الأربعاء 18/ديسمبر/2024
عاجلعاجل

انتهاكات صارخة.. كيف حوّل الحوثيون المساكن الطلابية إلى مراكز استخباراتية؟ (تقرير خاص)

انتهاكات صارخة.. كيف حوّل الحوثيون المساكن الطلابية إلى مراكز استخباراتية؟ (تقرير خاص)

لا تكاد تتوقف الحملات الحوثية ضد العملية التعليمية في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة؛ بل مع كل حملة يتوسع الحوثيون في ممارساتهم القمعية ضد الطلبة وتأخذ تلك الإجراءات التعسفية شكلا أعنف من سابقاتها.

مؤخرا؛ أقدمت جماعة الحوثي الإرهابية على اتخاذ إجراءات جديدة ضد المساكن الطلابية في جامعتي صنعاء إب الحكوميتين وبعض الجامعات الأهلية، في خطوة كسرت فيها الجماعة كافة القوانين الرسمية وأحلت بدلاً عنها قوانين ولوائح مختلفة تتماشى مع مشروعها الطائفي ضمن أكبر عملية تغيرية تشهدها المؤسسات التعليمية. 

 

الولاء مقابل السكن

 

أكدت مصادر مطلعة أن جماعة الحوثيين أحدثت تغيرًا جديدًا في لوائح السكن الجامعي قائمًا على مبدأ ما أسمته" بالولاء" بعيدًا عن الأسس القانونية التي تضبط سير السكن الطلابي في عموم الجامعات الدراسية الواقعة في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

وأوضحت المصادر لـ"المجهر" أن اللوائح الحوثية تنص على الإقصاء الممنهج ضد الطلاب الذين لا يتماشون مع ما تنشده، الأمر الذي أدى إلى إزاحة مئات الطلاب من المساكن الطلابية خاصة أولئك الذين يعيشون ظروفًا صعبة.

في السياق، يقول الطالب في كلية العلوم الإدارية بجامعة إب سليمان (اسم مستعار) في حديثه لـ"المجهر" أنه تم استبعاده تعسفا من السكن الجامعي بعد رفضه حضور دورة عسكرية تنظمها جماعة الحوثيين لطلاب الجامعة.

ويؤكد الطالب الذي نتحفظ عن ذكر اسمه الحقيقي خشية تعرضه للقمع من قبل سلطات الحوثيين؛ فإنه "أصبح من الصعب أن تحصل على غرفة في السكن الجامعي وخاصة وإن كنت من سكان محافظة أخرى، فرضت الجماعة قوانين جديدة على الطلاب بأنه أي طالب يريد يحصل على سكن عليه الحضور الدورات العسكرية التي تنظمها الجماعة".

ويشير سليمان إلى أن فترة قصيرة من غيابه في مسقط رأسه بريف محافظة الضالع كانت كفيلة بإسقاط اسمه من السكن الجامعي كونه أتى متأخرا بعد انتهاء الدورة العسكرية التي نظمتها الجماعة، مما تسبب في حرمانه من السكن دون مراعاة لظروفه.

ويضيف :"أخبروني أن الدورة العسكرية قد خلصت ولا مكان لي بالسكن وأنا لم أحضرها، بينما استطاع شخص آخر لا نعرفه الحصول على غرفة خاصة له وحده، لأنه يتبع أحد المشرفين في الجامعة آنذاك، هذه الغرف الفارغة لا تخرج فجأة عن عبث".

 

قيود واسعة

 

لم يقف التمييز العنصري الذي تمارسه جماعة الحوثيين ضد الطلبة الجامعيين عند منح الامتيازات على أساس الولاء للجماعة وإقصاء الآخرين بل ثمة العديد من القيود الإجبارية تفرضها الجماعة ضد الطلاب ومخالفة أي بند تقره قيادات الجماعة يحرم الطالب ليس فقط مسكنه بل قد يخسر مسيرته التعليمية بالكامل.

الطالب حسن (اسم مستعار) هو الآخر يشكو من فرض الجماعة المدعومة من إيران قوانين تعسفية في جامعة إب وعممتها على كل الأقسام الجامعية والهيئات الطلابية، الأمر الذي يقيد الطلبة ويفقدهم قدرة الحديث عن الانتهاكات التي تُمارس ضدهم، حد قوله. 

ويضيف حسن في حديثه لـ"المجهر" أنه يتعين على الطلاب الخضوع لدورة عسكرية قبل الحصول على الإقامة، كما يُشترط عليهم أيضًا الالتزام بالمشاركة في جميع الوقفات الاحتجاجية والندوات التي تُعقد في استراحة السكن تديرها الجماعة. 

ويشير إلى أن جماعة الحوثيين تجبر الطلاب المقيمين في السكن الجامعي على حضور فعالية طائفية ومذهبية تُعقد كل يوم "ثلاثاء" من كل أسبوع يتم إلزام جميع الطلاب على حضورها، موضحا:"يتم استغلال وقتنا لأغراض دعائية تتعلق بالفكر الطائفي التي تخدم سياسة الجماعة بهدف إقناعهم للمشاركة في "جبهات القتال". 

