يعيش سكان مدينة تعز، حالة من الإحباط، جراء تدهور الوضع الاقتصادي وغياب الخدمات مع استمرار الحصار المفروض من قِبل جماعة الحوثي الإرهابية منذ بدء الحرب والاكتفاء بفتح منفذ وحيد لتمرير صورة شكلية عن عدم مسؤوليتها في مضاعفة معاناة السكان.
ورغم الأمل الذي حملته بعض الزيارات الحكومية الأخيرة للمحافظة الواقعة جنوب غربي البلاد، إلا أن التحديات المستمرة وغياب الجدية في تنفيذ المشاريع المعلنة من قبل السلطات يُبقي المدينة في دائرة الأزمات.
عقد من المعاناة
تُواجه مدينة تعز، للعام العاشر على التوالي، حصارًا خانقًا من قبل جماعة الحوثيين المدعومة من إيران، ما أدى إلى تفاقم أزمات الكهرباء، المياه، وصعوبة الحصول على الخدمات الصحية، وارتفاع الأسعار.
هذه الأوضاع ازدادت سوءًا نتيجة غياب الرقابة الحكومية وتقاعس السلطة المحلية بالمحافظة في القيام بواجباتها، مما جعل الأمل في أي تغيير حقيقي يبدو بعيد المنال.
وفي أغسطس/ آب الماضي، شهدت المدينة الواقعة ضمن نفوذ الحكومة المعترف بها زيارة لرئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في خطوة وُصفت بأنها "تاريخية". حيث أعلن الرئيس العليمي خلالها حزمة مشاريع خدمية بهدف تحسين الخدمات الأساسية وتطوير المشاريع التنموية.
وتضمنت الموجهات الرئاسية حينها تدشين محطة كهرباء جديدة بقدرة 30 ميجاوات، وحث الجامعات على الاهتمام بالتخصصات التقنية مثل الذكاء الاصطناعي، والاهتمام بالجرحى، وتحسين الوضع الأمني، وتطوير موارد المحافظة.
ووجه رئيس مجلس القيادة الرئاسي إنذارًا للسلطة المحلية بمهلة ستة أشهر لتحسين أدائها. ومع ذلك، وبمرور نصف المدة، لم يظهر أي تحسن ملموس على أرض الواقع، ما أثار استياءً شعبيًا وانتقادات واسعة.
اتهامات بالتقصير
تشير تقارير إلى غياب محافظ تعز، نبيل شمسان، لأكثر من 40 يومًا من أصل 180 يومًا خصصها الرئيس العليمي لتحسين الأداء وتوفير الخدمات لسكان المدينة المحاصرة.
هذا الغياب أثّر على سير العمل التنفيذي، ما زاد من حالة السخط بين السكان، الذين طالبوا مرارًا بإقالة المحافظ وغيره من المسؤولين المتهمين بالفساد وسوء الإدارة.
في السياق، يعتقد هشام السمان الناشط المجتمعي أن أداء السلطة المحلية لم يشهد أي تطور منذ زيارة العليمي، حيث كل الخدمات منعدمة، ومعظم التحركات شكلية بعيدة عن الواقع، عدا بعض الترميمات العشوائية في عدد من الشوارع وصلت إلى 12 شارعا داخل المدينة.
وفي وقت سابق كان السمان قد نشر عن انهيار رصيف أحد الشوارع وسط المدينة بعد الانتهاء من ترميمه بفعل الأمطار، موضحا أن سبب ذلك هو تأخير إنجاز العمل في وقته المحدد وفق المواصفات، وعدم اكتمال مشروع الصرف الصحي.
وقال الناشط المجتمعي هشام السمان في حديثه لـ"المجهر" إن هناك محاولات جرت لتحسين إنارة شوارع مثل الحوض والموشكي والحصب، لكن لم تُركَّب أعمدة الإنارة بسبب عدم وصولها إلى تعز.
وأردف :"تم صيانة مشاريع محدودة لشبكة الصرف الصحي في بعض الأحياء، بتمويل من منظمات". لافتا إلى أن تأهيل شبكات الصرف الصحي اقتصر على مناطق محددة، مع تركيب مواسير فرعية بحجم 6 هنش، ورئيسية بحجم 8 هنش، في ظل غياب دور مؤسسة المياه والصرف الصحي.
وبحسب السمان فإن الوقت يمضي بوتيرة أسرع من تقديم الخدمات، وما تم إنجازه خلال الفترة الماضية من المهلة المحددة، يبدو واضحاً أنه لن يكون هناك إنجازات كبيرة أو تقديم للخدمات الأساسية في الفترة المتبقية من المهلة، وما أُنجز من أعمال ترميم الشوارع حتى الآن لا يتجاوز %10 من المطلوب. حد قوله.
