ثمة أدوات تعتمد عليها جماعة الحوثي الإرهابية منذ بداية انقلابها على الدولة وحتى اليوم، لتمويل عملياتها العسكرية وتعزيز سيطرتها على المناطق الشمالية، حيث ركزت بشكل كبير على إدارة موارد المشتقات النفطية، ورفضت الاعتماد على النفط المحلي القادم من "صافر" الخاضعة لسيطرة الحكومة، وبالمقابل سهلت عملية دخول واستيراد النفط الإيراني عبر ميناء الحديدة، بهدف الاستفادة من الرسوم الجمركية لهذه المشتقات.
في هذا التقرير، يستعرض "المجهر" كيف سيطرت الجماعة على شركة النفط في العاصمة المختطفة صنعاء، عبر قيادات حوثية غير مؤهلة، والكشف عن السبب وراء احتكار الحوثيين تجارة الوقود، وكيف تمكنوا من توجيه العائدات نحو تمويل أنشطتهم، فاستيراد النفط للحوثيين يسمح بإخفاء قنوات تمويلهم الرئيسية تحت غطاء التجارة القانونية والمساعدات الإنسانية، بحسب مراقبين.
هوامير النفط
يقول الكاتب الصحفي بسيم الجناني، إن جماعة الحوثي استولت على شركة النفط اليمنية، التي تعتبر أهم مورد مالي في كافة مناطق سيطرتها، مشيرًا إلى أن خلال سنوات الحرب تحول العديد من قادة الحوثي الميدانيين إلى مدراء عموم ومدراء فروع داخل شركة النفط وفروعها.
ويوضح الجناني، بأن أهم قيادي حوثي داخل شركة النفط، هو "محمد حسن اللكومي" القائم بأعمال المدير العام التنفيذي للشركة، تم تعيينه عام2015 كمشرف حوثي على منشآت رأس عيسى، وكان من أبرز المتحكمين بالسوق السوداء في تلك الفترة، لكنه بدأ يتوغل داخل شركة النفط بداية من فرع الحديدة إلى أن وصل إلى منصب نائب المدير العام التنفيذي للشركة ثم القائم باعمال المدير التنفيذي.
ويتابع الصحفي الجناني بأن القيادي محمد حسن اللكومي ليس من كوادر الشركة، وتم إدخاله إلى كمشرف ومسمى وظيفي "متدرب" حتى أصبح يتحكم بكل صغيرة وكبيرة في شركة النفط خاصة صفقات المشتقات النفطية المشبوهة.
فيما يتولى القيادي الحوثي "أسامة الخطيب" منصب نائب المدير التنفيذي لشركة النفط اليمنية للشئون المالية والإدارية، عُين بداية الانقلاب الحوثي كمشرف تابع لمحافظة حجة لدى شركة النفط اليمنية، لمتابعة تموين حجة بالمشتقات النفطية لمشاريع المياه والكهرباء، وفق حديث الجناني.
لكن القيادي "الخطيب" بدأ يتوغل داخل الشركة ليصبح في العام2018، نائبًا لمدير منشآت الحديدة، ثم مديرًا للمنشآت في المحافظة، وبعد ذلك عُين مديرًا لفرع الحديدة، حيث اشتهر في فترة بسرقة قطع غيار الخزان الإيراني وتسرب البترول من أحد الخزانات، ثم نُقل إلى صنعاء كنائب مدير فرع الأمانة وبعد ذلك عُين نائب المدير التنفيذي للشؤون المالية والإدارية حتى اليوم.
يؤكد الصحفي الجناني أن القيادي الخطيب قام بنهب كافة أثاث استراحة النفط التي كان يسكنها أثناء فترة عمله في الحديدة، وتعمد نقل كل الأثاث إلى العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرًا إلى أنه ليس من كوادر الشركة وتم إدخاله الشركة كمتدرب ليصبح من كبار الهوامير واللصوص في الشركة.
نقطة التوغل
وفي محافظة الحديدة، يتولى القيادي الحوثي "عدنان محمد الجرموزي" حاليًا منصب مدير عام لفرع شركة النفط، ففي بداية سنوات الحرب عُين كمشرف لمتابعة أعمال الشركة، حيث بدأ يتوغل داخل الشركة حتى أصبح نائبًا لمدير فرع الحديدة ثم مديرًا للفرع، وبعد ذلك انتقل إلى فرع صعدة قبل أن يتم إعادته مجددًا إلى فرع الحديدة حتى اليوم.
