الأربعاء 06/نوفمبر/2024
عاجلعاجل

ما جدوى الحلول الاقتصادية للحكومة في ظل تراجع العملة الوطنية إلى أدنى مستوياتها؟ (تقرير خاص)

ما جدوى الحلول الاقتصادية للحكومة في ظل تراجع العملة الوطنية إلى أدنى مستوياتها؟ (تقرير خاص)

تقود الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، جهود اقتصاديا واسعة على المستويين المحلي والدولي، لمحاولة السيطرة على التراجع المتسارع للعملة الوطنية مقابل العملات الصعبة، بالتوازي مع أوضاع اقتصادية صعبة تمر بها البلاد ضريبة عشر سنوات من الانقلاب الحوثي على مؤسسات الدولة.

وفي ظل العجز الحكومي عن تدارك الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، استهجن خبراء اقتصاديون الصمت الدولي والأممي حيال الوضع الاقتصادي، منذ دعوة المبعوث الأممي إلى وقف التصعيد بين بنكي صنعاء وعدن والذي تم بموجبه التراجع عن القرارات الاقتصادية للحكومة الشرعية.

وفي حين يشكك كثيرون في قدرة الحكومة اليمنية على معالجة الانهيار الاقتصادي طبقا للخيارات التي تمتلكها، يذهب خبراء اقتصاديون إلى التأكيد على ضرورة محاربة الفساد المالي والإداري واتخاذ تدابير واقعية لوقف التدهور.

 

فاتورة الاستيراد

 

شهدت العملة الوطنية،خلال أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، انخفاضاً قياسياً أمام العملات الأجنبية في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا، بلغ قرابة 2041 ريالاً للدولار الواحد، فيما سجل سعر الريال السعودي 537 ريالاً يمنياً للشراء.

وتعتمد الحكومة اليمنية في توفير النقد الأجنبي وتوفير السيولة النقدية للاستيراد، على صادرات النفط،المتوقفة منذ العام 2022 جراء استهداف جماعة الحوثي الإرهابية لموانئ التصدير.

وتحتاج اليمن إلى استيراد قرابة 90 % من الاحتياجات الغذائية من خارج البلاد، مما أثر على سعر العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية التي يتم استنزافها لدفع فاتورة الاستيراد.

وفي نقاش مفتوح جمعهم برئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، الاثنين الماضي، أكد أعضاء الغرفة التجارية والصناعية وممثلي القطاع الخاص، على الاستجابة المسؤولة للتطورات الاقتصادية الطارئة، والمتغيرات الأخيرة في وضع العملة الوطنية.

وبدوره شدد الرئيس العليمي، على دور القطاع الخاص في دعم الاقتصاد الوطني، وتدخلاته المقدرة في التخفيف من المعاناة الانسانية التي فاقمتها الهجمات الارهابية الحوثية على المنشآت النفطية، وخطوط الملاحة الدولية. 

وأهاب رئيس مجلس القيادة بدور رجال الأعمال في مساندة جهود الحكومة لكبح التضخم وتحسين موقف العملة الوطنية، والحد من تداعيات الانقسام النقدي الذي فرضته المليشيات الحوثية كورقة حرب اقتصادية.

ومن خلال اللقاءات الخارجية التي أجراها كل من وزير المالية اليمني ومحافظ البنك المركزي ورئيس لجنة الموارد، يرى مراقبون أن ذلك يكتشف عن عدم وجود رؤية حقيقية وتشخيص للأزمة الاقتصادية، التي يبدأ منها الحلول والتحركات سواء على المستوى الداخلي أو على مستوى الخارجي.

وخلال الأسبوع الماضي، التقى وزير المالية سالم بن بريك ومحافظ البنك المركزي أحمد المعبقي، بالمدير التنفيذي لصندوق النقد العربي، ومسؤولي صندوق النقد الدولي في المنطقة، وبعثة البنك الفيدرالي الأمريكي وفريق الخزانة الأمريكية ووزيرة الدولة البريطانية للتنمية "أناليس دودز"، إضافة إلى لقائهما مع المبعوث الأمريكي الخاص لليمن.

