شعارات العدالة تتهاوى.. ناشطون في تعز يسقطون عند أول اختبار قضائي (تحليل خاص)

شعارات العدالة تتهاوى.. ناشطون في تعز يسقطون عند أول اختبار قضائي (تحليل خاص)

تشير التقارير إلى أن محافظة تعز، جنوب غربي اليمن، نجحت خلال سنوات الحرب في الحفاظ على مساحة ملموسة من حرية الرأي والتعبير، أتاح للصحفيين والناشطين نقد السلطة وسياساتها، في إطار يكفله الدستور والقانون لم نعد نرى مثيله في بقية محافظات الجمهورية. 

شكّل هذا الاستثناء اللافت انعكاسًا واضحًا لإرادة السلطة المحلية وأبناء تعز في التمسك بحقهم الدستوري في التعبير ليغدو شعاع نادر للحريات في بلد يخيم عليها كل أشكال القمع والاضطهاد. 

في المقابل، برزت أصوات وناشطون تصدروا فضاء منصات التواصل الاجتماعي، وتبنوا مطالب إنصاف الضحايا وتحقيق العدالة وفرض هيبة الدولة وسيادة القانون، وهو أمر محمود يعبر عن صحوة المدينة التي رفضت انقلاب الحوثيين قبل عقد من الزمن، ولا زالت تواصل المواجهة حتى اليوم، لكنها رغم الحرب ظل متمسكة بطابعها المدني وتطلعاتها لدولة المؤسسات. 

إلا أن هذا الفضاء المفتوح لم يخلوا من التجاوزات، إذ وجد بعض الأفراد في القضايا العادلة غطاء لتصفية حساباتهم الشخصية بلغة انتقامية، يكيلون التهم والادعاءات دون أدلة مستخدمين خطابا صاخبا عن العدالة يتغذى عن الإثارة لا الحقيقة.

هذا السلوك المقنع بالأخلاق الزائفة قاد إلى ضرورة الاحتكام للقضاء باعتباره ساحة العدالة الحقيقية وليس العالم الافتراضي المليء بالضجيج والمتسلقين الباحثين عن الظهور من جديد بعد أن قذفت بهم المدينة. 

 

تناقض صارخ

 

شخصيات عامة وناشطون برزوا مؤخرا، بخطاب حاد ومباشر يطالب بتطبيق العدالة وضبط المطلوبين ومحاسبة المتنفذين، غير أن تفاعلهم مع الأوامر القضائية في قضايا هم أحد أطرافها كشف عن تناقض صارخ بين ما يدعون إليه وما يمارسونه عمليًا. 

الناشطة أروى الشميري، ومدير ثقافة تعز السابق عبدالخالق سيف، مثالاً لهذا التناقض، إذ اظهرت واقعة استدعائهما على ذمة الإساءة والتشهير بحق اللواء عبدالعزيز المجيدي أركان حرب محور تعز، بزعم تورط أبنائه في قضية قتل، تم الفصل فيها قبل عامين وفقًا لمصدر قضائي. 

بنى الناشطان أروى وعبدالخالق قاعدتهما على أساس المطالبة الصارمة بالاحتكام للمؤسسات الرسمية، معتبرين أن القضاء هو الفيصل، لكن موقفهما من شكوى التشهير كشف عن سقوط مدوٍّ لشعاراتهما، وأثر جملة من التساؤلات حول مصداقية الخطاب الحقوقي الذي يتبنيانه اليوم؟ 

 

امتثال مشروط

 

لم تكتفِ أروى الشميري بالامتثال الهادئ، وربطت امتثالها باللواء المجيدي في محاولة واضحة للمساومة، قائلة: "أنا سأمتثل للقانون ويا ريت يمتثل عبدالعزيز المجيدي للقانون ويسلم أولاده في أسرع وقت". هذه العبارات ذاتها تمثل اتهاما مباشرا لأبناء المجيدي ما يجعلها مطالبة، اليوم ،بتقديم ما يثبت صحة تلك الادعاءات أمام القضاء. 

هذا الامتثال المشروط يتنافى تمامًا مع مبدأ سيادة القانون الذي يفرض على الجميع الاحتكام إليه دون قيد أو شرط، لا ربط العدالة بالمقايضة، كما حاولت تفنيد الاتهامات الموجهة لها بالتشهير، حيث ذكرت في أحد منشوراتها أنها نشرت عن القضية "بناء على كلام أم الشهيد شهاب الدعيس" مشيرة إلى أن الفيديو موجود في أول تعليق.

غير أن هذا التبرير ينهار امام الحقائق التي تؤكد بأن منشوراتها المسيئة، التي تضمنت اتهامات مباشرة وصريحة، كانت قبل الفيديو بأيام، مما يظهر محاولة للتنصل من المسؤولية القانونية، وكأن الملاحقة القضائية بسبب نقلها للقضية وليس لاتهامها المباشر. 

 

رفض وتبرير متأخر

 

لم يختلف موقف عبدالخالق سيف عن موفق أروى الشميري كثيراً، إذ تم استدعاؤه على ذمة القضية ذاتها يوم الأربعاء الماضي 29 أكتوبر، غير أنه لم يتجاوب بحسب المصادر، ولمحو صورة الرفض، عاد سيف بعد يومين من الاستدعاء، ليبرر تأخره في التجاوب بادعاء أن الإشعار وصله مساء الجمعة عبر الواتساب، وهو ما يتناقض مع تاريخ الاستدعاء الذي لا يمكن أن يصدر في يوم إجازة، ويكشف زيف تبريره أن خبر استدعائه كان قد نشر في الإعلام، بما فيه المجهر الإخباري في حينه.

