تزايدت حالات النهب والسيطرة على الأراضي والأملاك العامة والخاصة من قبل الحوثيين على نحو أصبح اليوم بصورة فجة ودون تحفظات من قبل سلطات الجماعة، ما يفسر مخاوفها من حدوث تحولات سياسية وعسكرية يمكن أن تستهدف كياناتها ومصالحها.
وطوال فترة انقلابها ظلت الجماعة تستغل سيطرتها على مؤسسات الدولة عبر استخدام مواقعها الوظيفية إلى جانب استخدام قوة السلاح لنهب جزء كبير من الأراضي سواء ذات الملكية الخاصة أو تلك التابعة للدولة والأوقاف.
ومن الواضح أن هذه الممارسات الحوثية انعكست بصورة مباشرة على المواطنين العُزل ممن سلبت الجماعة أراضيهم وممتلكاتهم وأجبرت الآلاف منهم على التهجير القسري، سعيا منها لإيجاد ملكية سلالية موازية لملكية اليمنيين من خلال إجراء تغيير ديمغرافي في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية.
فريق "المجهر" بذل جهدا مضاعفا استمر لأسابيع للبحث عن تفاصيل حول عمليات النهب والأسباب التي تقف وراء توجه الحوثيين نحو الاستحواذ على الأراضي والعقارات بما فيها التابعة للدولة والأوقاف على وجه الخصوص، والوصول إلى استنتاجات حول جذور وطبيعة هذه الممارسات.
أخطبوط الأراضي
تقوم شبكة متورطة بعمليات السطو على مساحات واسعة من الأراضي والعقارات سواء التابعة للدولة والأوقاف أو الأملاك الحر، بتنفيذ حملات اختطاف وإخفاء بحق المعارضين والمعترضين على عمليات السيطرة والنهب العشوائي للأراضي.
ويدير هذه الشبكة ثلاث قيادات حوثية هم:
- عبدالمجيد الحوثي: رئيس ما يسمى بهيئة الأوقاف، وهي هيئة استحدثها الحوثيون بهدف الاستيلاء على أراضي الأوقاف في المناطق الخاضعة لسيطرتها بعيدا عن وزارة الأوقاف الحوثية.
- أبو حيدر جحاف: وهو رئيس ما تسمى بـ "اللجنة العسكرية للأراضي" ودفع بقيادات ومشرفين حوثيين للسيطرة على أراضي وعقارات بعدة محافظات يمنية خاضعة لسيطرة الحوثيين بحجة أنها أراضي تابعة للقوات المسلحة.
- أبو حمزة الكحلاني: هو المشرف على لجنة الحوثية لحصر وتوثيق أراضي القوات المسلحة، وقام بإرسال أشخاص إلى المناطق المحررة لإجراء عملية الحصر لهذه الأراضي لا سيما في تعز وإب.
يمتلك هذا الثلاثي الحوثي صلاحيات واسعة من قبل زعيم الجماعة من أجل مصادرة الأراضي تحت مبررات كثيرة أبرزها أنها أوقاف منذ مئات السنين وتحتاج إلى تصحيح الأوضاع لا سيما أراضي تابعة لبعض الوزارات والمؤسسات الحكومية.
وتدخل هذه الشبكة في تنافس كبير مع جناح آخر يتزعمه القيادي محمد علي الحوثي رئيس ما تسمى بـ "المنظومة العدلية" للحوثيين، للاستحواذ على الأراضي والعقارات في فرصة قد لا تتكرر في حال فقدت الجماعة سيطرتها على السلطة في صنعاء.
ويتولى الجناح الذي يرأس أيضا ما تسمى باللجنة الثورية للجماعة محمد علي الحوثي، مهمة مصادرة مساحات كبيرة من الأراضي "الحرة" في نطاق سيطرة الحوثيين عن طريق انتزاعها من مالكيها الحقيقيين وإعادة تمليكها لآخرين مواليين للجماعة.