وحسب الصحفي الجناني فإن الجرموزي يُمرر كافة ملفات الفساد للمركز الرئيسي وبقائه في الحديدة يخدم قيادات الحوثيين، إذ يشتهر بنهب مستحقات الموظفين ويعتمد على استراتيجية تأخير صرف الرواتب ومراكمة مستحقات الموظفين ثم يقوم بصرف الفتات.
ويشير إلى أن الجرموزي ليس من كوادر شركة النفط، جاء كمشرف مسلح ثم تحول إلى مسؤول، ويعتبر أحد أبرز مشرفي الحوثي وهوامير الفساد داخل شركة النفط، حيث تربطهم محافظة الحديدة كمحطة مهمة للتمدد والتوغل فلا نفط بدون الحديدة ولا ملاييين الدولارات بلا منشآت نفطية.
هكذا كانت الحديدة ولا تزال نقطة للتوغل وبسط نفوذ الحوثيين داخل شركة النفط وتهميش كوادرها لتسهيل عمليات الجبايات ومصادرة موارد النفط التي تصل إلى مناطق الحوثي.
استيراد الوقود
بشكل كبير تعتمد جماعة الحوثي الإرهابية، على الوقود المستوردة لتمويل عملياتها العسكرية، وتأتي هذه الإيرادات من خلال استيراد المشتقات النفطية وبيعها في الأسواق المحلية، حيث يتم تحويل العائدات إلى الصناديق العسكرية، وتؤكد تقارير بأن الجماعة تستخدم هذه الأموال لشراء الأسلحة وتجنيد المقاتلين وتمويل جبهات القتال ضد القوات الحكومية.
وتتجنب جماعة الحوثي استخدام النفط المحلي، وتُسهل دخول الدعم الإيراني المقدم كمواد نفطية عبر الموانئ التي يسيطرون عليها، مما يضمن تدفق الإمدادات دون عوائق، فاستيراد المشتقات النفطية يتيح لهم فرض رسوم جمركية عالية، مما يزيد من إيراداتهم المالية.
يقول مراقبون إن توجه الحوثيين لاستيراد المشتقات، يرجع إلى عدة أسباب تتعلق بتسهيل تدفق الدعم الإيراني، حيث يمنح استيراد النفط عبر موانئ الحديدة إمكانية الحصول على الدعم في صورة شحنات نفطية ومواد غذائية، مشيرين إلى أن هذا الإجراء يسمح بإخفاء قنوات تمويلهم الرئيسية تحت غطاء التجارة القانونية والمساعدات الإنسانية.
إلى جانب ذلك، تفرض الجماعة رسومًا جمركية باهظة على المشتقات النفطية المستوردة، حيث يتحمل المواطن العادي العبء الأكبر من هذه الرسوم عبر ارتفاع أسعار الوقود، وبحسب المعلومات فإن أسعار المشتقات النفطية في مناطق الحوثيين تزيد بنسبة تتجاوز 60% مقارنة بمناطق الحكومة الشرعية، وهو ما أدى إلى تفاقم الأوضاع المعيشية وارتفاع تكاليف النقل وأسعار السلع الأساسية.
زيادة الإيرادات
رغم الأعباء التي يتكبدها المواطنين في مناطق الحوثيين، تستمر الجماعة في جني الأرباح عبر هذه الضرائب، ففي إطار استراتيجية تنظيم الموارد وزيادة الإيرادات، عملت على تقنين بيع وتوزيع المشتقات النفطية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وقد أدى هذا التنظيم إلى اختفاء السوق السوداء نسبيًا، وبيع المشتقات النفطية عبر قنوات رسمية تخضع لرقابة الجماعة، ويساعد هذا النظام في ضمان تدفق الأموال إلى خزائن الحوثيين بدلًا من تجار السوق السوداء.
تشير تقارير إلى أن ميناء الحديدة يلعب دورًا محوريًا في استيراد المشتقات الإيرانية، ويتم استخدام الميناء كبوابة رئيسية لدخول المواد النفطية التي تدعم اقتصاد الحوثيين، وتؤكد بأن الحوثيين يفرضون رسومًا جمركية عالية على هذه المواد، مما يساهم في زيادة إيراداتهم، ويولد تدفقات مالية ضخمة تسهم في استدامة عملياتهم العسكرية رغم الظروف الاقتصادية المتدهورة في البلاد.
