في الوقت الذي يفترض أن تتخذ الحكومة اليمنية المعترف بها إجراءات جادة لمعالجة الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، يجد رئيس الحكومة نفسه محاطاً بقضايا إدارية داخلية تستدعي أن يتخذ حيالها أوامر مناسبة لضبطها.
وما يزيد الأمر تعقيداً، هو ظهور وثيقة رسمية صادرة عن الأمانة العامة لرئاسة الوزراء موجهة لرئيس مجلس الوزراء، أثارت جدلا واسعاً على وسائل الإعلام غير الرسمية ومواقع التواصل الاجتماعي.
مراقبون سياسيون يرون أن هذا التسريب يكشف عن وجود صراعات عميقة بين مجلس رئاسة الوزراء اليمنية وبعض مراكز النفوذ التابعة للشرعية، برزت مؤخراً عبر أدواتهما نظرا لغياب الالتزام بأدبيات العمل الإداري والهياكل التنظيمية لعمل هذه المؤسسات.
تضارب مصالح
أخذ الصراع الحاصل بين مدير مكتب رئيس الوزراء وأمين عام رئاسة الوزراء حيزا في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي يفترض أن تركز الحكومة اليمنية كل جهودها لخدمة المصالح العامة بدلا من الانشغال بمصالح شخصية.
لكن يبدو أن هذا الصراع يمثل خيطاً أمسكت به الحكومة اليمنية ويمكن أن يوصلها إلى أبرز العوائق أمام معالجة الأزمة الاقتصادية والتخفيف من معاناة المواطنين، خصوصاً وأن الصراع ليس وليد اللحظة وإنما ناتج عن تراكمات سابقة بحسب التسريبات.
وكشفت مصادر في رئاسة مجلس الوزراء، أن عضو مجلس القيادة الرئاسي د. عبدالله العليمي كان قد تدخل في وقت سابق لاحتواء التوترات الحاصلة بين مدير مكتب رئيس الوزراء أنيس باحارثة وأمين عام مجلس الوزراء مطيع دماج.
إلا أن المصادر ذاتها ذكرت لـ"المجهر" بتعطل مسار التسوية لاحقاً، ليأخذ الصراع منحنى تصاعدي وضع القضية برمتها أمام الرأي العام ما جعل رئيس الوزراء يضطر لتكليف فريق تحقيق من الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بشأن اختفاء الشيكات أو شطبها ونشر وثائق رسمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مشددا على رفع النتائج بشكل عاجل.
وبالنسبة لتسريب وثيقة رسمية حساسة كهذه تحمل توقيع دماج وختم الأمانة العامة لرئاسة الوزراء، فإن الأمر يضع علامات استفهام عن كيفية إدارة العمل بمؤسسة عليا كرئاسة الحكومة، كما يثير هذا الصراع المكشوف تساؤلات عن كيفية تعامل الحكومة مع القضية التي يجب تجاوزها إلى قضايا محورية في صلب عملها التنفيذي.
بمعنى آخر، ينتظر المواطن اليمني من حكومته أن تضع حلولاً عملية لمشكلة تدهور العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، لكنه يتفاجأ بأنها تصدر قضاياها الداخلية للإعلام ما يزيد من قلق العامة عندما يكتشفون أن حكومتهم تفتقد إلى الثقة من الداخل.
والأخطر من هذا كله، أن خروج هذه الخلافات إلى الإعلام ستساهم في تشتيت الاهتمام الإقليمي والدولي عن قضايا جوهرية في البلاد مثل تدهور الاقتصاد اليمني والتي يجب أن تكون في مقدمة أولويات الحكومة.
شخصنة القضية
تزامن الصراع القائم في أروقة رئاسة الوزراء مع تصعيد إعلامي مبالغ فيه ضد رئيس الوزراء اليمني د. أحمد عوض بن مبارك، من قبل أطراف محسوبة على المجلس الرئاسي ما يحسب مؤشراً على أن بن مبارك لم يحظ بتأييد بعض أعضاء مجلس القيادة الرئاسي.
كما أن بعض وسائل الإعلام المحلية، تعمدت شن هجوم لاذع ضد رئيس الوزراء بن مبارك، وصفته بعضها بالفاشل في حل مشاكل الحكومة ليصل الأمر إلى أن يصبح مكتبه وأمانته العامة ساحة لمعارك بين منتسبي مجلس الوزراء.
