في خطوة جديدة، تحمل تداعيات اقتصادية وسياسية هامة، أعلنت غالبية البنوك اليمنية في العاصمة المختطفة صنعاء، عن قرارها بنقل مقراتها وأعمالها إلى العاصمة المؤقتة عدن؛ ويأتي هذا التحرك تفاديًا للعقوبات الصارمة التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية بعد أيامٍ من بدء تنفيذ قرار تصنيف جماعة الحوثي منظمة إرهابية أجنبية.
ويوم السبت، أعلن البنك المركزي اليمني في عدن، أنه تلقى بلاغًا خطيًا من غالبية البنوك التي تقع مراكزها في صنعاء يُفيد بأنها قررت نقل مراكزها وأعمالها إلى العاصمة المؤقتة عدن، تفاديًا لوقوعها تحت طائلة العقوبات الصارمة التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية وبدأت إجراءات تنفيذها مؤخرًا.
ويضيف البنك في بيان صحفي يؤكد استعداده وجاهزيته لتقديم كافة أشكال الدعم والحماية الممكنة لجميع البنوك والمؤسسات المالية والاقتصادية لضمان استمرارها في تقديم خدماتها للمواطنين اليمنيين في الداخل والخارج وفي جميع المحافظات.
ويوضح البيان استعداد البنك المركزي الحكومي للعمل مع كافة المؤسسات المالية والإغاثية الدولية والإقليمية، والتعاون معها بما يحفظ النظام المصرفي في اليمن ويمكنها من مزاولة أعمالها ومهامها دون معوقات، مشيرًا إلى أنه سيعمل على التأكد من تنفيذ قرار النقل الكامل وسيصدر شهادات بذلك.
ودعا المركزي اليمني بعدن، جميع البنوك والمؤسسات المالية والاقتصادية إلى التعامل مع الحدث بمسؤولية وعناية فائقة من أجل الحفاظ على ممتلكات المواطنين، واستمرار خدماتها، وتجنب أي عواقب غير مواتية تعقد التعاملات مع النظام المالي والمصرفي المحلي والإقليمي والدولي، كما دعا الجميع للتعامل بمسؤولية وطنية تأخذ في الاعتبار مصلحة المواطنين والبلد، تفاديًا لمزيد من التعقيدات والمعاناة.
انتقال مفاجئ
تعود أسباب نقل البنوك لمقراتها إلى عدن في هذا التوقيت إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها التصنيف الأمريكي للحوثيين، وحظر التعاملات المالية والأنشطة التجارية الممولة للجماعة، إلى جانب فرض عقوبات على كيانات وأفراد مرتبطين بالحوثي، وشملت العقوبات أيضًا "بنك اليمن والكويت"، لتورطه في تمويل ونقل أموال وتسهيلات لوصول الحوثي إلى التعاملات المصرفية الدولية، والتعاون مع الحرس الثوري الإيراني.
وفي مارس الجاري، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنها قررت تطبيق تصنيف جماعة الحوثي كـ"منظمة إرهابية أجنبية"، وأصدرت الخزانة الأمريكية عدة قرارات وتعليمات تتعلق بالمشتقات النفطية ونظام الاتصالات وغيرها، إضافة إلى الشبكات المالية للحوثيين، مع إدراج عدد من قياداتهم في قائمة العقوبات، الأمر الذي جعل البنوك تواجه مخاطر قانونية ومالية كبيرة في حال استمرارها بالعمل من صنعاء.
ويرجح مراقبون أن نقل المقرات الرئيسية للبنوك إلى عدن سيعزز من سيطرة الحكومة الشرعية على القطاع المصرفي والمالي، مما قد يؤدي إلى استقرار أكبر في السياسات النقدية والمالية، بل سيُمكّن البنوك من العمل في بيئة أكثر استقرارًا وأمانًا، بعيدًا عن الضغوط والإجراءات غير القانونية التي كانت تتعرض لها في صنعاء.
الخبير الاقتصادي وفيق صالح يقول لـ "المجهر: "في الحقيقة عملية نقل المراكز الرئيسية للبنوك التجارية والمصارف الإسلامية من صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين إلى المحافظات المحررة وإلى العاصمة عدن.. إذا تم تنفيذ هذه الخطوة بشكل كلي أعتقد أنها ستمثل خطوة كبيرة باتجاه إعادة ضبط الأوضاع الاقتصادية والنقدية في البلاد".