وعبر المسؤولون الحكوميون عن أملهم في الحصول على دعم دولي لوقف انهيار العملة الوطنية، في ظل الحرب الاقتصادية لجماعة الحوثي التي قالوا إنها تضاهي في آثارها السلبية الحرب العسكرية.

 

تحركات أممية

 

ذكر مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن،في تصريح صحفي، الخميس الماضي، بأن نقاشات مستمرة تجري مع مسؤولي البنك المركزي في صنعاء وعدن تهدف إلى تجنب انهيار اقتصادي أعمق في البلاد.

وأضاف: "نؤكد مجدداً أن العملة الموحدة، والقطاع المصرفي الموحد، يجلبان قوة مالية، وتحفيزاً للاقتصاد، وزيادة في القوة الشرائية لليمنيين. ولتحقيق مصلحة الشعب، يجب إبقاء هذه القضايا بعيداً عن التسييس".

كما ناقشت قيادات الأحزاب اليمنية مع الجانب الأممي، جملة من القضايا الاقتصادية بما فيها استئناف تصدير النفط وتوريد الإيرادات إلى البنك المركزي في عدن لحل العجز في الميزانية العامة للدولة.

وخلال لقاء جمع قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام بمكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، أكدت القيادات على أهمية توحيد البنك المركزي في إطار المعالجات الاقتصادية، منتقدين موقف الأمم المتحدة المعارض للإصلاحات الاقتصادية التي اتخذها البنك المركزي في عدن.

وقال مكتب المبعوث الأممي إن لقاءه بقيادة حزب المؤتمر يؤكد الحاجة إلى إحراز تقدم متوازٍ في التدابير السياسية والاقتصادية والأمنية في إطار مواصلة الحوارات السياسية مع الأحزاب والكيانات اليمنية.

وأفاد في بيان مقتضب على منصة "إكس" بأن قيادات من المؤتمر الشعبي العام، حذرت من القرارات التي قد تُفضي إلى مكاسب غير متوازنة، داعية إلى حل سياسي يصون السيادة الوطنية.

وفي إحاطته الشهرية أوضح مكتب المبعوث، أن اجتماعات عُقدت في العاصمة الأردنية عمّان، تضمنت عدد من المناقشات لقضايا البلاد السياسية والاقتصادية والأمنية، مع ممثلين عن حزب الرشاد والتنظيم الوحدوي الناصري والحزب الاشتراكي اليمني وكذلك ممثلي المجتمع المدني.

 

سخط واسع

 

من الواضح أن زيارة المبعوث الأممي إلى صنعاء، في وقت سابق من هذا الشهر، جاءت بعد سخط واسع من قبل مختصين في الشأن الاقتصادي وكثير من الأكاديميين، وكذلك بضغط من مجلس القيادة الرئاسي تجاه تراخي الموقف الأممي.

ومن المعلوم أن بيان المبعوث الأممي بوقف التصعيد بين البنك الشرعي المعترف به دوليا في العاصمة المؤقتة عدن والبنك المركزي للانقلابيين في صنعاء، أنقذ الحوثيين من أزمة اقتصادية وشيكة كانت ستعصف بهم.

وفي هذا الجانب يشير الباحث اليمني والمحلل الاقتصادي فارس النجار، إلى أن وقف التصعيد الاقتصادي كان وفقا لمحددات واضحة تم بموجبها التراجع عن هذا قرار الحكومة الشرعية بنقل مقرات البنوك ومؤسسات الصرافة إلى عدن.

ويرى النجار، أنه بموجب هذه المحددات كان على المبعوث الأممي أن يمارس ضغوطه على الحوثيين لإجبارهم على العودة إلى خارطة الطريق ومعالجة القضايا الاقتصادية في البلاد.