ووفقًا لتقرير صادر عن مبادرة "استعادة الأموال المنهوبة - ريغن يمن" بعنوان "موانئ الحرب"، حقق الحوثيون خلال عام واحد (من مايو 2023 حتى يونيو 2024) إيرادات بلغت 789.9 مليون دولار من خلال استغلال موانئ (الحديدة، الصليف، رأس عيسى)، وتعد هذه الإيرادات مصدرًا رئيسيًا لتغطية نفقات الحرب، وشراء الأسلحة، وتمويل التجنيد والتعبئة.
ويؤكد التقرير أن الجماعة تستخدم هذه الأموال في تمويل عملياتها العسكرية وشراء الأسلحة المهربة عبر البحر الأحمر، بدلًا من تحسين الخدمات الأساسية أو دعم الاقتصاد المحلي، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 40%، وإغلاق العديد من المصانع والمتاجر، وزيادة معدلات البطالة، وتفاقم أزمة الكهرباء.
وحسب التقرير فإن موانئ الحديدة لا تزال أحد الشرايين الاقتصادية الرئيسية التي تغذي آلة الحوثيين العسكرية، محذرًا من أن استمرار استغلالها في تمويل الحرب يشكل تهديدًا مباشرًا للاستقرار في اليمن والمنطقة، داعيًا المجتمع الدولي إلى تحرك عاجل لضمان استخدام عائدات هذه الموانئ في تحسين الأوضاع الإنسانية، بدلًا من توظيفها في تأجيج الصراع.
ودعا التقرير إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لوقف استغلال الموانئ في تمويل الحوثيين، مشددًا على ضرورة إغلاق موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى أمام حركة الاستيراد، وتحويل العمليات التجارية إلى موانئ عدن والمكلا، لضمان عدم استفادة الحوثيين من الإيرادات الضريبية.
انعكاسات
تهدف جماعة الحوثي، لتعزيز السيطرة الاقتصادية من خلال احتكار تجارة الوقود، كما يسمح التحكم في بيع المشتقات النفطية للجماعة بفرض ضرائب ورسوم جمركية مرتفعة، ومراقبة التدفقات المالية، والقدرة على إدارة نقص الإمدادات بطريقة تخدم مصالحها العسكرية والسياسية، ضمن الخطة الرئيسية لإدارة الأزمات، تحسبًا لأي أمر طارئ مثل فرض العقوبات الأمريكية ومنع تدفق الوقود مؤخرًا.
وتسببت سياسات الحوثيين المتعلقة بالمشتقات النفطية في تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، حيث أدى ارتفاع أسعار الوقود إلى تزايد معدلات الفقر، فمع ارتفاع تكاليف المعيشة، باتت شرائح واسعة من السكان غير قادرة على تأمين احتياجاتها الأساسية.
وحسب مراقبين فإن جماعة الحوثي الإرهابية، تسببت خلال السنوات الماضية بشلل في قطاع الخدمات، حيث تأثرت القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم نتيجة زيادة تكاليف التشغيل، إلى جانب أزمة النقل والإمداد، وارتفاع تكاليف النقل، مما أثر على توفر السلع الغذائية في المناطق النائية.
يدعو ناشطون إلى وضع حدًا لجماعة الإنقلاب، من خلال تعزيز الرقابة الدولية والإقليمية، وضرورة فرض رقابة مشددة على الشحنات القادمة إلى اليمن عبر التحالف العربي، لضمان عدم تهريب الوقود والسلع إلى المناطق التي تسيطر عليها الجماعة، وفرض عقوبات على الشركات والموردين الدوليين المتورطين في تسهيل استيراد البضائع عبر موانئ الحوثيين.
ويطالب يمنيون بتفعيل قرارات مجلس الأمن وتوسيع العقوبات الدولية على الحوثيين، بما يشمل منعهم من استغلال النظام المصرفي الدولي لإدارة عائداتهم غير المشروعة، إضافة إلى تعزيز التعاون بين الولايات المتحدة والتحالف العربي لمراقبة حركة السفن في البحر الأحمر، ومنع أي محاولات لتمويل الجماعة تحت غطاء التجارة الإنسانية.
تابع المجهر نت على X