هذا التناقض في القول والفعل يضع علامة استفهام حول نزاهة شعار العدالة التي يرفعها سيف، ويؤكد أن العدالة الحقيقية تبدأ بالامتثال أولاً دون صخب خاصة من قبل أولئك الذين يرفعون شعارات الإنصاف . 

 

صدمة الإجراءات

 

مثلت الإجراءات التي اتبعها البحث الجنائي في تعز، صدمة للناشطَين سيف والشميري، وهي الإجراءات الطبيعية المتبعة قانونيًا مع أي مواطن، ما جعلهما يتفاجأ من أن القضاء لا يقبل بالوساطة أو الضمانات الشخصية البسيطة. 

لقد كشفت تفاصيل التحقيق مع الناشطة أروى الشميري عن مهنية عالية للبحث الجنائي والنيابة، حيث أصرت على تطبيق القانون بحذافيره ورفضت كل محاولات الضغط والوساطة، وفقًا لاعتراف الناشطة ذاتها. 

هذه الإجراءات هي في حقيقتها دليل على أن القضاء لا يعرف المجاملات وأن عمله يُنظم وفق القانون لا العاطفة، إذ أن "الجهات القضائية لا تتأثر بضغوط أو ضجيج الشارع" يقول مصدر قضائي في نيابة تعز. 

ويؤكد المصدر لـ"المجهر" أن عمل النيابة ينظم وفق الأوراق والملفات والمستندات القانونية فقط، مشيرا إلى أن الكثير من نقاشات التواصل الاجتماعي تتناول الإجراءات بطريقة جزئية أو خاطئة. 

وعن مستوى التقدم في الانجاز، يوضح المصدر أن نسبة معالجة القضايا بلغ 80% في العام 2023، ليرتفع في العام الذي يليه إلى 90% تضمنت أكثر من ألف قضية تم النظر فيها من قبل نيابة استئناف تعز. 

 

القانون لا الفوضى

 

قوبلت الخطوة التي اتخذها أركان حرب محور تعز اللواء عبدالعزيز المجيدي، بإشادة واسعة على اعتبار أن اللجوء للقانون والاحتكام لمؤسسات الدولة هو ما يجب أن يقوم به الجميع قادة ومواطنين. 

في السياق، يؤكد محامون أن الإجراءات المتبعة قانونية وسليمة، وأنه "من حق أي شخص أن يتقدم بشكوى ضد آخر في واقعة سب وتشهير، كما أن من حق المشتكى به الحضور للدفاع عن نفسه وتقديم ما يدعم موقفه". 

ويشيروا إلى أن سلطة جمع الاستدلالات لها سلطة إخلاء سبيل المشتكى به متى كانت الواقعة غير جسيمة ولا يخشى منه الهروب، بغض النظر عن صفة أو رتبة المشتكي. 

هذا التأكيد القانوني ينسف محاولات الناشطين لتصوير الإجراءات كـ"مؤامرة" أو استهداف شخصي على خلفية الرأي.

 

توظيف القضايا

 

 إن إثارة قضايا تم حسمها بالفعل كما حدث في قضية الدعيس، لايمثل مجرد تشهير بل يكشف عن توظيف سياسي واضح لقضية تم الفصل فيها قضائيًا قبل عامين. 

وهذه في المجمل يهدف إلى التشكيك في القضاء، فضلا عن استغلال العاطفة لتوجيه اتهامات لشخصيات معينة لأغراض سياسية أو شخصية. 

كما أن استغلال الناشطة أروى الشميري لتفاصيل التحقيق من أسئلة المحقق إلى تعقيدات الضمانة، يعد محاولة لتصوير نفسها كمستهدفة تجري محاولات إسكاتها، وتحويل قضية التشهير إلى قضية رأي عام تتعلق بحرية التعبير. 

هذا التوظيف العاطفي والموقف من الاستدعاء القضائي يكشف عن سقوط كل الشعارات التي يتنغى بها بعض الناشطين، الذين يطالبون بتطبيق القانون ويحاولون التهرب عندما لامسهم.

إن ما يقوم به هؤلاء يُعدّ تحريضًا مباشرًا ضد أبناء المجيدي، وتمهيدًا لارتكاب جريمة بحقهم، أو دفعًا لأطرافٍ ما لارتكابها، أو حتى تغطية على جريمة مستقبلية قد تُنفَّذ ضدهم. 

كما يسعى هذا الخطاب إلى تهيئة الرأي العام وتكوين انطباع مؤيد لأي عملية تصفية قد تطالهم، بزعم أنهم "فارّون من وجه العدالة"، وهو ما يجعل القائمين على هذا التحريض شركاء ومسؤولين عن أي أذى أو جريمة قد تقع بحق المستهدفين.

ثمة فرق جوهري بين الراي والتحريض، غير أن العجيب أن هذا الخلط يأتي من بين من يضعون أنفسهم في مصافي النخب الفكرية والحقوقية، فيكتبون ادعاءات لا أراء ويمارسون محاكمات لا حرية تعبير، فمحاولة تحويل ساحة العدالة الى منصة إدانة مسبقة وتحريض ممنهج يكشف عن حقيقة الأجندة السياسية التي وجدت في القضايا النبيلة مساحة لتعاود الظهور.