ومن هذا المنطلق كان هناك أربع قضايا اقتصادية هامة ومصيرية متعلقة بوقف التدهور الحاد للعملة الوطنية وهي؛ عودة صادرات النفط، معالجة الانقسام النقدي وتحييد القطاع المصرفي، دفع كافة مرتبات الموظفين في أنحاء الجمهورية، ومعالجة ملف الخطوط الجوية اليمنية.

وبعد مرور قرابة ثلاثة أشهر منذ الاتفاق المبرم دون تغيير في هذا الملف، يقول المحلل الاقتصادي فارس النجار، أن هذا التماهي الأممي مع الحوثيين تسبب بحالة من الجمود السياسي والاقتصادي التي لحقت بالحكومة اليمنية.

ويضيف النجار في حديثه لـ"المجهر" أن حالة الجمود هذه قوبلت بسخط واسع لدى اليمنيين، الأمر الذي أدى مؤخراً إلى تحركات حكومية وفقا للبنود المتفق عليها في خارطة الطريق الاقتصادية فيما يتعلق بمعالجة الانقسام النقدي. 

 

رؤية الحكومة

 

تتمسك الحكومة الشرعية برؤية البنك المركزي في عدن انطلاقا من كونه المؤسسة النقدية الشرعية في البلاد، وأن أي خيارات لتشكيل لجان مشتركة لإدارة المرحلة القادمة وتوحيد السياسة النقدية هي محل نقاش ولا يجب أن يفرض الحوثيون فيها شروطهم.

وعلى هذا الأساس، أرجع الباحث والمحلل الاقتصادي فارس النجار، سبب الأزمة الاقتصادية في اليمن إلى كون " ميليشيات الحوثي تريد التحكم بالسياسة النقدية وتوريد كافة إيرادات الدولة إلى بنك صنعاء.

وفي المقابل ترفض الحكومة المعترف بها هذه المطالب التي يريد الحوثيين فرضها، مبررة بكونها لم تكن ضمن الاتفاق في خارطة الطريق المعنية بالشأن الاقتصادي.

ووفقاً لتحليل الباحث النجار، فإن الحكومة اليمنية اليوم، تسعى من خلال القاءات الأممية والدولية لتحقيق أمرين مهمين هما؛ الحصول على دعم مباشر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص ومن دول الرباعية بشكل عام.

والأمر الآخر، يتركز في سعيها إلى الإيفاء بالتزاماتها تجاه المسؤولية الأخلاقية التي تقع على المجتمع الدولي تجاه اليمن في دعمه لمواجهة المشروع الإيراني في المنطقة برمتها.

وعقب لقاء مسؤولين حكوميين مع المبعوث الأمريكي، يشير النجار إلى الجانب الأمريكي مطالب اليوم بزيادة حجم الدعم العسكري والاقتصادي المقدم للحكومة اليمنية، وفرض مزيد من العقوبات لتجفيف منابع تمويل الحوثيين.

كما يرى النجار أن على الأمريكان رفع تصنيف الحوثيين إلى منظمة إرهابية عالمية في حال رفضت الجماعة القبول بمسارات السلام وخطوات خارطة الطريق الاقتصادية التي تم الاتفاق عليها بوساطة سعودية عمانية.

وحسب معلومات وزارة الطاقة الأمريكية، فقد وصل انخفاض مرور النفط عن طريق باب المندب إلى 50 % حيث كان يمر أكثر من 6 مليون ومائتين ألف برميل يومياً بينما انخفض الرقم اليوم إلى النصف، ما يعده مراقبون مؤشرا خطير على زيادة التصعيد في المنطقة.

