المجهر- بي بي سي عربي
تحكم أم عادل قبضتها على قطعة الحجارة الخشنة التي بيدها وتتأهب للدفاع عن نفسها. فهناك كلاب ضالة تتضور جوعا والكثير منها مصاب بداء السعار في الشارع المظلم الذي تمشي فيه.
بهذه الكلمات يفتتح تقرير موقع بي بي سي عربي حديثه حول امرأة يمنية تدعى أم عادل وتعيش في العاصمة اليمنية صنعاء، واصفا خوفها من أن تهاجمها الكلاب في الشارع المظلم، حيث لا إضاءة ولا مصابيح وكل المنازل مغلقة ولن يساعدها أحد، حد قولها.
ويقول التقرير أن ثماني سنوات من القتال بين الحكومة المعترف بها دوليا والمتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على غالبية أنحاء البلاد، كان لها أثر مدمر على سكان البلاد، ولا سيما النساء والأطفال، في بلد يعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم وفيه 21.6 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية بأي شكل من الأشكال.
ويضيف أن الأسر التي تعولها نساء - مثل أم عادل - يواجهن أعلى مستويات من حالة انعدام الأمن الغذائي، حيث تعمل نسبة ضئيلة للغاية من النساء اليمنيات خارج منازلهن، حيث يقدر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن السيدات هن المعيلات الرئيسيات لثلث الأسر التي نزحت عن ديارها بسبب القتال.
ويصف المنزل الصغير لأم عادل قائلا: توجد أغراض أم عادل مكومة على الأرض المغطاة بالتراب. وقد حزمت تلك الأغراض في حقائب تحسبا لأن تضطر وأبناؤها الأربعة إلى أن يرحلوا مرة أخرى، موضحًا: ليس هناك أثاث، لذا ينام أفراد الأسرة على فُرُش موضوعة على الأرض. وليست هناك أية صور على الجدران الصفراء المتقشرة، أو أي من وسائل الراحة المنزلية. إنه ببساطة مجرد ملجأ تحتمي به الأسرة للبقاء على قيد الحياة.
ويشير إلى أن هناك نقصا في سلال الغذاء التي توزعها المنظمات الخيرية، نقلا عن أم عادل التي تقول إنها حصلت على سلة واحدة فقط حتى الآن، رغم أنها حاولت مرات عديدة تسجيل اسمها للحصول على مساعدات، وتؤكد "اضطر إلى البحث عن الحطب لكي أوقد نارا أطبخ عليها الأرز. غالبية الطعام الذي نأكله غير كامل النضج، وهذا كل ما أستطيع إليه سبيلا. كما أن ابني مريض بالتشنجات، وليس بإمكاني تحمل نفقات شراء دواء له".
وتتحدث أم عادل أنها تركت موطنها الاصلي تعز وانتقلت لتعيش في صنعاء، موضحةً أن القوات الحوثية تحاصر المدينة الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية منذ بدء الحرب، ما أدى إلى عزلها عن باقي أنحاء البلاد.
وبحسب التقرير فإن أكثر من 10 ملايين سيدة وفتاة في اليمن كنّ بحاجة إلى تلقي المساعدات في عام 2021 طبقا لإحصائية إحدى المنظمات غير الحكومية الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة في البلاد.
ونقلا عن المحامية والناشطة في مجال حقوق الإنسان من مدينة تعز معين سلطان العبيدي فإن "النساء هن أكثر من تضررن جراء الحرب، والكثير منهن شُردن وفقدن معيلي أسرهن. ويضطر الأهل إلى تزويج بناتهم في سن صغيرة بسبب الموقف المالي الصعب. وقد فقدت الكثير من النساء أبناءهن وأزواجهن أولادهن وإخوانهن. وبالنسبة لهؤلاء اللاتي يعانين في المخيمات، ليس هناك من تعليم أو رعاية صحية كافية".
ويلفت التقرير إن المحامية العبيدي بدت قلقةً على سلامة النساء في حياتهن اليومية وعبرت عن ذلك بقولها "في بداية الحرب، قُطعت إمدادات المياه، لذا اضطرت النساء إلى الذهاب إلى آبار بعيدة عن منازلهن لجلب المياه منها وحملها لأميال على رؤوسهن".
