المجهر- تقرير خاص
تصاعدت مؤخرا ممارسات جماعة الحوثيين ضد أتباع الديانة البهائية في البلاد، وعادت الانتهاكات المرتكبة بحقهم إلى واجهة المشهد الحقوقي بشقيه المحلي والأممي، الأمر الذي أثار ردود أفعال واسعة ومطالبات للجماعة الحوثية بوقف انتهاكاتها بحق الأقلية البهائية.
وفي أواخر مايو الماضي أعاد الحوثيين التذكير بمسلسل الاضطهاد بحق الطائفة البهائية، بعد قيام مسلحي الجماعة باقتحام منزلا يحتضن اجتماعًا للبهائيين، في العاصمة صنعاء.
وأقدم الحوثيين على اختطاف ما يقارب 17 شخصا، ضمن مسلسل متواصل تقوم به الجماعة بحق البهائين امتدادا للممارسات القمعية المتكررة التي كان أبرزها مداهمة الحوثيين في 2016 لمؤتمرا تعليميا للطائفة البهائية في صنعاء واعتقال العشرات بينهم نساء وأطفال .
ومنذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وانقلابها على الدولة والشعب، خاضت الجماعة سلسلة من الإجراءات التعسفية بحق البهائيين، ما بين عمليات اختطاف واعتقال وتشريد ضمن مسلسل الانتهاكات المرتكبة بحق الشعب اليمني بمختلف شرائحه ومكوناته وتوجهاته السياسية والدينية.
ووزعت جماعة الحوثي خلال السنوات القليلة الماضية، على عدد من الطائفة البهائية جملة من الاتهامات الكيدية أبرزها التجسس والردة في محاكمات صورية أجرتها الجماعة بعد سيطرتها على القضاء.
وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش فقد أثمرت الضغوط الدولية في العام 2020م إلى إفراج الحوثيين على ستة من أفراد الطائفة البهائية بعد حجزهم لعدة سنوات، وتم نفيهم قسرا بعد ذلك بحسب المنظمة الدولية.
ومطلع العام 2018، أصدرت محكمة حوثية حكما بحق حامد بن حيدرة بالإعدام، "وهو يمني بهائي قبض عليه لأول مرة، في عام 2013، وتعرض فيما بعد للاحتجاز المطول وسوء المعاملة والتعذيب الشديد من قبل جماعة الحوثي والتي حكمت عليه بالإعدام وهو حكم أشارت ممثلة الديانة البهائية لدى الأمم المتحدة إلى أنه صدر نتيجة تأثير مباشر من الحكومة الإيرانية على الجماعة.
إدانات واسعة
أشارت "هيومن رايتس" مؤخرًا إلى أن البهائيين، طائفة دينية وأقلية في اليمن، تواجه اضطهادا مستمرا على يد الحوثيين في صنعاء وغيرها من مناطق البلاد.
وذكرت الباحثة المختصة بشؤون اليمن والبحرين في المنظمة "نيكو جعفرنيا" أن استهداف الحوثيين الصارخ للبهائيين على أساس معتقداتهم الدينية فحسب هو انتهاك واضح لحقوق الإنسان الخاصة بهم ويتعين على الحوثيين الكشف فورا عن وضع البهائيين المحتجزين ومكان وجودهم، والإفراج عن كل من اعتُقل لمجرد ممارسته السلمية لدينه، واحترام حقوق جميع اليمنيين في حرية التعبير والمعتقد.
وعلى الصعيد المحلي حملت رابطة أمهات المختطفين والمخفيين قسرا، جماعة الحوثي مسؤولية حياة 17 شخصا بهائيا بينهم 5 نساء .
وأدانت الرابطة ما تتعرض له الطائفة البهائية من انتهاكات ممنهجة ومستمرة آخرها حادثة الإخفاء القسري الاخيرة كما أعربت عن مخاوفها إزاء المصير المجهول لهؤلاء المختطفين والذين من المتوقع أن يتعرضوا للتعذيب من قبل الجماعة للإدلاء بإعترافات في قضايا لم يرتكبوها.
تحريض ممنهج
قابلت جماعة الحوثي جماعة تلك الردود الغاضبة والتنديد المحلي والدولي، بمزيد من التحريض والترويع والانتهاكات الجسيمة.
وهو ما بدا واضحًا في خطبة الجمعة التي ألقاها مفتي الجماعة، شمس الدين شرف الدين مطلع يونيو الجاري وادّعى فيها أن الطائفة البهائية مدعومة من قوى أجنبية، واتهمها بالتآمر لإلحاق الأذى بالبلاد كما روج للكثير من المعلومات المظللة .