صراعات بينية
برزت في الآونة الأخيرة حالة من صراع الأجنحة بين قيادات جماعة الحوثي حول الاستحواذ على ملكية أراضي الدولة والأوقاف، في دائرة تنافس بدت أوسع من السابق بعدما كان الأمر محصورا على نهب أراضي خاصة تعود ملكيتها للمواطنين تحت ذرائع وحجج مختلفة.
مع تزايد حالات نهب أراضي الأوقاف في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، نشأت خلافات كثيرة بين قيادات ومشرفي الجماعة ما يُؤكد تنامي التنافس بين الأجنحة الحوثية حول الاستحواذ على هذه الأراضي.
ولعل أحدث نموذج على ذلك، هو الخلاف الحاصل بين رئيس ما يسمى بـ "الهيئة العامة للأوقاف" المدعو عبدالمجيد الحوثي، وأحد مشرفي الجماعة المدعو عبدالغني الرازحي (من أبناء محافظة صعدة وتربطه صلة قرابة بناطق الحوثيين يحيى سريع).
بدأت القضية في الظهور بعد انتشار فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي للمشرف الحوثي الرازحي وهو يقوم بإحراق نفسه أمام تجمهر لعناصر حوثية في ميدان السبعين بصنعاء مدعيا مظلوميته في نهب 1200 لبنة من أراضي الأوقاف من قبل رئيس الهيئة العامة للأوقاف وهي هيئة مستحدثة من قبل الجماعة للاستحواذ على أراضي الأوقاف دون حساب أو عقاب.
وبعد ذلك خرجت هيئة الأوقاف الحوثية عن صمتها، لتكشف في بيان لها - دون قصد – عن وجود صراعات داخلية في أوساط جماعة الحوثي حول الاستحواذ على أراضي الأوقاف والتي بعضها مملوكة ومؤجرة للمواطنين منذ قرابة 40 عاماً.
وذكر البيان الحوثي، أن المدعو عبدالغني الرازحي الذي يدعي المظلومية هو ضمن عصابة متورطة في نهب الأراضي ويتزعمها القيادي الحوثي جبران مصلح الشامي، والتي قال البيان إنه يرفض الاحتكام للقضاء، ويستغل نفوذه في أوساط الجماعة للتمرد على السلطات القضائية.
التفاف حوثي
يريد المدعو عبدالغني الرازحي، البسط على هذه المساحة من الأرض التابعة للأوقاف بذريعة أن ذلك يُعد استحقاقا لمشاركته مع الحوثيين في جبهات القتال وتقديمه لضحايا من أسرته وأقاربه في صفوف الجماعة. وفق ما كشفته مصادر مطلعة لـ"المجهر".
وتمسك الرازحي بتوجيهات من قبل زعيم الجماعة بمنحه هذه الأرض المحددة في شارع الستين بصنعاء، إلا أن القيادي عبدالمجيد الحوثي اعترض على تلك التوجيهات معتبراً الأرض تابعة للأوقاف بحكم أنه يترأس هيئة حوثية خاصة بذلك، واستولى على الأرض بالقوة وفرض عليها حراسة من عناصره.
فيما تشير المصادر إلى أن الأرض لا تعود ملكيتها لطرفي النزاع من قيادات الحوثي، وإنما هي لتاجر يدعى عبدالله القص، مضيفة أنه بذل جهودا كبيرة لاستعاده الأرض واستدعى القبائل لممارسة الضغط على الحوثيين ولكن دون جدوى.
وعلى إثر ذلك ظهر رجل الأعمال القص، بمقطع فيديو على "فيسبوك" يتحدث عن تعرضه للتهديد والتنكيل من قبل قيادات حوثية، ليتفاجأ باختطافه دون مبرر مع عدد من أولاده وأقاربه من قبل مدير مكتب هيئة الأوقاف القيادي الحوثي عبدالله عامر، وذلك عقب تقديمه لشكوى متعلقة باستيلاء الحوثيين على أرضيته.
