في إطار توسيع دائرة الجبايات ونهب المال العام، تسعى جماعة الحوثي الإرهابية لإقرار قانون يسن لها فرض مزيد من الضرائب على المؤسسات الإيرادية في المناطق الخاضعة لسيطرتها تحت مبرر صرف الرواتب من بداية يناير/ كانون الثاني القادم.
هذا القانون الذي فرضته الجماعة على مجلس النواب الخاضع لسيطرة الحوثيين (غير المعترف به) يقوم على فرز موظفي الدولة على أساس الولاء للمشروع الحوثي، من خلال انتقاء الموظفين وفق حسابات طائفية على ثلاث فئات فيما يستعبد البقية عبر التسريح والإحالة للتقاعد.
كما أن جماعة الحوثيين شرعت مؤخراً في إجراء تغييرات شاملة للكادر الوظيفي للدولة من خلال إضافة عشرات آلاف الأسماء الجديدة كما فصلت عشرات آلاف الموظفين، ولذلك فإن مشروع القانون سيجعل الجماعة ملتزمة بالمرتبات فقط لمن تم الصرف وفق كشوفاتها.
نهب الإيرادات
جرى منتصف الأسبوع الجاري، التصويت "بشأن الآلية الاستثنائية المؤقتة لدعم فاتورة مرتبات موظفي الدولة وحل مشكلة صغار المودعين، في ضوء تقرير اللجنة الخاصة المكلفة بدراسته" وفقا لما ذكره مجلس نواب الحوثيين.
ووفقا لمصادر نيابة في صنعاء، فإن القرار الحوثي يستهدف فرض مزيد من الضرائب والجبايات من المؤسسات الإيرادية والخدمية على حساب المواطنين الذي تدعي الجماعة أن القرار يأتي من أجل صرف نصف راتب.
كما يتضمن القرار إزاحة آلاف الموظفين الحكوميين من مناصبهم واعتماد الكشف الأخير لموظفي الخدمة المدنية في سلطة الحوثيين، فيما ستقوم الجماعة بإلغاء بقية الموظفين من كشوفات الراتب وإحالة جزء كبير منهم على التقاعد.
وكان البرلماني في مجلس الحوثيين عبده بشر، قد أشار إلى أنه جرى تعديل بعض مواد القانون الذي فرضته الجماعة، مبينا أنه جرى تجاوز بعض النقاط المتعلقة بالمتقاعدين العسكريين.
وقال عبده بشر في سلسلة تدوينات على منصة "إكس" رصدها "المجهر" إن "حكومة اللا تغيير واللا بناء تقدمت بقانون لمجلس النواب المفترض أنه لصرف المرتبات (ظاهره العذاب وباطنه العذاب)".
ووصف أن مشروع القانون الحوثي يُعد استكمالا لمصادرة أموال الوحدات المستقلة والملحقة والصناديق ومنها صندوق المعلم، مضيفاً أن ذلك "يعني نهب عيني عينك؟ وبالقانون؟ ".
فرز طائفي
يُعد مشروع القانون الحوثي الذي جرى التصويت عليه من قبل برلمان صنعاء غير المعترف به، تفويضا مباشرا لتعميق معاناة المواطنين في مناطق سيطرة الجماعة من خلال زيادة الضرائب والاستحواذ على مصادر الجهات الإيرادية.
ويتوزع القانون الذي يحمل اسم "الآلية الاستثنائية المؤقتة لدعم فاتورة مرتبات موظفي الدولة وحل مشكلة صغار المودعين" على 19 مادة في أربعة فصول تضمنت مصادر التمويل وأوجه وآلية الصرف من حساب الآلية الاستثنائية.
ويستهدف هذا القانون إعادة فرز موظفي الدولة في مناطق سيطرة الحوثيين إلى عدة فئات وفقا لمحددات طائفية تتخذ منه الجماعة مخرجا من المأزق الذي وقعت فيه أمام الموظفين الذين يطالبون بمرتباتهم المنقطعة.
تتضمن المادة الخامسة من مشروع القانون على تغذية حساب وزارة مالية الحوثيين في البنك المركزي بصنعاء من قبل المؤسسات الإيرادية بالإضافة إلى موارد صندوق دعم العمل والتعليم و20% من إجمالي النفقات التي يتم صرفها من حساب حكومة الجماعة بشكل شهري، و10% من البرامج الاستثمارية للقطاع الاقتصادي.
ويتحكم بهذه الآلية وزير المالية الحوثي عبدالجبار أحمد محمد، من حيث الإيرادات والمصروفات، وكذلك فيما يتعلق بالنسب المفروضة على القطاعات الاقتصادية والإيرادية وعملية سحبها من حسابات البنوك في صنعاء.