 

التزامات اقتصادية

 

تجد الحكومة اليمنية اليوم نفسها مطالبة بفعل الكثير فيما يتعلق بالإصلاحات الاقتصادية كونها الممثل الشرعي لليمنيين، ولعل أبرز ما في ذلك هو تحسين الإيرادات المحلية سواء من حيث رفع كفاءة تحصيل الإيرادات واقفال كافة الحسابات خارج إطار الحسابات العامة للحكومة وإلزام الجميع بالتوريد للحسابات العامة للدولة.

والجانب الآخر يتمثل في تحسين الإيرادات الضريبية والجمركية من خلال دعم الأجهزة الرقابية مثل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وهيئة مكافحة الفساد بأنظمة تكنولوجية متقدمة لمحاربة التهرب الضريبي والجمركي وتأهيل الكوادر العاملة في هذه القطاعات من أجل تحسين إيراداتها كون اليمن تعتبر من أكبر الدول التي تشهد تهرب ضريبي وجمركي. وفقا لما ذكره الباحث اليمني فارس النجار.

وتستدعي الحاجة إلى الاهتمام بهذه الجوانب أكثر من أي وقت مضى، خاصة وأن الحكومة اليمنية تواجه عجزا كبير في موارد الدولة ناتج عن توقف صادرات النفط وانخفاض إيرادات الضريبة الجمركية الناتجة عن هجمات ميليشيات الحوثي وتعاملاتها مع البضائع القادمة من موانئ الشرعية.

ويوضح النجار خلال حديثه لـ"المجهر" أن " الشق الاقتصادي هو ما تحتاجه الحكومة اليوم، إلى جانب بناء وتطوير القدرات الاقتصادية ودعم الأنظمة الحكومية كمصالح الجمارك والضرائب للبنك المركزي من أجل زيادة كفاءة تحصيل الإيرادات وتحسين عمل المؤسسات الإرادية".

كما يشير إلى أن هناك جانب آخر متعلق بتوفير النقد الأجنبي من خلال العمل جديا بتأهيل مصافي عدن وتشغيلها أو إنشاء مصفاة صغيرة حديثة داخلياً بتمويل محلي أو دولي أو من خلال إنشاء صندوق استثمار مشترك بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص.

وأكد أن ذلك سيحد كثيرا من خروج النقد الأجنبي من اليمن نتيجة هدره لاستيراد المشتقات النفطية، لأنه وفقا لتقرير البنك المركزي في العام 2022م فأن اليمن ينفق 2 مليار و400 مليون دولار سنويا لاستيراد المشتقات النفطية. 

 

تسرب العملة الأجنبية

 

تحتاج الحكومة اليمنية اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تحديد قائمة بالسلع الكمالية التي يمكن توفيرها على المستوى المحلي أو الاستغناء عنها ووقف استيرادها، حيث يشير الباحث والمحلل الاقتصادي فارس النجار، إلى أن ذلك يعد عاملا مهما في وقف خروج النقد الأجنبي خارج البلاد.

كما أن هناك جانب آخر لا يقل أهمية عن الجوانب السابقة، وهو المتعلق بالدعم الموجه من قبل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة باليمن، حيث ينبغي الضغط بشكل كبير على هذه المنظمات لتمرير مساعداتها عن طريق البنك المركزي في عدن لدعم العملة الوطنية.

ووفقا لتحليل الباحث النجار، فأنه إذا جرى توجيه هذه المساعدات نحو مشاريع سبل العيش خاصة المرتبطة بالقطاع السمكي والزراعي لزيادة الإنتاج المحلي لتغطية السوق المحلي وبالتالي خفض فاتورة الاستيراد.

وشدد على ضرورة وجود منصة على مستوى البنك المركزي عبر وحدة جمع المعلومات لمتابعة سعر الصرف لمحاربة التلاعب بسعر العملة ومحاربة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

وخلص النجار إلى أن كل الخيارات يجب أن تكون مفتوحة أمام الحكومة الشرعية للضغط على جماعة الحوثي اقتصاديا بما فيها اغلاق ميناء الحديدة والعودة لتنفيذ القرار 75 بشأن استيراد المشتقات النفطية عن طريق موانئ الشرعية.

