تعز تدفع ثمن التزامها الوطني.. المحور في مرمى التجاهل الحكومي (تقرير خاص)

تعز تدفع ثمن التزامها الوطني.. المحور في مرمى التجاهل الحكومي (تقرير خاص)

فيما لا تزال رائحة البارود تتسلل إلى قلب المدينة المحاصرة، حيث يخوض جنود الجيش الوطني معارك متقطعة ضد جماعة الحوثي الإرهابية في الهضاب والسهول المحيطة، يقف محور تعز كذلك أمام معركة أخرى أشد وطأة يقاوم فيها التجاهل والإهمال الحكومي في توفير الدعم اللازم.

ورغم أن محور تعز، وهو أحد أكبر الوحدات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع في المناطق المحررة، ظل منذ عشر سنوات في مواجهة مفتوحة مع الحوثيين، إلا أن الأعباء التي تحملها نتيجة ذلك باتت تهدد تقويض بنيته وسط حالة من الإنهاك المالي والإداري المستمر.

هذا الوضع الذي وصل إليه المحور اليوم، جعل من الضرورة إبراز الحديث عن أسباب تضاءل الدعم الحكومي لدرجة لا يكاد يُذكر، خصوصاً في ظل تمييز واضح مقارنة بالدعم المقدم لبقية المحاور والوحدات العسكرية باستثناء تعز التي تعتمد جبهاتها على تمويل ذاتي غير مستقر.

ومع كل مرة تحاول فيها قيادة المحور البحث عن حلول لتغطية الاحتياجات المالية المتزايدة، تصطدم بمراوغات إدارية من قبل السلطة المحلية في تعز ممثلة بالمحافظ نبيل شمسان، لا سيما في تجاهله لتوجيهات رئاسية صريحة بتوفير الدعم للمحور، وهذا بدوره يطرح الكثير من التساؤلات عن حقيقة ما يحدث خلف الكواليس.

 

لماذا تُستثنى تعز؟

 

تُظهر أزمة انقطاع الدعم الحكومي عن محور تعز، حجم الفجوة الحاصلة بين قيادة الشرعية وممثليها في المحافظات المحررة وبين واقع الجبهات، فكما أكد مصدر عسكري في قيادة المحور، أن الإمداد المتوقف منذ عامين، يتضمن كل أشكال الدعم من مصاريف الجبهات والوقود والدعم اللوجيستي المتعلق بأدوات الهندسة والصيانة، وغيرها.

وفي حديثه لـ "المجهر" يضيف المصدر الذي تحفظ عن ذكر اسمه، أن "التغذية كانت تصل قبل عامين، لنحو 15 ألف جندي منتشرين في جبهات المدينة والريف، لكن هذه الحصة تقلصت تدريجياً إلى نسبة لا تغطي 20% من الاحتياج" أي ما يقارب ألفي فرد فقط، ما شكَّل ضغطاً كبيراً على المحور.

ومنذ بداية تأسيس محور تعز كان الدعم الرسمي المُقدم له ضعيف مقارنة ببقية المحاور والمناطق العسكرية المنضوية في إطار الجيش الوطني، لكن ما حدث خلال العامين الماضيين بحسب مصدر مطلع في مالية المحور هو انقطاع شبه تام للإمداد، حيث لا يصل الدعم اليوم سوى أقل من 10 % من الاحتياج الكلي.

يقول المصدر إن اللجان الحكومية والعسكرية التي تزور المحور سنوياً، تتفاجأ من اتساع مسرح العمليات حيث يغطي (أكثر من 360 كلم)، مستغربا من التعامل الاستثنائي مع محور تعز وكأنه كيان خارج نطاق الدولة.

 

فجوة إدارية

 

حاول مجلس القيادة الرئاسي معالجة بعض جوانب الأزمة المالية لمحور تعز، عبر توفير دعم محدود لبعض البنود التشغيلية، إلا أن هذه الجهود واجهت واقع اقتصادي صعب يتمثل في تراجع الإيرادات المحلية وتوقف تصدير النفط وانهيار العملة.

هذا التقصير الحكومي في توفير الدعم المالي، لا يعفي السلطة المحلية في تعز من مسؤوليتها تجاه الوقوف مع الجيش في معركته ضد الحوثيين، لكن مصدر عسكري رفيع اتهم المحافظ شمسان بعرقلة كل التفاهمات التي تتم فيما يتعلق بتغطية مصاريف المحور.

ورغم صدور توجيهات صريحة من رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي خلال زيارته لتعز العام الماضي، ظل شمسان طوال هذه الفترة يتهرب من تنفيذ المطالب التي تُناقشها قيادة المحور مع جهات من السلطة المحلية.

التوجيهات التي اطلع "المجهر" على محتواها، تضمنت إلزام المحافظ بتسخير جزء من إيرادات السلطة المحلية لدعم الجبهات، يقول المصدر العسكري إن "كل ما يُطرح يبقى شفوياً دون التزام رسمي بدعم الجبهات، وكأن الغرض منه فقط امتصاص الضغط الحاصل على المحافظ بفعل تلك التوجيهات".

وبحسب مصدر في الحكومة اليمنية تحدث لـ"المجهر" فإن محافظ تعز يبرر رفضه لتنفيذ توجيهات رئيس مجلس القيادة، من خلال إثارة اعتراضات قانونية لا تتماشي مع طبيعة الوضع العسكري الذي فرضته المعركة المستمرة ضد جماعة الحوثي.

 

تمويل ذاتي


 
أمام انسداد أفق الدعم الرسمي، اضطر المحور إلى الاعتماد على مصادر دخل بديلة لتغطية الاحتياجات الأساسية للجبهات، وبحسب مصدر مالي في قيادة المحور، فإن هذه المصادر تنحصر فقط على ضريبة القات وإيرادات الوقود.

