منذ بداية إنقلاب الحوثيين على الدولة، ثمة شخصيات لعبت أدوارًا خفية في محاولة ترسيخ نفوذ الجماعة على محافظة تعز، بل استخدمت حضورها السياسي والاجتماعي لإعادة تشكيل خارطة الولاءات داخل المناطق والمديريات المحررة.
عبدالولي الجابري، أحد المشمولين بعقوبات الخزانة الأمريكية، وأبرز الفاعلين الذين كان لهم نشاطًا مكثفًا وعمل كهمزة وصل بين الجماعة المتمردة وشبكات محلية، كما كرّس مكانته لزرع خلايا نائمة واستقطاب شخصيات مؤثرة لصالح المشروع الحوثي؛ فمن هو الجابري؟ وكيف استطاع أن يؤسس شبكة تعمل في الظل لصالح الجماعة؟.
انخرط عبدالولي عبده حسن الجابري من أبناء تعز، مديرية المسراخ، في صفوف الحوثيين قبل عشرين عامًا، وشارك في بعض أنشطة الجماعة، إلى وقت اندلاع الحرب الحوثية في 2014، حيث ساهم بشكل كبير في عملية دخول الحوثيين إلى منطقة "المسراخ" بداية أحداث 2015، وتسبب بارتكاب جرائم وانتهاكات بحق المواطنيين وأبناء المديرية.
يقول مصدر خاص لـ "المجهر"، إن دور الجابري اقتصر في بداية الحرب على زعزعة الأمن والاستقرار في مناطق مديرية المسراخ، وساهم في تهديد النسيج الاجتماعي من خلال ممارساته وانتهاكاته بحق المدنيين، إذ حوّل منزله في ريف تعز إلى غرفة عمليات لإدارة المعركة الحوثية هناك، الأمر الذي أدى إلى قصفه بطيران التحالف العربي.
ويضيف المصدر، أن جماعة الحوثي عينت الجابري قائدًا لـ "اللواء 115 في تعز"، وأوكلت له مسؤولية إدارة ملف محافظة تعز، وهو ما يفسر محاولة الجابري لعرقلة عملية تحرير مديرية المسراخ من قبل المقاومة الشعبية آنذاك، ناهيك أن الرجل شارك في القتال بجانب العناصر الحوثية، وتعرض لإصابة بليغة في معركة تحرير المسراخ، كما ضحى بأحد أولاده أثناء قتاله لصالح الجماعة.
وتؤكد المعلومات بأن الجابري تقلد المنصب العسكري، عقب توليه منصبًا كعضو في مجلس النواب التابع للحوثيين (غير معترف به دوليًا)، ويعتبر مسؤولًا عن مديرية "المسراخ" لدى الحوثيين، ويقوم بمهمة التعبئة العامة والحشد والاستقطاب للقتال في صفوف الحوثيين، كما هو متورط في مسألة حصار تعز ومضاعفة معاناة المدنيين من خلال منفذ "الأقروض" كونه المسؤول المباشر عن المنطقة.
علاقات واسعة
من رجلٍ كان يُفترض أن يكون درعًا لحماية مدينته، تحوّل الجابري إلى سيف مسلّط على رقاب أهله، وأصبح جزءًا من آلة حرب تُحاصِر تعز وتُجوع أطفالها وتُدمّر بيوتها؟ فمن خلال تحليل نشاطه العسكري والسياسي، وارتباطاته المالية، ودوره في تجنيد الشباب وزرع الخلايا النائمة، نحاول فهم دوافعه وأهدافه.. هل هي مصالح مادية؟ أم ولاء أعمى؟ أم مجرد أداة في يد قوى أكبر؟.
في البداية لم يكتفِ الجابري بالقتال المباشر، بل عمل على استقطاب شخصيات اجتماعية ومشايخ من تعز لصالح الحوثيين، حيث وزّع الأموال والسلاح مقابل انخراطهم في القتال ضد أبناء المدينة، كما قام بتجنيد أقاربه وأبناء عمومته للقتال في صفوف الحوثيين، مما أدى إلى تمزيق النسيج الاجتماعي في تعز.