ويضيف صالح: "هذه الخطوة ستمكن من البنك المركزي اليمني في عدن المعترف بها دوليًا من إعادة ضبط السياسة النقديه في البلد، وتوحيد القرار المصرفي والقرار النقدي، وسينهي عملية أي ازدواج في القرارات المصرفية كما هو حاصل خلال السنوات الماضية.
تعافي الاقتصاد
نقل البنوك لمقراتها إلى عدن يحمل تأثيرات سلبية متعددة على جماعة الحوثي، التي ستفقد لوسيلة هامة للتحكم في التدفقات المالية والموارد الاقتصادية، وسيؤدي قرار انتقال البنوك إلى صعوبة حصول الحوثيين على التمويلات اللازمة لعملياتهم، مما قد يحد من قدرتهم على تمويل أنشطتهم العسكرية والمدنية، وستتعمق العزلة الاقتصادية للمناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة، مما قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع المعيشية للسكان هناك.
ورغم التحديات التي قد تواجهها البنوك في عملية الانتقال، إلا أن هذه الخطوة قد تسهم في تقليل نفوذ الحوثيين على القطاع المصرفي، وتفتح آفاقًا جديدة لتعافي الاقتصاد اليمني.
وفي حديثه لـ المجهر" يوضح وفيق صالح: "نقل المقررات الرئيسية للبنوك من تحت سيطرة الحوثيين سيعمل على تحويل كافة التحويلات النقدية الأجنبية إلى المحافظات المحررة، وتستفيد منها محافظات الحكومة، وستكون تحت نظر الحكومه الشرعية والبنك المركزي اليمني بعدن لأن حتى الوقت الراهن بقاء المقررات الرئيسية والمراكز المالية للبنوك في صنعاء يضع معظم التحويلات التي تأتي من الخارج خصوصًا تحويلات المنظمات الأجنبية وتحويلات المغتربين تحت تصرف الحوثيين، كافة التحويلات الخارجية الآن تحت سمع وبصر الحوثيين لأن المقررات الرئيسية للبنوك في صنعاء".
ويستطرد: "بعد عملية النقل إذا تم تنفيذها بشكل كلي، أعتقد أنه سيتم سحب هذه الورقة لها من تحت الحوثيين وسيتمكن البنك المركزي اليمني في عدن من إعادة ضبط مسار السياسة النقدية وإدارة الأنشطة المصرفية وتوحيد القرار المالي والقرار النقدي مما يقطع الطريق أمام المضاربين على التلاعب بقيمة العملة الوطنية وأعتقد أنه إذا تم تنفيذ الخطوة ستنتهي عمليه الانقسام النقدي وسيكون هناك السعر واحد للعملة اليمنية.
ويتابع: "التحديات اللوجستية والأمنية، لأن جماعة الحوثي لم ترضا بسهولة وأعتقد أنها لن تسمح للبنوك بنقل مقراتها الرئيسية للمحافظات المحررة، ستعمل على اختلاق العديد من المشكلات ومصادرة الأصول والممتلكات التابعة لهذه البنوك، إن لم تتوصل البنوك إلى صفقة مع الحوثيين يتم بموجبها السماح لها بنقل مقراتها الرئيسية أو على الأقل أن القرارات الدولية والعقوبات تضغط على الحوثيين بحيث أنها تؤثر عليها بشدة إلى درجة أنها لن تستطيع معاقبة البنوك التي تريد أن تنقل إلى المحافظات المحررة".
وعن التحديات التي قد تواجه البنوك أثناء نقل مقراتها الرئيسية، يؤكد وفيق صالح: "هناك تحديات لوجستية وفنية، وتحديات في البنية التحتية.. تحتاج هذه البنوك إلى مقرات هائلة وإلى كثير من الأشياء مثل النقد الأجنبي والأصول والاحتياطات ما تزال في صنعاء بالبنك المركزي".
ويشير إلى أن هناك تحديات فنية ولوجستية كبيرة؛ ولكن إذا كان المجتمع الدولي والخزانة الأمريكية جادة في هذا الموضوع أعتقد أنه سيتم تقديم كافة التسهيلات اللازمة للبنوك من أجل نقل المقرات إلى المحافظات المحررة وتجفيف المنابع الإيرادية على جماعة التي تجنيها من القطاع المصرفي ومن البنوك التجارية.
تابع المجهر نت على X