وأضاف القص " أنا أرضي ودمي وحقي في (ذمة) عبد الله عامر هذا الرجل المتكبر، والمتعجرف والنهّاب، والذي يظلم الناس. يظلم الصغير والكبير.. لكني أناشدكم بالله، وبعظمة الله، أن تسعوا إلى قلع (إبعاده) هذا الرجل من أجل الفقراء والمساكين والضعفاء.
هيئة خاصة
سجلت سلطات جماعة الحوثي في صنعاء عشرات القضايا المتعلقة بنهب أراضي الأوقاف وتزوير وثائق "بصائر" مقيدة على 206 متهمين، كما قالت إن عملية التزوير والنهب تمت بتسهيل من قبل مسؤولين وموظفين في وزارة الأوقاف ومكاتبها (لم تسمهم) وكذا ممن يسمون أنفسهم "متولي الوقف والوصايا".
واستخرجت سلطات الحوثيون اعترافات كثيرة من الأشخاص المتهمين في أكثر من موضع في مديرية سنحان وبني بهلول، الروضة، دار سلم، وبني حشيش، وقالت الجماعة إنه تم التصرف في موضع واحد فقط بقرابة 10 لبنة. وفقا لوكالة "سبأ" الخاضعة لسلطات صنعاء.
بعض هذه القضايا هي لمواطنين يحملون وثائق أملاك حرة موثقة من وزارة الأوقاف، فيما تدعي جماعة الحوثي أن الوثائق التي يملكونها مزورة وتقول إن لديها وثائق عمرها أكثر من 700 عاما تثبت أن الأراضي عينها تعود للأوقاف.
ويبدو أن الرواية الحوثية فيما يتعلق بمسؤولي وموظفي وزارة الأوقاف الخاضعة لسيطرة الجماعة أصلا، كان لها أبعادها حيث اتجهت فيما بعد لإيجاد جهة بديلة لإدارة مهام الأوقاف عبر استحداث هيئة أوقاف تخضع لتوجيهات قيادات الجماعة بصورة مباشرة.
فمنذ منتصف العام 2019م وحتى يونيو/ حزيران 2021م، استحوذ مدير مكتب هيئة الأوقاف بأمانة العاصمة صنعاء عبدالله عامر، على نحو(1670) لبنة تتنوع بين أراض خاصة بمواطنين وتجار، وأخرى مملوكة للدولة وغيرها وقفية بعقود تأجير قانونية، بالإضافة للاستيلاء على 4 فنادق و23 محلًا تجاريًّا ومنشأة أعمال و7 أبراج ومباني أعمال.
وقام القيادي الحوثي عبدالله عامر بصك أكثر من 660 عقد تأجير للأراضي والمرافق المنهوبة خلال نفس الفترة، لتبلغ مساحة ما جرى تأجيره خلال عامين ونصف ما يتجاوز (5.2 مليون لبنة عشارية)، وتجني الجماعة من هذه العملية ما يتجاوز (2.4 مليار ريال يمني).
وتهدف قيادات جماعة الحوثي إلى السيطرة على أراضي الأوقاف في صنعاء التي قالوا إنها تصل إلى قرابة 70 % من إجمالي الأملاك المحددة في المحافظة وأمانة العاصمة الخاضعة لسيطرتهم.
إيرادات عالية
حقق مكتب الأوقاف في العاصمة المختطفة صنعاء تزايدا في حجم الإيرادات خلال الثلاث السنوات الأخيرة بنسبة 210 % عما كان عليه في السابق، وفقا لتقرير صادر عن المكتب.
ووفقا للتقرير فقد وصلت إيرادات الفرع من إيجارات المباني ومأذونيات ورسوم تنازل يد ومقابل إيجارات الأراضي السنوية وإيرادات زراعية وعائدات مالية وغيرها إلى 3 مليارات و568 مليونا و 653 ألفا و 859 ريالًا، بزيادة عن المقابل من العام 2019م مبلغ مليار و531 مليونًا و423 ألفًا و319 ريالًا.
