في محافظة تعز، جنوب غربي اليمن تتفاقم التحديات الصحية في ظل الأوضاع الإنسانية المتدهورة، ويبرز مرض السرطان كواحد من أخطر المشكلات التي تهدد حياة مئات المواطنين، في ظل ضعف الإمكانات وغياب البنية التحتية اللازمة للتشخيص والعلاج.
وتشير التقارير الرسمية إلى تزايد ملحوظ في أعداد الإصابات، لا سيما بين الأطفال والنساء، وسط بيئة مليئة بالمخاطر الصحية، وتدهور مستمر في خدمات القطاع الطبي.
ولفهم أبعاد هذه الأزمة الصحية المتفاقمة، أجرى "المجهر" حوارًا خاصًا مع الدكتور مختار أحمد، رئيس المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان في تعز، ومدير مركز الأمل، الذي يعدّ أبرز المراكز التي تستقبل حالات الأورام في المحافظة.
كشف الدكتور مختار أحمد في حديثه عن نسب الإصابة المرتفعة، وأنواع السرطانات الأكثر شيوعًا، بالإضافة إلى الفئات العمرية المستهدفة.
نص الحوار:
س : ما أبرز أنواع السرطانات التي يتم تسجيلها في مركز الأمل خلال هذه الفترة بالذات؟ وما هي الفئات العمرية التي تشهد تزايداً ملحوظاً في الإصابات؟
بالنسبة لمركز الأمل، تمثل الإصابة بسرطان الثدي أعلى نسبة، يليه اللوكيميا (سرطان الدم)، ثم سرطان القولون والجهاز الهضمي.
أما بالنسبة للفئات العمرية، فنلاحظ أن نسبة الأطفال المصابين بأورام الدم (اللوكيميا) كبيرة جداً وعالية، حيث يمثل الأطفال 12% من إجمالي الإصابات الموجودة.
ويمثل سرطان الثدي 15% من نسبة الإصابة بشكل كامل، و30% من نسبة الإصابات على مستوى سرطانات النساء.
إن الأعداد والإصابات المتزايدة تحتاج إلى إجراء وجهد كبير، ونسعى حاليًا إلى فتح مركز للكشف المبكر عن سرطان الثدي وعنق الرحم والجهاز الهضمي والبروستاتا.
س: ما تفسيركم للزيادة الملحوظة في عدد الإصابات خلال النصف الأول من هذا العام؟ وهل هذه الزيادة مرتبطة بعوامل بيئية أو صحية محددة؟
لقد لاحظنا الزيادة بعد فتح خط الحوبان ودخول الحالات. بالطبع، فتح الطرق سهل وصول الحالات، لكن هذا ضاعف عدد الحالات والضغط على المركز، لذلك نستقبل اليوم حالات كبيرة ونعمل أكبر من طاقتنا.
الحالات التي تأتينا ليست فقط من تعز، وإنما من المحافظات المجاورة، فلدينا ما يقارب 140 حالة إصابة جديدة من المحافظات الأخرى.
هذه الظاهرة موجودة في البلاد، خصوصًا وأن البلاد مفتوحة ولا توجد رقابة على الاستيراد، ولا توجد مختبرات كافية.
إن حضور الدولة بمؤسساتها مهم جدًا، ويمكنها أن تحد من كثير من المشاكل وتقلل من هذه المخاطر.
س: كيف تقيمون أنتم في المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان، قدرة مركز الأمل على التعامل مع هذا العدد المتزايد من الحالات؟
هذه مشكلة كبيرة، ونحن نسعى جاهدين، ولكن السعة السريرية في المركز لدينا لا تتحمل العدد وغير قادرة على تغطية الحالات.
لا بد من وجود مركز كبير نموذجي بمساحة كبيرة وبعدد أسرة كبير، ونحن بحاجة إلى 200 سرير لاستقبال الحالات.
يوجد مشروع تتبناه برنامج الإعمار السعودي بهذا الشأن، وإذا تم هذا المشروع في أقرب وقت، فسوف يعمل على معالجة كثير من المشاكل. ونناشدهم بضرورة البدء بهذا المشروع.
س: ما طبيعة هذا المشروع الذي تتحدثون عنه؟
إنه مشروع كبير لبناء مركز للأورام، ويوجد فيه تدخلات غير موجودة في اليمن، مثل العلاج الإشعاعي والبتسكان والمسح الذري.
سيقدم هذا المركز خدمة تلامس جميع المرضى الذين يعانون من السفر للخارج لتلقي العلاج.
س: ما مدى صحة التقارير التي تشير إلى ارتباط ارتفاع الإصابات بتلوث البيئة أو المبيدات الزراعية والمواد الغذائية غير الخاضعة للرقابة، لا سيما في ظل الأوضاع التي تمر بها البلاد وتعز على وجه الخصوص بسبب الحرب والحصار المستمر منذ أكثر من عشر سنوات؟
السرطان منتشر عالميًا، ولا توجد أسباب خاصة في تعز. إنه منتشر عالمياً وعلى مستوى اليمن وتعز.
لا شك أن نسبة السموم التي تُهرب والمبيدات غير المراقبة، والتي تستخدم في الخضروات والفواكه وغيرها، هي أحد الأسباب الواضحة والكبيرة.
