المجهر- تقرير خاص
يلخص استمرار الحصار المفروض على مدينة تعز من قبل جماعة الحوثي حجم الكارثة الإنسانية التي يعانيها المواطن اليمني في الحصول على أبسط حقوقه في الحياة.
ويكشف هذا الحصار كمية الحقد والكراهية التي تحملها هذه الجماعة السلالية ضد أبناء تعز ومسيرتهم النضالية في وجه المشروع الكهنوتي للحوثيين الذراع الإيراني في المنطقة.
استغلال إنساني
تعيش مدينة تعز أكثر من ثلاثة ألف يوم تحت الحصار، وهذا يمثل عقاب جماعي تمارسه جماعة الحوثي ضد أبناء المدينة الذين يجدون صعوبة في السفر والتنقل من وإلى بقية المدن والمحافظات اليمنية لا سيما نقل الحالات المرضية، إلى جانب صعوبة الحصول على أبسط الخدمات المعيشية بما في ذلك دخول المواد الغذائية إلى المدينة.
وتصر قيادات الحوثيين على استغلال ملف طريق تعز لأغراض سياسية وعسكرية رغم أنه يُعد ملفًا إنسانيًا واضحًا وهو كذلك وفق الأعراف والقوانين الدولية.
وكان عضو ما يسمى بالمكتب السياسي الأعلى لجماعة الحوثي سلطان السامعي، زعم أن جماعة الحوثي قامت بفتح طريق فرعي، مشيراً إلى أن الطرف الآخر المتمثل بالشرعية لم يستجب لذلك.
وقال السامعي في تغريدة على حسابه في "تويتر" إن جماعة الحوثي " فتحت طريق (الستين – الخمسين - مدينة النور) في مدينة تعز لتسهيل خروج ودخول المواطنين لكن الطرف الآخر رفض".
ولمعرفة الرد من جانب الحكومة الشرعية حول حيثيات الموضوع، ذكر عضو فريق التفاوض الحكومي لفتح طرق تعز نبيل جامل، أن المبعوث الأممي هانس غروندبرغ طرح في يونيو/ آيار من العام الماضي، مقترح فتح طريق سوفتيل وكان هناك ضغط دولي نوعًا ما لفتح هذا الطريق.
وقال نبيل جامل في حديثه لـ"المجهر" إن "الحوثي لجأ في نفس الشهر إلى شق طريق فرعي مستحدث والذي يسميه طريق الستين الخمسين للتهرب من الضغوط الدولية عليه من أجل فتح طريق رئيسي واحد على الأقل من طرق وممرات تعز المعروفة".
وأضاف جامل: " في الأساس لا يوجد خط تحت هذا المسمى، والحوثي قام بشق طريق ترابي جديد يربط بين الستين والخمسين باتجاه مدينة النور ويمر عبر موقع الدفاع الجوي والذي يُعد موقعاً عسكرياً حساساً بالنسبة لمدينة تعز".
ويرى جامل، أن الأجدر بالحوثي هو الذهاب لفتح طريق الستين عصيفرة وصولاً إلى المدينة بدلا من الذهاب إلى طُرق أخرى ملتوية ولها مخاطر عسكرية كونها تمر عبر مواقع تشهد مواجهات مسلحة ما يجعلها خطراً على حياة المدنيين.
مفاوضات مزدوجة
في سياق مختلف، كشف مصدر مطلع لـ"المجهر" عن وساطة محلية تصدَّرها كل من؛ صادق أمين أبو رأس وذكريا الضباب ومحمد عبدالله عثمان وجابر الوهباني.. وأخرين.
وأوضح المصدر – الذي رفض ذكر اسمه – أن " أعضاء الوساطة وعدوا لجنة التفاوض الحكومية بالحصول على موافقة لفتح طريق مصنع السمن والصابون باتجاه المدينة لكن دون تنسيق مسبق". مشيرا إلى أن جماعة الحوثي رفضت المقترح كونه يمثل خطرا عسكريا عليها من اتجاه طريق منطقة غراب.