مع ذلك، هذه الأموال الطائلة لم تنعكس بشكل مباشر وإيجابي على حياة اليمنيين، فلم تذهب إلى خزينة الدولة وبالتالي لم تُسهم في حل مشكلة المرتبات والخدمات التي حُرِمَ منها اليمنيون تعمُّدًا، بل ذهبت لصالح عمليات وأنشطة سياسية وطائفية وعسكرية تنفذها جماعة الحوثي.
ومن خلال دراسة هذا المثال البسيط، يمكن القول إنَّ مصادرة الأراضي بما فيها الزراعية منحت القيادات الحوثية مصادر إثراء، وبالمقابل اسهمت في تجويع كثير من الأُسر اليمنية في مناطق سيطرة الحوثيين.
وبطبيعة الحال فقد أدت هذه الممارسات الحوثي إلى فقدان الكثير من الأسر لمصادر رزقها، ما دفع بالبعض التوجه إلى جبهات القتال أو تأييد جماعة الحوثي سياسيا وأمنيا مقابل حصولهم على سلة غذائية تُقدِّمها المنظمات بعدما كانت الأسرة تعتمد بشكل كامل على محصول الأرض.
احتيال حوثي
يجد المواطنون في منطقة عصر غرب صنعاء أنفسهم مطالبين من قبل جماعة الحوثي بإخلاء مساكنهم بعد عجزهم عن تسديد الإيجارات المتراكمة عليهم من المباني التي تزعم الجماعة ملكيتها للأوقاف، في حين وجه السكان اتهامات للجماعة بأنها تريد تسليم هذه المباني لموالين لها.
وتضمنت وثيقة صادرة عن هيئة الأوقاف التابعة للحوثيين، تهديداً واضحا بطرد سكان مباني الأوقاف في عصر، دون مراعاة لظروفهم المعيشية الصعبة خصوصا في ظل توقف الرواتب منذ سبتمبر/ أيلول من العام 2014م بفعل الانقلاب الحوثي.
وفي وثيقة أخرى، تزعم هيئة الأوقاف الحوثية أنها تريد تحويل هذه المباني والأراضي الموقوفة في عصر إلى مشاريع استراتيجية وسياحية في المنطقة تعود فوائدها على أبناء المنطقة وتصرف عائداتها بحسب الوصية المزعومة في الوقف.
واعتبر أهالي المنطقة هذه الإغراءات "مصيدة" نصبها لهم القيادي عبدالمجيد الحوثي رئيس ما يمسى "هيئة الأوقاف" من أجل التنازل عن أراضيهم التي تدعي الجماعة أنها وقف في وصية لأحد الأئمة منذ ما يقارب 700 عام.
هذه الإغراءات انتهجتها جماعة الحوثي في عدد المحافظات والمدن الواقعة تحت سيطرتها كما حدث في عدد من قرى مديرية بني مطر، والغرض منها الاحتيال على الأهالي ومحاولة إقناعهم للتنازل عن أراضيهم وممتلكاتهم التي تدعي وقفيتها.
أوقاف إب
تتحدث مصادر في هيئة المساحة والسجل العقاري، ومكتب الأوقاف، بأن إجمالي مساحة أراضي الأوقاف في إب تشكل نحو ثلثي مساحة المحافظة البالغة (5552) كيلومتر مربع، في حين لا يوجد تفسير تاريخي لتخصيص كل هذه المساحة كأراضي أوقاف.
وفي إب كغيرها من المحافظات والمناطق الخاضعة لسلطة جماعة الحوثي، شرعت بعض الأُسر السلالية الموالية للجماعة بنهب ومصادرة أراضي كبيرة باسم الأوقاف بما في ذلك أراض زراعية وجبال واسعة لمتنفذين حوثيين تحت مبررات كثيرة من بينها ذرائع الاستئجار والاستثمار، وأخرى هدايا وجهت بها قيادات الحوثي لمشرفين ومسؤولين من أبناء صعدة وعمران وصنعاء.
