المجهر- تقرير خاص
تزايدت في الآونة الأخيرة، حدة التوتر بين قيادات ووجهاء تابعة لعضو المجلس الرئاسي العميد طارق صالح في مديريات الساحل الغربي لتعز، وقبائل الصبيحة في سابقة خطيرة شهدت خطوات تصعيدية تجسدت في تبادل الاتهامات والتهديدات بين الطرفين .
فمن جهة تحاول قوات حراس الجمهورية التابعة لطارق صالح فرض هيمنتها في إطار النطاق الجغرافي المرتبط بمديريات الساحل الغربي لمحافظة تعز تحت مبرر أنها ضمن مسرح عملياتها العسكري والجغرافية على حساب القوات المسيطرة عليها حاليا، وذلك لأغراض متعلقة بالإيرادات .
وفي المقابل، تعتقد قبائل الصبيحة أن لها الحق في السيطرة على هذه المناطق الساحلية بحكم أنها تحررت من سيطرة الحوثيين على يد أبناء الصبيحة، ولا يمكن أن تقبل التفريط بتلك المناطق بما تشكل لها من أهمية في إبقاء نفوذها للاستفادة من الإيرادات وعمليات التهريب التي تمر عبر تلك المناطق المشرفة على جيبوتي ودول أفريقية أخرى .
صراع النفوذ
تنتهي اليوم الثلاثاء الموافق 1 أغسطس 2023م المهلة التي حددتها قبائل الصبيحة لخروج قوات طارق من مناطقها وخلال هذه الفترة تدخلت وساطة عسكرية وقبلية بقيادة رئيس اللجنة العسكرية والأمنية التابعة لمجلس القيادة الرئاسي اللواء هيثم قاسم، إلا أن الوساطة لم تحقق أي نتيجة تذكر.
وأفاد الناطق الإعلامي لجبهات وقبائل الصبيحة أحمد عاطف الصبيحي، الثلاثاء، بأن المزيد من الحشود القبلية تتوافد إلى قرب باب المندب بعد انتهاء المهلة التي حددها بيان قبائل الصبيحة.
ودعا عاطف، في منشور له على منصة "فيسبوك" قبائل الصبيحة من كرش إلى باب المندب إلى الالتحام بالحشود القبلية المسلحة استعدادا للخطوة التصعيدية ضد قوات طارق.
وقال الناطق الإعلامي إن " قبائل الصبيحة تحمل قيادة التحالف العربي في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مسؤولية ما ستؤول إليه الأمور من مواجهات داميه في حال عدم انسحاب قوات طارق من المواقع المستحدثة".
وتأتي موجه التصعيد هذه نتيجة خلافات بين قيادات محسوبة على عضو المجلس الرئاسي العميد طارق صالح، ومشايخ وقيادات تابعة لقبائل الصبيحة بقصد تصفية حسابات بين الطرفين .
وأوضح مصدر مطلع لـ"المجهر" أن "الخلافات بدأت بسبب قيام طارق صالح ببناء منشئات مقابل مضيق باب المندب، بما في ذلك ميناء ولسان بحري ومعسكر دفاع ساحلي كما يخطط لبناء مدينة سكنية في المنطقة".
اقرأ أيضا: حضور الدولة في لحج.. هل يضع حدا للانفلات والتهريب؟
تبادل الاتهامات
تصاعدت الخلافات قبل أكثر من عام بعد أن قام العميد طارق صالح بافتتاح محطة لتحلية المياه في منطقة العرضي التابعة لمديرية ذوباب والقريبة من مديرية المضاربة ورأس العارة، بعد الاتفاق مع قوات اللواء 17 عمالقة المتواجدة هناك. وفقاً لمصدر قبلي .
وقال المصدر لـ"المجهر" إن طارق قام بإرسال قوات تابعة له لحماية المكان الذي يقام فيه العمل، قبل أن يبدأ بإرسال المعدات والآليات الخاصة بالعمل .
وأضاف " في الأسبوع الماضي جاءت قوة تابعة لطارق صالح قوامها خمسون جندي إلى منطقة العرضي ما أدى إلى اعتراض قوات اللواء 17 عمالقة ومنعتها من نصب الخيام أو استحداث أي عمل".
على إثر ذلك، دعت قبائل الصبيحة أبنائها ومشايخها وقياداتها إلى النكف القبلي والاحتشاد المسلح نحو باب المندب، من أجل ما أسمته الدفاع عن تاريخ الصبيحة ضد كل من يعتدي على مناطقها.
وأعلنت قبائل الصبيحة في بيان لها، السبت الماضي، منح قوات طارق صالح مهلة 72 ساعة لمغادرة منطقة العرضي، وهددت بإخراجها بقوة السلاح في حال لم تنسحب خلال المهلة المحددة.
وسرعان ما ظهرت ردود الفعل من الطرف الآخر نظرًا لخطورة الموقف، حيث أعلن مشايخ ووجهاء وأعيان قبائل ذوباب المندب وموزع والوازعية والمخا، في اجتماع لها الأحد الماضي، رفضها لأي تجمعات مسلحة في أراضيها.