ووصف البهائيين بأنهم "خطرون"، متهما إياهم بخداع الشعب سرا، وإفساد الشباب والشابات كما شن المفتي "هجمات لا أساس لها" على أخلاق البهائيين، مستهدفا أسرهم وأمورهم المالية.
عملية تحريض ممنهجة أثارت مخاوف الممثلة الرئيسية للطائفة البهائية الدولية لدى الأمم المتحدة، التي أعربت عن قلقها العميق من النوايا الحوثية الكامنة وراء مثل هذه الخطابات "الحاقدة".
وتعد مثل هذه الخطابات الدينية وحملات التحريض الممنهجة امتداد لخطاب الكراهية الذي وجهه زعيم الجماعة الحوثية عبد الملك الحوثي، والذي وصف البهائيين في العام 2018 بأنهم حركة "شيطانية" تشارك في حرب ضد الإسلام وهي نسخة مكررة لخطاب إيران ضد البهائيين على مدى السنوات الـ44 الماضية.
وأكدت تلك التحركات أن الحوثيين يصرفون الانتباه عن القضايا الملحة في البلاد من خلال تكرار تلك الاتهامات البالية.
تهم كيدية
يتحدث حمزه يحيى الجبيحي -صحفي ومعتقل سابق في سجون الحوثيين- لـ"المجهر" عن العديد من المعتقلين البهائيين الذين عرفهم خلال فترة اعتقاله وحضر بعض جلسات محاكمتهم.
ويوضح الجبيحي بأنه تعرف على خمسة معتقلين من الطائفة البهائية أحدهم كان قبل انقلاب الجماعة على السلطة الشرعية مستشار تخطيط في وزارة الاشغال العامة والثاني ضابط في القوات المسلحة فيما الثالث كان يزاول أعمال حرة وتم اعتقالهم من قبل جماعة الحوثي لأنهم يعتنقون الديانة البهائية.
وينفي الجبيحي صحة الادعاءات التي توردها جماعة الحوثي بأنها اعتقلت البهائيين غيرةً على الإسلام، موضحًا بأنه حضر جلسة محاكمة بنفس موعد جلسة محاكمة المعتقلين البهائيين وكان من بين التهم التي وجهها القاضي الحوثي لهم "أنهم يدعون الى السلام في زمن الحرب ويثبطوا همم الشباب من القتال مع جماعته".
وبحسب مصادر مقربة من أفراد الطائفة البهائية فإن من الأسباب الرئيسية التي تجعل أتباع الديانة البهائية موضع استهداف من قِبل الحوثيين هي حبهم للسلم والحياة بسلام ورفضهم للسلاح والمظاهر المسلحة ورفضهم للحرب كما أنهم أناس يحملون قيم المدنية ولا يؤمنوا بالحرب وقوة السلاح وتتناقض أفكارهم مع الفكر السلالي والمعتقدات العنصرية والطائفية للجماعة وثقافة الموت والدمار التي تؤمن بها.
البهائيون.. من هم؟
تعود جذور الديانة البهائية إلى القرن التاسع عشر في إيران ويدعوا أتباعها إلى الوحدة والمساواة بين كل الشعوب.
كما يؤمنون بتعاليم بهاء الله، المولود في إيران عام 1817، ويعتبرونه أحد أنبياء الله وآخرهم. ويعد أتباعها بالملايين في العالم، ويقدر عددهم في إيران بنحو 300 ألف.
وتعد الديانة البهائية ديانة جديدة نسبيًّا على اليمن كونها وصلت إلى المناطق الساحلية والجزر اليمنية في منتصف القرن التاسع عشر ويقدر حاليًا عدد أتباع الديانة البهائية في اليمن بنحو ألفي بهائي، حسب البهائيين أنفسهم.
وقبل اندلاع الحرب في البلاد اعترفت الدولة اليمنية جزئيًّا بالديانة البهائية، ما مكن أتباعها من الحصول على وثائق رسمية.
وظل ذلك ممكنًا حتى انقلاب الحوثيين على السلطة عام 2014م إصدار شهادة ميلاد لطفل بهائي في صنعاء وتسجيل ديانته الأصلية، وسجلوه كمسلم.