تهرب من المسؤولية
يتولى وزير المالية الحوثي مهمة توزيع الموظفين المستحقين للمرتبات إلى ثلاث فئات، بحيث تستلم الفئة (أ) راتبا كاملا كل شهر بما في ذلك مجلس النواب والشورى والأجهزة القضائية، ما يعني أن هذه الفئة مخصصة لجهات حوثية مسيطرة.
أما الفئة (ب) فيتعين صرف نصف راتب شهريا للموظفين المدرجين على هذه الفئة المحددة لموظفي المؤسسات التي ليس لديها موارد ذاتية كافية، فيما يصرف نصف راتب كل ثلاثة أشهر للفئة (ج) ويحدد ذلك وزير مالية الحوثيين في قرارات التوزيع التي ستخضع لتقييمات الجماعة.
وذكرت إحدى مواد مشروع القانون الحوثي الذي اطلع "المجهر" على نسخة منه، أن هناك فرض ضريبة على المرتبات باستثناء من يستلم راتب من حساب الآلية المؤقتة لا يتجاوز 25 ألف ريال (عملة قديمة) وإخلاء مسؤولية وزارة المالية الحوثية من مسؤوليتها عن الضرائب المفروضة على البقية.
وتشير المادة التاسعة إلى أن الآلية المحددة "لا تعد مبالغ المساهمات المقررة على الوحدات والجهات التي تحددها قائمة المساهمات قرضا أو دينا على الحكومة أو الخزينة العامة، ولا تلتزم الحكومة بالتعويض عنها، وللوزارة في حال حصول بلادنا على التعويضات النظر في إمكانية تعويض الجهات والوحدات المساهمة في ضوء ما تقتضيه المصلحة العامة".
كما أقر مشروع القانون الحوثي إلغاء "أي حكم أو نص في أي قانون نافذ يتعارض مع أحكام هذا القانون" في مخالفة واضحة للدستور اليمني الذي يضمن حقوق كل موظفي الدولة ويلزم الدولة بصرفها.
وعموماً يسعى مشروع القانون إلى إغفال مسؤولية الحوثيين عن المرتبات المنقطعة خلال السنوات الماضية معتمدا فقط على الكشف الأخير لصرف المرتبات تطبيقا لما تصفه الجماعة بـ "التغيير الجذري".
انتهاك للدستور
يعتبر عضو نيابة الاستئناف بمحافظة تعز القاضي نبيل المقطري، القانون الحوثي الجديد بمثابة تكريس للسيطرة ونهب الموارد الذي يقوم عليه المشروع الطائفي للجماعة، ما يمثل انتهاكا صارخا للدستور اليمني والقوانين النافذة.
وفي حديثه لـ"المجهر" يقول القاضي المقطري، إن الدستور والقانون اليمني ينص على " ضمان حقوق الموظفين وصرف رواتبهم بانتظام، بينما يتضمن القانون الجديد نصوصًا تلغي هذه الالتزامات وتمنح الجماعة سلطة مطلقة على الإيرادات العامة، مما يشكل عوارًا قانونيًا وتشريعيًا غير مسبوق".
ويبين أن القانون الحوثي يفرض إتاوات وضرائب إضافية على المؤسسات الإيرادية والقطاعات الاقتصادية دون مسوغ قانوني واضح، فيما يخصص مواردها لحساب خاص تديره وزارة المالية الحوثية بإشراف مباشر.
واستنكر القاضي نبيل المقطري الذي يعد أيضا عضو الهيئة الإدارية لنادي قضاة اليمن فرع تعز، عملية تقسيم موظفي الدولة إلى فئات تميز بشكل طائفي، حيث تضمن الفئة المرتبطة بالجماعة رواتب كاملة، بينما تُهمل غالبية الموظفين وتُفرض عليهم استحقاقات مالية مجحفة، مشيرا إلى أن ذلك يعمّق الفجوة الاقتصادية والاجتماعية في مناطق سيطرة الحوثيين.
إضافة إلى ذلك، ينص القانون على إلغاء أي أحكام قانونية أو دستورية تتعارض مع مواده، في انتهاك للدستور اليمني التي يلزم الحكومة بصرف رواتب الموظفين كاملة ودون تأخير، كما يتناقض مع القوانين التي تحظر التصرف في الإيرادات العامة خارج الإطار المخصص لها. وفقا لحديثه.
ولفت القاضي المقطري إلى أن مشروع القانون الحوثي الجديد لا يسعى إلى تحسين أوضاع الموظفين أو دعم الاقتصاد، بل يهدف إلى تمويل أجندة الجماعة السياسية والطائفية.