وأضاف أنه " لم يحصل أي نقاش حول الطريق الترابي التي تم شقها" مفيداً أن الكلام الذي أورده سلطان السامعي، على حسابه في تويتر كان " من أجل وضع مخرج للوسطاء الذين نزلوا من صنعاء ولم يحققوا أي نجاحات".
ولفت المصدر المطلع على سير المفاوضات إلى أن مليشيات الحوثي " قامت بشق طريق ترابي لتوصيل الستين بالخمسين وصولاً إلى مدينة النور بدلاً من مروره بمفرق شرعب بهدف إبعاده عن طريق مصنع السمن والصابون ومدخل منطقة غراب".
وفي حقيقة الأمر، تحاول جماعة الحوثي اقناع المجتمع الدولي بتجاوبها فيما يتعلق بفتح الحصار عن تعز من خلال شق طريق فرعي ترابي، رغم أنها غير مدرجة ضمن المقترحات الرئيسية التي تم مناقشتها في المفاوضات الأممية خلال الفترة الماضية.
اقرأ أيضا: تعز.. حصارٌ ومعاناة وغيابٌ في المفاوضات
تعنت الحوثيين
مرت المساعي الأممية والمحلية لفتح الطرق في مدينة تعز بعدة مراحل، وكلها تعرقلت بسبب تعنت جماعة الحوثي لفتح أي طريق رئيسي إلى المدينة.
ويعلم المتابع للمفاوضات الجارية بهذا الخصوص أن مكتب المبعوث الأممي طرح في مقدمته لمجلس الأمن في يوليو/ آيار من العام الماضي، مقترحاً لفتح طريق (سوفتيل – محطة الجهين – كلابة – الصفا – زيد الموشكي) وصولاً إلى وسط المدينة.
وأفاد عضو فريق التفاوض الحكومي لفتح طرق تعز نبيل جامل، بأن " هذا المقترح لفتح طريق واحد هو من أجل بناء الثقة ثم فتح بقية الطرق" مشيرا إلى أنه كان المقترح الأنسب لكن الحوثي رفض الموافقة عليه.
ويبين جامل، أن المخاوف العسكرية التي يتحدث عنها الحوثي في طريق سوفتيل تكاد تكون شبه منعدمة، مضيفاً أن طرف الحكومة الشرعية وافقت على فتحه رغم أنه يحقق كثيراً من مصالح الحوثيين.
وفي مايو/ آيار من العام الماضي قدمت لجنة التفاوض الحكومية لفتح طرق تعز مقترحاتها في المفاوضات التي جرت في العاصمة الأردنية عمان، وقال عضو اللجنة نبيل جامل، إن " الفريق المفاوض ركز على فتح خمس طرق رئيسية تربط محافظة تعز بالمحافظات الأخرى وهي التي كانت مفتوحة قبل اجتياح جماعة الحوثي لمحافظة تعز".
وأوضح جامل، أن آخر مقترح تم إرساله من قبل لجنة التفاوض هو فتح طرق في الجانب الشرقي من جولة القصر، سواء طريق سوفتيل أو طريق جولة القصر صالة، مضيفا أن هناك مقترحات أخرى قدمتها لجنة التفاوض الحكومية، وهي "طريق الستين الذي يصل إلى سوق عصيفرة ومنها إلى مدينة تعز، وأيضاً طريق مصنع السمن والصابون المطار القديم بيرباشا".
وأشار جامل، إلى أن لجنة التفاوض أصدرت بهذه المقترحات بيانا أرسلته لجماعة الحوثي عبر وسطاء محليين، مشيراً إلى أن اللجنة لم تتلقى أي رد من قبل الحوثيين حتى اللحظة.
وفيما يتعلق بجولات التفاوض الأممية حول فتح طرق تعز ذكر نبيل جامل، أن جولات التفاوض متوقفة حالياً، مبيناً أن " ذلك يترتب على نتائج المحادثات التي تتم بين الأشقاء السعوديين وجماعة الحوثي".