وتزامن ذلك مع عمليات نهب واسعة لأموال الأوقاف وصرفها في غير مصارفها، وتحول صندوق الأوقاف في المحافظة إلى صندوق احتياطي لمسؤولي حوثيين في المحافظة والمحافظات الأخرى الخاضعة للجماعة، ويتم تخصيصها لتنفيذ أنشطة طائفية كتلك المتعلقة بيوم الغدير والمولد وذكرى مصرع مؤسس الجماعة.
كما يقوم مكتب الأوقاف في إب بتحويل أموال الأوقاف إلى أرصدة لقيادات الحوثي وأخرى لدعم جبهات القتال، ومؤخرا توريد معظم عائدات المكتب والمقدرة بمئات الملايين إلى صنعاء، ومنها إلى عمران وصعدة، في الوقت الذي تتعرض فيه مساجد إب ومأثرها للاندثار والإهمال والافتقار إلى أدنى الخدمات.
وفي سابقة جديدة، ذكرت وثائق رسمية نهب مساحة مقابر وقفية في إب وتحويلها إلى ممتلكات شخصية من قبل نافذين حوثيين، وبحسب المستشار الإعلامي لمحافظ محافظة إب إبراهيم عسقين، فقد شهدت المحافظة خلال سنوات الانقلاب الحوثي أكثر من 100 عملية سطو على مقابر، تصدى الأهالي لعدد منها فيما تم تمرير عملية السطو في معظم تلك العمليات بقوة السلاح.
أسعار خيالية
شهدت محافظة إب الخاضعة لسيطرة الحوثيين، خلال العام الحالي، موجة تصاعد في جرائم السطو على الأراضي والعقارات التي تعود ملكيتها للدولة والأوقاف وكذلك الأملاك الحرة، في ظل الارتفاع المبالغ فيه بأسعار الأراضي والعقارات في المحافظة.
وترتكب عناصر جماعة الحوثي جرائم وانتهاكات واسعة ضد السكان في المحافظة منها على سبيل المثال عمليات القتل والإصابات والتعقب والملاحقة والخطف والقمع والتنكيل، في سبيل نهب الأراضي والعقارات التي تعد مصدر إثراء للقادة الحوثيين وتمويل فعاليات الجماعة ذات الأبعاد الطائفية والتدميرية.
ولعل أبرز عملية حدثت في المحافظة هو قيام الجماعة، في أكتوبر الماضي، بتأجير مقر "قيادة قوات الأمن المركزي" الكائن في مفرق جبلة جنوب إب لصالح قيادي حوثي ينحدر من محافظة صعدة (معقل الجماعة) تحت ذريعة إقامة مشروع ترفيهي.
وقبلها بأيام قام مشرف حوثي يدعى أبو العباس عامر، بالسطو على شقة سكنية تتبع مكتب الأوقاف في منطقة "الشعاب" بمديرية المشنة شرق إب، بقوة السلاح ليحولها مقرا خاصا بعناصر ومرافقيه.
وفي يوليو/ حزيران من العام الجاري، قام القيادي الحوثي هاشم العواضي بنهب أرضية تابعة للأوقاف تبلغ مساحتها 65 قصبة في منطقة "الصلبة" بالقرب من الإستاد الرياضي بمديرية الظهار وسط مدينة، بقوة السلاح مستغلاً نفوذه وسط تواطؤ من قبل الجهات المعنية. (بلغ سعر القصبة جوار الأرضية أكثر من 100 مليون ريال عملة قديمة).
بالرغم من أن محافظة إب لا تخضع لسلطات الحكومة الشرعية إلا أن محافظ المحافظة المعين من قبل الشرعية عبدالوهاب الوائلي، أصدر قرارا ببطلان الإجراءات التي تمت من قبل إدارتي الأوقاف والهيئة العامة للأراضي، منذ 21 سبتمبر 2014م، إلى أن يتم استعادة المحافظة.
