يعيش المختطفون والمخفيون قسرا في سجون الحوثيين أوضاعا إنسانية صعبة، حيث تواصل الجماعة المدعومة من إيران الإمعان في تعذيبهم جسديا ونفسيا، وحرمانهم من الحقوق الأساسية، بالإضافة إلى استخدامهم كدروع بشرية ورهائن للمساومة، وكذلك نهب ممتلكاتهم وتهجير أسرهم.
تشير الدلائل وشهادات مختطفين سابقين إلى أن ما يحدث في معتقلات الحوثيين وسجونهم السرية جرائم ضد الإنسانية، وتعذيب وحشي يكاد يشبه ما كُشف عنه في سجن "صيدنايا" السوري عقب سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
ويؤكد مراقبون أن تشابه جرائم التعذيب التي تقوم بها جماعة الحوثي الإرهابية مع تلك الفظائع التي قام بها نظام الأسد، يعود إلى واحدية الأيدلوجية والأفكار التي يتشربها الطرفان بدعم إيراني قائم على أسس طائفية قمعية.
انتهاكات جسيمة
في أحدث تقرير لها؛ كشفت منظمة "إرادة لمناهضة التعذيب والإخفاء القسري" أن جماعة الحوثيين أصدرت أكثر من 600 حكم إعدام وسجن بحق المدنيين منذ بدء الحرب، وذلك ضمن سلسلة من الانتهاكات الجسيمة التي ترقى لجرائم حرب.
وأوضحت المنظمة خلال إشهارها عدد من التقارير الحقوقية بمدينة لاهاي الهولندية في الثاني والعشرين من الشهر الجاري أن جماعة الحوثيين المصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكية زجّت بعشرات الآلاف في السجون السرية، حيث تعرّض المختطفون للتعذيب والإخفاء القسري، ما أدى إلى وفاة 400 معتقل وإصابة آخرين بإعاقات دائمة.
وأشارت إلى أن المحكمة الجزائية المتخصصة بالعاصمة المختطفة صنعاء الخاضعة للحوثيين أصدرت أحكام إعدام بحق مختطفين، إلى جانب أحكام بالسجن لفترات طويلة بحق المدنيين، بمن فيهم أطفال وموظفو منظمات إنسانية. مؤكدةً أن هذه الأحكام صدرت عن محكمة فاقدة للشرعية، كونها ألغيت بقرار من مجلس القضاء الأعلى في عدن عام 2018، لكن الجماعة واصلت استغلالها لتبييض جرائم التعذيب وتلفيق التهم للمعتقلين.
وطالبت منظمة إرادة لمناهضة التعذيب والإخفاء القسري المجتمع الدولي والمنظمات الدولية بالتحرك العاجل لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وإرسال فرق لتقصي الحقائق، وفتح تحقيقات مستقلة حول جرائم القتل والتعذيب والتهجير القسري. داعية ً إلى التصدي لأحكام الإعدام التعسفية التي تنفذها المحكمة الجزائية الحوثية، وضمان حقوق المهاجرين الأفارقة في الحماية واللجوء.
تعذيب وحشي
بحسب رئيس رابطة أمهات المختطفين أمة السلام الحاج فإن جماعة الحوثيين تختطف نحو 800 مدنيا وتخفي قسريا أكثر من 160 آخرين بعضهم من 2015، ومحكوم عليهم بالإعدام.
وفي تصريح خاص لـ"المجهر" شبهت رئيس رابطة الأمهات معاناة المختطفين بما يحدث في السجون السورية من إخفاء قسري وتعذيب وارتكاب جرائم مروعة من الفظائع. مؤكدةً أن هذه الأساليب "تمثل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان".