تداعيات الحصار
تنعرض مدينة تعز لأسوأ حالة إنسانية بسبب الحصار الذي فرضته جماعة الحوثي على المدينة، وقالت وزارة حقوق الإنسان في الحكومة الشرعية، إن استمرار صمت المجتمع الدولي لم يعد مقبولا إزاء الحصار والجرائم التي ترتكبها مليشيا الحوثي بحق المدنيين في مدينة تعز من قصف وقنص وهجمات متعمدة بأنواع الأسلحة.
وأكدت في بيان لها، السبت، على ضرورة "تذكير الضمير العالمي الحر وهيئات المعاهدات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بالمعاناة الإنسانية المستمرة التي تعيشها عشرات الآلاف من الأسر وعلى وجه أشد الأطفال والنساء في مدينة تعز جراء الانتهاكات الممنهجة التي ترتكبها ميليشيا الحوثي بحق المدنيين".
من جهتها استعرضت السلطة المحلية بمحافظة تعز في مؤتمر لها، الخميس الماضي، آثار الحصار الذي فاقم من معاناة المواطنين في المدينة.
وأفاد محافظ محافظة تعز نبيل شمسان، خلال المؤتمر، بأن الحصار تسبب بتدمير 50 % من شبكة الطرق وارتفاع تكلفة السفر بسبب طول المسافة إلى 1000 % إلى جانب ارتفاع أسعار البضائع بنسبة 35% عن المناطق المحررة بسبب الحصار.
وأضاف شمسان، أن الحصار تسبب بحوادث مرورية بلغت 481 نتج عنها 374 حالة وفاة و966 حالة إصابة، كما شكل عائقاً أساسيا أمام توفير الخدمات الصحة للمدينة.
وضمن الفعاليات الرسمية والشعبية التي جرى تنظيمها بمناسبة مرور 3 ألف يوم على الحصار، افتتح وكيل أول محافظة تعز الدكتور عبدالقوي المخلافي، معرض صور في حي الجحملية للتذكير بجرائم مليشيات الحوثي الإرهابية بحق أبناء محافظة تعز.
وخلال الافتتاح، قال الدكتور عبدالقوي المخلافي، إن مليشيات الحوثي وضعت تعز تحت حصار مطبق من خلال تمركزها في التباب المطلة على المدينة ولجأت إلى استهداف المدنيين بشكل مباشر ويومي بالقذائف والأسلحة المختلفة.
كما نظم أبناء مدينة تعز، السبت، وقفة احتجاجيه بالقرب من المنفذ الشرقي لمدنية تعز للمطالبة برفع الحصار عن المدينة، ورفع المحتجون شعارات تطالب بإنهاء الحصار مطالبين المجتمع الدولي بالضغط على مليشيات الحوثي لفتح الطرقات وإدراج المتورطين بقضية الحصار في قائمة العقوبات.
من جانبها، دعت 28 منظمة الأمم المتحدة والمبعوث الأممي هانس غروندبرغ، بتحمل مسؤوليتهم الانسانية والقانونية تجاه أبناء محافظة تعز برفع الحصار عنهم وإيقاف الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها جماعة الحوثي بحق المواطنين في تعز، مشددة على ضرورة تطبيق القرارات الأممية الصادر ضد جماعة الحوثي المسلحة.
واقع مفروض
في حين تستمر جماعة الحوثي بمحاصر مدينة تعز عبر الطرق الرئيسية التي ترفض فتحها، يتفق كثير من الحقوقيين والمحللين السياسيين والعسكريين على أن جماعة الحوثي تهدف من خلال الطريق الفرعية التي قامت بشقها إلى فرض واقع بغلاف إنساني لتحقيق أغراض عسكرية.
ويرى مراقبون أن تشكيل لجنة من قبل الحكومة الشرعية وتفاوضها مع الحوثيين على فتح الطرقات يُعد تصرفاً خاطئاً، لأن الحوثي هو من أغلق الطرق الرئيسية وبالتالي يجب أن يقتصر دور الشرعية فقط على المطالبة بفتح الطرق الرئيسية والضغط في سبيل ذلك، بالإضافة إلى ترتيب الجانب الأمني والعسكري عند الشروع بفتحها من قبل الحوثيين.