كما هو الحال مع وزارة الأوقاف في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، التي أصدرت في فبراير 2017م قرارا وزاريا يقضي بحظر التصرف بأموال وعقارات الأوقاف التي تقع تحت الولاية العامة بأي شكل من الأشكال، سواء بالإيجار أو البيع أو المناقلة، مؤكدا على بطلان أي تصرف في أموال الأوقاف المبرمة منذ سيطرة الحوثيين على مؤسسات الدولة في صنعاء بتاريخ 21/9/2014م.
أوقاف سلالية
يتفق رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث الاستراتيجية عبدالسلام محمد، مع غيره من الكتاب والمحللين السياسيين على أن الحوثيين يتخذون نهج أجدادهم الأئمة عندما حكموا أجزاء من اليمن وصادروا أوقاف الناس باعتبارها أوقاف للسلالة.
يقول الباحث اليمني عبدالسلام محمد في حدثيه لـ"المجهر"، إن السلاليين عادوا اليوم من جديد بغطاء جماعة الحوثي في محاولة للسيطرة على أموال وأملاك الأوقاف، كما قاموا بنهب بعض الأملاك الحرة مدعيين أنها وقف وعملوا على تغيير وثائقها وبيعها لصالح أفراد ينتمون للجماعة غير المُلاك الحقيقيين.
ويرى الباحث عبدالسلام محمد، أن الحوثيون يعمدون إلى السيطرة على أموال الأوقاف لعدة أسباب أبرزها:
- السيطرة على أراضي الأوقاف والسعي لكسب أراضي وعقارات كبيرة حتى يكونوا من كبار المُلاك، اعتقادا بالعُرف السائد في الأرياف والقرى اليمنية بأن " كبار المُلاك هم من يقودوا القوم".
- إجراء عملية تغيير ديموغرافي، كون معظم الناس الذين استقدمتهم الجماعة من صعدة وبعض المناطق الريفية إلى صنعاء منحتهم أراضي باعتبارها ملكية خاصة بهم من أجل إيجاد كتلة سكانية من أتباعها داخل العاصمة المختطفة صنعاء ومحيطها.
- يتخذ الحوثيون من نهب أراضي الأوقاف أبعاد تجارية واستثمارية من أجل الاستفادة الاقتصادية والمالية.
ويشير إلى أن جماعة الحوثي عملت على نهب أكبر قدر ممكن من أموال وأراضي المواطنين في مناطق سيطرتها في ظل حكمها، وهي نفس ممارسات أجدادهم في فترة حكم الأئمة.
ويختتم عبدالسلام محمد حديثه بالقول إن "الحوثيين يهيئون أنفسهم في حال خروجهم من السلطة بأن تكون لهم قدرة في السيطرة على مفاصل السلطة من خلال أراضي وعقارات الدولة التي باتت تحت أيديهم".
مرتكزات اقتصادية
يبدو أن توجه جماعة الحوثي نحو السيطرة على أراضي الدولة والأوقاف يأتي ضمن إجراءات كثيرة اتخذتها الجماعة، مثل مضاعفة الجبايات وكذلك الدور الذي تقوم به هيئة الزكاة.
ووفقا لرؤية الصحفي اليمني سلمان المقرمي، فأن كل هذه الإجراءات وما شابهها تهدف جماعة الحوثي من خلالها إلى تجريد اليمنيين من المال والثروة وكل أسس النشاط الاقتصادي في مناطق سيطرتها.
ويشير الصحفي المقرمي المختص بشؤون جماعة الحوثيين، أن العقارات تُعد أحد أهم مرتكزات النشاط الاقتصادي، في الوقت الذي يشغل أهمية كبيرة في اليمن تفوق قيمته الفعلية.