بالإضافة إلى طبيعة الحروب وما تخلفه هذه الحروب من أضرار وتبعات.
س: هل توجد دراسات أو تحاليل حديثة أجريت على تلوث مياه الشرب أو الأغذية أو الهواء في تعز لتحديد علاقتها بالأمراض السرطانية؟
بالنسبة للدراسات، يمكنكم مناقشة ذلك مع الأطباء، خصوصًا الذين لديهم التجربة مع مثل هكذا حالات.
تلوث المياه والبيئة لهما دور في ذلك، وهذه عوامل مساعدة للأعراض والانتشار والمرض.
بينما نحن نركز أكثر على ما نستطيع التدخل فيه، وهو الكشف المبكر، ونتكشف الحالة في مرحلتها الأولى ونعالجها في أقل وقت وأقل تكلفة، وهذا واجبنا الذي نقوم به.
س: حدثنا عن مدى التنسيق بين مركز الأمل ووزارة الصحة أو الجهات الدولية لتوسيع نطاق خدمات التشخيص والعلاج؟
نحن في المؤسسة الوطنية نمثل نموذج شراكة. مركز الأمل في تعز يمثل نموذج شراكة بين القطاع الحكومي ومنظمات المجتمع المدني والخيرين.
هذا المشروع أسس على هذه الفكرة، بحيث نكون جهة تمثل الحكومة والمجتمع المدني والخيرين والمنظمات الدولية.
هذا المبنى كان مبنى دولة، وفي البداية كان هناك كثير من البيوت التجارية، وأولها مجموعة هائل سعيد أنعم، كان لها الدور الكبير في تأسيس هذا المشروع.
س: كيف يتعامل مرضى السرطان وذووهم مع ظروف العلاج الطويلة والتكاليف المرتفعة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب؟
معاناة مريض السرطان طويلة ومستمرة، وكان هناك دور كبير للمؤسسة الوطنية من حيث العلاج والجانب النفسي والتدخلات اللازمة.
المعاناة تزداد مع شحة الإمكانات، ونجد حالات إنسانية غير عادية، حيث يترك المريض ويغادر.
تواجهنا ظروف صعبة للغاية. لا تتخيل أن رجلاً يترك زوجته تواجه مصيرها في المرض ويذهب، وهذه معاناة كبيرة نتيجة الظروف الصعبة لأنه لا يستطيع أن يتدخل، فهذه معاناة كبيرة.
س: هل هناك مبادرات أهلية ومجتمعية أو تبرعات من رجال الأعمال تساهم في دعم مرضى السرطان وتخفيف معاناتهم؟ حدثنا عن هذا الجانب.
تدهور قيمة العملة المحلية والفقر الموجود والإمكانات المحدودة، أصبح الدعم المحلي لا يكفي ولا يغطي شيئًا.
نحن بحاجة إلى مصادر مستدامة، أولها إنشاء صندوق لمكافحة مرضى السرطان، بحيث يكون هناك إيراد ثابت يؤمن الأساسيات، ويكون هناك نسبة من الموارد لصالح صندوق مكافحة السرطان.
نحن بحاجة إلى دعم الأشقاء والمنظمات الدولية، لأنه أصبح التعامل بشكل عام مع العلاج والأطباء بالعملة الصعبة.
س : ما أولوياتكم العاجلة لمواجهة التزايد المقلق في الإصابات؟ وهل هناك خطة طوارئ أو نداءات للتمويل؟
نحاول قدر الإمكان من خلال التواصل مع مدراء مراكز الأورام في اليمن لوضع خطة سريعة لإنقاذ الوضع والتحرك لدى الجهات الرسمية والرئاسة والحكومة، وإعادة النظر بالنسبة لتقديم الدعم اللازم بما يوازي الوضع وانهيار العملة، وتخصيص دعم للحالات، وتخصيص دعم خاص لتوفير الأجهزة اللازمة التشخيصية والعلاجية.
نريد من الجهات الرسمية، الحكومة ووزارة الصحة، أن يكون لهم دور كبير في التواصل مع الأشقاء والمنظمات الدولية لتأمين استقرار مراكز الأورام.
نعاني من نزوح المختصين والكوادر، ولا نستطيع أن نستمر نتيجة لذلك، ونتيجة نزوح الكوادر بسبب تعاملهم بالعملة الصعبة، ونحن عاجزون عن توفير ذلك.
بدأ الأطباء بالسفر والبعض انتقل إلى عمل ومكان آخر للبحث عن الاستقرار المعيشي المناسب.
ختامًا، يُظهر هذا الحوار حجم التحديات التي تواجه المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان في تعز، وضرورة تضافر الجهود المحلية والدولية لمواجهة تزايد حالات السرطان وتوفير الرعاية اللازمة للمرضى في ظل الظروف الصعبة.
إن دعوة الدكتور مختار أحمد لإنشاء صندوق لمكافحة السرطان وتأمين دعم مستدام، بالإضافة إلى مناشدته للجهات الرسمية والمنظمات الدولية، تؤكد على الحاجة الملحة لتدخلات عاجلة لإنقاذ حياة الآلاف من المرضى.
تابع المجهر نت على X