مبينا في ختام حديثه إلى أن هذا التشريع يمثل خطوة لتعزيز الهيمنة المالية والسياسية للحوثيين على حساب حقوق الشعب اليمني، مما يفاقم معاناتهم ويهدد بمزيد من الانهيار القانوني والدستوري في مناطق سيطرتهم.
حشد التمويل
أصدرت جماعة الحوثي منذ سيطرتها على مؤسسات الدولة في العام 2014م الكثير من القوانين التي تتعلق بالإيرادات وفرض الضرائب والجبايات والإتاوات، وكل ذلك تستغله الجماعة لحشد التمويل لحربها المستمرة ضد اليمن واليمنيين.
يقول الباحث اليمني في الشؤون الاقتصادية الدكتور عبدالقادر الخراز، إن مشروع القانون الجديد الذي يعده الحوثيون يأتي ضمن السياسات الاقتصادية التي تتخذها الجماعة في مناطق سيطرتها لاستكمال الاستحواذ على الإيرادات العامة.
ويضيف الخراز في حديثه لـ"المجهر" أن الحوثيين يبررون القانون الجديد على أن لصرف نصف راتب شهريا، هي مجرد دعايات أكثر من كونها حقيقة لأن الإمعان في مسودة القانون يعني أنه ينضم فقط عملية صرف الراتب أربع مرات في السنة باستثناء فئات محدودة.
ويشير إلى أن الحوثيين لن يقوموا بصرف راتب أو نصف راتب شهريا وستسمر بالآلية السابقة، مبيناً أن الغرض من القانون الجديد هو أخذ جبايات أكثر لصالح الجماعة وتحميل المواطنين في مناطق سيطرتها فوق طاقته.
كما يؤكد على أن الحوثيين يحاولون استمالة المواطنين في مناطق سيطرتهم من خلال ترويج هذا القانون الذي اعتبره مجرد دعاية تعمد الجماعة من خلاله إلى "الضحك على الشعب للأسف".
ويوضح الدكتور عبدالقادر الخراز أن جماعة الحوثيين تستغل مثل هذه القوانين لفرض المزيد من الجبايات والاتاوات بغرض الإثراء غير المشروع لقياداتها أو لتحشيد التمويلات لاستمرار حربها على اليمن واليمنيين.
مراحل متعرجة
ظلت جماعة الحوثي المصنفة على قوائم الإرهاب في عدد من الدول في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية؛ طيلة السنوات الماضية، تتهرب من مسؤوليتها تجاه صرف مرتبات الموظفين في مناطق سيطرتها ملقية المسؤولية على عاتق الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا بحجة أنها مسيطرة على إيرادات النفط الغاز.
بالرغم من أن اتفاق السويد (ستوكهولم) الموقع في 13 ديسمبر/ كانون الثاني 2018م يتضمن إيداع إيرادات ميناء الحديدة في حساب خاص بفرع البنك المركزي في الحديدة تحت إشراف الأمم المتحدة لدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية في مناطق سيطرة الحوثيين.
وبعد مرور أشهر من الاتفاق، اقتحمت عناصر حوثية مسلحة فرع البنك في الحديدة وقامت بمصادرة 45 مليون دولار، متسببة في عرقلة تنفيذ الاتفاق وفق تأكيدات الأمم المتحدة.
وفي العام 2022، أطلقت السعودية مبادرة للسلام في اليمن تتضمن صرف مرتبات موظفي الدولة وفق كشوفات 2014 من عائدات النفط والغاز على أن تتحمل السعودية مرتبات عام.
إلا أنه ومع نهاية العام 2022، قام الحوثيون بقصف موانئ تصدير النفط في جنوب اليمن الأمر الذي عرقل مجددًا محاولات صرف المرتبات، تزامنًا مع اقتراب إنجاز الاتفاق برعاية المملكة العربية السعودية.
وأواخر العام 2023 كان المبعوث الأممي إلى اليمن "هانس غروندبرغ" قد أعلن عن توصل الأطراف اليمنية للالتزام بمجموعة من التدابير بعد سلسلة اجتماعات مع الأطراف في الرياض ومسقط، إلا أن ذلك لم يتحقق حتى اللحظة بسبب هجمات الحوثيين في البحر الأمر الذي أعاق المضي قدما في تنفيذ هذه الخارطة.
ومنذ العام 2016م توقفت جماعة الحوثي المصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكية، عن صرف مرتبات موظفي الدولة مرجعة سبب ذلك إلى الحصار المفروض من قبل التحالف العربي.