وأوضحت أن من الانتهاكات الجسمية التي يتعرض لها المختطفون : "الضرب بالعصي والقوارير المثلجة، الصعق الكهربائي، الحقن بمواد مجهولة، الحبس الانفرادي، التهديد بالقتل، دفن المختطف حتى منتصف جسده وإطلاق النار قربه، تهديد المختطف بأسرته، الضرب أثناء إجلاسه على كرسي، التعليق لفترات طويلة، تسخين الأرضية وإجبار المختطف على الجلوس عليها. وفقًا لما وثقته الرابطة.
وأضافت رئيس رابطة أمهات المختطفين أمة السلام الحاج أنه: " عندما نستمع إلى المفرج عنهم وهم يروون قصصهم، نجد أمورًا تشيب لها العقول بسبب معاناتهم المستمرة".
مصير مجهول
خلال ديسمبر/ كانون الأول الجاري تحدثت مصادر حقوقية عن 30 حالة وفاة لمختطفين داخل سجون جماعة الحوثي الإرهابية، دون معرفة الأسباب، حيث "أصبح مصير المختطفين مجهول، خاصة مع ازدياد الاقاويل بخصوص المخفين الذين توفوا بالزنزانة في السجن المركزي بصنعاء"، تقول المحامية والناشطة الحقوقية شيماء الصراري.
وأضافت الصراري في حديثها لـ"المجهر" أن كل ما يروى من سجن صيدنايا في سوريا، أشبه ما يخبرنا عنه المفرج عنهم من سجون الحوثي من حيث الانتهاكات في الزنازين والمعاملات والتعذيب وغيره، ومنافي للشريعة الإسلامية وللإنسانية.
وحول الآثار الملحوظة بعد خروج المختطف من السجن أشارت الصراري إلى أنه "لا تكون حالته الصحية ولا النفسية كإنسان عادي بل إن الأغلبية يعيشون في اضطرابات متعددة، وأسرهم يعانون ويذوقون مرارة أيامهم بالغياب، فهم بحاجة إلى الرعاية وإلى وإعادة التأهيل لكي يعيشوا بأمان واطمئنان".
من جانبه، يصنف أيمن الكمالي، المسؤول في مركز تعز الحقوقي الوضع الحالي للمختطفين والمخفيين قسرًا في سجون الحوثيين، بأنه "مأساوي ومخالف للقانون الدولي". لافتا أن "هناك أكثر من 5 آلاف معتقل في سجون الجماعة تم التحقق من حالاتهم حتى 2022م، وثبت تعرضهم لانتهاكات جسيمة أبرزها، التعذيب الجسدي والنفسي والاعتقال التعسفي والحبس الانفرادي وانعدام الوصول إلى العدالة وانعدام الرعاية الطبية".
وأكد الكمالي خلال حديثه لـ"المجهر" أن لديهم وثائق تثبت تورط الحوثيين في ارتكاب انتهاكات جسيمة ضد المختطفين، بما في ذلك "تعذيب المختطفين بالصدمات الكهربائية والحروق، وكذلك إجبارهم على التوقيع على اعترافات قسرية، واستخدامهم كدروع بشرية، واحتجازهم في ظروف غير إنسانية ومنع وصول إليهم الطعام والماء والرعاية الطبية".
وأوضح المسؤول في مركز تعز الحقوقي أن "هناك تشابه بين سجون الحوثيين وسجن صيدنايا في سوريا من حيث استخدام التعذيب كأداة للتحقيق واحتجاز المختطفين في ظروف غير إنسانية وانعدام الوصول إلى العدالة واستخدام الاعتقال التعسفي كأداة للضغط السياسي وانتهاك حقوق الإنسان الأساسية".
معاناة ذوي المختطفين
تعيش أسر المختطفين والمخفيين قسرا أوضاعا مأساوية، وتعذيبا نفسيا مستمرا جراء ما يتعرض له أبناءهم من تعذيب في سجون جماعة الحوثي الإرهابية، خصوصا عند الحديث عن رصد حالات وفاة، تقول أمة السلام الحاج :"عندما سمعت الأمهات عن الأوضاع في سجون سوريا، أصبن بحالات اكتئاب شديد وإرهاق نفسي كبير."
