في ظل الانفتاح الإعلامي والتطور التكنولوجي، أصبحت الموازنة بين حرية الصحافة ومكافحة التضليل الإعلامي تمثل تحديًا كبيرًا بالنسبة لكثير من الصحفيين اليمنيين؛ لا سيما مع بحث الكثيرين عن الشهرة والتفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي وتحول بعض الناشطين إلى ناقلين للأخبار اليومية في المجتمع، وميول بعض العاملين في هذا المجال لنشر العناوين الجذابة وتناول الموضوعات المثيرة بغرض جلب القُراء وزيادة عدد المشاهدين، على حساب المصداقية والمحتوى الهادف، ما يرقى لأن يصبح ظاهرة ملحوظة.
وتعد الشائعات إحدى أبرز الأدوات التي تستخدمها جماعة الحوثي الإرهابية، في حربها الإعلامية والسياسية داخل اليمن، بهدف تضليل الرأي العام، وتعزيز السيطرة الفكرية، وبث الفرقة في صفوف المجتمع اليمني، إذ تعتمد الجماعة على وسائل الإعلام التقليدية والرقمية لنشر معلومات مضللة تخدم أجنداتها العسكرية والسياسية.
فوضى رقمية
يرى أحمد شوقي، الكاتب السياسي، أن التضليل الإعلامي والشائعات من أخطر الأشياء والأدوات والوسائل التي يستخدمها المغرضين وأصحاب الفتن والنفوذ الخارجي وأي أطراف معادية لأي مجتمع.
وأضاف في حديثه لـ"المجهر" قائلا :"للأسف التضليل والشائعات أقامت حروب أهلية وداخلية وأشعلت الثورات وأدت إلى صراعات وإلى مشاكل غير عادية، وبالتالي ينبغي أن يكون هناك تحذّر أو تحفظ تجاه المعلومات التي تصل إلينا خصوصًا في عصر السوشيال ميديا التي انتشرت فيه الشائعات على نطاق واسع، في عصر الذكاء الاصطناعي والذي أصبح بالإمكان تزوير كل الوثائق والمستندات وكل الأصوات و كل التسجيلات والبيانات".
وأوضح شوقي أن أبسط مثال على التضليل في المجتمع اليمني هو التضليل الذي مارسته جماعة الحوثي الإرهابية، حيث قدمت خطابًا مختلفًا حول عدة قضايا، بينها قضية صعدة رغم أن الجماعة كانت أكبر منتهك لأبناء المحافظة، وهذه حقائق للأسف لم يتم تداولها على نطاق واسع في فترات الحروب الستة والعمليات العسكرية.
وأردف أن جماعة الحوثيين هي المدمر للواقع في صعدة، وصادرت الإمكانيات التي قُدمت لتعمير وبناء صعدة، أخذتها باسم أن الدولة سوف تقوم بنهبها، وبالتالي قامت بتقوية نفوذها العسكري.
وبحسب الكاتب السياسي، أحمد شوقي، فإن جماعة الحوثيين تمددت في عمران وحجة وغيرها من المناطق وصولًا إلى العاصمة المختطفة صنعاء، بفعل التضليل والشائعات، مؤكدًا: "كان هناك الكثير ممن شاركوا في التضليل حتى سيطر الحوثيين على صنعاء، وبالتالي في الحرب الحالية يعد التضليل أهم وسيلة لتوسع الفئات الطائفية على حساب المجتمع.
وأشار إلى أنه "حتى اليوم نحن نسمع أن الحوثي رجل دولة والحوثي لديه نظام، الوضع في مناطق الحوثيين أفضل والناس تعاني.. وهذا تأثير الشائعات التي تؤدي إلى خلخلة الوضع في مناطق الحكومة الشرعية".
وذكر مثالًا آخرًا: "في محافظة تعز النظام والقانون أفضل من أي محافظة أخرى رغم كل المشاكل التي نعاني منها، وهي مشاكل ناتجة عن ممارسات ديموقراطية وهذا شيء طبيعي وأيضًا عن اختلالات موجودة؛ لكن الإدارات الحكومية في تعز هي أفضل من كل المحافظات اليمنية ومع ذلك ستجد أن المواطن في تعز يرى بأن الوضع في المحافظات الأخرى أفضل وأن مستوى الفساد فيها أقل، بينما العكس هو الصحيح".