عداء مستورد
وتعد الممارسات الحوثية ضد البهائيين امتداد لممارسات النظام الايراني حسب الجامعة البهائية والتي ذكرت مؤخرا في بيان أن البهائيين اتهموا في عدة مناسبات من قبل السلطات الدينية والسياسية، الحوثية والإيرانية، بارتكاب مجموعة من التجاوزات الأخلاقية والمالية الفاضحة، إلا أنه لم يتم تقديم أي دليل على الإطلاق لإثبات مثل هذه الادعاءات الخطيرة.
يعتقد الكاتب والباحث اليمني عبدالله اسماعيل في حديثه لـ"المجهر" بأن ممارسات جماعة الحوثي ضد البهائيين تنطلق من تكوين الجماعة الفكري سواء في الوقت الحاضر أو الممتد تاريخيًا.
ويضيف بأنها جماعة ذات فكر منغلق و لا تؤمن بالآخر ولا تؤمن بالتنوع وتريد أن تفرض وجهة نظرها أو فكرها على الجميع وبالتالي هي تعادي اليمنيين المختلفين معها بشكل عام وبالخصوص جماعة البهائيين وأمثالها.
ويوضح إسماعيل بأن المنطلق الآخر لممارسات الجماعة ضد البهائيين فهو علاقة الجماعة بإيران ومن هذا المنطلق فإن جماعة الحوثي تعادي من يعادي إيران وتسالم من يسالمها ومن المعروف أن إيران تحارب الطائفة البهائية بشكل كبير وبالتالي فإن العداء الحوثي للطائفة البهائية يأتي من واقع علاقة الحوثيين بطهران.
وبحسب الكاتب عبدالله إسماعيل فإن جماعة الحوثي تقوم بإضطهاد أتباع الطائفة البهائية نيابة عن إيران، موضحا أن الجميع أمام مشهد متكرر و عبثي يؤكد أن الجماعة الحوثية ليس لديها أي قدرة على القبول بالآخر والتعايش معه.
ويردف قائلا "هي جماعة عنصرية وتحاول فرض المنهج الذي تنتهجه على الجميع تحت مبرر ادعائها بأنها تمثل الله وتمثل دينه في الأرض وهذا هو المنطلق الثالث للمليشيا والتي تنطلق من رؤيتها لمسألة التدين وتريد أن تفرض رؤيتها الدينية على الجميع. .
ولا تمارس جماعة الحوثي الحبس والمطاردة والملاحقة وغيرها من الانتهاكات ضد أبناء الطائفة البهائية فحسب بل تمارسها ضد جميع من يخالفونها وضد جميع اليمنيين .
أموال البهائيين وأطماع الحوثيين
يقول الصحفي سلمان المقرمي لـ"المجهر" إن جماعة الحوثي تقوم على الفكر الزيدي الجارودي، وهذا الفكر يكفر كل من يعترض على مبدأ الإمامة التي تحصر الحكم والعلم والمال والمكانة التي تحصرها الجماعة بنسل فاطمة بنت محمد.
ويشير إلى أنه "من هذا المبدأ تهاجم مليشيا الحوثيين كل من لا يؤمن بهذا الفكر و أقدمت المليشيا خلال العقدين الماضيين على قتل عشرات آلاف الناس الذين تكفرهم، وزرعت ملايين الألغام لقتل المدنيين في مختلف المناطق التي تعتقد المليشيا أنها لا تؤمن بأفكارها ومعتقداتها حسب المقرمي".
ويوضح المقرمي" المليشيا قتلت وهاجمت معظم المكونات اليمنية، بجميع توجهاتها الفكرية، حتى تلك التي حالفتها يوما ما، ولم تعنتنق فكرتها ولهذا هي تهاجم البهائيين، وتكفرهم صراحة، وتتوعد بإبادتهم رغم أن البهائيين لم يرتكبوا أي فعل مناهض لمليشيا الحوثيين ، لكن المليشيا تعتقد كما في إيران، بأن البهائيين خطر شديد على المذهب ونظام الحكم الإمامي الحوثي".
ويضيف المقرمي "مليشيا الحوثي تسعى من جانب آخر نحو السيطرة على مليارات الريالات من التجارة التي يملكها البهائيون، وقد صادروا أموال عدد منهم ونفوا الكثير أيضا، ويختطفون عددا منهم".
ويؤكد المقرمي بأن جماعة الحوثي" مليشيا منظمة ترتكتب جرائم بشعة بغطاء ديني، ولها دعم إقليمي من إيران، وتربطها مصالح مع عدة جهات دولية وإقليمية تمكنها من ممارسة جرائمها البشعة بحق كل المخالفين لها فكريا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، دون أن تلقى إدانة واضحة.