 

تفاقم الأزمة

 

يعتقد الصحفي الاقتصادي وفيق صالح، أن الحديث عن توحيد البنك المركزي بين صنعاء وعدن وتنسيق أدوات السياسة النقدية، أمر غير مجدي في هذه الفترة ولن يفيد في وقف تدهور الريال اليمني.

ويعلل ذلك بكون الأمر سيأخذ مراحل طويلة ولن يكون قابلا للتنفيذ على أرض الواقع من قبل جماعة الحوثي كونها هي من عملت على تكريس الانقسام النقدي وتجزئة المؤسسات الاقتصادية في البلد.

ويبين الصحفي وفيق صالح في حديثه لـ"المجهر" أن جماعة الحوثي هي جزء من المشكلة وليست جزء من الحل كونها خلقت معظم المشكلات في الجانب الاقتصادي، وساهمت بشكل كبير في وصول الأوضاع المعيشية والنقدية إلى هذا المستوى الذي تشهده اليوم.

وفي الحديث عن الحلول الأممية، يشير إلى أن " كلام المبعوث الأممي في هذا الجانب هو للاستهلاك الإعلامي ليس إلا، وليس له قيمة على أرض الواقع مع استمرار مشكلة الاقتصاد اليمني".

ويتوقع وفيق، أن الاوضاع المالية والنقدية ستتجه إلى مزيد من التأزيم في ظل عدم وجود أفق لأي حلول تنهي مأساة اليمنيين بفعل الأزمة الاقتصادية كون الحوثيين لا يلتزمون بتنفيذ أي اتفاقات تصب في المصلحة العامة في البلاد.

 

حشد الدعم

 

يعرف الجميع أن أسباب انهيار الريال اليمني تكمن في شحة النقد الأجنبي داخل البلاد، وتُطالب الحكومة اليمنية اليوم، بدراسة أسباب وعوامل انهيار الريال اليمني بشكل سليم والعمل على مصفوفة حلول واسعة للمشكلات التي أدت إلى انهيار قيمة العملة الوطنية، وتنفيذها على الأرض.

وخلال حديث لـ" المجهر" يطالب الصحفي اليمني المتخصص في الجانب الاقتصادي وفيق صالح، الحكومة اليمنية بالمبادرة لحشد الدعم الدولي واستئناف الموارد اليمنية المتعطلة منذ توقف تصدير النفط والغاز إلى الخارج وتوقف المساعدات والمنح الدولية التي كانت تصل إلى البنك المركزي في عدن.

كما يشير إلى أن الحكومة اليمنية اليوم أمام اختبار حقيقي لتجاوز الأزمة الحقيقية التي تعصف بالاقتصاد الوطني، من خلال اجراء مصفوفة قرارات اقتصادية شاملة بما في ذلك على سبيل المثال، وقف استنزاف العملة الصعبة في المناطق المحررة وتهريبها إلى مناطق سيطرة الحوثيين.

وخلال لقاء جمع رئيس مجلس القيادة الرئاسي باللجنة الأمنية العليا، ركز الاجتماع على الدور الأمني في تعزيز وإسناد جهود البنك المركزي وتمكينه من إدارة السياسة النقدية وتنفيذ الإجراءات الرامية إلى حماية العملة الوطنية. 

وشدد الاجتماع على ضرورة ضبط سوق الصرف وردع المضاربين وتجار السوق السوداء، في إطار مواجهة الممارسات المضرة بالاقتصاد الوطني والوضع المعيشي المتدهور في البلاد.

 

ممارسات خاطئة

 

من الواضح أن سوق الصرف في مناطق عدن يعاني من اختلالات كبيرة أبرزها انكماش حجم العرض من النقد الأجنبي مع تزايد حجم الطلب على العملات الأجنبية لمواجهة فواتير الاستيراد.