وفي حديثه لـ"المجهر" يقول " عندما يقوم الحوثي بتجريد اليمنيين من المال والعقار فهو يجردهم من القدرة على المقاومة في المستقبل" لأنه ووفقا لتصور المقرمي فأن الحوثي يسعى من وراء السيطرة على أملاك وأموال الأوقاف إلى تجريد اليمنيين من هذه القوة.
ويشير إلى أن الحوثي يحاول اخماد أي مقاومة يمنية محتملة، في نية لاستنساخ بناء الضواحي كضاحية بيروت، مضيفا أن " كل ما يقوم به الحوثي من إجراءات سياسية واقتصادية وعسكرية كلها تتركز في تجريد اليمنيين من أدوات القوة".
لماذا الأوقاف؟!
مكنت جماعة الحوثي قيادات موالية لها من الحصول على عقود طويلة الأمدر لأراضي الأوقاف وبدون شروط، بمبالغ لا تزيد عن 200 ريال يمني شهريا لـ "اللبنة" الواحدة، كما باعت مساحات أخرى بمبالغ لا تتجاوز مليوني ريال لـ "اللبنة" أي بما يعادل 10 % من قيمة الأرض الفعلية.
وفي المقابل، ترفض الجماعة منح بقية المواطنين أي مساحات من أراضي الأوقاف في مناطق سيطرتها، سواء للبيع أو للاستئجار، فبالرغم من استعداد بعض المواطنين للالتزام بكافة الشروط إلا أن الجماعة ترى أن الشرط الرئيسي للحصول على أراضي الوقف هو الولاء والتعبية لها.
يشار إلى أن من شروط بيع وتأجير أراضي الأوقاف، هو الالتزام بدفع مبلغ 1000 ريال يمني شهرياً مقابل إيجار (اللبنة)، و 300 ريال شهرياً مقابل كل لبنة في حال تم شراء الأرض من الأوقاف، الذي يتم بدفع 25% من قيمة الأرض الرسمية، وهذا بحسب الشروط التي وضعتها وزارة الأوقاف في العام 2010، في حين من المفترض أن تتغير الأسعار بحسب المكان والزمان وسعر الصرف.وفي حين تدعي جماعة الحوثي أن أموال الأوقاف تذهب لصالح المساجد ودور العبادة بيت الله، يدرك اليمنيون أن ما تحصل عليه الجماعة من هذه الأموال يذهب لصالح إثراء العناصر الحوثية السلالية ودعم جبهات القتال ورعاية أنشطتها الطائفية التي تستهدف استبدال الهوية اليمنية بـ "الهوية الإيمانية".
وتاريخياً، تمكن الأئمة المتعاقبين على الحكم في صنعاء وما جاورها من نهب الأوقاف سواء أكان أراضي أو عقارات أو أموال، بالإضافة إلى النقل والمعارضة بين الأملاك الخاصة وأملاك الأوقاف في المناطق التي كانت تخضع لهيمنتهم.
واستخدموا بذلك حيلاً وأساليب متعددة للالتفاف حول النصوص الدينية والقانونية التي تحرَّم وتجرَّم استغلال أموال الأوقاف التي كان يجدون فيها فرصة لإثراء أنفسهم والآخرين من أبناء عمومتهم السلاليين.
المصادر:
- عدة وثائق متعلقة بالملف حصل عليها "المجهر".
- تقرير صادر عن وكالة سبأ التابعة لسلطة الحوثيين.
- تقرير صادر عن مكتب الأوقاف في صنعاء
- كتاب الجريمة المركبة.. أصول التجويع العنصري في اليمن – للباحث والكاتب الصحفي همدان العليي.
- المستشار الإعلامي لمحافظ محافظة إب في الحكومة المعترف بها إبراهيم حمود عسقين.
- رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث الاستراتيجية عبدالسلام محمد
- الصحفي اليمني المختص بشؤون جماعة الحوثي سلمان المقرمي
- مصادر أخرى مفتوحة.