مع اقتراب حلول شهر رمضان المبارك، تعيش مدينة تعز، جنوب غربي اليمن، حالة من التوتر والقلق جراء التدهور الاقتصادي والارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية الأساسية، حيث يتجلى ذلك في وجوه الأسر التي تكافح لتلبية احتياجاتها اليومية، وسط غلاء الأسعار الذي بات عبئا يثقل كاهل المواطنين.
آلاف الأسر لم تتمكن هذا العام من شراء متطلبات المعيشة كاملة، وبعضها اضطر لاستثناء أصناف عدة من السفرة الرمضانية والاكتفاء بتوفير الأساسيات في ظل تراجع القدرة الشرائية لدى شريحة واسعة من السكان خصوصا محدودي الدخل وموظفي القطاع الحكومي الذين تدنت قيمة مرتباتهم جراء الانهيار المستمر للعملة المحلية أمام العملات الأجنبية.
ورغم التحسن الطفيف في قيمة الريال اليمني الذي كان قد تجاوز 2300ريالا للدولار الواحد إلا أن المواطنين يشكون من عدم تراجع أسعار السلع التي تزامن ارتفاعها بشكل جنوني مع انهيار العملة المحلية في ظل غيابة الرقابة الحكومية على السوق لضبط الأسعار في ظل الوضع المعيشي المتدهور.
التأثير الاقتصادي
يرجع الخبراء الاقتصاديون الأزمة الحالية إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها تدهور قيمة العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، ما يؤدي إلى ارتفاع مستمر في أسعار السلع الأساسية.
يؤكد الخبير الاقتصادي وفيق صالح أن انهيار الريال اليمني هو العامل الأساسي وراء هذه الأزمة، قائلاً: "أسعار السلع لا تستقر عند مستوى محدد ولو لأيام معدودة، وذلك بسبب اضطراب سوق الصرف والانخفاض المستمر في قيمة الريال اليمني".
وأضاف في حديثه لـ"المجهر" إلى أن ارتفاع الأسعار في تعز ليس ناتجًا فقط عن تدهور العملة، بل يتأثر أيضًا بعوامل أخرى، مثل ارتفاع تكاليف النقل الداخلي للبضائع، وزيادة أسعار الشحن البحري، وفرض رسوم غير قانونية على شاحنات البضائع بين المحافظات.
كما شدد على أن غياب الرقابة الرسمية على الأسواق أدى إلى تفاقم الأزمة، حيث يتلاعب بعض التجار بالأسعار في غياب أي تدخل حكومي لضبط السوق.
شهادات من واقع المعاناة
تجسد معاناة المواطنين في تعز صورة مأساوية لارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية، حيث بات توفير المتطلبات الرمضانية أملا بعيد المنال للكثير من الأسر وهو ما يسرق فرحة الابتهاج بقدوم الشهر الفضيل خصوصا لدى الأطفال الذين اقترن في أذهانهم حلول رمضان بتوفر طقوس وتجهيزات معينة.
يقول محمد الشرعبي، وهو موظف حكومي من ذوي الدخل المحدود: "رمضان الذي كان شهر الخير والتكافل، تحول إلى شهر من المعاناة. الأسعار ترتفع بشكل جنوني، وراتبي بالكاد يكفي لنصف الشهر. كيف يمكننا مواجهة هذه الظروف الصعبة؟".
أما خالد النجار، وهو تاجر في أحد أسواق تعز، فيشير إلى أن الأزمة تطال الجميع، حيث يقول: "الناس تشتكي من الغلاء، ونحن كتجار نعاني أيضًا. الدولار في ارتفاع مستمر، والبضائع تصل إلينا بأسعار خيالية، والزبائن يلوموننا وكأننا السبب، لكننا لا نملك خيارًا سوى البيع وفق الأسعار التي نشتري بها".
بدورها، تسلط ولاء، وهي أم تعيل أسرتها، الضوء على صعوبة توفير الاحتياجات الأساسية: "كان بإمكاني تجهيز رمضان بميزانية معقولة، لكن اليوم حتى التمر أصبح باهظ الثمن. الأطفال لا يأكلون جيدًا، ونحن نكافح لتوفير الأساسيات. كنا نفرح بقدوم رمضان، أما اليوم، فنخاف منه بسبب الأعباء المالية التي يفرضها علينا".