الأمر ذاته تؤكده عدة شهادات طلابية في جامعة إب رصدها " المجهر" وتفيد بأن جماعة الحوثي الإرهابية حولت السكن الطلابي خلال الفترة الأخيرة إلى أشبه ما يعرف بـ"معسكر تدريبي وتعبوي" تتم فيه الدورات والفعاليات الطائفية.

وبحسب المصادر ذاتها فإن الجماعة تواجه رفضا كبيرا لمشروعها وممارساتها السلالية في السكن الجامعي، الأمر الذي دفعها لتكثيف الندوات والدروس الطائفية ومحاولة غرس ثقافتهم بصورة مستمرة لضمان إسكات الأصوات المعارضة التي قد تجد طريقها يوما ما لتصبح ثورة تقتلع جذورهم.

 

مساكن أم مراكز استخباراتية؟

 

تشير مصادر طلابية إلى أن جماعة الحوثي الإرهابية حولت المساكن الطلابية في الجامعات إلى "مراكز استخباراتية"، حيث يخضع الطلبة لرقابة شديدة ورصد لجميع تحركاتهم، ولم يقف ذلك عند هذا الحد بل تجاوزه إلى التنصت على المكالمات الهاتفية.

وفي هذا الصدد يقول أحد الطلبة في السكن التابع لجامعة إب أنهم "يتعرضون للمراقبة من مخبري الجماعة في الوسط الطلابي، ورصد جميع تحركاتهم في الجامعة وخارجها والتجسس على مكالماتهم، بما فيها مهاتفة أُسرهم". 

ويوضح الطالب في حديثه لـ"المجهر" أن الطلبة اعتادوا الذهاب إلى أماكن آمنة في المبنى لإجراء مكالمات عائلية مع أهاليهم تجنبا لإزعاج زملائهم أثناء المراقبة، وتحسبا للتنصت عليهم من قبل مخبري الجماعة. 

وعلى الرغم من ذلك، إلا أن المخبرين الحوثيين يلاحقون الطلبة في زوايا المبنى للتنصت على المكالمات، واستغلال سماع أية كلمة تتضمن بعض قيادات الجماعة، حتى وإن كان من باب ذكر الاسم فقط، لتبدأ فوراً بتنفيذ مخططات الاستفزاز والابتزاز والاعتقال وتلفيق التهم، وفق المصدر ذاته.

من جهته؛ يقول صلاح (اسم مستعار) أن الطالب الذي يتأخر عن حضور اليوم الثقافي تقوم تلك العناصر الموالية للجماعة بابتزازهم والتحقيق معهم ليلاً وترويعهم، بحجة أنها تنتمي لجهاز الأمن والمخابرات، حيث تُمارس أبشع طرق القمع والترويع والتطفيش للطلبة. 

ويضيف صلاح أن الجماعة فرضت مؤخراً قيودًا جديدة تحد حركة الطلاب داخل سكن وحرم جامعة إب ، حيث أصدرت تعميما للطلاب يقضى بـ"حظر التجوال والتحرك من وإلى السكن الجامعي من بعد الثامنة ليلاً بذريعة الإجراءات الأمنية".

 

عسكرة الجامعات

 

تواصل جماعة الحوثيين عسكرة المنشآت التعليمية وفي مقدمتها الجامعات الحكومية، وتتخذ منها منطلقا لأنشطتها الطائفية والتخريبية والتحريضية، كما حدث مع الاستاد الرياضي والصالة الرياضية الواقعان داخل حرم الجامعة، حيث اتخذت منهما الجماعة مقرات دائمة لها.

ونتيجة التواجد العسكري غير المبرر من قبل جماعة الحوثيين؛ شكا أكاديميون وطلاب لـ"المجهر" من تعرضهم للاعتداء والمضايقات من قبل عناصر الجماعة داخل حرم جامعة إب، موضحين أن تلك القيود حدت من حركتهم داخل الجماعة.

وتعليقا على هذه الإجراءات، يقول أحمد دحان ناشط حقوقي وسياسي إنه "لا يوجد أي لائحة أو قانون يعطي إدارة الجامعة حق رفض الطلبة على أسس سياسية وعسكرية"، واصفا ذلك بأنه "تعسف وعدم اعتبار لأحكام القانون الإداري في هذا الصدد". 

ويضيف في حديثه لـ"المجهر" أن ما تقوم به الجماعة من تجنيد الطلاب مقابل الإقامة وتحويل السكن الى ثكنة عسكرية ومقرات طائفية، هو بذاته انتهاك للوائح الجامعية وتوظيفها لأغراض سياسية تخدم مصالحهم. 

