين قوات الحكومة والحوثيين، شرط أن تتلقى القوات الحكومية الإسناد الكافي والغطاء الدولي، مشيرين إلى أنه سبق أن كانت على مقربة من تحرير المدينة في العام 2018، لكن التدخل الدولي واتفاق ستوكهولم، عرقلا استكمال العملية العسكرية، وحالا دون تحرير محافظة الحديدة.

 

تمهيد ناري

 

يرى الباحث المتخصص في مجال الصراعات المسلحة علي الذهب، أن دفع الحوثيين بتعزيزات جديدة إلى الحديدة، يعد إعادة تموضع وترتيب لقواتها، وربما يكون ذلك استشعارا لتحركات القوات الحكومية في الساحل الغربي لليمن.

وفي حديثه لـ"المجهر" يقول الذهب إن هذه التحسبات جاءت بعد الضربات الموجعة التي تعرض لها حزب الله اللبناني وإيران، ما يجعل الحوثيون يخشون أن ينتقل هذا العنف إليهم، لا سيما أن هناك تحركات كبيرة من قبل الحكومة على المستوى السياسي والعسكري، بتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية.

ويضيف بأن هذا الأمر مرتبط بنشاط الحوثيين والاستجابة لما أشرنا إليه سابقًا، لافتا إلى أن الجماعة "تسعى لفرمتة واستبدال العناصر، خشية أن تكون مخترقة، وتغيير آلياتهم ووسائل الاتصالات، بمعنى أن الحوثيين أرادوا قطع صلة الماضي بالحاضر بالنسبة لأي مخترق أو متعاون".

ويوضح الباحث الذهب بأن ما حصل من ضرب لمواقع الحوثيين وتقويض قدراتهم التهديدية تجاه البحر الأحمر، لم تكن مؤثرة بالقدر الكافي، ويمكن أن يسمى تمهيد ناري طويل المدى؛ كونه اعتمد على ضرب مواقع وتحصينات وآليات تهديدية.

 ويستدرك قائلا: "لكن حتى اللحظة لم يكشف عن نتائج يمكن من خلالها تقييم أثر هذه الضربات، وهل ترقى إلى مستوى التمهيد الناري الذي يعقبه هجوم.. وحتى اليوم لم يُصب أي من قادة الحوثيين سواء على المستوى الميداني أو العملياتي أو السياسي".

ويشير الباحث المتخصص في مجال الصراعات المسلحة إلى أن هناك متغيرات إقليمية تضع سيناريو استئناف الحرب أمر لا يحظى بنسبة كبيرة، ومن ذلك مساعي إيران لدى دول الخليج، ولدى مصر لتخفيف حدة التوتر، وربما التزامها بتقييد نشاط الحوثيين التهديدي، واستخدامهم كورقة مع هؤلاء، حد وصفه.

ويختتم الباحث الذهب حديثه بالقول: "إضافة إلى وجود انتخابات أمريكية، وسياسة متبعة لدى الأمريكان بتجنب جر المنطقة إلى عنف واسع النطاق قد يؤثر على العديد من المصالح، ويمنح دول مناوئة للولايات المتحدة الأمريكية بطريقة أو بأخرى من شل نطاق نفوذها في المنطقة، مثل روسيا والصين على وجه الخصوص، ولذلك نسمع من وقت لآخر ما يشير من قبل الولايات المتحدة الأمريكية إلى تأجيج الصراع أو بعثه من جديد".