أداة صراع
من خلال نشر الشائعات والمعلومات المزيفة تسعى جماعة الحوثيين، إلى توجيه تفكير المواطنين وتضليل الحقائق وتقديم روايات منحازة للأحداث، وخلق حالة من الاضطراب والفوضى داخل المجتمع وبث الخوف وزعزعة الاستقرار خصوصًا في المناطق المحررة.
كما تستخدم الجماعة_ وفق مراقبين_ هذه الشائعات لتشويه سمعة معارضيها السياسيين والعسكريين ووصمهم بالعمالة والخيانة، وتهدف بذلك إلى ترسيخ معتقدات دينية وسياسية معينة تتماشى مع أيديولوجية الجماعة.
ففي اليمن لم تعد الشائعات مجرد أخبار زائفة بل أدوات تؤثر على الوعي الجماعي وتشكيل الرأي العام حول قضية معينة، فمع استمرار الحرب الحوثية والانقسام السياسي والاجتماعي، صارت تمثل الشائعات أداة مهمة من أدوات الصراع الإعلامي، التي تؤدي إلى تأجيج الفتنة والاقتتال بين أطراف الصراع.
وفي هذا السياق، يرى الصحفي بلال المريري أنه من الضروري التفريق بين موضوع الإشاعة (التضليل) والشائعة، بالنسبة للإشاعة هي خبر حقيقي يتم تضخيمه بشكل أكثر من الواقع الذي حدث فيه، أي تضخيم الأحداث وتصويرها ونقلها على غير حقيقتها؛ أما الشائعة فهي حدث مختلق ومصطنع تقوم بصناعته مجموعة من المطابخ التي تنشر هذه الشائعات في المجتمع لغرض معين".
وأوضح المريري في حديثه لـ"المجهر" أن هناك الكثير من أنواع الشائعات التي تنتشر بشكل مخيف ومرعب خاصة مع تأثيرها على المجتمع المحلي، فهي تربك الرأي العام وتعمل على ضرب النسيج الاجتماعي، وتساهم في خلق صراعات وانشقاقات داخل الطوائف والافراد والكيانات حتى داخل الأسرة أحيانًا.
مخاطر كبيرة
الكثير من المخاطر تترتب على هذه الشائعات، خاصة على مستوى الاقتصاد، فالشائعة تتسبب أحيانًا بسقوط أنظمة وانهيار دول، وفق الصحفي المريري، الذي أكد أن المكان الذي يجب أن يقف فيه الصحفي هو الحقيقة وعليه أن يتجنب تداول الشائعات أو نشرها، لأن الصحفي هنا يتحول من ناقل للحقيقة إلى مصدر من مصادر الأكاذيب.
هكذا يشكل انتشار الشائعات من قبل جماعة الحوثي خطرًا حقيقيًا على المجتمع اليمني، حيث يسهم في زعزعة الاستقرار وتعميق الأزمات؛ ويتطلب التصدي لهذه الظاهرة جهودًا متكاملة تشمل التوعية الإعلامية، تعزيز دور الإعلام المستقل، وتطوير سياسات حكومية رادعة تهدف إلى حماية المجتمع من مخاطر التضليل الإعلامي.
ويرى مراقبون أن جماعة الحوثي الإرهابية، تتعمد نشر الشائعات والمعلومات المضللة والأخبار الزائفة بهدف تأجيج الصراعات القبلية والمذهبية، مما يؤدي إلى تعميق الانقسامات، وتفكيك النسيج الاجتماعي داخل المجتمع اليمني، كما تلعب الشائعات الاقتصادية دورًا كبيرًا في التأثير على حركة الأسواق وأسعار السلع، مما يتسبب بحدوث اضطرابات اقتصادية واسعة، ناهيك أن الأخبار الكاذبة تسهم في إحباط المواطنين وإضعاف معنوياتهم خاصة في ظل الأوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد.