ويطالب دحان في ختام حديثه الجميع بالتحرك للوقوف أمام هذا التعنت بحق الطلبة، كضرورة حتى لا يتحول الجيل بأكمله لجيل مسلوب الإرادة والحرية، لما في ذلك من خطورة على المجتمع ككل. حد وصفه.

 

انتهاك لخصوصية الطالبات    

 

ليسوا الطلاب وحدهم من يتعرضون للانتهاكات الحوثية في المساكن الطلابية؛ الطالبات يشعرن بحالة من الاستياء والغضب نتيجة التصرفات الغير قانونية للمكون العسكري النسائي التابع للحوثيين (الزينبيات)، حيث أقدمت العناصر النسائية مؤخرا على اقتحام سكن الطالبات بجامعة العلوم والتكنولوجيا في صنعاء، وقمن تفتيش غرف الطالبات وأغراضهن الشخصية بشكل مفرط، مما أدى إلى انتهاك خصوصيتهن وخلق أجواء من التوتر والخوف. 
 
تقول الطالبة عهود لـ"المجهر" إن الزينبية عائشة الشامي منتحلة صفة إدارة السكن الجامعي "كلفت عناصر نسائية مسلحة بتفتيش الغرف كل يوم وانتهاك خصوصياتنا وتفتيش الحقائب الشخصية وتحاسبنا على كل صغيرة وكبيرة موجودة بالغرفة".  

وتضيف الطالبة التي تقيم في سكن جامعة صنعاء "نشعر بانتهاك كبير لخصوصيتنا، فهذا التصرفات تخلق أجواء من التوتر والخوف بيننا ونحن هنا للدراسة وليس لمواجهة مثل هذه الانتهاكات التي تؤثر على حياتنا اليومية بهذه الممارسات التي تتعارض مع حقوقنا الأساسية". 

وتؤكد عهود أن إدارة السكن فرضت قيوداً جديدة على الطالبات ومنعتهن من لبس العباية المطرزة ومن استخدام مستحضرات التجميل خارج السكن، بالإضافة إلى تعرضهن للإساءة اللفظية بشكل مستمر من قبل "الزينبيات".

وبحسب الطالبة ذاتها، فإن القيادية الحوثية إنصاف الشامي تواصل استخدام نفوذها لاستغلال الطالبات وتهديدهن بالفصل، بمبرر الحفاظ على القيم والأخلاق، وهي "إجراءات تخضع لمزاج مستشرفات زينبيات مكلفات من الجماعة"، تقول عهود.

في السياق، ترى المحامية والناشطة الحقوقية إشراق المقطري أن الممارسات التعسفية التي تقوم بها الزينبيات تجاه الطالبات يؤدي إلى شعورهن بعدم الأمان وفقدان الثقة في البيئة التعليمية وهو انتهاك واضح لحقهن تحت ذريعة واهية محلها الشك الأخلاقي والأمني دون دليل يدينهن بشكل واضح وصريح. 

وتضيف المقطري في حديثها لـ"المجهر" إن حماية حقوق الطالبات في السكن الجامعي ليست مجرد مسؤولية فردية، بل هي مسؤولية جماعية تتطلب تضافر الجهود من جميع الأطراف المعنية التي تحمي حقوق الطلاب، بما في ذلك الحق في التعليم وحرية السكن وفق القانون كما أن هناك قوانين تحظر التفتيش التعسفي دون إذن قانوني. 

وتؤكد أن أي تدخل في سلامة وكرامة وحياة وخصوصية الطالبات في السكن الجامعي يعتبر انتهاك للحق في الحرية والخصوصية والسلامة والأمن وهذا الأمر مكفول في المواثيق الدولية وقبل هذا مكفول أساسا في قانون الإجراءات الجزائية وقبلها في الدستور اليمني لكن للأسف هذا لا يدي نفعا مع وجود الجماعة كسرت كل القوانين. 

وتشير المحامية والناشطة الحقوقية إشراق المقطري أن على الجامعات التعاون مع منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية لمراقبة الوضع وتقديم الدعم للطالبات المتضررات والمطالبة بعودة حق الطالب في حياة كريمة دراسيا واجتماعيا ومناخ مناسب من الحرية. 

 كما يعتبر قرار إدارة السكن وتقييد حريات الطالبات انتهاكاً صارخاً للحرية الشخصية للطالبات، وتقييداً جديداً لحقهن في التعبير عن أنفسهن وعدم احترام حقوق الإنسان وحقوق المرأة، والسماح لهن بممارسة حياتهن التعليمية بحرية ومسؤولية. بحسب المقطري.

وتختتم حديثها بالقول :" هذه الممارسات التعسفية التي يقوم بها الحوثيون تأتي ضمن سلسلة طويلة من العمل الرقابي الذي تفرضه الجماعة لرصد أي تحركات متنامية ضدها خاصة مع تزايد حالة الاحتقان الشعبي الأمر الذي يجعلها تقف في استنفار كبير لإحباط أي محاولات تحاك ضدها في صنعاء".