وفي حديثه لـ"المجهر" يقول المصدر إن اتفاقا تم بموجبه إضافة نسبة على ضريبة القات، بحيث تذهب الزيادة وهي (حوالي 5 ملايين ريال يومياً) لصالح المحور، لكنها لم تُصرف من قبل السلطة المحلية، ما اجبر المحور منذ شهرين على تحصيلها مباشرة باعتبارها "مبالغ مستحقة غير مدفوعة حسبما تم الاتفاق عليه".

كما يحصل المحور شهرياً على نحو 180 مليون ريال من مبيعات البترول والديزل، تُجمع عبر نقاط موحدة وتصرف بواسطة لجنة خاصة، إلى جانب إضافة مبلغ 500 ريال على كل أسطوانة غاز منزلي، وهو ما يحقق إيراداً شهرياً يصل تقريباً إلى 200 مليون ريال. بحسب المصدر.

كما يشكل المنفذ الشرقي لتعز عبئاً إضافياً على المحور، فمنذ افتتاحه قبل أكثر من عام شهد المنفذ تصاعداً في حركة المركبات التي تنقل المواطنين من وإلى المدينة مع مرور محدود للشاحنات، وهذا بطبيعة الحال يحتاج إلى قوة دائمة لتأمينه نتيجة قربه من خطوط التماس مع مواقع الحوثيين.

ولأن السلطة المحلية رفضت تحمل أي نفقات لتأمين هذا المنفذ، لجأ المحور إلى تولي المهمة بالكامل من ميزانيته الذاتية بحسب تأكيد المصدر المالي للمحور، والذي قال إن تغطية بعض هذه التكاليف يتم من خلال "تحصيل رسوم محدودة على الشاحنات حسب نوع الحمولة وحجمها".

ووفقاً للمصدر، فإن هذه الإيرادات مجتمعة لا تغطي الحد الأدنى من احتياجات الجبهات لأكثر من سبعة آلاف فرد، مع العلم بأن ذلك لا يشمل تغطية مصاريف الإداريين وأفراد الخدمات والحراسة.

 

المشهد العسكري

 
 
تشير التقديرات إلى أن الحد الأدنى للمصروفات الشهرية لكل فرد لا تقل عن 100 ألف ريال، تقوم لجان مالية تابعة للمحور بصرفها ميدانياً أسبوعاً تلو الآخر، وهو ما يعني أن الاحتياج الشهري يتجاوز 700 مليون ريال لتغطية المصاريف الشخصية للمرابطين في الجبهات.

والحقيقة أن هذا لا يمثل سوى جزء من الاحتياج الفعلي، لأنه ووفقاً لتقديرات مالية المحور فإن تغطية احتياجات التغذية والصيانة والوقود والمعدات والهندسة بجانب الدعم التشغيلي الكامل، يتطلب ما لا يقل عن 3 مليار ريال شهرياً.

وفي ظل استمرار غياب الدعم العسكري، تتزايد التحذيرات من احتمالية تأثير هذا النقص بشكل مباشر على جاهزية الوحدات التابعة للمحور، بما يتسبب في تعطيل أعمال الصيانة والجاهزية الفنية، كما قد يؤدي إلى تسرب بعض الأفراد، سواء عبر لجوئهم إلى الالتحاق بأعمال مدنية أو الانخراط في تشكيلات عسكرية أخرى تتلقى دعماً أفضل في مناطق مجاورة.

ويبقى التساؤل الجوهري الذي يطرحه كثير من المحللين السياسيين والعسكريين هو؛ لماذا يتم تجاهل محور بهذه الأهمية الاستراتيجية؟ حيث يرون أن ما يحدث في تعز لا يمكن فصله عن خارطة التوازنات العسكرية داخل البلاد.

فمحور تعز يُعد من أكثر التشكيلات التزاماً بالمرجعية الوطنية والدستورية، وهو ما قد تجده بعض الجهات النافذة عائقا أمام تنفيذ مخططاتها في إعادة هندسة المشهد العسكري بما يتناسب مع أجندتها ومصالحها، وليس بالضرورة مع مصلحة البلاد. وفقا لمراقبين.


 
أزمة مُركبة


 
سبق لقيادة المحور أن طرحت عدة مقترحات للتعامل مع الأزمة التي تمر بها، أبرزها دعوة الحكومة إلى إعادة الدعم المالي واللوجيستي طبقاً لحجم الجبهات التي يغطيها واحتياجاتها الفعلية المرفوعة عبر اللجان الميدانية لوزارة الدفاع.

كما تستمر القيادة بمطالبة السلطة المحلية في تعز بتفعيل التوجيهات الرئاسية المتضمنة تخصيص جزء من الإيرادات المحلية لدعم المحور، على أمل أن تلقى هذه المقترحات تجاوباً حقيقياً في وقت تزداد فيه حجم التحديات يوماً بعد آخر.

وبالنظر إلى كل ما يحدث لمحور تعز منذ تأسيسه، يمكن تفسير ذلك على أنه أبعد من مجرد إشكاليات إدارية، فهو يرتقي إلى كونه نتيجة لأزمة مركبة تتداخل فيها الاعتبارات السياسية والمالية والمناطقية، تُركت فيها تعز وحيدة لتدفع ثمن صمودها وموقفها البطولي معتمدة على ما تبقى من إرادة المقاتلين لا أكثر.

فهل تدرك قيادة الشرعية اليوم، ما يشكله الجيش الوطني في تعز من أهمية استراتيجية على كافة المستويات؟ في معركة لم تنتهِ بعد مع جماعة الحوثي التي ما تزال تتلقى الدعم الإيراني حتى اليوم.