بين الحقيقة والتضليل
مع صعود الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي تغيّر مشهد الصحافة بشكل جذري، حيث أصبحت سرعة النشر والتفاعل مع الجمهور معيارين أساسيين، على حساب التحقق من المعلومات والالتزام بالمعايير المهنية، فالاضطراب المعلوماتي يشكل تحديًا أمام جهود حماية الصحفيين والناشطين، حيث يستغل الفاعلون المختلفون هذه البيئة لنشر معلومات مضللة تستهدف تشويه سمعة الصحفيين وتقويض حقوقهم، الأمر الذي يتطلب التصدي لهذه الظاهرة من خلال تعزيز التعاون بين منظمات حقوق الإنسان والمؤسسات الإعلامية لمواجهة حملات التشويه والدفاع عن حرية الصحافة.
لكن قبل مواجهة هذه الشائعات يجب التأكد من مصدرها أولًا، ومعرفة طرق انتقال الشائعة.. يشرح الصحفي بلال المريري لـ "المجهر": "تنتقل الشائعة وفق خمس أدوات أو طرق، بدءًا من مصدر الإشاعة مرورًا بوسيلة نقل الإشاعة هل هي وسيلة إعلامية مرئية أم مسموعة ومقروءة أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ والأخيرة أصبحت مرتع ومنبع خصب للشائعات، إلى جانب قراءة الأثر الذي تحدثه الشائعة على المجتمع، ومن هنا تبدأ مواجهة هذه الشائعات من قبل الصحفيين الذين يحملون الحقيقة".
ويشدد على ضرورة قيام الصحفيين بتوعية كافة اليمنيين وأن ينشروت التوعية داخل المجتمع المحلي، وتعريف الناس بمخاطر هذه الشائعات، سواء على النسيج الاجتماعي أو على النظام وعلى الحياة الاجتماعية بشكل عام، ويؤكد أهمية التّمرس على الأدوات التي يمكن أن يتم من خلالها التحقق من مصدر التضليل وبدء عشرات الصحفيين والمؤسسات والشركات بالشغل على تدقيق المعلومات لمواجهة الشائعات ومحاربتها حفاظًا على المجتمع من مخاطرها.
اضطراب معلوماتي
في بيئة تعصف بها الاضطرابات، يواجه الصحفيون تحديًا كبيرًا في التمسك بالمهنية دون الانزلاق إلى الانحياز، الذي يلعب دورًا سلبيًا في تآكل مصداقية وسائل الإعلام ويعمق الانقسامات المجتمعية، فالحفاظ على أخلاقيات المهنة بات نادرًا، بفعل استمرار الحرب وتعرض بعض الكتاب والصحفيين لضغوط سياسية وعسكرية تدفعهم للانحياز والتخلي عن الموضوعية، مما يؤثر على مصداقية الصحفي وكذلك المؤسسة الإعلامية التي يعمل لديها.
كما يواجه الصحفيون والناشطون في اليمن تحديات كبيرة في الدفاع عن حقوقهم، خاصة عند نقل المعلومات المضللة والتي يمكن أن تُستخدم لتشويه سمعتهم أو تبرير الانتهاكات ضدهم.. وبحسب حقوقيين فإن هذا الاضطراب المعلوماتي يجعل من الصعب على الجمهور التمييز بين الحقائق والأكاذيب، ويضعف جهود الدفاع عن حرية الصحافة، الأمر الذي يستدعي تعزيز الشفافية ودعم المنظمات التي تعمل على حماية الصحفيين والناشطين من الانتهاكات.
يقول الصحفي فؤاد الشارحي، إن الشائعات أصبحت اليوم هي ما يتم تداوله بكثرة في وسائل التواصل الاجتماعي وحتى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وكذلك المواقع الإخبارية، وبالتالي باتت الشائعات تُهدد النسيج الاجتماعي وتُهدد المشهد السياسي، نظرًا لسرعة انتشارها وتداولها بين الناشطين والصحفيين، بل أصبح الكثير من الصحفيين اليوم ينساقون خلف هذه الشائعات ويقوموا بالترويج لها.