ويمكن تفسير ذلك بأن الصراع بدأ يأخذ أبعاداً جديدة، وهذا بالتأكيد سيدخل قيادة الشرعية في متاهة من الصراع الداخلي حول الدوافع التي تسعى لها بعض القوى المنضوية في إطار الشرعية للنيل من شخص رئيس الحكومة والتقليل من دوره في ظروف هي الأصعب على البلاد منذ عقود لا سيما فيما يتعلق بالملف الاقتصادي.
كما أن هذا التحامل الكبير على رئيس الحكومة يأتي في حين لم يمر فترة طويلة على تعيينه مقارنة بسابقيه الذين لم يذهبوا بعيداً بإنجازاتهم منذ انقلاب جماعة الحوثي الإرهابية على مؤسسات الدولة في صنعاء ونقل العاصمة مؤقتاً إلى عدن.
ويبقى السؤال المهم هنا، في مصلحة من إضعاف حكومة بن مبارك خصوصا مع الظروف الاقتصادية التي تزداد سواء والتي ليس بالضرورة أن تكون الحكومة الحالية سبباً لحصولها لأن الأزمة الاقتصادية الراهنة هي عبارة عن تراكمات حملتها الحكومات السابقة وصولاً إلى هذه المرحلة التي هي جزء من مراحل صعبة تعيشها البلاد منذ قرابة عشر سنوات.
وفي ظل هذه الظروف التي تعصف بالبلاد لن تسلم حكومة أحمد عوض بن مبارك، من الأخطاء والتقصير وهذا أمر طبيعي، لكن ردة الفعل الصحيحة هو أن يقوم الشارع بنقد الإخفاقات وممارسات الفساد والمطالبة بتصويب أداء الحكومة بدلا من الاستهداف الشخصي في إطار حملات تقودها مراكز النفوذ التي يُتوقع أنها غير راضية عن شخص بن مبارك.
الدور الرقابي
تفعيل الدور الرقابي للهيئة العامة لمكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، هو أهم ما يمكن فعله لمحاسبة المتورطين بقضايا فساد أو المقصرين في مهامهم كونهما معينتين بذلك بدلا من التوهان في التراشق الإعلامي الذي لا يفعل شيئا سوى أنه يطيل في أمد الأزمة السياسية والاقتصادية.
فبعد اتهام أمين عام رئاسة الوزراء لمدير مكتب رئيس الوزراء باقتحام اجتماع لجنة تحقيق في مخالفات مالية واختفاء شيكات وقيامه بإخراج موظفي الدائرة المالية بالأمانة من مكاتبهم، كان المفترض كل هذه القضايا من أساسها تحال للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة دون الحاجة إلى الظهور إعلامياً.
لكن الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء استغربت ردة فعل رئيس الوزراء وزات في اتهامها لمدير مكتبه أنيس باحارثة، باستحواذه على بعض مهام الأمانة العامة لا سيما المتعلقة بالأمور المالية.
كما أن بن مبارك بدأ متجاهلا لعملية الاقتحام التي قام بها مدير مكتبه بحق الأمانة العامة، فلم يشر إلى ذلك في المذكرة التي وجهها للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وهو الأمر الذي أثار حساسية أمانة رئاسة الوزراء التي ترى من وراء هذه الإجراءات عملية ممنهجة لتهميش دورها.
ففي هذه الحالة بالذات، كان المفترض من رئيس الوزراء أن يدعو إلى تحقيق شفاف مع الطرفين، لأن هذا من شأنه أن ينهي المشكلة من جذورها كون عملية الاقتحام لمقر الأمانة العامة تثير تساؤلات حول قضايا فساد يهدف مدير مكتب رئاسة الوزراء إلى إخفاءها.
جذور الصراع
عموما، هذا الصراع لم يأتي مع حكومة بن مبارك حتى نلقي عليه كل اللوم، فالصراع بدأ منذ تعيين مطيع دماج أمينا عاما لرئاسة الوزراء، في العام 2019م الذي جاء على أرث سابق من الخلافات بعد استحواذ مدير مكتب رئاسة الوزراء في حكومة معين عبدالملك على معظم صلاحيات الأمانة العامة.
لكن الفارق اليوم، يكمن في إمكانية ضبط هذا النزاع من عدمه حتى لا يخرج عن السيطرة ويكون حديث الشارع في وسائل الإعلام التي ترى أن الحكومة يجب أن تسخر كل جهودها نحو قضايا محورية مثل وقف تدهور العملة الوطنية واستعادة مؤسسات الدولة من يد جماعة الحوثي الإرهابية التي باتت اليوم تهدد ممرات التجارة العالمية في البحر الأحمر ما يجعل البلاد محطة لتوتر إقليمي واسع.