وتؤكد أنه تم التواصل مع الأمهات لطمأنتهن موضحةً: "قمنا بتقديم تطمينات لتهدئة مخاوفهن، حيث أكدنا لهن أن الأوضاع هنا ليست مثل سوريا، بل هي أخف، ولا تصل إلى ذلك المستوى المروع من التعذيب."
وتشير رئيس رابطة أمهات المختطفين إلى أن العديد من الآباء والأمهات فقدوا حياتهم بسبب القهر والحزن، خاصة عندما يُمنعون من زيارة أبنائهم، ويتم ردهم بمهانة من أمام السجون، مما يعمّق من معاناتهم النفسية والجسدية.
أكذوبة الرفاهية
تحاول جماعة الحوثيين، تجميل صورتها من خلال الترويج لراوية مغايرة عما يحدث في معتقلاتها وسجونها السرية، حيث عمدت مؤخرا للادعاء بأن الأسرى والمختطفين لديها يعيشون "ظروفا إنسانية محترمة وراقية" إلا أن شهادات الناجين تدحض الأكاذيب التي تسوق لها الجماعة المدعومة من إيران.
بدر سلطان مختطف سابق لدى الحوثيين، يروي لـ"المجهر" معاناته في سجون الجماعة حيث اختطفته في سن الثامنة عشرة "عشت أيام وسنوات مليئة بالرعب، والتعذيب البدني والنفسي والاختفاء القسري، وسوء المعاملة والحرمان من الرعاية الطبية والغذائية الكافية".
وعن السنوات الخمس التي قضاها في معتقلات الحوثيين يقول بدر: "أدخلوني ورشة خاصة بالتعذيب وثقبوا يدي، وكسروا رأسي، وشقوا صدري، وكذبوا على والدتي أنني انتحرت، وبعد 5 أعوام توفت أمي قبل خروجي".
وبحسب بدر فإن انتهاكات جماعة الحوثيين في اليمن تتشابه مع جرائم نظام بشار الأسد في سوريا، من حيث ارتكابهما انتهاكات جسيمة بحق المعتقلين في سجونهما "كنا نعامل بقسوة أكثر من المجرمين والقتلة، لقد شق صدري وفتح الوثاق من عيوني كي يزداد الألم الجسدي والنفسي، وفقدت الوعي".
كبير المتورطين
يعد القيادي في جماعة الحوثيين عبدالقادر المرتضى الذي يشغل منصب رئيس هيئة الأسرى لدى الجماعة، من أكبر المتورطين في قضايا التعذيب الممنهج للمعتقلين والمختطفين؛ الأمر الذي دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى إدارجه مؤخرا ضمن لائحة العقوبات. موضحةً أن المرتضي ارتكب جرائم ضد الإنسانية أدت إلى مقتل مئات المختطفين وصدور أحكام إعدام بحق آخرين.
ويشرف المرتضى، على سجن معسكر الأمن المركزي في العاصمة المختطفة صنعاء، والذي يقبع فيه أكثر من 3000 مختطف، ويعد من أبرز السجون الوحشية، كما يُتهم القيادي الحوثي بالإشراف على شبكة واسعة من السجون السرية، التي يتم فيها استخدام التعذيب الجسدي والنفسي، في ممارسات تهدف إلى إخضاع الضحايا وإسكات الأصوات المعارضة.
ووفق خارطة السجون، فإن لدى الحوثيين حوالي 203 سجنا منها 125 سريا، و11 سجنًا مركزيا في كل المحافظات، وفي العاصمة المختطفة صنعاء خاصة، تجاوز عددها 150 سجنا، من بينها 10 سجون سرية، وفي محافظة ذمار 14 سجنًا منها 7 سجون سرية وقد حولت الجماعة العديد من المرافق التعليمية والصحية إلى سجون سرية.
اقرأ أيضا : اضطرابات نفسية.. محررون من سجون الحوثيين ضحايا الترهيب والتعذيب الممنهج (تقرير خاص)