وعن الأسباب التي جعلت جماعة الحوثي تختار هذا الرجل تحديدًا لتنفيذ أجندتها في تعز، وذلك لأنه يمتلك شبكة واسعة من العلاقات مع قيادات حوثية بارزة، مثل "سلطان السامعي" عضو المجلس السياسي، و "عبداللطيف المهدي" قائد المنطقة العسكرية الرابعة، والمسؤول العسكري والأمني الأول للحوثيين في تعز، وكذلك علاقته بالقيادي "ناصر اللكومي"، مسؤول الحشد والتعبئة العامة في وزارة الدفاع الحوثية خلال السنوات الأولى للحرب، بحسب مصادر "المجهر".
وللجابري أيضًا ارتباطات قوية مع قيادات حوثية في صنعاء وصعدة، حيث يتم تكليفه بمهام لوجستية وأمنية داخلية تشمل تنسيق عمليات الحشد والتجنيد، إضافة إلى الإشراف على شبكات عناصر تقوم بزرع عبوات ناسفة وإثارة الفوضى في المناطق المحررة.
حشد واستقطاب
في مايو2024، كشف تحقيق خاص بموقع "المجهر"، تورط القياديين عبدالولي الجابري، وشقيه عبدالواحد الجابري وقادة آخرين، بعملية استقطاب نحو 250 شخصية من مشايخ ووجهاء وشباب ومهمشين من أبناء مديريات جنوب تعز، والتنسيق معهم لزيارة صعدة وقيادات الجماعة ومن ثم تولي مهام زعزعة الاستقرار في مديريات الحجرية.
لكن السلطات الأمنية والعسكرية في تعز، تحركت لضبط الشخصيات التي كانت ضمن زيارة الوفد والتحقيق معها عن دورها وطبيعة لقاءاتها مع قيادات الجماعة في صنعاء وصعدة قبل أن تفرج عن البعض بضمانات وتتحفظ عن مجموعة نتيجة حجم ضلوعهم بنشاط ومهام يستهدف أمن واستقرار المدينة ومديريات ريف تعز.
إلى جانب ذلك، ثبت تورطه بالإدارة والإشراف على شبكة عناصر تقوم بمهام زرع عبوات ناسفة في بعض المناطق والشوارع بالمدينة والريف واستهداف واغتيال شخصيات متعددة في تعز، أبرزها محاولة اغتيال رئيس الاستخبارات عبده البحيري منتصف العام الماضي، وفق تأكيدات واعترافات عناصر تم ضبطهم من قبل سلطات تعز الأمنية.
تجارة أم ولاء؟
وحسب مصادر "المجهر"، فإن دور الجابري يمتد إلى نشاطات مالية ولوجستية واسعة، حيث أسس شركتين في صنعاء، "شركة الجابري للاستيراد" و"شركة الجابري للسفريات والسياحة"، وفي العام2022، أنشأ "شركة الجابري للتجارة العامة والاستثمار" في صلالة بسلطنة عُمان، والتي وُجهت إليها اتهامات بالتورط في تهريب الأسلحة وعقد صفقات لصالح جماعة الحوثيين مع دول مثل روسيا.
وكشف تحقيق سابق لـ "المجهر" تورطت شركة الجابري في جهود تجنيد يمنيين للقتال في الصراع الروسي الأوكراني، حيث استدرجت شبابًا يمنيين للعمل في روسيا تحت وعود كاذبة، ليجدوا أنفسهم في ساحات القتال.
ومن خلال تتبع نشاطاته المشبوهة وتحركاته بين الداخل والخارج، أدركت الخزانة الأمريكية مدى تأثير وخطورة هذا الرجل خصوصًا المهام اللوجستية والأدوار الأمنية التي يقوم بها تحت غطاء شركته الوهمية.
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على عبدالولي الجابري بسبب دوره في تجنيد الشباب اليمني للقتال في صفوف روسيا، وتشمل هذه العقوبات تجميد أصوله وحظر تعاملاته المالية، حيث يرى مراقبون أن فرض العقوبات ستحد من نشاطه وتحركاته وستؤثر على ارتباطاته بشبكات النفوذ وعلاقاته في الداخل وبعض الجهات الخارجية التي يتعامل معها في المهام اللوجستي.
تابع المجهر نت على X