ولابد أن سوء إدارة الشأن الاقتصادي اليمني ناتج عن اتباع سياسات اقتصادية خاطئة أوصلنا مسؤولي البلاد إلى الفشل في معالجة الاختلالات والتحديات المالية والنقدية والتجارية والاستثمارية التي قد تواجهها اليمن.

يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء د. مطهر العباسي، إن إدارة بنكي صنعاء وعدن تعاملتا مع إدارة الوضع الاقتصادي بطريقة فوضوية ولا مسؤولة، تستهدف هدر المنظومة الإنتاجية والمؤسسية للبنية الاقتصادية في البلاد.

ويشير إلى أن الحكومة اليمنية في عدن أخفقت في إدارة الموارد السيادية العامة وفي توريدها إلى خزينة الدولة، فالموارد المالية من النفط والغاز والضرائب والجمارك تذهب إلى حسابات جهوية في "عدن، مأرب، حضرموت، المخا".

وأضاف في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي " فيسبوك" أن الحكومة في عدن اتجهت نحو تمويل نفقاتها من مصادر تضخمية عن طريق الإصدار النقدي، وهذا كان له أثارا كارثية على سعر صرف الريال.

وفي حال استمرار تدهور العملة الوطنية، يخشى العباسي من أن يفقد الريال قيمته ووظيفته، ويفقد الناس معه ثرواتهم ودخولهم المقيمة بالريال.

 

موت سريري

 

على الجانب الآخر، تفننت سلطات جماعة الحوثي في تنويع مصادر الجبايات المجحفة من الضرائب والجمارك والزكاة والأوقاف والرسوم الأخرى، وأعفت نفسها من أية التزامات تجاه مرتبات الموظفين أو الإنفاق على المشروعات التنموية، مما جعلها مساهمة في تجميد النشاط الاقتصادي والتنموي بمناطق سيطرتها. بحسب رؤية العباسي. 

لكن أستاذ الاقتصاد مطهر العباسي يرى أن إغلاق نوافذ التمويل للمشاريع الاستثمارية جعل القطاع المصرفي في حالة موت سريري، بالإضافة إلى عرقلة أنشطة وأعمال المنظمات الدولية العاملة في مجال الدعم الإنساني والإغاثي. 

ويستنتج العباسي، أن كلتا السلطتين تديران الموارد السيادية للبلاد بطريقة غير مسؤولة بعيدا عن الشفافية والمساءلة، ما يعني اتساع دائرة الفساد المالي والإداري.

وحمل الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي مسؤولية عدم الوصول إلى اتفاق سياسي ينهي الأزمة الاقتصادية، منوهاً إلى أن كل المؤشرات تدل أن الأوضاع تتجه نحو المجهول.

يذكر أن البنك المركزي في عدن أوقف في يونيو/ حزيران الماضي، تعامله مع 6 من أكبر البنوك التجارية التي تعمل في مناطق سيطرة الحوثيين، بعد أن رفضت نقل مقراتها الرئيسية إلى عدن، ليرد البنك المركزي في صنعاء بوقف التعامل مع 12 بنكا تعمل في مناطق نفوذ الحكومة، في إطار الحرب الاقتصادية المتصاعدة بين الجانبين.

وكما هو معروف، يحظى البنك المركزي في عدن باعتراف المؤسسات المالية الدولية مما يمنحه قدرة التحكم في الوصول إلى الشبكة المالية العالمية "سويفت" كما يُعد الجهة الوحيدة التي تستطيع عبرها البنوك التجارية المحلية تمويل عمليات الاستيراد من الخارج.

وفي المقابل، يستمد البنك المركزي في صنعاء قوته من وجود مقرات البنوك الرئيسية في مناطق نفوذه، ما يمنحه قدرة التحكم بالأنشطة المالية والمصرفية داخل اليمن، كما قام في وقت سابق بمنع البنوك التجارية المحلية من مشاركة بياناتها مع البنك المركزي في عدن.