غياب الرقابة
يرى خبراء الاقتصاد أن الوضع في تعز يتطلب حلولًا عاجلة، إذ يؤكد الدكتور هشام الصرمي الخبير الاقتصادي أن ارتفاع الأسعار في المدينة تفاقم بسبب صعوبة النقل عبر الطرق الوعرة، بالإضافة إلى ارتفاع الطلب على السلع نتيجة فتح منفذ الحوبان القصر.
وأضاف الصرمي أن العوامل الاقتصادية التي أدت إلى ارتفاع الأسعار تشمل زيادة الطلب الموسمي مع اقتراب رمضان، واستغلال بعض التجار لهذا الطلب لرفع الأسعار واحتكار بعض السلع.
وأشار في حديثه لـ"المجهر" إلى أن انخفاض قيمة العملة المحلية زاد من تكلفة الاستيراد، مما انعكس على أسعار السلع والخدمات، الأمر الذي يفاقم من معاناة السكان ويقلل من قدرتهم على تأمين متطلبات المعيشة.
من جهته، يؤكد أبو عبد الله القدسي، وهو تاجر مواد غذائية، أن ارتفاع الأسعارئئ أدى إلى تراجع الإقبال على الشراء، ما أثر على حركة الأسواق. موضحا: "كل يوم نشهد ارتفاعًا في الأسعار بسبب تذبذب سعر الصرف، والمواطن هو الضحية الأولى والأخيرة لهذا الوضع".
أما غازي محمد، وهو تاجر جملة، فيشير إلى أن الأسر أصبحت تقتصر على شراء الضروريات فقط، فيما انخفضت مبيعات المنتجات غير الأساسية، مما أثر على أرباح التجار وأدى إلى ركود في النشاط التجاري.
جهود تخفيف المعاناة
مع قدوم شهر رمضان، تبرز جهود الجمعيات الخيرية والمنظمات الإنسانية في محاولة لتخفيف العبء عن الأسر الفقيرة، لكن العديد من الأسر تشكو من محدودية هذه التدخلات التي تتقلص كل عام بفعل شحة التمويل الدولي الذي تتلقاه تلك المنظمات والجمعيات.
وفي هذا الصدد ، يشير الدكتور محمود البكاري، وهو نائب مدير مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بمحافظة تعز إلى أن المساعدات الإنسانية، مثل توزيع الزكاة والصدقات، تخفف مؤقتًا من معاناة المواطنين، لكنها ليست حلاً دائمًا للأزمة.
أضاف البكاري في حديثه لـ"المجهر" أنه لابد من تنظيم عملية تقديم المساعدات الإنسانية بشكل مستمر لضمان استفادة الفئات الأكثر احتياجًا بانتظام. مؤكدا أن الحل يكمن في تضافر الجهود بين الدولة والمجتمع للحد من الاستغلال وجشع بعض التجار.
واختتم المسؤول المحلي حديثه قائلاً: "يبقى السؤال الأهم: متى ستتخذ الحكومة خطوات فعالة لإنقاذ المواطنين من هذه الأزمة الاقتصادية الخانقة؟".
من جهتهم، يرى التجار في مدينة تعز أن الأزمة تتطلب حلولًا عاجلة، حيث يقول رياض القدسي: "إذا وجدت معالجات حكومية فورية لانهيار العملة، وتسهيلات لنقل البضائع دون فرض رسوم غير قانونية، فقد نشهد استقرارًا في الأسعار".
أما محمد سعيد، وهو تاجر آخر، فيشير إلى أن أسباب ارتفاع الأسعار تشمل انهيار الريال اليمني، وارتفاع تكاليف النقل والضرائب، مما يؤدي إلى زيادة تكلفة استيراد المواد الغذائية. مؤكدا أن غياب مبادرات التجار لمساعدة المواطنين يعود إلى عدم قدرتهم على تحمل الخسائر، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.
ختاما؛ يطرح الخبراء الاقتصاديون عدة حلول قد تساهم في تخفيف وطأة الأزمة على المواطنين أبرزها : تفعيل الرقابة على الأسواق: لضمان عدم احتكار التجار للسلع ومنع التلاعب بالأسعار، وتوسيع المساعدات الغذائية عبر الجمعيات الخيرية والمنظمات الإنسانية لتخفيف الأعباء المالية على الأسر الفقيرة بالإضافة إلى توفير الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء، مما يخفف التكاليف الإضافية على المواطنين.
تابع المجهر نت على X