وفي بيان صادر عن الاجتماع، اعتبر أن عقد اجتماع مسلح باسم قبائل الصبيحة في أراضي قبيلة الحكم وباب المندب هو اعتداء على مناطقها ومحاولة لجر القبائل إلى صراع اجتماعي لا يخدمهم ولا يخدم قبائل الصبيحة.
وأكد البيان على رفضهم لمخرجات الاجتماع القبلي للصبيحة ووقوفهم صفًا واحدًا لمواجهة أي تحركات مشبوهة داخل مناطقهم تحت أي مسميات كانت، مشيرين إلى أنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي تجاه أي استفزازات في أراضيهم من أي تجمعات مسلحة خارج القوات المشتركة.
وحمل البيان "السلطة المحلية والأجهزة الأمنية كامل المسؤولية لمنع مثل هذه التصرفات العبثية، ونبارك أية خطوة أو تنقلات للوحدات العسكرية والأمنية تقرها قيادة القوات المشتركة في مسرح عملياتها العسكري".
من جهتها، اعتبرت تجمعات قبلية من أبناء ذوباب وباب المندب والعرضي وموزع، أن البيان تصرف فردي ولا يمثلهم، مؤكدين تضامنهم مع تحركات قبائل الصبيحة.
وأضافت في بيان لها أنها ستكون مع قبائل الصبيحة يدا بيد من أجل ردع كل من يحاول التدخل في مناطق عسكرية تحررت على أيدي ابطال الصبيحة بتضحيات كبيرة .
معركة إعلامية
خلقت هذه الخلافات ردود سياسية وإعلامية متباينة من مؤيدي الطرفين على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف الدفاع على تصرفات ومواقف كل طرف .
ويرى الصحفي نبيل الصوفي المقرب من العميد طارق صالح، أن " هناك من يدفع باسم الصبيحة في صراعات إعلامية، بالأمس كانوا يهددون باسمها جنوباً، واليوم يحرضونها شمالاً".
ويؤكد الصوفي أن مسرح عمليات القوات المشتركة في الساحل الغربي هو في محافظتي تعز والحديدة، وهي منتشرة من باب المندب وحتى حيس والتحيتا شمالاً، وجنوباً داخل محافظة لحج من باب المندب وحتى عدن.
وأوضح الصوفي في تغريدة له على "تويتر" أن ما حدث من قبل قيادات محسوبة على الصبيحة هو مجرد شحن إعلامي لا يعبر عن القبائل ولا عن مشايخها.
وأضاف أن "القبائل في هذه المناطق تعرف حدودها، لا الصبيحة تشتي أراضي العنبري والمعيبي، ولا في حد يفكر حتى بشبر داخل مناطق الصبيحة".
وأشار إلى أن مدينة المندب وجبل الشيخ سعيد هي داخل حدود محافظة تعز منذ ستينيات القرن الماضي، فيما تنتشر الصبيحة في مديريتي المضاربة ورأس العارة.
من جهته، أشار الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور حسين لقور، أن حدود جنوب اليمن مع الشمال لا تقبل القسمة من رأس جبل الشيخ سعيد في باب المندب غرباً إلى صحراء الربع الخالي شرقاً.
وذكر في تغريدة له على "تويتر" إن الاتفاقات المتعلقة بترسيم الحدود ليست خاضعة لأي تلاعب من قبل أي طرف، مشيراً إلى أنها موثقة دولياً ويعرفها الجميع.
في السياق، رد رجل الأعمال الشيخ عصام هزاع الصبيحي، على ما اعتبرها إساءة من قبل العميد طارق صالح في محاولته التوغل بمناطق الصبيحة.
وقال الشيخ عصام، في تسجيل صوتي استمع إليه "المجهر" إن طارق صالح طلب من مسؤولين وتجار في جيبوتي لتحويل قوارب نقل البضائع إلى المخا بدلا من رأس العارة، موضحاً أن الرد كان أن "ذلك غير ممكن الا في حال تم إيقاف ميناء رأس العارة".
وأضاف عصام " كنا نعتقد أن طارق رجل تنمية وفيه روح الدولة لكن أتضح أنه يريد الاستحواذ على إيرادات الساحل".
ووجه الشيخ رسالة شديدة اللهجة للعميد طارق صالح، حذره فيها من تصديره نفسه إعلامياً أنه سيحمي باب المندب والجزر التي في باب المندب والملاح الدولية، واصفا هذا التصرف أنه "لقمة سوف تخنقك".
تداعيات الصراع
تزداد المخاوف من تأثير هذه الصراعات على حركة المياه الإقليمية في مضيق باب المندب الذي يعتبر طريقاً رئيسيا لعبور السفن التجارية، وتندرج هذه المخاوف ضمن حسابات الأطراف الإقليمية الضالعة في المنطقة.
في حين يرى مراقبون أن هذا التصعيد تدفع به أطراف سياسية داخلية وخارجية لتأجيج الصراعات حول ملف الوحدة اليمنية باستخدام أدوات قبلية من الجانبين الشمالي والجنوب
اقرأ أيضا: تعز: المخا.. مسرح للعبث في أراضي الدولة برعاية رسمية (تحقيق خاص)