ويؤكد الشارحي في حديثه لـ "المجهر"، ضرورة أن يكون الصحفي أكثر حرصًا على تتبع مصدر المعلومات وعلى دقة هذه المعلومات نظرًا لأن هناك الكثير من الوسائل التكنولوجية ومن المنصات التي يتم من خلالها التأكد من مصدر هذه المعلومات ومصداقيتها.
مواجهة الشائعات
يرى كثيرون أهمية غرس ثقافة التحقق داخل المجتمع، تجنبًا الوقوع في الخطأ والترويج للشائعات، مشيرين إلى ضرورة تدريب الصحفيين على أدوات للتحقق في الانترنت وكذلك المواقع المتخصصة في التحقق من مصادر الفيديوهات والصور والمعلومات، وهناك اجراءات تقوم بها بعض الجهات وبالتالي الصحفي أصبح عليه مسؤولية كبيرة بالتحقق من المعلومات الواردة وأيضا أن يكون لديه قياس عقلي قبل كل شيء.
فيما يرى محمد علي محروس، صحفي ومدقق معلومات أنه في ظل الانقسام السياسي والعسكري باليمن، وتأرجح المواقف على المستوى العام للمشهد في البلاد، يبرز تأثير واسع النطاق على المستوى الاجتماعي، فالبلد ليست بحاجة إلى المزيد من التأجيج والانقسام وإثارة الفوضى والتشرذم وبث الكراهية والعنف؛ بل بحاجة إلى التلاحم وتوحيد الأفكار والرؤى وطرح بناء وتجاوز المرحلة العصيبة؛ وبالتالي فإن الشائعات والمعلومات المضللة هي تؤجج الصراع وتؤدي إلى المزيد من التفكك ونحن لسنا بحاجة إلى هذا.
ويضيف محروس في حديثه لـ "المجهر": "أعتقد أنه لا يوجد صحفي ينساق خلف الشائعة والمعلومة المضللة، في ظل توفر الأدوات وإمكانيات وسهولة الوصول إليها، بكل بساطة هناك البحث بواسطة عدسة جوجل، وشيء في المتناول، وشيء مفتوح، أيضًا المصادر المفتوحة توفر لك المعلومة فتحتاج إلى بعض الجهد من أجل الوصول إلى المعلومة.. مهنتك ومبادئك وقيمك الصحفية تلزمك أن تقوم بهذا الشيء لا أن تكون ناشرًا للشائعات أو ناقلًا للمعلومات المضللة، لست بحاجة إلى أن تستهدف شخص أو جماعة أو مجموعة أو طرف أو حزب.. مقابل ماذا؟!".
وعن انسياق بعض الصحفيين والمنصات خلف الشائعات، يعلق محروس بقوله: "في ظل الفوضى المعلوماتية والاضطراب المعلوماتي، وانتشار واسع لوسائل التواصل الاجتماعي هناك من ينساق خلف هذه الشائعات من أجل الحصول على بعض التفاعل، وبالتالي يدخل في إطار الربحية ولفت الأنظار والحصول على الكثير من الإعجابات، إلى جانب التبعية والتوجهات وبعض الفرز الذي يحصل هناك سلوك نفسي معين في ظل استسلامنا الكامل لوسائل التواصل الاجتماعي وتحديد وقت كبير لها سواء برغباتنا أو غير ذلك.
ختاما؛ في ظل الأوضاع المعقدة التي تعيشها اليمن، يمثل التضليل الإعلامي تحديًا خطيرًا يجب التصدي له بحزم، فمع استمرار الحرب والانقسامات السياسية، تتعاظم خطورة الشائعات وتأثيرها السلبي على المجتمع، لذا فإن تعزيز الإعلام المستقل، ودعم الصحافة المهنية، وتثقيف الجمهور حول آليات التحقق من الأخبار، هي خطوات أساسية لمواجهة هذه الظاهرة، وحماية المجتمع من تداعياتها الكارثية.