وأكد الناشط المجتمعي غياب رقابة السلطة المحلية عن الإشراف المباشر على المشاريع المنفذة، مشيرا إلى أنه خلال الفترة الأخيرة لوحظ إشراف جزئي من مدير الأشغال العامة بعد مناشدات متكررة لسلطة المحليّة بأهمّيّة الإشراف لضمان تنفيذ المشاريع وفق المواصفات المطلوبة.
أزمات لا تنتهي
على الرغم من البدء بصيانة طرق رئيسية مثل طريق "تعز-التربة"، الذي يُعد الشريان الوحيد لربط المحافظة بالمناطق المحررة، إلا أن هذه الأعمال اقتصرت على إصلاحات "ترقيعية"، حسب إفادة السكان، الذين أشاروا إلى تدهور الطرق مجددًا بعد الأمطار الأخيرة.
وبالنسبة لخدمة الكهرباء العامة فإنه منذ توقف محطة عصيفرة في العام 2015، تعاني تعز انقطاعًا تامًا للتيار الكهربائي، حيث تشير تقديرات إلى أن %90 من البنية التحتية للكهرباء في المحافظة تعرضت للتدمير، بتكلفة خسائر تجاوزت 40 مليون دولار.
وعلى غرار الكهرباء، تعاني المدينة نقصًا حادًا في المياه والخدمات الأساسية الأخرى، الأمر الذي فاقم من معاناة السكن في التدهور الاقتصادي والانهيار المستمر لقيمة العملة المحلية.
يقول حلمي مرعي، أحد سكان مدينة تعز: "عقدٌ كامل من الحصار حرمنا من أبسط مقومات الحياة، ومع كل وعود الإصلاح، لا يزال الواقع يزداد سوءًا."
ويضيف مرعي في حديثه لـ"المجهر" أن زيارة الرئيس العليمي والوعود التي أطلقها لتحسين الخدمات أعادت الأمل لسكان المدينة المحاصرة من قبل الحوثيين، وإشعار السلطة المحلية بأنها تحت الرقابة، لكن لم يحدث تغيير يذكر.
وبحسب حلمي مرعي فإن المحافظة لا تزال تعاني من تدهور مستمر في الخدمات الأساسية، كون الجهود اقتصرت على حلول مؤقتة ذات عمر افتراضي قصير، كما يظهر في حالة طريق تعز-التربة.
بين الواقع والوعود
رغم الوعود الحكومية المتكررة، يرى المواطنون أن التحركات الرسمية لا تزال قاصرة على حلول مؤقتة غير مستدامة، وأن السلطات ليست على قدر كافي من المسؤولية في توفير الخدمات الأساسية، التي تساهم في التخفيف من معاناة السكان.
تؤكد سارة قاسم هيثم عضو فريق مشاورات تعز أن المكونات السياسية تسعى إلى إسناد السلطة المحلية لتطبيع الحياة في المدينة المحاصرة وتفعيل المؤسسات الحكومية من خلال عودة مؤسسات الدولة والعمل على تمكينها بما يتلاءم مع الوضع القائم ويساهم في التخفيف من معاناة المواطنين.
وتشير هيثم في حديثها لـ"المجهر" أن المكونات تواجه صعوبة في فهم الأسباب الحقيقية لعدم توفر الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء، والصحة والتعليم، وغيرها التي لا توجد إطلاقا، ومنها إن توفرت لكنها لم تصل إلى الحد الأدنى من المطلوب.
وتضيف عضو مشاورات تعز أن "السلطة المحلية ليست على قدر من المسؤولية التي تستوجب توفير الخدمات الأساسية للسكان ومنها توفير الكهرباء التي تعد حياة للمواطنين وإنعاش للجانب الاقتصادي بصور مختلفة".
ختاما؛ مع اقتراب نهاية المهلة التي حددها الرئيس العليمي، تتزايد المطالبات الشعبية بمزيد من الجدية في معالجة أزمات تعز المتراكمة، حيث أن النجاح في إنقاذ المدينة مرهون بمدى التزام السلطة المحلية والحكومة المركزية بوعودها، بعيدًا عن الحلول المؤقتة أو الخطط غير المكتملة.
تعز، التي تعد رمزًا للصمود، وتعتبر من أهم المدن المحررة باتت اليوم تواجه اختبارًا صعبًا، فإما أن تستعيد الحياة تدريجيًا بإصلاحات جادة، أو أن تستمر في دوامة الإهمال والأزمات المتراكمة، بحسب مراقبين.