وتضيف المحامية معين أن" قطع إمدادات الغاز، جعل النساء يضطرن إلى السير لمسافات طويلة لجمع الحطب. وفي المناطق الملغمة، فقد العديد من النساء أرجلهن أو أذرعهن في انفجارات، بينما كن يجمعن العصي والحطب كي يوقدن نارا ليطعمن أطفالهن. إنها حرب أتت على كل شيء".
وبحسب التقرير فقد قد قتل أو جرح ما لا يقل عن 109 امرأة في مناطق الرعي والمزارع منذ بداية الصراع في أواخر عام 2014، وفق بيانات جمعتها اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، وهي جماعة مراقبة شكلتها الحكومة بدعم دولي.
وينتقل التقرير للحديث عن الوضع المعيشي والاقتصادي في البلاد عبر لقاءه المواطن مجاهد كمال الذي يمتلك متجرا صغيرا في صنعاء، ويرى أن الموقف أصبح صعبا للغاية بالنسبة لزبائنه، قائلا بأن "الناس هنا فقراء للغاية، ويعانون من الجوع والاكتئاب. نفقات النقل والنفط والضرائب تجعل كل شيء باهظ الثمن إلى درجة يصعب تحملها".
ويؤكد التقرير أن العثور على ما يكفي من الطعام يعتبر أحد أكبر المشكلات التي يواجهها اليمنيون. وخطر المجاعة حقيقي للغاية. يقول برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة إن الاستجابة الطارئة لكارثة اليمن كانت أكبر استجابة للبرنامج على مستوى العالم خلال عام 2022، حيث تم تقديم إما مؤن طارئة أو أموال لشراء الطعام لنحو 13 مليون شخص.
ويوضح نقلا عن مجاهد أن الناس في اليمن يشترون السلع بشكل مختلف الآن: "عادة ما يكون لديهم ما يكفي من المال لشراء طعام يوم واحد فقط. والاحتياجات الأساسية هي فقط ما يستطيعون تحمل ثمنه، سلع مثل القمح والدقيق والزيت والسمن".
ويستعرض التقرير وضع "أم سعيد" امرأة نزحت وأسرتها من منطقة رازح بمحافظة صعدة الشمالية بالقرب من الحدود السعودية، واستقر بها المطاف في صنعاء هي وأولادها الأربعة وبناتها الثلاث، موضحةً أن منزلها تعرض للقصف ودُمر تماما وما بقي هو الرماد والتراب.
وتقول أم سعيد "إننا نعيش بالفعل في رعب كل يوم لأن الكثير من الأماكن في منطقتنا تم استهدافها. لقد فقدنا بيتنا ودكان البقالة الصغير الذي كان يمتلكه زوجي، واضطررنا لبعض الوقت قبل أن نأتي إلى صنعاء إلى العيش في كهوف لجأنا إليها في الجبال"، مؤكدةً بأنها لم تستطع التوقف عن البكاء هي وأولادها واضطروا إلى العيش في الظلام لأن حتى مجرد ضوء شمعة كان يضعهم في دائرة خطر القصف والاستهداف.
وتضيف" في كثير من الليالي ننام بدون تناول وجبة العشاء رقبتي تؤلمني وأجد صعوبة في التنفس، ولكن الشيء الوحيد الذي سيمنعني من السعي لبيع بضاعتي هو الموت"، مشيرا إلى أن بدء الحياة مرة أخرى في مدينة جديدة ترك أم سعيد في أمس الحاجة إلى المال، وجعلها تجد صعوبة بالغة في إطعام أسرتها.
ويوضح أن أولادها يقاتلون في صفوف الحوثيين، وهو ما يعني أنها مضطرة لكفالة أحفادها أيضا، لكنها تكسب مبلغا صغيرا من المال من خلال الذهاب إلى الأعراس لبيع الملابس وأدوات الزينة للنساء المدعوات، لكنها تعاني من بعض المشكلات الصحية، ما يعني أنها لا تستطيع أن تفعل ذلك بالقدر الذي تحتاجه، ومن ثم فإن الدخل الذي يدره عليها هذا العمل ببساطة ليس كافيا.